عزف منفرد - ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب الأليم

﴿ الحلقة الخامسة
 
 
 
شبكة المنصور
سلام الشماع
يعرّف صاحب معجم الأساطير الأميركية عبدالستار الراوي الطائفية، بأنها “ضرب من الوعيّ الزائف”، وأنها “تغليب (الفرع) على الأصل، على حساب (المواطنة)، وهي أيضاً “إعلاء شأن (جماعة) على أخرى”، و “الانحياز لجزء دون (الكل)”، و “الولاء الأعمى لـ (مذهب محدد بعينه)، و (جغرافية مخصوصة)”.


والطائفية ذات وجه واحد لدى هذه الجماعة أو تلك، ليس صحيحاً أنها تقتصر على مذهب دون آخر، والطائفيون من كلا الطرفين يغلبون المصالح الجزئية/ المذهبية/ الحزبية/ المناطقية/ على المصلحة الوطنية، أو مصلحة البلاد (العامة)، ومنظرو الطائفية مسؤولون عن ترويج المفاهيم المثيرة الداعية إلى (تجزئة) البلاد، وتصنيف المواطنين من حيث الأنانية: (هذا لي، وهذا لك) – بالضد تماماً من روح الـ (نحن) أو (المواطنة)، ومن حيث التقسيم: أو ما عرف بـ (المحاصصة)، وهو ما جلبته أحزاب الاحتلال ودعاة (العراق) الجديد الذي قدم نموذجه (مجلس الحكم الانتقالي)، ومن حيث تأكيد ألفاظ مبتدعة هي من صنع المحتل والمتعاونين معه وتخطيطهم، نحو: (المكونات)، (الألوان)، (الأطياف)، (المذاهب)، (الأديان)، (القوميات) إلخ، وقد عكس ما تقدم (دستور العراق الجديد)، الذي سعى المشرفون عليه والمشاركون في صياغة مواده إلى محاولة (تكريس) المفاهيم الانقسامية، ثم من حيث إقحام (المؤسسات) الدينية في الحياة السياسية، وفي صياغة القرار السياسي، والسياستين الداخلية والخارجية، والعمل لتأكيد دورها في حاضر البلاد ومستقبل الوطن، ما يمنح هذه المؤسسات (تفويضاً) دستورياً، بوصفها (سلطة) ما فوق السلطة الزمنية، ومثل هذا النهج يفضي بالضرورة إلى إيجاد ظروف مساعدة لتكريس ما يدعى بـ (مرجعيات) متناحرة أو متقابلة ومتقاطعة بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد، ومن حيث الاستخدام الطائفي الذميم لألفاظ ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب الأليم نحو المدخلات الآتية: الروافض ويقابلهم النواصب، أتباع أهل البيت ويقابلهم أتباع المصطفى، الجنوب تقابله الغربية، شيعة الجنوب يقابله المثلث السني، جماعة علي تقابلها جماعة عمر، الائتلاف الشيعي تقابله جبهة التوافق، المجلس الأعلى يقابله الحزب الإسلامي، الرصافة يقابلها الكرخ، فيلق بدر يقابله فيلق عمر، الشعلة تقابلها الغزالية، (منطقتان متجاوتان شمال غرب بغداد الأولى تسكنها أغلبية شيعية والثانية تسكنها أغلبية سنية)، ومدينة صدام تقابلها الأعظمية شمالي بغداد، ويصح على هاتين المنطقتين أيضاً الوصف السابق للشعلة والغزالية. ثم من حيث التآمر على وحدة العراق، وتحويل السياسات إلى حزبين طائفيين، يختزل العراق العربي إلى (روافض) و(نواصب)!، وهذه كلها تمت محاولة ترسيخها بجهود هائلة بذلتها قوات الاحتلال والعصابات التي أطلقتها هذه القوات.


وكانت مخرجات الطائفية، كما أوردها المعجم: استبدال الوطن بالطائفة، وتغيّيب جوهر (المواطنة)، وتفكيك عرى الوحدة الوطنية، والتهجير الطائفي (المتبادل)، وهجرة الشعب العراقي، وإنزال عقوبة الموت بـ (المواطن العراقي)،على أساس طائفي (الاسم)، (اللقب)، (المكان)، (الإقامة)، والجثث (المعلومة) الهوية في الطرقات، والخطاب السياسي الحكومي، الذي كانت أدواته ووسائله: الإعلام (أدوات الاتصال) الرسمية، القناة العراقية اعتمدت في برامجها وفعالياتها، ترويج (الدعاية السياسية) ذات البعد الايديولوجي الواحد، والصحف الناطقة باسم (الحكومة)، اتبعت النهج السياسي نفسه، والمنابر الدينية: اعتمد خطباؤها مبدأ الفصل والتمييز بين أبناء الشعب الواحد، وسيادة منطق (الأكثرية)، مقابل (الأقلية)، وفقدان الحيادية. وقد وجد الطائفيون في العراق من يغذي نزعاتهم الذميمة بفريقين هما: قادة الأحزاب الدينية (المذهبية) الذين شاركوا في مؤتمر (التآمر) على العراق في لندن وصلاح الدين، وطهران، بوصفهم (معارضة) والذين قطعوا صلاتهم بالعراق، وتخلوا عن (الهوية الوطنية) بـ (الجنسية) الأجنبية، بريطانية، أميركية، إيرانية، هؤلاء أصحاب المشروع الأميركي (المحاصصة الطائفية) ويتوزع هؤلاء على (المجلس الأعلى)، (الدعوة) و(الحزب الإسلامي)، والفريق الآخر هو الغلاة والمتطرفون والذين هم أحد أدوات الطائفية وأشدها طغيانا، ممن ينتمون إلى منظمات الإسلام السياسي بمدارسه ومذاهبه كافة، ويتميزون بثقافة دينية هزيلة، وبمنهج وثوقي مغلق، والذين حولوا الشعب العراقي عبر فرق الموت وكتائب الإعدام إلى كبش فداء، من خلال العنف الدموي المتبادل، والتنابز بالألقاب والأسماء، تحت واجهات وأعلام دولية وإقليمية شتى، وبدلاً من مقاتلة العدو الأنجلو أميركي وأعوانه، حولوا ميدان المعركة إلى جهة العراق كله، فمنهم من أفتى بتكفير (الشيعة) تحت ذريعة (الرفض)، وآخرون قضوا بخروج (أهل السنة) من دائرة الإيمان لكونهم نواصب، وكلاهما الغلاة والمتطرفون: كفّروا القوى القومية، وحكموا عليها بـ (الردة)، و(العلمانية)، وسواهما من الأحكام الكيفية. أما مصطلح الطائفية الانتقائية، فمنظروها وأصحابها يدعون البحث عن (حلّ ثالث)، وهم أشبه من يضع يداً مع الشعب وأخرى مع (المحتل) و(الأذناب)، وتجد هؤلاء في الأحزاب (الدينية)، التي تدعي (الاعتدال) و(الوسطية).  


ويتصل بهذا الموضوع مصطلح (السنة العرب) وهو توصيف أميركي مضلل بهدف الالتفاف على الشعب العراقي الرافض للاحتلال من خلال إشاعة ثقافة التصنيفات، العرقية، الدينية والطائفية، ومحاولة الإيحاء الموهوم بأن مجموعة من الأشخاص تم استدراجهم من خلال الترغيب والترهيب على أنهم يمثلون طوائفهم ليقولوا مثلاً إن “السنة العرب” أو البيت الشيعي، مشاركون في كتابة الدستور!! وكأن السنة العرب كما فرية البيت الشيعي، حزب موحد له قيادة مفوضة بتمثيله في المفاوضات ولا يذكرون من الذي فوّض هؤلاء الناس سواء كانوا من أتباع هذا الفقه أم ذاك، ليصادروا إرادة الشعب الطبيعية في رفض الاحتلال ونتائجه كلها بما في ذلك الدستور، وهم يفعلون الأمر نفسه مع بقية فئات الشعب.


ومازال الإبحار في معجم المصطلحات الأميركية مستمراً.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ٢١ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٨ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور