عزف منفرد - الخياط والحوذي والبهلوان

 
 
 

شبكة المنصور

سلام الشماع - البلاد البحرينية

هناك فكه عراقي عاش في العهد العثماني اسمه عبدالله الخياط، وكان مملقاً ولكنه، كما يقول الباحث التراثي عبد المعين الحيدري، كان بلبل المجالس وهو نزهة المحافل بين أرباب العلم والفضل ويذهب عنك الحزن إن كنت حزينا، وكان له مجلس في داره والمشهور عنه أنه كان أميا لا يحسن القراءة والكتابة والمشهود عنه أنه كان غير منظم (مخربط) في لباس رأسه فتارة تراه بكشيدة (غطاء رأس أحمر تلف حوله كوفية كان يرتديها تجار بغداد والشام) أحسن لفّها فتظنه بزازاً في سوق البزازين وتارة تجده بعمامة بيضاء وتخاله قاضيا مهيبا.


ومن طرائفه أنه دخل إلى بيته مذعوراً ونام تحت السرير وطلب من زوجته أن تغطيه باللحاف لتخفيه، ولما سألته عن سبب ذعره قال لها إن الحكومة تجمع الحمير لتعدمهم، فلما قالت له وما شأنك أنت بالحمير؟.. أجابها: إذا اشتبهوا بي وأخذوني فلن أستطيع أن أثبت لهم أني لست حماراً إلا وقد ذهبوا بجلدي إلى الدباغ يدبغه.


إن في هذه الطرفة نقداً لاذعاً للسلطات العثمانية التي كانت تسوم الناس سوء العذاب.


نعود إلى سلسلة الظرفاء الذين ذكرناهم وانشغلنا بالحديث عن الخياط، ونتحدث الآن عن شيخان العربنجي (الحوذي) وهو اشهر عربنجي في بغداد حتى الخمسينيات يوم انقرضت الربلات (العربات التي تجرّها الخيول) تقريباً من شارع الرشيد ومات شيخان معدماً فقيراً بـ (الزيق)، اي الصوت الذي يخرجه من فمه استهانة بمن يطلقه عليه، ويقول أحد الباحثين أنه واجه شيخان في الثلاثينيات واعترف له شيخان بأنه من مواليد قرية (سركلو) في السليمانية وكان ميسور الحال ومن عائلة طيبة وله عائلة محترمة ولكن الزمن جفاه بماله وعياله وجاء إلى بغداد في أوائل العشرينات ولما كان من مريدي الطريقة الطالبانية فقد التجأ أول مجيئه إلى تكية الطالبانية في الميدان بجوار جامع المرادية وكان بين الجامع والتكية اصطبل للعرباين (العربات التي تجرها الخيول) وصار يجتمع الى الحوذيين (العربنجية) واشتغل معهم بأجرة كانت تكفيه للعيش في ذلك الزمن وتعلّم المهنة بصورة جيدة وصار (عربنجياً) وأصبح شاطراً جداً في إخراج (الزيق) من فمه كما اشتهر بذلك كل من جعفر العسكري رئيس الوزراء، حينذاك، وشخص اسمه لفتة العبد، ولما كان شيخان قد عرف الشاعر الكردي الكبير الطالباني الذي اشتهر بشعر الهجاء باللغات العربية والتركية والكردية وتعلّم منه أن الحياة لا تساوي شيئاً وأن الدنيا فانية وأن عقوبة نكد الزمان هو الاستهتار بالزمان وأخذ الناس يتحرشون به ويتحرش بهم، وقال للباحث المذكور: “إن الناس يحاولون السخرية مني ولكني أنا الذي أسخر منهم ومن دنياهم وها أن ابنتي متزوجة من أحد الرجال المعروفين في بغداد (ضابط معروف في الجيش) ولكني أرفض أن ألقاه وأرفض أي (منّة) من أحد ولا أقبل إكرامية زائدة عن الحد عند نقل الناس في العربة من محل إلى آخر”، ومات شيخان فقيراً معدماً ودفن في مقبرة باب المعظم بصفته غريباً من الغرباء.


 أما عباس حلاوي (نسبة إلى مدينة الحلة) فقد كان كثير الصنائع قليل الرزق أهم أعماله إعلاناته في باب سنترال سينما قرب تكية البدوي عن الفيلم الذي يعرض وعن المسلسلات الكوميدية وغير الكوميدية، وإذا لم يجد عباس رزقاًً في أحد الايام فانه يركب العربة مع جوقة من الأولاد الصغار وقد صبغ وجهه بالاحمر والأخضر للإعلان عن أي شيء أو بضاعة مكلف بالإعلان عنها مصحوباً بالرقص والتصفيق وكان يختلق البستات والأغاني ووراءه الصبيان مخترقين شارع الرشيد من الميدان حتى شارع باب الشيخ وقد استخدمه بعضهم للسخرية من أحد الناس المعروفين بغرض التشهير وقد نجح في المرة الأولى إذ شهر بأحد التجار ولكنه لم يعد إليها في المرة الثانية فقد شهّر بأحد الزورخانية (الرياضيين الذين يمارسون ألعاب القوة القديمة) فنال جزءاه ونقل الى المستشفى لمداواة جروحه ولم يعد إليها ثانية، بل لم يُرَ وجهه في بغداد مرة أخرى، حيث اختفى وإلى الابد.


 ومن ظرفاء بغداد الحاج خليل ابراهيم القهوجي الكروي القيسي، وكان في صباه يعمل في مقهى في منطقة قنبر علي مع أبيه وأول ما بدأ عمله مستقلاً كان في المدرسة الثانوية المركزية في النصف الثاني من العشرينات ثم انتقل إلى دار المعلمات في الثلاثينات وبقي هناك حتى استأجر المقهى من الأوقاف في محلة الخشالات على شارع الرشيد، وكان خليل القهوجي مثالاً للكرم وحسن السلوك واللطف في المعاملة بحيث صارت قهوته مركزاً للاستعلامات ومحطة للبريد والحوالات والأمانات ما بين بغداد والمحافظات فقد كانت أكثر عناوين الرسائل وعناوين الحوالات المالية ترد وتصدر بوساطة قهوة خليل.


 وفي العمود المقبل سنروي قصة عراقية حقيقية طريفة جدا بطلها أمين العاصمة في حينه فائق شاكر.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ١٤ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠١ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور