جدار الجوع والقهر والخذلان

 
 
 
شبكة المنصور
عبد الكريم بن حميدة
كأنّ غزّة لا تكفيها الحرب.. ولا يكفيها الحصار....
إذن فليكن الجدار.. وليكن من فولاذ..


لا أظنّ أحدا كان يتوقّع ما يحدث هذه الأيّام على حدود مصر مع قطاع غزّة.. لا سيما أنّه يحدث في توقيت تقول فيه المنظّمات الإنسانيّة الدوليّة إن العالم خذل غزّة، وفي وقت يستحضر فيه الأحرار صور الموت والدمار التي ألقى بها الصهاينة على قطاع غزّة قبل عام.


عندما نتذكّر أيضا أنّ الرئيس المصريّ محمد حسني مبارك سبق أن قال إنّه لن يسمح بتجويع فلسطينيّي غزّة تتبادر إلى الذهن أسئلة بديهيّة: لم الجدار إذن؟ ما وظيفته؟ لمصلحة من؟ من يموّل بناءه؟


بعد فترة الصمت التي لزمها المسؤولون المصريّون نطقوا.. اعترفوا بأنّ مصر شرعت في بناء جدار فولاذيّ على طول حدودها مع غزّة. اعترفوا أوّلا ثمّ برّروا. أحمد أبو الغيط وزير الخارجية أكد أنّ من حقّ مصر فرض سيطرتها على حدودها، وصيانة أرضها، ويجب ألا يسمح أيّ مصريّ بانتهاكها.


واضح من تصريحات أبو الغيط وغيره من المسؤولين المصريّين أنّهم ظلوا يتداولون تبريرا واحدا هو السيادة المصريّة. ولا نعتقد أنّ أحدا ينازعهم هذه السيادة أو ينتهكها أو يشكّك فيها. فهم سادة في أرضهم.. سادة على حدودهم.. ولا أعتقد أنّ الفلسطينيّين كذلك يشكّكون في سيادة مصر على برّها وبحرها وسمائها..
تحضرني مقاطع من قصيدة الشاعر الفلسطينيّ سميح القاسم:
كلّ سماء فوقكم جهنّم..
وكل أرض تحتكم جهنّم..


هذا الخطاب كان موجّها إلى الصهاينة تأكيدا على أنهم "عابرون" وعلى أنّ المقاومة لهم بالمرصاد أينما توجّهوا.. ماذا لو قارنّا هذا الخطاب بالوقائع التي تجري على الأرض منذ سنوات لا سيّما بالنسبة إلى الفلسطينيّين في غزّة؟ السماء ليست ملكهم، فمنها تأتيهم كلّ الحمم وكلّ أنواع القذائف والصواريخ والأسلحة المحرّمة دوليّا.. والمنشورات التي تدعوهم إلى الاستسلام.. والأرض هي التي تشهد يوميّا عمليّات القصف والتوغّلات والاعتقالات والاغتيالات.. والبحر لا مورد رزق للفلسطينيّين فيه، إذ تسرح الزوارق الحربيّة الصهيونيّة وتطلق نيران أسلحتها حتّى على قوارب الصيد الفلسطينيّة..


اكتملت أضلاع المثلّث: سماؤهم جهنّم.. وأرضهم جهنّم.. وبحرهم جهنّم..


قبل الجدار لم يكن للفلسطينيّين سوى باطن الأرض.. رحمها، فهو مثلما يقولون الرئة التي تتنفّس منها غزّة.. الأرض كانت أكرم منّا جميعا وأرحم. عبر الأنفاق التي يحفرونها استطاعوا أن يتحدّوا الحصار الظالم الذي فُرض عليهم منذ حوالي أربعة أعوام وأن يستوردوا من شقيقتهم مصر الغذاء والدواء والآلة والقرطاس والقلم.


بعد أن أطاح الفلسطينيّون بالحدود في جانفي 2008 أنشأت السلطات المصريّة جدارا إسمنتيّا وصخريّا فوق سطح الأرض بارتفاع ثلاثة أمتار.. لكنّ ذلك لم يكن كافيا لـ"منع انتهاك السيادة المصريّة".. فكان لا بدّ من جدار آخر.. ولكن هذه المرّة تحت الأرض. لن تعود الأرض وحدها جهنّم.. فبطنها سيصبح جهنّم على الفلسطينيّين..
بعد الجدار سيكونون تحت رحمة "إسرائيل"، ولن يكون بإمكانهم أن يحيوا..


التقارير تتحدّث عن جدار سيقام بعمق 30 متراً تحت الأرض على امتداد حوالي 10 كيلومترات. وسيكون الجدار من الفولاذ الذي يصعب اختراقه أو صهره، فألواح الصلب هذه تمّ تصميمها وصنعها في الولايات المتّحدة الأمريكيّة بعرض 50 سنتيمترا وطول 18 مترا، مثلما تمّ اختبار فعاليّتها عبر تفجيرها بالديناميت. أي أنّه سيكون من الصعب حفر الأنفاق التي تنقل أسباب الحياة إلى الفلسطينيّين.


المسؤولون المصريّون يتذرّعون دائما بالالتزامات الدوليّة.. أليس ثمّة التزامات عربيّة أو إنسانيّة توجب عليهم فتح البوّابات أمام تدفّق أسباب الحياة للفلسطينيّين؟ ألم يقل الرئيس المصريّ مبارك إنّه لن يسمح بتجويع الفلسطينيّين؟

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٠٩ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢٦ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور