ماذا يؤشر الاستفتاء السويسري ؟ وما المطلوب عربيا وإسلاميا ؟

﴿ الجزء الأول ﴾

 
 
 

شبكة المنصور

عبد الله سعد

المفروض أن تعي كل شعوب الأرض خصوصا العرب والمسلمين، ماذا يعني إجراء الاستفتاء في سويسرا التي تدعي في دستورها غير المحترم من مواطنيها وسياسيها حياديتها واعتمادها الديمقراطية كنظام اجتماعي بين مواطنيها وكفالته كحرية المعتقد والفكر وماذا تؤشر النتائج التي تمخضت عنه ؟


إن مجرد الموافقة على الاستفتاء في أمر يعارض الدستور يعني وجود نية مسبقة واستعداد لدعم التطرف ضد الأقليات المسلمة في سويسرا من قبل الإدارة والبرلمان والأحزاب الكبيرة في سويسرا ؟ ويعني أيضا إن البرلمان والإدارة السويسريان لا يحترموا الدستور وإنهم إما أن يكونوا غير قادرين على مواجهة الضغط اليميني المتطرف والمنهج الشوفيني المتعصب الذي بات أقوى من منهج النظام عموما أو إن التغيير السلبي قد طال الكل وصار مؤثرا إلى حد كبير في بلادهم أو تواطئهم بل دعمهم له، أو انتقاله من مجرد منتج يميني متطرف إلى مرحلة اعتماده استراتجي جديد في الممارسة الاجتماعية الشعبية لهم وسيتطلب ذلك تغير الدستور والإعلام والمنهج الفكري والثقافي لبلدهم ومنظومتهم الفكرية عموما؟


أن تنامي التطرف العنصري والمتطرف في سويسرا يؤشر نمو ثقافة أخرى وتوجه عدائي ضد الأخر وهم المسلمين سواءا السويسريين أو المقيمين لأي سبب فيها، وهذا يشكل انحرافا خطيرا في المنهج الفكري والسياسي والثقافي للشعب السويسري، وهذا الأمر لا ينتج في يوم وليلة بل هو نتاج جهد فكري وتنظيمي وإعلامي كبير؟ فان كانت سويسرا كما ينص دستورها معادية للحرب والعدوان والإرهاب والتمييز العنصري والديني كيف نشأ وتطور ونمى وصار يشكل منهج شعب وأمة ودون علم ودعم ورعاية مؤسسات وهيئات وأحزاب فاعلة ؟


انه يعطي مؤشرات لها دلالات خطيرة ومخيفة في العلاقات الدولية والبينية وارتداد عن منهج البشرية قرونا عديدة، بل يعني تدهورا في قيم الحضارة والتمدن واحترام الرأي الأخر وعودة إلى تصعيد الكراهية والبغضاء والصراع بين الشعوب، وهذا منهج خطر على البشرية جمعاء وهيئاتها بدءا من هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها مواجهته بشكل جدي وفاعل، لأنه يمهد إلى منهج وفكر وسلوك خطير يوفر مناخا مناسبا وبيئة مثلى وأرضية خصبة لنشر ثقافة الإرهاب وتوسيع رقعته في العالم ويمهد لنمو كل أنواع التهديد إن لم يكن تقويضا كامل للسلم والأمن الدوليين.


إن مراجعة بسيطة لمجمل الحراك المشابه في دول أوربا الأخرى وأمريكا خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية يجعل كل مدرك أن هناك منهج ناشط وبدأ يكون فاعل ومؤثر فيها وتحاول الدوائر الإعلامية والمخابراتية والسياسية في القارتين الأوربية والأمريكية تزويقه بأنه مجرد نشاط فردي أو من جماعات يمينية متطرفة محدود في حين أن الحراك الواسع لهذا التيار النشط والنامي في بريطانيا وهولندا والدانمرك والنرويج والبرازيل وما أفرزته مقتل العربية المصرية المسلمة المحجبة والاعتداء على طالبة جامعية محجبة بعد شهر من الحادث في ألمانيا والإحداث في المناطق الفقيرة التي تضم الجاليات المسلمة والعربية في أحياء باريسية وموقف الإدارة الفرنسية من الحجاب والقيم الإسلامية التي تعني رفض الأخر، كل هذا يعني أن هناك نحول فكري وثقافي وسلوكي معادي للتطور الحضاري والقيمي للبشرية، وهو تحول خطير ومخيف يهدد البشرية وحياتها ومستقبلها وسلامها وأمنها وقيمها، ويمثل ردة كبيرة لقيم الإنسانية وتراثها الأخلاقي والفكري والقانوني .


هنا نتساءل بجدية والأسئلة موجهة لجميع المعنيين بالأمر هيئات دولية وإقليمية وإدارات وبرلمانات ومؤسسات ومنظمات صداقة وحقوقية ومناهضة للحرب والعداء بين الشعوب والجمعيات الإنسانية والقانونية وجميع منظمات المجتمع المدني في العالم مجموعة أسئلة أرجو أن يهتموا بها اهتماما كبيرا وهي الأتي:


هل الشعوب الغربية معادية للشرق ؟
هل هناك رفضا عاما بين شعوب الشمال والجنوب ؟
هل نمو هذا النهج الخطير بل المدمر للبشرية والإنسانية ولد بدون أن يكون خلفه من يؤدلج له وينميه ويموله ويغذيه ويوظفه لأهداف معادية للبشرية ويسعى لتوسيعه ونشره وتعميمه ويهيئ له المناخ والحماية والدعم والتمويل ؟
هل الإدارات والأحزاب الكبيرة والفاعلة في مجتمعاتها بعيدة عن إسناده وغير متورطة بهذا المهج الشوفيني العدائي العنصري ومناهضة له ؟


كيف ينظر مثقفو الغرب ومنظماتهم المناهضة للعنصرية والعداء بين الأمم والشعوب لنمو هذا النهج المدمر؟ وهل كانوا غياب عن الساحة أم هناك من هم اكبر قدرة على التحرك وإقناع الشعب بأفكار منحرفة وظلامية هدامة ؟ وما هي إجراءاتهم للتصدي له؟ وما هي خططهم الفكرية والإعلامية والعملية لمواجهته والتصدي له ولدعاته ومموليه وناشريه؟ هل لغة البغي والعداء والعنصرية والبغضاء أقوى للنمو والانتشار من لغة الحوار والتسامح والتعاون والشراكة والتكامل والحوار الايجابي والسلام والاحترام ؟ هل الأشرار أكثر فاعلية وقدرة من الأخيار؟


أين الإدارات الأوربية التي تحشدت تضليلا مع أمريكا زعيمة الإرهاب بعد تهديد المجرم الدولي بوش دبل يو الكلب وبتحالف صهيوني مدعوم من المجرم بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق وخليفته جوردون براوين، أن كانت فعلا مضللة أو هي من المشاركة في نشوء وتوسع وتمكن هذا النهج المعادي ؟


ما هو موقف إدارات الدول الكبرى التي يردد رؤسائها إنهم أعلنوا حربا عالمية ضد الإرهاب والتطرف، وما هو دور مؤسساتهم الاستخبارية والفكرية ؟ أن كانوا فعلا مناهضين للإرهاب ونموه وانتشاره وتوسعه؟ وهل مسموح نموه في مجتمعاتهم وبين شعوبهم وغير مسموح للآخرين ؟ أم هم ورائه ؟ وهل هم جاهلون ما ستكون نتائجه الوخيمة على البشرية حيث أن قانون الطبيعة والفكر يؤكد أن لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومعاكس له بالاتجاه ؟ فتنميتهم للتطرف والعداء والشوفينية في مجتمعاتهم وغض الطرف عن دعاته ومموليه وصانعيه يعني من حيث يقصدوا أو لا يقصدوا تنمية ونشرا وتوسيعا للإرهاب العالمي؟ وهذا يعني إنها تكذب كما كذبت في عدوانها وغزوها واحتلالها للعراق بلد الحضارة والسلام والمحبة والتعايش السلمي والتسامح ونموذجه الإنساني .


إن نمو هذا المنهج الفكري العدائي والسلوك العنصري الفاشي هو نتاج الفكر والإستراتيجية الإرهابية العدوانية والإعلامية للإدارات الأمريكية والبريطانية المتصهينيتين طيلة العقدين الماضي والحالي أي إدارات أمريكا في عهد المجرمين الدوليين بوش الأب وبوش الصغير وبلير، فأين المحكمة الجنائية الدولية منهم ؟ وما هو دورها القانوني والأخلاقي عندما يكون رئيسا ما أو سلطة تسبب كل هذا التهديد والتداعي للأمن والسلم العالميين ؟ أم هي متخصصة بالدول الصغيرة والفقيرة كالسودان والبوسنة وغيرها ؟


إن التداعيات الفكرية والسياسية والعسكرية التي نتجت أثر انهيار الاتحاد السوفيتي وموافقة تفرد أمريكا كدولة عظمى مهيمنة على العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا مع صعود ما اسماهم الإعلام بالمحافظين الجدد والمقصود المتطرفين من الإنجيليين الموافقين والمتحالفين مع الصهيونية فكرا ومنهجا ومخططات هي التي أنتجت وشجعت ومولت ونمت هذا الانحدار الفكري والثقافي في أوربا وأمريكا، والذي لابد للبشرية من مواجهته بحزم ضمن منهج فكري وسياسي وثقافي منظم ومخطط لأجل تدارك البشرية ويلاته ومخاطره.


هذا الأمر مسؤولية إنسانية أخلاقية وسياسية لكل شعوب العالم ومؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني وأيضا مسؤولية كل إدارات وحكومات الدول وأي تأخر عن التصدي له يمثل انحرافا وتسهيلا لدعاته للتمادي في الغي والتوسع، لان الأمر اخطر من مسألة التغير المناخي الذي يهدد البشرية، واخطر من انتشار الأسلحة النووية، انه سلاح تدمير البشرية وقيمها وحضارتها ومدنيتها الإنسانية كلها. للمقال بقية إنشاء الله.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الخميس / ١٦ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٣ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور