غفوة الصحوات وصحوة الغفوات

 
 
 
شبكة المنصور
ا.د. عبد الكاظم العبودي
رحم الله شاعرنا الجواهري حين إستفز نيام العراقيين يوما فقال :


نامي جياع الشعب نامي
حرستك آلهة الطعـــام
نامي وان لم تشــــــبعي
من يقظة فمن المنــــام
نامي على زبد الوعــود
يُداف في عسل الكـــلام
ويرحم الله غدا من يقولها الان مرة اخرى:
نامي شِيَّعِ العراق نامــــي
حرستك صحوات الإمام
نامي سُنَّنِ العراق نامـــــي
حرستك همرات العم سام


يبدو ان مورفينات البيت الابيض لم تعد قادرة هذه الأيام على استكمال تنشيط مفعول الغفوات منها والصحوات، وبدأت تتدخل إدارة الاحتلال في كل لحظة بعمليات قسرية في علاجات التهدأة الطائفية من أجل تمرير آخر أمل لها في تمرير إنتخابات العراق في ظل الاحتلال. وها هي "مدام كلنتون" و "المسيو روبرت جيتس" يداومون إستعجاليا ما بين عيادات بغداد وإسلام آباد وكابول. ويحرص العم سام حسين أوباما على تكليف مراسيله ويطمئن المستغيثين به، ويبعث غزله عبر بريد زوار الفجر البغدادي الى وكلائه كلما اشتد وطيس الصراع المحتدم بين المماليك على ما تبقى من كعكة الاحتلال.


ويتواجد افراد الإدارة الامريكية ببغداد خلف الكواليس وأمامها كلما اشتد صراع عملائهم على إقتسام بقية المغانم تارة، وتارة تستدعي عمليات التنشيط المستعجلة إزعاج بعض كياناتهم السياسية التي إستطال لسانها بالتفرد بخطاب السلطة وتجاهل الامريكيين، لذا يستوجب قطعها وإيقاظها عن حال مناماتها وأحلامها وهي تغط بدرجات أعلى من الشخير الطائفي في ظل إستمرار ليالي بغداد المحروسة بأكياس البخور والحرمل التي يبشر بها الملالي والآيات ومشايخ طرقية عبد الغفور السامرائي لتأكيد مقولة ثبت بطلانها في العراق "دار السيد مأمونة" بعد استكمال المملوك نوري الثاني خطة أمن بغداد وفوزه بصولة الفرسان وهروب جيش المهدي وقائده أمامه بصفقة ايرانية تمت على المكشوف والمباشر.


وكما إنتهت صفحة الصحوات ومجالس الاسناد وحلقات الذكر الطيب لشيوخ عشائر الكارتون الذين يتقافزون اليوم كالارانب المذعورة ما بين خيام الكيانات الكارتونية على الطريقة الأمريكية ببطولات فارغة تشبه لعبة توم وجيري في الكر والفر ما بين أطراف العملية السياسية.


لقد بدأ العد التنازلي للتصفيات الحقيقية للتهالك على المقاعد الـ 325 الموعودة لمجلس بني "وي وي" أو لبنات آوى المجتمعين عند "جرداغ" المحتل الامريكي في المنطقة الخضراء، وبات على كل من "توم" و"جيري" أن يأكلا ذيول بعضهما البعض في نهاية الفلم الامريكي قبل الندم بأكل أصابعهما كاملة.


الادارة الامريكية، كمن يستجير بالرمضاء بالنار. ظنت أن الشرق الاسلامي المحتل من كابول الى بغداد متماثلا في عبوديته أمام الدبابة الامريكية، ورخيصاً في مواقفه إزاء أطماع خزانة الدولار الامريكي الأخضر عندما حاولت أمريكا إعادة تجربة الصحوات وسحب مقاساتها، ومسطرتها الاحتلالية من بعض مناطق العراق الى أفغانستان وباكستان لإعلان تشكيل آخر في الصحوات الأفغانية والباكستانية والبلوشستية بنفس آليات الطريقة العراقية. ظن خليل زاده أن نجاحها بات مضمونا كما في حالة صحوة الانبار وأخواتها العراقيات كصحوة الفضل أو بعقوبة والاعظمية.. وغيرها.


قبل عام ونيف تجاوزت فواتير تكاليف حرب الاحتلال الامريكي للعراق شهريا السبع مليارات دولار من دون جدوى ملموسة في سحق المقاومة العراقية الباسلة، عندها توقفت الادارة الامريكية لتعرف كم هي كلفة تصفية المقاومة العراقية وإخضاع شعب العراق بالمال من دون سلاح أو قتال مع جند الأمريكيين. لجأت الى عملية حسابية رخيصة وغبية في آن واحد، عندما ظنت إن كل مليار دولار امريكي يمكن ان يُشترى به ألف شيخ وتوابعه من الاقزام لإعلان موقف الولاء للاحتلال. وكانت الخطوة الاولى بصحوة أبي ريشة وغيره من خلال شراء ذمته على حساب إسم وسمعة أبناء عشيرته وجهاد أهلنا المشرف في الانبار وهكذا تم بيع موقفهم الوطني بثمن بخس وبمساومة مُذلَّة لبقاء الاحتلال.


وعلى قاعدة حَسْبَة المليون دولار لكل "رأس وفوقه عقال"، أي مليون دولار لكل شيخ وأتباعه يمكن ضمان تراجع موقف العشيرة وراءه وإصطفافها وراء ظل دبابة أمريكية بمقابل ما يقدم لها من صكوك خضراء للشيخ وبطانته، ومعها حضوة ووجاهة وتجنيد بطاليه في شرطة وجيش وادارة المالكي، إضافة الى وعود بتقاسم مغانم بقايا السلطة مع عصابات البيشمركة وبدر ومليشيات الدعوة والمؤتمر الجلبي ومثيلاتهما.


وهكذا كان حساب كلفة صحوات العراق مُقاسة بما يُقابل قيمة كل قبيلة وأفرادها المنخرطين في صف إدارة الاحتلال، وبما تقبضه من ريعه ومغانمه واختلاساته ونهبه لاموال العراق. وهكذا سجل الشيوخ عناوينهم وأسماء عشائرهم ورهنوا وطنيتهم وشرف أبنائهم من دون خجل بادارة ظهورهم لمحنة الوطن وعذاباته كي يتمتعوا بالذهاب للاسترخاء المؤقت في قاعة وفندق المنبطحين في خيمة الاحتلال، وليأخذ البعض منهم حصته من الشخير باسم "صحوة" زائفة مُعلَنة في حدود مقاطعته العشائرية بانتظار أُعطيات المجلس النيابي القادم.


كثرت الوعود الامريكية حينها، ولكن حبل الكذب الأمريكي لا يمكن ان يكون طويل الامد والصدق بعهد يقدمه المحتل الغازي لعبيده ومماليكه. وفي الوقت الذي بدأت تتبخر به أحلام المنبطحين في غرف فندق إحتلال العراق، بدأت بعض من صحواتهم المتأخرة تكتشف تآمر الإدارة الامريكية وخستها ضدهم عندما بدأت تقدمهم طعوماً سهلة القنص والتفخيخ الانتحاري لإدارة حكومة الاحتلال المملوكية الرابعة،.


كنا بدأت صحوة أخرى للإدارة ألامريكية الصادمة لنفسها في أفغانستان باكتشافها أن شيوخ قبائل أفغانستان ومجاهديها ليسوا من طينة أقرانهم في بعض مناطق العراق من الذين باعوا ذممهم وقبلوا التعاون مع حكومة المالكي بوساطة أمريكية لأجل مصالح فئوية وشخصية.


فهناك تَمَثَّلَ الإباء الأفغاني بوضوح برفض قبول أمثال كارازاي وإنتخاباته ومهازل حكومته، أين رفضت القبائل الأفغانية المجاهدة الإنخراط في لعبة العملية السياسية الامريكية القذرة الجارية تحت الاحتلال ومشهدها اليومي في ذبح اليومي ألافغان والباكستانيين، ورفض قبولهم تكرار صفقات تشكيل الصحوات العراقية في بلاد الافغان باسم مكافحة القاعدة والطالبان. وهنا تكرر مشهد الصدمة والترويع معكوساً بوجه الإدارة الامريكية وجيشها وحلفائها مُؤذِناً ببدء الهزيمة العسكرية المحتومة فعجلت رموز الادارة وعساكرها بالإعتراف الصريح والرسمي أمام جلسات الكونغرس الامريكي بإعلانها استحالة تحقيق أي نصر سيُذكر لها في افغانستان حتى على مدى 24 عاما قادمة.


وهكذا سقطت صحوات أمريكا في أفغانستان وباكستان، وها هي تبدأ أيضاً بالسقوط والشروع بالعد التنازلي لصحوات العراق بدء بحملات تغيير الولاءات للعديد من الصحوات وانتقالها بين ألوان الأطياف الطائفية أو إندماجها في الكيانات السياسية الاحتلالية التي ظهرت كفقاقيع الفطريات حتى تجاوزت الستمائة كيان مشبوه .


باتت الفضائيات الاعلامية والأخبار العاجلة مشغولة بإعلان سقوط الصحوات في أفغانستان وباكستان والعراق ويكتشف الرأي العام عُمق خرابها الأخلاقي والإجتماعي ومفاسدها في العراق؛ كونها لم تُقَدم نموذجا يُحتذى به في الموقف الوطني المقاوم للاحتلال، وعندما أنتهت أدوار ومشاهد تمثيل شيوخ الصحوات لأدوار المصالحة الوطنية الى المنافقة لا غير إرضاء للموقف الامريكي، واللعب ضمن حدود خيمة السيرك الامريكي وملهاته، وبعد الصحوات تبعتها مجالس الإسناد لطوائف الإعتلاف السياسي الحكومي لتقلب هذه المجموعات لبعضها البعض ظهر المحن وتتبادل الموالاة لمن غلب.


ان الاخطر ما في الامر هنا دخول البعض في لعبة التصفيات الدموية وشروع أجهزة المالكي بتصفية المشكوك بأمره، بدء بالتفجير إلانتحاري في الصالة الرئيسية لفندق المنصور ببغداد أواخر جوان من عام 2007 الذي إستهدف إجتماعا لزعماء عشائر سنية محسوبة على مجلس صحوة الأنبار، قيل حينها ان الشيوخ كانوا في لقاء مع احد المسؤولين ضمن اطار عملية المصالحة الوطنية (...) وكانوا على وشك المغادرة عندما فجر الانتحاري نفسه بينهم. من بين القتلى الاثني عشر كان محافظ الأنبار الأسبق وشيخ عشيرة البو نمر الشيخ فصال الكعود وثلاثة من أفراد حمايته، والشيخ عبد العزيز الفهداوي شيخ عشيرة فهد، والشيخ طارق صالح العسّافي شيخ عشيرة البو عساف، والعقيد فضل النمراوي، وهو من شيوخ البو نمر أيضا . ومن بين القتلى اللواء عزيز الياسري مستشار وزير الدفاع. وآخرين. ولم يكشف أي من الاطراف عن هوية الفاعلين، رغم أن معظم القتلى كانوا من شيوخ عشائر الانبار وفي قيادة صحوة الأنبار.


ومنذ ذلك الوقت لا يمر يوم الا ومعه خبر تصفية او اغتيال او هجوم على موقع او نقطة سيطرة تابعة لاحدى الصحوات. وعندما اندفع شيوخ الصحوات في مساومات قوائم الترشيح للانتخابات القادمة تفقد قواعد الصحوات ولاء أفرادها الاحياء وتزداد قائمة القتلى ما بين قنص وتفجير وإغتيال واعتقالات باسم مداهمات دوريات دولة القانون أو الاعتقال لمطلوبين للسلطة أو هجومات من لدن عصابات مجهولة تأتي بلباس زي شرطة المالكي وخطة أمن بغداد. والتهمة الجاهزة في كل الاحوال هو التعاون مع القاعدة او البعث الصدامي.


يجري كل هذا والمسكوت عنه وهو الكثير بات معروفاً عند بعض الشيوخ للعشائر ومعهم عمائم وطرابيش ومرتزقة ومرتدين وملاحدة يلتحقون زرافات ووحدانا بباب الخزنة النفطية ضمن الكيانات المطلوب ترشحها وتشكيلها باسم القوائم الوطنية ليرضعوا معا من سم صحواتهم مالا وسحتا حرام، وينتهون الى حيث قادتهم مهالكهم مجرد رصيد إرتزاق في حسابات المحتل ليس غير. الصحوات كلها تداعت واستيقظت قواعدها وأعلنت بعضها حقيقة صحواتها الوطنية التي يجب ان تكون واقعا بعد غفلة، ولكن بعض الشيوخ لازالت ضمائرهم لم تصحوا بعد وهم يغرقون ويتشبثون بالخطأ وتأخذهم العزة بالإثم.


لقد نقلت صور التجمعات الصَّحوَوِية أمثال الشيخ الدكتور عبد الغفور السامرائي حريصا أن يتأبط شرا، ويذهب بالكلاشنكوف بنفسه الى قبر الإمام الاعظم، ويعيد هناك بلسان فصيح ما قاله الصليبيون يوما عند قبر صلاح الدين: "ها نحن عدنا يا صلاح الدين"، وقتها تهجد الشيخ وبكى ورطب وجنتيه بدموع لحى التماسيح وحرص على مسح الموسى المدماة بالمقاومة وبالشيخ حارث الضاري ليوسمه بكل أوزار المقاومة الشريفة منها وغير الشريفة وقال يومها السامرائي وسط صحوة الاعظمية : (ها قد عدنا يا شيخنا ابا حنيفة). واحتل بعدها مسجد أم المعارك ليقيم عليها محمية طائفية له ولاتباعه. وهناك أعلن السامرائي توبته الأبدية من المقاومة وبراءته من هيئة علماء المسلمين، واستمر يستولي على مكاتب وإذاعة الهيئة وممتلكاتها، وهو الذي كان يفتخر بالانتساب اليها. وهاهو يغير عنوانها من مسجد ام المعارك الى عنوان آخر، كي يتربع هو وحده على صحوة الوقف السني، ويصبح مديرا لمال أوقاف الاسلام في حاضرة العراق بغداد.


وهناك على الطرف الجنوبي من عراقنا تُستَكمَل إنطلاقة المشهد الانتخابي الجديد المطلوب ان يكون بعد احتفالات عاشوراء ليتم التجنيد خلف مأساة الحسين ومقتله، وسيبدأ موسم الهجرة الى النجف والكوفة للقادة السياسين وزعماء الكيانات، فلكل منهم له ماراتونه الإستخباري بين المنطقة الخضراء والنجف الأغر، يستبيين موقف المرجعية، ويأتي بالخبر اليقين لانصاره، ويعلن إن كان الامام الانتخابي المنتظر لازال أمريكي الهوى وانه لازال يتنفس باوكسجين طهران، أم انه منغمس في غفوة التجلي يُنَّظِرُ في أحوال الامة الانتخابية ويوجهها لغير قبلتها الوطنية، ويمنح لواجهاتها الوانها الطائفية بآخر صورة أو فتوى له تتناسب مع مطبوعات وشعارات الحملة الانتخابية القادمة.


هذه المرة ربما لا يطرق باب الحوزة أحدا، فقد اقال موفق الربيعي نفسه من مهماته العتيدة، والكل مشغول برصيد الحسابات النفطية، وبيع الصفقات للشركات التي باتت تشتري العراق وتبيعه بمن عليه وفوقه. ولا يحتاج الاعتلاف الشيعي اليوم بكل قوائمه لا صورة هذا الامام او ذاك، ولا ختم الحوزة، او مال الوقف الشيعي ولا مال الخمس من فقراء الارض المحتلة. ومثلهم في الوسط والشمال، لقد أشبعهم نواب الاعتلاف والتوافق والكرد قتلاً بالوعود الضالة التي لم تتحقق الا جوعاً وبرداً واميةً ومرضاً وظلاماً وعطشاً وخوفاً وبطشاً ومجازر وتهجيراً وغفوات وصحوات باتت تتناوب علينا كالكوابيس، لكنها تلح علينا اليوم في ذات الوقت وعلى كل ضحايا شعب العراق باليقظة الشاملة وان نكتشف معالم الصحوة الحقيقية؛ لكي يُعاد لشعبنا الإعتبار والكرامة والعزة بالثورة العراقية الكبرى مرة اخرى.

 

وانا غدا لناظره قريب.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٢٥ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٢ / كانون الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور