لجنة التحقيق البريطانية حول غزو العراق

( ما ضاع حقٌ وراءه مُطالب )

 
 
 

شبكة المنصور

محمد العماري

أثبتت تجارب التاريخ في أكثر من حقبة ومكان ان الشعوب, رغم عمليات التضليل والتزوير والتشويه التي تمارس عليها, ليست بحاجة الى لجان لتقصّي الحقائق وجلب الأدلة وعقد اللقاءات وكتابة التقارير والمحاضر وإستدعاء الشهود وما شابه ذلك. خصوصا إذا كانت الحقائق واضحة وضوح الشمس. ورغم أن القادة والحكام يعتبرون في الغالب من علية القوم او من نُخبة المجتمع الاّ أن الشعوب تبقى في كل الأحوال صاحبة الرأي السديد والحُكم النهائي. وقد اكّد الغزو والعدوان الأمريكي الغربي للعراق صحّة وصواب هذه الحقية. بدليل إن ملايين البشر خرجوا, في العديد من مدن وعواصم العالم, في مظاهرات صاخبة ضد تلك الحرب البربرية رافضين مزاعم وأكاذيب قادة وحكام دولهم.


لكن زعماء تلك الدول, وهم جميعا منتخبون ديمقراطيا ومباشرة من قبل الشعب, ضربوا عرض الحائط بكل القيم الديمقراطية والدينية والأخلاقية. وداسوا باقدامهم على قوانين وأعراف وشرائع الأرض والسماء وشدّوا العزم, مدفوعين بغرائز ونزعات لا تنتمي الى فصيلة البشر ليحتلّوا ويدمّروا بلدا مستقلا آمنا وذات سيادة. وفق كل هذا وذاك لم يكن, كما بيّنت مئات التقارير والوثائق ولجان التحقيق وإعترافات مسؤولين كبار مدنيين وعسكريين, أن هذا البلد - العراق - كان يشكّل خطرا من أي نوع كان لأمريكا أو لبريطانيا أو حتى لدول الجوار.


ولم يكن ثمة ما يستوجب غزوه وإحتلاله وإرتكاب أكبر جريمة سطو مسلّح في التاريخ لولا ضخامة وهول الحقد والضغينة ونزعة الهيمنة والنهب المتجذّرة في نفوس وعقول وثقافة ساسة الغرب وحكامه من الفاشيين الجدد, كالمجرم بوش الصغير والمجرم التابع توني بلير وآخرين تلطّخت أيديهم بدماء آلاف العراقيين الأبرياء. وما زالت عدالة الشعوب, وليست عدالة الحكومات المتواطئة مع المحتلّين ولجان تحقيقها المزيفة, تطاردهم في كلّ مكان. وإنهم سوف يدفعون إن عاجلا أم آجلا, ثمن ما إرتكبوه من جرائم ومجازر بحق العراق والعراقيين حتى وإن تصوّر أو توهّم البعض بان النسيان قد طواهم أو أن الأحداث قد تجاوزتهم. فما ضاع حقّ وراءه مطالب.


ويبدو في هذه الأيام إن الجميع, ليس فقط في بريطانيا, يتابع باهتمام بالغ أعمال لجنة التحقيق البريطانية برئاسة السير دون تشيلكوت حول دور بريطانية في الحرب العدوانية على العراق والأسباب التي جعلت توني بلير, رئيس الوزراء السابق, ينقاد كالأعمى خلف الأبله جورج بوش الصغير دون مراعاة لا لمشاعر قومه الأنكليز الذين تظاهروا بالملايين ولا لمعارضة الكثير من نواب الشعب ولا لنصائح بعض وزرائه, ومنهم من قدّم إستقالته إحتجاجا, ولا لأراء أصحاب الفكر والثقافة والاعلام في بلاده. بل أن بلير المجرم, كما نشرت بعض الصحف الانكليزية, أعدّ خطّة سرية للمشاركة في غزو العراق ولم يطّلع عليها الاّ قلّة من المقربين منه خوفا من تمرّد الجميع عليه.


وبالرغم من إن لجنة التحقيق هذه, كسابقاتها من اللجان التي تشكّلت هنا وهناك, سوف لا تنصف العراقيين أبدا أو تعيد للحياة مئات الآلاف من شهدائهم, الاّ أن الناس في كلّ مكان بحاجة الى خلع المزيد من الأقنعة المزيّفة التي حاولت بها أمريكا وبريطانيا ومعهما الغرب كلّه أن تجمّل بها وجه ديمقراطيتها البشع, والذي لم يتوانى عن قتل شعوب باكملها وتدمير بلدان آمنة وإغتيال قادة وزعماء شرعيين بتهم ملفّقة وأكاذيب مفضوحة إرضاء لحفنة من العملاء والخونة وتجار الحروب واللصوص المحترفين.


ومن خلال جملة الافادات والاعترافات التي قدّمها بعض المسؤولين اليريطانيين السابقين الى لجنة السير تشيلكوت, وتركيزهم على أن مجرم الحرب توني بلير لم يترك مجالا لأحد للاعتراض على أسباب ونتائج الحرب العدوانية على العراق أو حتى لمجرد الحصول على المزيد من التوضيحات والمعلومات, يبدو أن الخناق بدأ يضيق على رئيس وزراء بريطانيا السابق, الذي يُفترض به أن يقف أمام اللجنة في بدايات العام القادم. وبديهي إن العلم أجمع, والعراقيين بشكل خاص, سوف ينظر الى توني بلير كمتهم رئيسي, وهذه هي حقيقة دوره الاجرامي في غزو العراق, وليس كشاهد, رغم أهمية مثوله أمام المحقّقين, كبقية الشهود الذين تمّ الاستماع اليهم حتى هذه اللحظة.


ورغم أن رئيس لجنة التحقيق السير جون تشيلكوت صرّح في أكثر من مناسبة بان لجنته ليست محكمة وليس في نيتها توجيه إتهام الى أي شخص الاّ أن ذلك لا يبرأ ساسة بريطانية من مدنيين وعسكريين من جريمة إحتلال العراق وتدميره وتشريد الملايين من أبنائه وإعادته, أمنيا وإقتصاديا وسياسيا وإجتماعيا, عدّة عقود الى الوراء.

 

وما زال العراقيون, ومعهم شعوب أخرى, يدفعون الثمن الباهض من حياتهم وإستقرارهم وسيادتهم وثرواتهم ومستقبل أطفالهم جرّاء ما إرتكبه مجرم الحرب توني بلير, بعد أن نصّب لحكم العراق, بدعهم من أصدقائه القتلة الأمريكان, حفنة من المجرمين واللصوص وأصحاب السوابق المختلفة والسماسرة المحترفين.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ١٦ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٣ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور