النفط العراقي من التأميم إلى التفريط

 
 
 
شبكة المنصور
عبد الكريم بن حميدة
بين عامي 1972 و2009 مسافة زمنية كافية تلخّص قصّة النفط العراقيّ.


التاريخ الأوّل هو تاريخ تأميم النفط العراقيّ.. والتاريخ الثاني هو تاريخ بيعه والتفريط فيه للشركات الأجنبيّة.
بعض المحللين يرون أنّ تأميم النفط العراقيّ كان العامل الأوّل الذي أدّى إلى غزو العراق واحتلاله، مثلما كان تأميم قناة السويس العامل الذي أدّى إلى شنّ العدوان الثلاثيّ على مصر الناصريّة.


استمرّت معركة التأميم في العراق فترة من الزمن حاولت أثناءها الاحتكارات الغربيّة إرباكها وإفشالها من خلال الضغوط والتهديدات. لكنّ عمليّة التأميم نجحت في إعادة الثروة النفطيّة العراقيّة إلى أصحابها الشرعيّين مدشّنة عصر البناء الفعلي لأنموذج من نماذج النهضة القوميّة للأمّة العربيّة.


هل انتهت قصّة التأميم إلى الفشل؟ بمعنى آخر هل نجح الاستعمار في إجهاض التجربة العراقيّة ووضع يده على النفط العراقيّ؟


الجواب على هذه الأسئلة يحتاج إلى إلقاء نظرة على ما حصل في العراق في الأشهر الأخيرة بخصوص موضوع النفط. فلقد أجرت حكومة الاحتلال الرابعة جولتي تراخيص بموجبهما تمّ بيع النفط العراقي لعقود قادمة لشركات أجنبيّة متعددّة أغلبها عبارة عن ائتلافات عالميّة عملاقة من أمريكا وروسيا وهولندا والنرويج واليابان والصين وماليزيا وفرنسا وغيرها. وقد ادّعت حكومة الاحتلال أنّ الشركات الفائزة بالتراخيص ستقوم بتطوير الحقول النفطيّة العملاقة، الأمر الذي  سيؤدّي إلى رفع طاقة الإنتاج العراقيّة إلى نحو 12 مليون برميل من النفط يوميّا في غضون سنوات قليلة.


ومع ما في هذه التصريحات التي أطلقها "وزير النفط العراقي" حسين الشهرستاني من مبالغات وادّعاءات بيّن الخبراء بُعدها عن الحقيقة ومجافاتها للواقع النفطيّ العراقيّ، فإنّ ما يلفت الانتباه أنّ أطراف الائتلاف الحاكم في المنطقة الخضراء نفسها لم تتّفق على طبيعة التراخيص التي أسندت إلى الشركات الأجنبيّة ولا على قانونيّة هذه التراخيص. 


فقد أكد مقرّر لجنة النفط والغاز في مجلس النواب العراقيّ النائب أسامة النجيفي "أنّ هناك اعتراضا من قِبل عدد كبير من النوّاب على هذه العقود". ووصف النجيفي العقود المبرمة مع  الشهرستاني ونوري المالكي بغير القانونيّة، "لأن أي عقد مع شركة أجنبيّة يتطلب تشريعا من البرلمان، وهذا ما لم يحصل. فالحكومة ألغت مجلس النوّاب ووقّعت العقود وحدها مع شركات أجنبيّة وفق مرحلتين".


لننتبه إلى أنّ الحديث يتعلق هنا بأكبر الحقول العراقيّة التي تحتوي على أضخم احتياطات نفطيّة في العالم شأن حقل "مجنون". وحكومة الاحتلال لم تكلف نفسها عناء طرح هذه العقود على مجلس النوّاب معتبرة أنّ عرضها على مجلس الوزراء كاف لمنحها الشرعيّة والقانونيّة الضروريّتين لتثبيتها.


أمّا رئيس لجنة النزاهة في البرلمان العراقيّ النائب صباح الساعدي فقد عرّج في حديثه عن هذا النهب المقنّن على تصرّف الحكومة في عائدات النفط العراقيّ قائلا: "إن النفط العراقيّ يتعرض لأكبر عملية نهب، وإن عمليات البيع والشراء يشوبها الكثير من الشكوك". وأكد الساعدي على "أن وزارة النفط تبيع وفقا لعقود أقل من سعر السوق بـ17 دولارا"، مشيراَ إلى "أن ما يصدَّر هو أكثر من مليونَي برميل يومياً، وأنه بعملية حسابيّة بسيطة نجد أن ما يهدر أو ينهب من واردات النفط يوميا يقدر بـ34 مليون دولار" كاشفاً النقاب عن "200 ألف برميل تصدّر يومياً، ولا يعرف إلى أين تذهب، وذلك طبقا لتقارير التصدير التي تعلنها عدّة جهات وهي لجنة النفط في مجلس الوزراء".


إنّ هذا الانتقاد الواضح لتعامل حكّام المنطقة الخضراء مع الثروة النفطيّة العراقيّة لا توجّهه معارضة سلميّة أو مسلّحة وإنما تكشف عنه أطراف من داخل العمليّة السياسيّة نفسها. وبقطع النظر عن أهدافها أو خلافاتها مع نوري المالكي فإنّ ما يقف عليه الجميع الآن أنّ النفط العراقيّ معرّض لعمليّة نهب بشعة تصحبها عمليّة خداع وتضليل تحاول إيهام العراقيّين بأنّ ما يحصل لا يستهدف سوى تحسين البنية التحتيّة للمنشآت النفطيّة العراقيّة ورفع سقف الإنتاج اليوميّ لتحسين الخدمات المقدّمة للمواطن العراقيّ!! 


أمّا الحاصل فعلا فهو أنّ العقود التي وقّعتها وزارة النفط العراقيّة الحاليّة مع الشركات الأجنبيّة إنما تجري تحت أقنعة كاذبة من خطط للتنازل عن ثروات العراق النفطيّة والغازيّة وإناطتها من جديد بأيد أجنبيّة والتنازل عن جزء كبير من إيرادات العراق بحجج الحاجة للخبرات والرساميل الأجنبية والتكنولوجيا.


وفي ظل غياب أيّ تشريع لقانون للنفط والغاز فإن ما يسمّى بحكومة إقليم كردستان وقّعت 22 عقدا نفطيّا بمفردها أي دون الرجوع إلى الحكومة المركزيّة في بغداد ولا حتى لبرلمان الإقليم نفسه، فيما سرّعت وزارة النفط العراقيّة تنفيذ خططها وتعاقدت مع الشركات الأجنبيّة لا بخصوص الحقول المكتشفة وغير المطوّرة فحسب، بل إنّها وضعت في أولويّاتها حقول النفط المنتجة العملاقة والتي بقيت مستمرّة في الإنتاج على مدى عشرات السنين وما زالت تحتوي على الجزء الأعظم من الاحتياطيّات النفطيّة العراقيّة.


أمّا ما لم يقله المالكي ولا الشهرستاني فهو أنّ استحداث شركات مشغّلة جديدة يعني بالضرورة تفتيت شركتي نفط الشمال ونفط الجنوب، وكلاهما شركتان عملاقتان توظّفان أكثر من (15) ألف منتسب وتنتجان أكثر من مليونين ونصف المليون برميل في اليوم ولهما خبرة تزيد عن ثلاثة عقود في إدارة حقولها النفطيّة والغازيّة وتشغيلها حتّى خلال أسوأ الظروف من حروب وحصار. إن ذلك لا يعني فقط تنازلا غير مبرّر عن الجهد الوطنيّ في إدارة حقوله النفطيّة وتسليمها إلى شركات مشتركة تحكمها وتتحكم بها جهات أجنبيّة، بل يمثّل إنهاء مأساويّا لدور شركتي نفط الجنوب والشمال وغيرهما من الشركات التي كانت تعتبر دائماً إحدى ركائز الثروة الوطنيّة التي لا يمكن التفريط فيها .


من الطبيعي بعد كل ما حدث ويحدث في العراق ألا يتورع بضعة جنود إيرانيّين تسندهم بضع مدرّعات عن احتلال بئر نفطيّة عراقيّة في ميسان جنوب العراق. وهو الحادث الذي كشف حرص المالكي وأعوانه على الثروة النفطيّة العراقيّة ودفاعهم عنها في مواجهة الأطماع الإقليميّة والدوليّة!!!


إنّ كل العقود التي وُقّعت لن تكون لها صلاحيّة أو قابليّة للحياة إلا بمقدار الصلاحيّة التي "تمنحها" المقاومة العراقيّة لبقاء الاحتلال. والشركات الاحتكاريّة التي فازت بغنيمة النفط العراقيّ تدرك قبل غيرها أنّ هذه العقود ستُنقَض لاحقا في أيّة حكومة وطنيّة قادمة أو برلمان وطنيّ معبّر عن إرادة الشعب.


أمّا رئيس حكومة حزب الدعوة نوري المالكي الذي كان حاضرا في المزايدات أثناء جولة التراخيص الثانية، فإنّه بالتأكيد لن يشهد حفل تمزيق هذه العقود إذ لا مكان له في عراق عربيّ حرّ. 

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٠٩ مـحـرم ١٤٣١ هـ

***

 الموافق  ٢٦ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور