لماذا الفكَّة وبراثا في خاصرة الرشيد

 
 
 
شبكة المنصور
عبد الكاظم العبودي
عندما تتوجه الأبصار والأسماع الى محافظة ميسان، جنوب العراق المحتل، في الاول من محرم الحرام من العام الهجري الجديد 1431 هـ فان المكان والزمان لا يعيدان للعراقيين والايرانيين سوى ذكرى سوداء، وبدء الإعلان عن تواصل إستمرار مسلسل المنادب والأحزان والمئآسي والحروب التي طالما ظلت الجغرافية وتضاريسها تحتفظ هناك بندوب لا تمحى من جراح الحروب ومحارقها. ولطالما ظل هناك إحتياطي للنفط تحت الارض ورماد تلك الحروب فإنه يغري الطامعين لنكأ ألجراح وبعث الاطماع وتأجيج المقاصد الثأرية الكامنة في الأعماق.


وعندما يستغرب المراقب السياسي لهذا التوقيت الإيراني باحتلال بئر الفكَّة ورفع العلم الإيراني على ارض عراقية معروفة، وبتوقيت مريب، عشية ليلة راس السنة الهجرية، فعليه ان يَستذكر حقيقة واحدة: ان هذا العلم نفسه لم يتغير، حتى وإن رفع أصحابه الشهادتين الاسلاميتين، وتوسطه لفظ الجلالة، الله، مكتوباً بالأهلة الإسلامية، فهو علم لا يختلف في دلالته ورمزيته عن ذلك العلم الشاهنشاهي الامبراطوري الفارسي عبر التاريخ الدامي بين البلدين. علم يعود على ظهر دبابة وكتيبة عسكرية غازية لارض عراقية يحتفظ بنفس الألوان التي كان يتوسطها يوماً رسم أسد فارس الذي كان يحمل يومها أيضاً سيفا مُسَّلَطا على رقاب جيرانه من العرب والمسلمين.


وهكذا صار وراء كل هلال في علم جمهورية ايران الاسلامية رمزية أخرى هي فارسية الاطماع، ففي كل هلال يرى البعض سيفا شاهراً، لا يقل شراسة وحدة عن أنياب ومخالب أسد الشاه الايراني البائد وامبراطوريته الفارسية.


كما ان الاستغراب السياسي لهذا الحدث العسكري سيظل ساذجا، عندما يُطرح من لدن البعض بالقول: لماذا تستفز ايران شعب العراق مرة أخرى بطعنه بكرامته الوطنية وهو جريح الاحتلال ومن دون سيادة وطنية؟، رغم أن مماليك الصفويين الجُدَدْ هم من يحكمون بغداد بالنيابة عن الامريكيين، وهم في فترة تبدو حرجة خلال ترشيحاتهم الجديدة لعهدة انتخابية قادمة في مارس 2010، يحتاجون دعم إيران ومباركة الملالي والآيات في حملتهم الانتخابية التي بدأت رسمياُ البارحة مع العشرة الاولى من شهر محرم الحرام، باستغلال حرمان وتعاسة غلابى العراق وبالمساومة والمزايدة في البازار الطائفي بالمتاجرة في رأس الحسين ورؤوس أهل البيت العراقي في سوق النخاسة الانتخابية، وهم خدم للاحتلال ومخططاته.


والجواب لا يمكن أن يكون شافياً، في مقالة مباشرة، يُرَّدُ بها على مثل هذه التساؤلات وغيرها: هو ان حكام إيران يُريدون أن يضعوا رأس قيادة أمريكا مابين المطرقة الإيرانية وسندان ضغط مصالح الشركات النفطية الاحتكارية الغربية، العائدة للعراق مرة أخرى بعد 36 سنة من التأميم، ولكي توضع إدارة اوباما امام الابتزاز الاقتصادي والسياسي والعسكري؛ لان شركات امريكا النفطية وشركات حلفائها غامرت بالتوقيع بالأحرف الاولى على عقود الاستثمار والنهب النفطي للحقول النفطية الكبرى المجاورة للحدود الايرانية، كحقل مجنون والحلفاية والفكَّة وغيرها. وهكذا أرادت إيران ان تلعب مع امريكا بورقة "جوكر" القمار فوق الارض العراقية، لحماية مشروعها النووي مقابل حفظ ما تبقى من ماء الوجه لحماة الاتفاقية الامنية الامريكية في العراق بوهم الانسحاب باقتدار من غير هزيمة عسكرية مُعلنة.


وإيران تلعب برأس المالكي ايضا لصالح كونستريوم نفط يتشكل لعائلة الحكيم ومجلسها الاعتلافي والاقليم الجنوبي المنتظر، بدءاً من حقل الفكَّة وعليه راية ايرانية معززة برسم سيوفها الحادة على رقاب شعب العراق.
إيران تلعب مع امريكا في جولة من جولات الصراع والتوافق وتقاسم المصالح، في زمن المنعطف التاريخي الحاسم الذي بدأت تدول به إمبراطورية الشر التي نهضت بقوة خلال عهد ريغان ومن خلفه الى مغامرة بوش الأب والابن والمحافظين الجدد.


وان لم تلعب إيران في الفكَّه لعبتها، فانها ستلعب على المباشر غداً في المنطقة الخضراء وحكومة الاحتلال الخامسة، إن لم تكن قد لعبت فعلا، انطلاقا من جامع براثا ما بين الكرخ والكاظمية.


ولماذا براثا بالذات، فقد كشفته المجازر، وبما صرح به الصغير جلال الدين اليوم : انه لا يعلم عن الإحتلال الايراني لشرق ميسان بعد يومين كامليين، وهو عضو البرلمان المعوق. قال: انه لم يسمع عن احتلال حقل الفكَّة، واعتبر ما تناقلته الوكالات انه مجرد إشاعات، ويبدو ان الفكَّة عنده الا "فَكَّه " حساب جاري ، [خردة] من بضعة مليارات من الدولارات المنهوبة الى الجيب الايراني، له منها بضعة سنتيمات "قومسيون" خدمات عمالة، تشكل رغم ضئآلتها ملايين من الدولارات.


ويقيني إنه يضحك بتصريحه هذا من تصريحات غلامه الدباغـ ووكيل زيباري، والخبر الذي سوقته مصادر من حكومة المالكي ونوابها بدعوة السفير الايراني في المنطقة الخضراء السيد ملا قمي الى شرب فنجان قهوة في ديوان فرع وزارة الخارجية الايرانية في المنطقة الخضراء. وكعادته طمئن "المستر"، عفواً الملا قمي، أصحابه من أرباب العمائم البيضاء والسوداء: ان القوات الايرانية لازالت ترابط على ارضها، وان الدورية العسكرية التي تناقلت اخبار إقامتها في الفَكَّة وفوقها علم ايران مجرد عملية روتينية في اراضي تابعة للامبراطورية الايرانية.
اختلف فقهاء الترويض للإحتلالات كعادتهم على مواقع وخطوط حدود العراق مع ايران، ونبشوا من جديد ما في اتفاقية الجزائر 1975 من نصوص أملتها على العراق ظروف تمرد البرزانيين للانفصال بشمال العراق، بدعم أمريكي واسرائيلي وشاهنشاهي، فلم يجدوا شيئا في اتفاقية الجزائر يشفي غليلهم، سوى رفضها عدة مرات من قبل الطرفين العراقي والايراني، ايران لم تحدد معالم حدودها مع العراق، وكأن العراق أمامها وُجِد على خارطة العالم في عام 1975، وكأن العراق لم يستقل منذ عشرينيات القرن العشرين.


وهكذا بدأ الإحماء من جديد، ودق طبول الحرب، على يزيد والامويين والعرب لاسترجاع الذاكرة الدموية للحرب، وبدأ الحديث عن الحقبة الصدامية والصداميين بتكرار ممل، وكأن الرجل خرج من قبره التو وأعاد احتلال حقل الفكَّة البارحة، وشن من ميسان على ايران حرب القادسية الثالثة.


لا ندري متى تعرف إيران مواقع حدودها مع العرب سواء في البر العراقي، أو في مياه أو جزر الخليج العربي الذي لازال الإيرانيون وأتباعهم ينعتونه بالفارسي ويحتلون فيه ثلاث جزر عربية هي طنب الصغرى والكبرى وأبي موسى، وتتوجه أبصارهم على البحرين والكويت والاحساء والقطيف وغيرها.


إن المغامرين، خدام التورط الامريكي في العراق وافغانستان والباكستان، يحققون طموحاتهم بتكبيل "الشيطان الاكبر" بحبال أفعاله في التوسع والمغامرة بالغزو لأراضي الغير، ومن ثم إسقاطه في المستنقعات الاحتلالية. وانهم ماضون في مخططاتهم، ولا يضع أحد لتلك الطموحات التوسعية في المنطقة إلا وعي الشعوب لكي لايضعوا المنطقة مرة أخرى في أُتون حروب جديدة؛ كي يَُّسجلوا على ثرى هذه البلدان ويرسموا معالم مقابر جماعية قادمة تحتها جماجم الملايين من الضحايا من جنود ومدنيي هذه البلدان.


وهكذا فان السيد قمي والناطقين الرسميين للحكومة الايرانية لايَرَّون أبداً علامات ترسيم الحدود بين البلدين، طالما تدفعهم رؤية ظروف العراق المكبل بالاحتلال الى الاطماع من جديد لرؤية الحدود الايرانية العراقية مفتوحة أمامهم من دون دفاع وجيش وحكومة ودولة، ومنهم من يراها حدوداً إيرانية مرسومة في ذهن الملالي تمتد الى بغداد، برصافة مرعوبة بالتفجيرات، وبجانب كرخ تتقاسمه مليشيات الطوائف، فالمغامرة الايرانية في تطلعاتها مارة اليوم بنفوذها عبر قلاع الجادرية وندينة الصدر الى منبر جامع براثا، حيث يخطب ويخطط ويحرض صغيرهم جلال الدين على إبتلاع العراق من زاخو الى جنوب الكويت ، من نينوى الى بادية الزبير، ومن الفكَّة الى البوكمال فدير الزور. وهكذا يُرسَم لكل عميل دور. لكن الدنيا ياصاحب الزمان شعبي الصابر ستدور دورتها.


وان غدا لناظره قريب.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ٠٣ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢٠ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور