صقر الغرب ..  قناص ساحة جهاده الفلوجة ومدرسته مارينز الاحتلال !

﴿ الجزء الاول ﴾

 
 
شبكة المنصور
حسين المعاضيدي
كثير منا لم يسمع بقصة البطل المجاهد الأميركي (جو) والذي لا ينحدر من أصول عربية ولا حتى أفريقية، بل هو أميركي أباً عن جد، كما أنه لا صلة له بالعالم الإسلامي، أو الشرقي، فأمه فرنسية وأبوه أميركي، التقيا يوماً وتزوجا، لتكون ثمرة هذا الزواج (جو)، الذي كبر وترعرع في شوارع أميركا، فكان منذ طفولته، يحلم دائماً بأن يكون شيئاً ما، لكن طبيعة نشأته وتربيته والمحيط والمجتمع الذي ولد فيه وعاش جعل تحقيق هذا الحلم من أصعب الأشياء، بل المستحيل بعينه!

 

عاش في عالم المجهول، ومارس الرذيلة بكل أشكالها وأبعادها، ونشأ نشأة الضلال بعيداً عن الصلاح والفلاح، وقضى حياته بين التسكع في شوارع ولايته نيويورك، وبين التردد على ملاهيها وحاناتها فانغمس في الملذات وعيش الفجور من هامته حتى أخمص قدميه.. أرتكب الكثير من الجرائم التي تغص بها شوارع أميركا وولاياتها، فكان كحال شباب أميركا اليوم عبثيين، يعيشون على هامش الحياة، جل همهم كيف يجمعوا قوت يومهم ومال خمرهم، دون أن يعيروا بالاً أو اهتماماً لأي شيء آخر! 

 

في محاولة منه لتحسين وضعه المادي التحق بالجيش الأميركي بعدما وجد نفسه مشرداً لا أب يسأل عنه، ولا أم تمنحه دفء الأمومة وحنانها، حيث سرعان ما تم نقله إلى قوات المارينز التي كانت تستعد آنذاك لاحتلال الخليج العربي بحجة إخراج العراق من الكويت الذي استعادها في العام ألف وتسعمائة وتسعين قبل أن يضطر إلى الخروج منها بعد حرب الخليج الثانية التي انتهت بانحسار المد العراقي واحتلال الخليج أميركياً والتحضير لاحتلال العراق عملياً.

 

وصل مع قوات الغزو المتعددة الأشكال والألوان والأعراق والقوميات إلى جزيرة العرب، حاملاً في رأسه الكثير من الأفكار السوداوية التي تم حشو رأسه بها من قبل إدارة البنتاغون وأجهزة الاستخبارات الأميركية التي أريد لها تشويه صورة الإسلام والتخويف من المسلمين.. وصل (جو) إلى أرض المسلمين ونفسه منقبضة، كونه ذاهبا إلى عالم من الإجرام، وشعب محترف القتل، ودين وحشي وهمجي كما أوهموه، لهذا فقد كانت نفسه تواقة للانتقام من المسلمين الذين يتأبطون شراً بأميركا ويريدون محوها من على خارطة الوجود، كما غرس في ذهنه ذلك زمر الـ(سي آي إيه)، وجلاوزة (البنتاغون)، الذين يجيشون الجيوش، ويغسلون الأدمغة، ويُذهِبون العقول، ويحشون الأفئدة بأكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان. 

 

في أيام عسكريته، في الجيش الأميركي تجرد من إنسانيته، وفقد إحساسه، وشعوره، وتخلى عن حيائه، بل وفقد ذكائه، ولم يعد يفهم شيء غير حركات جسده، وإيقاعات الموسيقى، وقبل كل ذلك فقد مشاعره تجاه البشر.. لا يكره.. لا يحب.. لا يرفض أي شيء.

 

إن فيالق المارينز جعلت منه صنماً متحركاً مهمته العبث بالقوانين الوضعية والتشريعات السماوية.. فتعلم فيها كيف يكون بارداً، قاسياً، مغروراً، فارغاً من الداخل، إطاراً يرتدي الملابس لا غير، جماداً يتحرك ويبتسم، لكنه لا يشعر، بل كلما تألق في تجرده من بشريته وآدميته زاد قدره عند قادة الجيش المحتل وسياسيو الإدارة الأميركية، أما إذا خالف أياً من تعاليم التجرد من الإنسانية فسيعرض نفسه حينها لألوان العقوبات التي يدخل فيها الأذى النفسي، والجسماني أيضاً! 

 

وقف (جو) مع نفسه للحظة، كان غارقاً في القتل، إلا انه ظل يتأمل كيف أن الأوامر لا تخضع للمنطق ولا للواقع، فالمسلمون، الخطرون، الهمجيون، القتلة كما صورهم البنتاغون ليسوا هكذا، وإنما هم بشر مثل أولئك الجند المدججون بالسلاح، لا فرق بينهم، فالكل بشراً، سوى أن هؤلاء بسلاح، وأولئك بلا سلاح. 

 

من هنا كانت نقطة التحول في حياة (جو)، فقد راجع الأوامر، وراجع نفسه، وأخذ يستعيد تلك الوجوه الناعمة البريئة الطفولية وهي تستقبل رصاصات المارينز لتستقر في جباهها، إلى جانب تلك الرصاصات التي لا تخطئ صدور الشيوخ والنساء، المدنيون قبل العسكر، فالجميع في عرف عناصر الجيش المحتل سواء.


أخذ يتحدث مع بعض الأسرى، أستمع إليهم بإنصات والمترجم ينقل له عنهم حقيقة الإسلام والمسلمين، حتى لان قلب (جو) ليدرك حجم الضلال الذي كان يعيشه، وحجم الكارثة التي ألمت وتلم به لو أستمر في جيش سياسته القتل، ثم القتل، ثم القتل.

 

أخذ يستطلع من الأسرى عن حقيقة الدين الإسلامي، وراح يبحث عن الكتب التي تتناول الديانة الإسلامية، من المترجمة إلى اللغة الإنكليزية، فأعجب كثيراً بهذا الدين، وراح وعدد من زملائه في كتيبته يكثرون من قراءة هذه الكتب، ويكثرون من مجالسة الأسرى حتى أعتنق (جو)، وسبعة عشر من زملائه في الكتيبة فقط، الدين الإسلامي، بعد أن تكشفت لهم حقيقة هذا الدين، وان كل ما كانوا يسمعونه، ويتم تدريسهم في مناهجهم العسكرية عليه، هو محض أكاذيب، وأباطيل لا أساس له من الصحة!

 

جاءت لحظة الهداية إلى (جو) وهو غارق في مستنقع الشهوات والقتل والضوضاء، فأنسحب في صمت من الوضع الذي كان فيه، بعدما ضاعت حياته في عالم ينحدر فيه الإنسان ليصبح مجرد حيوان، كل همه إشباع رغباته وغرائزه بلا قيم ولا مبادئ، تاركاً هذا العالم بما فيه، وسط ظروف قاسية، وحياة صعبة، واتجه في رحلة إلى الله.  

 

عاد (جو) إلى الولايات المتحدة بعد انقضاء فترة خدمته العسكرية، في تحوله المفاجئ من حياة لاهية عابثة إلى أخرى أشعرته بلذة الأيمان، لتنقشع عن عينه في تلك اللحظة مجد الحياة الزائفة التي كان يعيشها، ليبدأ رحلته نحو الصفاء والنقاء حتى وصل إلى طريق النور والهداية، طريق الإسلام، وترك العيش على هامش الحياة، ليتعلم كيف يكون إنساناً حقيقياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى الإنسانية، من خلال إصراره العيش في نعم دينه الجديد، من راحة البال والسكينة والطمأنينة التي أخذ يعيشها وهو الذي لم يشعر بها من قبل.

 

عاد إلى أميركا وقلبه معلق بالله ورسوله، عاد وما تمنى أن يعود، ليظل قريباً من بيت الله ومن قبر رسوله الذي يضم جسد خير الأنام، مع انه كان يتألم كون الجيش الذي كان ينتمي إليه يحتل جزيرة العرب، التي عرف بعد دخوله إلى هذا الدين أن تلك الجزيرة محرمة على الكافرين، مهما كانت الذرائع والأسباب، تحريماً قطعياً لا موارة ولا مجال للنقاش فيه والجدل، فكيف لو كانوا محتلين!؟.

 

كان يظن أن عودته ستكون سهلة وهينة، وستدر عليه الخير الوفير بعدما أعتنق الدين الحق، ليستبدل اللا حياة التي كان يعيشها بحياة حقة، يستبدل الظلام بالنور، والعتمة بالشمس، والليل بالنهار، لكن ليس كل ما يتمناه المسلم يدركه، فقد تعرض زملاؤه السبعة عشر الذين أشهروا إسلامهم، وعادوا معه إلى بلادهم بدين جديد، إلى الاعتقال من قبل استخبارات وزارة الدفاع الأميركية، بعد أن علموا باعتناقهم الدين الإسلامي، حيث اقتنصوهم واحداً واحداً، وأودعوهم في سجن مركزي ليتم تعذيبهم بشكل كبير، حسب ما روى (جو)، في محاولة من استخبارات البنتاغون لإعادتهم إلى عهد الضلالة الذي كانوا عليه.

 

(جو) صاحب الدراية والخبرة في مجال العمل الإستخباراتي، حيث عمل ردحاً من خدمته في الجيش قبل التحاقه بالمارينز بالاستخبارات العسكرية، تمكن من التواري والاختفاء عن الأنظار، بعدما انتقل إلى ولاية أخرى، إثر تعرضه لضغوط دنيوية مكثفة، لعله يعدل عن موقفه ويرتد عن الإسلام، ولكن كيف لعقارب الساعة أن ترجع إلى الوراء، هكذا كان يقول (جو)! 

 

حينما شنت الولايات المتحدة حربها الظالمة على العراق في العام ألفين وثلاثة كان (جو) يجلس أمام التلفاز وهو يشاهد أساطيل من كان جيشه وآلياته وطائراته وهي تقصف وبشدة بلاد الإسلام في بلاد الرافدين، كان يبكي كثيراً، ويتألم لمناظر القصف والتدمير التي تطال أبناء دينه الجديد.

 

وحينما أصبحت معركة الفلوجة الأولى على الأبواب، بعد إعدام خمسة من عناصر الاستخبارات الأميركية المحتلة، على يد مجاهد العراق، وتعليق جثثهم على جسر عند مدخل الفلوجة الغربي، خرجت التظاهرات المؤيدة للمجاهدين، والتي تم نقلها على الهواء مباشرة من قبل القنوات التلفزيونية، فشاهد (جو) تفاصيلها، وأخذ يستمع إلى خطب علماء الدين، وهم يحثون الناس على مواجهة المحتلين، والاستعداد للمنازلة الكبرى، خصوصاً بعدما بدأت طلائع الجيش المحتل الذي أضطر للهرب والانسحاب من المدينة، بدأت تحاصر الفلوجة وتضرب طوق أمني حولها، فاهتزت مشاعر (جو) خصوصاً بعدما أخذ الشيخ (عبدالله الجنابي) يلقي بخطبته، وراح يكبر وينادي (الله اكبر الله اكبر.. حي على الجهاد) فما كان من (جو) إلا أن يقفز من مكانه وأخذ يكبر هو الأخر، ويصرخ (لبيك.. لبيك) بلغته العربية (المكسرة) والتي يحاول تعلمها بعد أن هداه الله إلى الإسلام.

 

خرج (جو) من داره وتمكن من التوجه إلى فرنسا لوداع أمه، لكن ليس الوداع هو الهدف بحد ذاته، فقد كان له مراد ومقصد آخر يبغيه، حيث كان ينوي دعوة أمه إلى الإسلام، فما أن وصلها حتى أخذ يقبل في رأسها ويؤكد أنه ذاهب إلى الجهاد، وقد يعود، وقد لا يعود!

 

بكت الأم التي لم تعتد أسلوب الكلام هذا من أبنها، فهو حتى حينما سافر إلى الخليج بمعية الجيش المحتل لم يفكر أن يلقي عليها التحية، مع أنها كانت حينها في أميركا، فقد ذهب دون أن يبلغها، ودون أن يودعها حتى، لكن اليوم هاهو يقطع آلاف الكيلومترات، رغم الهم الكبير الذي يثقله، ويرفض أن يتجه إلى أي مكان ما لم يودعها، فمال الذي تغير، هكذا كانت تتساءل الأم!!

 

قال (جو) لأمه أنه ذاهب وقد لا يعود أبداً، وأن الله قد هداه إلى الخير، ولا أنه لا يريد أن يموت دون أن يتيقن من أن هذا الخير سيصيبها، داعياً إياها إلى خير الإسلام وعزه ونشوته الروحية.. ترددت الأم في البداية، فراح يُقبّل يديها وقدميها، وأخذ يبكي بحرقة، إذ كان يدرك أن ذهابه لا عودة منه، وراحت الأم تبكي هي الأخرى بشدة، فقد شعرت أن أنه فراق لا لقاء بعده، فرق قلبها لحال ولدها، فأخذت تسأله عن دينه الجديد، وراح بدوره يحدثها، وعيناه تدمع، رحمة وشفقة عليها، وما هي سوى لحظات حتى قرّ الله عين (جو) بهداية أمه إلى نور الإسلام وعزه.


قضى جو مع والدته أيام قليلة، حرص على تمضية كل ساعاتها ودقائقها في الحديث عن الإسلام، وتعليمها أمور دينها الجديد، وحينما أطمئن إلى دين أمه، قرر السفر إلى حيث أرض الجهاد، إلى بلاد الرافدين، التي سبق وأن زارها، ولكن كغاز، محتل، أما اليوم فهاهو قاصدها كمجاهد، باحث عن نعيم الجنان التي وعد الله بها عباده الصالحين المجاهدين.

 

كانت لحظات الوداع شديدة على الطرفين، فالأم أحست اليوم فقط بعظمة الأمومة، ومدى حبها لأبنها الذي تحول بين ليلة وضحاها إلى أبن بار، حنون، رؤوف بأمه، محب لها بشكل مجنون، أما الابن فقد شعر بسعادة غامرة لاستجابة الله لدعائه في هداية أمه إلى طريق الحق المبين، حيث شعر أن الله راض عنه، وأنه سيسهل من مهمته حتى يصل أرض الرباط، أرض الجهاد، أرض دجلة والفرات.

 

فيما عادت الأم إلى حياة ليست كتلك الحياة، حياة فتحت لها أبواب النور الذي أنار عتمتها، بعد أن سلكت طريق الهداية على أمل أن تلتقي بابنها ذات يوم، إن لم يكن في هذه الدنيا ففي جنة طابت وطاب ممشاها.

 

سلك جو أكثر من طريق وأكثر من خط طيران في طريقه إلى العلياء باتجاه بغداد، تجنباً للمتابعة من قبل أجهزة المخابرات الأميركية، التي كانت تبحث عنه، فدخل إلى العراق باسم ثانٍ غير أسمه الأميركي، وحينما وطأت قدمه أرض عاصمة الخلافة الإسلامية، شعر بلذة ما جاء من أجله، فهاهي منطقة الخطر والنار قد أصبح في دائرتها، وهاهي ساعة الحقيقة قد أزفت، وهو يضع أولى خطواته على درب الجهاد. 

 

وللبطولة بقية..

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ٢١ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٠٧ / كانون الثاني / ٢٠١٠ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور