عزف منفرد - أول سيارة دخلت إلى العراق

 
 
 
شبكة المنصور
سلام الشماع
يستهويني دائما البحث في الأشياء وتاريخها، فهي تعطيني صوراً عن حياة من عاشوا قبلنا وكيف استقبلوا الجديد عليهم، وخصوصا عندما دخلت المخترعات الحديثة إلى المجتمعات التي كانت سادرة في أسلوب حياتها القديم.


ومثل هذا الجانب يكون عادة مليئاً بالطرافة والمعلومات التي قد تكون حلقة في سلسلة تطور الحياة الاجتماعية لأي شعب من الشعوب.


وما زلت أبحث عن كتب أقرأ فيها كيف دلفت البحرين إلى العصر الحديث وكيف انتقلت انتقالتها التي نراها اليوم في كل زاوية الزوايا، لأن مثل هذه الكتب ستيسر للمرء صورة حقيقية عن المجتمع وكيف تطور، لذلك فاني احرض الباحثين في التاريخ والتراث الشعبي البحريني على الالتفات إلى هذه الناحية إنْ لم يكونوا قد التفتوا إليها إلى الآن، لأني في الحقيقة لم أعثر على كتاب من هذا القبيل.


ولكي أقدم مثالاً على ما أقول سأروي كيف دخلت السيارة إلى العراق وكيف استقبلها العراقيون لأول مرة مطلع القرن الماضي، وكان العراق، آنئذ، تحت الحكم العثماني الذي كان يسود معظم أقطار الوطن العربي.


يقول رواة موثوقون إن أول سيارة دارت عجلاتها على أرض العراق كان قد استوردها السياسي والوجيه الكردي حمدي باشا بابان عام 1908، إلا أن رواة أخرين ذكروا أن ثمة سيارة قادها سائقها عام 1905 الى العراق من مدينة حلب في شمال سوريا، ولا يعرف الكثير عن هذه السيارة وفق الرواة أنفسهم سوى انها كانت على الارجح من نوع (اولدزموبيل)، وكانت تصدر عنها ضوضاء قوية وتلمع تحت الشمس حتى خيل للعامة أن يوم القيامة قد أزف.


وربما كان الرواة جميعا يقصدون سيارة الاولدزموبيل الآتية من سوريا نفسها في العام 1908 وليس في العام 1905، والتي أدهشت الناس في شوارع بغداد، حتى ذكرها العلامة الاجتماعي الكبير الراحل الدكتور علي الوردي في موسوعته المهمة (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث) بقوله: "وفي 1908 وردت إلى بغداد من حلب أول سيارة، فخرج أهل بغداد للتفرج عليها وصار بعضهم ينظرون تحتها لكي يكتشفوا الحصان الكامن في بطنها على زعمهم، إذ لم يكن من المعقول أن تسير عربة من غير حصان يجرّها".


وروى في المصدر نفسه أن بعض المصادر تدّعي أن جاويد باشا، حاكم بغداد (العثماني) استخدم السيارة في تنقلاته داخل المدينة منذ العام 1912 وأنه زار اعتبارا من يوم 18 يناير من عام 1914 مناطق الفرات الاوسط في سيارة كانت الأولى التي يشاهدها السكان المحليون، وكان السائق يرسل صفائح البنزين والزيوت والشحوم اللازمة للسيارة قبل وصوله إلى كل محطة على الطريق.


وتابع الوردي: "إن جاويد باشا عندما ذهب إلى النجف بسيارته الخاصة في العام 1914 طلب من أحد وجهائها أن يركب فيها لتسير به خارج السور، ولكن الوجيه بعد أن نظر إلى السيارة مليّا رفض الركوب بحجة أنه صاحب عيال وهو لا يأمن شرها على نفسه".


عند اعلان الحرب العالمية الأولى كانت السيارات في العراق تعد على أصابع اليد فقد بلغت أقل من 12 سيارة وكانت السرعة القصوى المسموح بها يومذاك داخل المدن 15 كلم في الساعة، وخارجها 25 كلم في الساعة، وهي سرعة فائقة في حسابات ذلك الوقت، ولم تكن ثمة رخص للقيادة، ولم تصدر هذه الرخص وتفرض قبل إعلان قوانين السير والمرور خلال الحكم الملكي في عقد الثلاثينات من القرن الماضي.


كانت السيارة رقم (1 بغداد) من خاصية الحاج سليم خورشيد مدير الشرطة العام في بدايات العهد الملكي. وبعد وفاته انتقل الرقم إلى الزعيم (العميد) عبيد عبد الله المضايفي (الحجازي الأصل) والمرافق الأقدم للأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق، والسيارة رقم (2 بغداد) كانت عائدة للتاجر اللبناني وكيل شركة فورد للسيارات جورج عابديني (شريك رشيد عالي الكيلاني)، والرقم (3 بغداد) كان لرئيس الوزراء الأسبق في العهد الملكي علي جودت الأيوبي، بعد أن انتقل إليه من السيد مزاحم ماهر مدير الشرطة العام ومتصرف لواء بغداد، فيما بعد، في العهد الملكي، والسيارة الرقم (4 بغداد) لنشأت السنوي أمين العاصمة في العهد الملكي، والسيارة الرقم (5 بغداد) للوزير في العهد الملكي فخري الطبقجلي، والرقم (6 بغداد) كان لرئيس الوزراء الأسبق  في العهد الملكي جميل المدفعي، والرقم (8 بغداد) لجلال الدين بابا الوزير في العهد الملكي، والرقم (9 بغداد) لرشيد عالي الكيلاني، أما الرقم 10 فتعود ملكيته الى حسام الدين جمعة متصرف لواء الموصل وانتقل إلى الدكتور قيس أستاذ في كلية الزراعة والغابات في جامعة بغداد وقد قتل هذا الأخير في العام 2003 على يد قوات الاحتلال، والرقم 18 يعود إلى ناجي شوكت رئيس وزراء اسبق في العهد الملكي، والرقم 20 بقي زمنا طويلا خاصا بسيارة رئيس الوزراء العراقي المزمن في العهد الملكي نوري السعيد، ويعود الرقم 22 إلى رؤوف البحراني وزير مالية اسبق في العهد الملكي، أما 23 فكان من خاصية سيارة التاجر النجفي الثري عبد المحسن شلاش ووزير الاقتصاد في العهد الملكي.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ١٧ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٠٣ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور