ماذا أعددنا لمجزرة يوم السبت الدامي ..

 
 
 
شبكة المنصور
طلال الصالحي
مسلسل التفجيرات النوعيّة لبلد ألف تفجير وتفجير لم ينته ولن تنتهي أسابيعه الدمويّة في "لعبة الأيّام" كما تقول المطربة وردة الجزائريّة , إلاّ بخروج الاحتلال الأميركي من إيران .. عفون .. أقصد من العراق ...


عادة ما نمجّد رموزنا الوطنيّة  ونكرّمهم   بعد رحيلهم من عالمنا وانتقالهم إلى العالم الآخر .. وتلك ممارسة تكاد تكون مجهولة الأسس .. والراحلون  المحتفى بهم هم بدورهم أيضاً سيكونون مستعدّين في برزخهم في انتظار من احتفى برحيلهم ينتقل إليهم ! والفارق بيّن وواضح بين الحالتين , بعد افتراضي لك عزيزي القارئ أنّك مؤمن والحمد لله باليوم الآخر مما سيسهل ما أطرحه , ففي الحالة الأولى يكون انتقال "العزيز" أمره إلى الغيب بالنسبة لسكنة عالمنا , بينما في الحالة الثانية يكون الراحل على علم مسبق بوصول "أعزّائه" الذين صدموا برحيله ! وليس له فضل في ذلك سوى لأنّه اخترق طريق الغيب مكرهاً فحفظ الطريق وعرف أسراره ! ...


 الاحتفاء بالرموز الراحلة طبيعة طبيعيّة شرق أوسطيّة بامتياز نابعة من طبيعة مثيولوجياه المؤمنة بالغيب المتجذّرة في ذات شعوب الشرق ذاته هذه بجذور بعيدة جدّاً في أعمق أعماق طبقات الآيركولوجيا المهتمّة بمبرّرات الحالة التكوينيّة للجنس البشري .. وذلك هو سرّ الاحتفاء بهذه الطريقة في عالمنا بالرموز بعد رحيلهم بحسب رأيي وليس وهم لا زالوا أحياء بعد كما يفعل الغرب الغير مؤمن باليوم الآخر في عمق جذوره المكوّنة لذاتيّته قبل أن يدخل "المسيحيّة" التي عدّلت بعض الشيء في طبيعته هذه نحو الشرق أوسطيّة ولكن بطفف بسيط بحيث لم تستطع  معه من اقتلاع الكثير من ممارساته التي سبقت مسيحيّته ومنها الثواب والعقاب في الدنيا المتأثرة بالميديا الإغريقيّة التي تأثرت هي الأخرى بدورها واستمدّتها من مشرقات العراق السومري ! ...


 نهاية سبعينيّات القرن الميلادي الماضي , وقبل شن الخميني حربه الاستحواذيّة على المنطقة والعراق بحسب المبرّرات الغربيّة لتلك الحرب , ظهرت أصوات من وسط الأصوات العراقيّة المثقفة , ومع نغنغة الازدهار العراقي المادّي الهائل بعد التأميم العظيم , بضرورة الاهتمام بالرموز الوطنيّة قبل رحيلهم ! .. وفعلاً بدأت تلك النداءات تأخذ طريقها للتفعيل , فرأينا عدّة مهرجانات بهذا الخصوص , ولكنّها جاءت وكأنها تسبح ضد طبيعة الفرد الشرق أوسطي ذات الجذور الإخرويّة ! فشاهدنا ارتباك في التقييم رغم إخلاص النيّة ...


الميّت سيكون "عزيز" ما أن تغادر روحه عالمنا , ومنها انطلق التقييم ! وذلك انعكس بدوره على مجمل التقييم وانواعه في الحياة الاجتماعيّة الشرقيّة , وتلك ظاهرة انعكست بالمثل العراقي الشعبي المعروف "لَمَّن وِكْعَت الفاس بالراس" و "عد الضر...ـت صمّت رِجِلهه !" وهذا المثل الأخير ينطبق على حكومة تصريف الأعمال الخضراويّة ! , فجاء "التغيير" بتقييم "اليوم" قبل وقوعه لا بعد وقوعه كما هي العادة عندما رضخ نوري جواد الشهير بالمالكي لهذه النداءات المطالبة بتغييره ! , وعلى طريقة إستراخوس , الذي , بدل أن يتنحى عن حكم إسبارطة بعد هيجان الشعب ضدّه والمطالبة برأسه , خرج لهم من شرفة قصر الحكم محتمياً بحراب جنوده ومن خلفه وزرائه قائلاً لهم ؛ ما بكم ماذا تريدون .. قالوا نريد خروجك من الحكم ومحاكمتك , قال : ولم ! قالوا لاستشراء الفساد والنهب وضياع الأمان ولهيب الضرائب , فقال لهم : ومن فعل بكم كل ذلك .. فأجابوه ؛ أنّه وزيرك يورسوس .. فمسك الإمبراطور الإغريقي بتلابيب وزيره المعني وسحبه من فوق الشرفة ليقذفه لأسفلها بين أحضان الجماهير الغاضبة , فتلقفته تلك الجماهير لتصبّ نار هيجانها بذلك الوزير المسكين وتذهب به بعيداً وتعود من حيث أتت وهي تمزّق جسده بين أظافرها وأسنانها شرّ ممزق ..! ..  وهكذا فعل السيّد سعادة دولت رئيس الوزراء "مالكسيوس" عندما قذف بقنبريوس من على شرفات المنطقة الخضراء إلى حيث منصب جديد ربّما أخطر من سابقه! , لأنّ السيّد جواد غير إمبراطور روما فهما على اختلاف في طبيعة موروث كلّ منهما ! فالمالكي جذوره غير سومريّة كما الإمبراطور الإغريقي .. أعني جذور الحضارة ,  والأهم ... مع اعتذاري الشديد للقرّاء بهذه المقارنة الغير متكافئة .. على الأقل كمقارنة بين إمبراطور وبين رئيس وزراء ولا نريد أن نعدّد ! , ذلك  أن الإمبراطور الإغريقي كان قراره مستقل بقراره هو .. بينما صاحبنا قراره بيد ورثة الإمبراطور الإغريقي الذي قد لا يجد أدنى مانع أن يرمي بسعادة دولته من فوق شرفات ذات المنطقة , ولكن هذه المرّة لإسكات غضبة الشعب العراقي !..


طبعاً أن سعادة نوري جواد الشهير بالمالكي يعلم جيّداً أن طاقمه البديل لن ينفعه ولن يمنع ديناميكيّة الأيّام المفخخة من أن تأخذ طريقها الدموي في عراق سيحتفي برحيله "لا سامح الله" حكومات تصريف الأعمال إن بقي الوضع كما هو عليه !... بل ستزداد دمويّة بيوم دامي قادم أكثر من الذي سبقه , فيوم الأربعاء فاق الأحد الذي قبله والثلاثاء فاق الأربعاء .. ومن هنا ... نناشد حكومة تصريف الأعمال ممثلة برئيس وزرائها بضرورة أخذ الحيطة والحذر والمبادرة بالاحتفال بيوم "السبت الدموي" قبل أن يرحل بالمئات من الشعب العراقي ليستقبل "مسافروا الغيب" القادمون باتجاه اليوم الآخر من سيرشّحهم يوم خميس دموي قد يأتي بعده ! ...

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٢٥ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٢ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور