القومية المؤمنة

﴿ الحلقة الثالثة ﴾

 
 

شبكة المنصور

زامــل عــبـــد
أو ما بين الانشقاقات المختلفة وصراعاتها ضمن الأحزاب الشيوعية وكلها ماركسية  ،إذن الحديث هنا عن المرجعية الأيديولوجية العقائدية ، لا السياسية  للتيارات العربية اليسارية والقومية والإسلامية وفي المرجعية الأيديولوجية لتلك التيارات نجد أن القاسم المشترك بينها أنها تنطلق كلها من أرضية جمعية اجتماعية تتجاوز الفرد ، ولكن الرفيق القائد المؤسس المرحوم أحمد ميشيل عفلق  أشار بوضوح إلى موقف الفكر الشيوعي من القضية القومية  وتأثير ذلك على المصلحة العربية من حيث التحرر ، ألأممية تنفي حقيقة القوميات في العالم وتنكر الأسس الروحية والوشائج (( الشيوعية ليست مجرد نظام اقتصادي بل هي رسالة ، رسالة مادية تاريخية تقوم عليها الأمة ، فالعرب إذن مخيرون بين الأممية المصطنعة وبين إنسانيتهم الحية المتحققة ضمن قوميتهم كنتيجة لنضج هذه القومية وتكاملها ، وان حرص العرب على رسالتهم الخاصة بهم وعلى استقلال شخصيتهم لا يعني منهم تعصبا ورغبة في الانعزال والجمود ففي حاضرهم وماضيهم ما يكذب هذه التهمة ، ولكنهم مقتنعون بأن كل إصلاح أو تقدم لحياتهم لا يستمد دوافعه وغايته من عقيدتهم القومية ، ومن الإيمان بوجود رسالة عربية خالدة سيكون تقدما سطحيا يعجز عن توحيدهم ورفعهم إلى مستوى الإبداع والبطولة ويتركهم أفرادا متنافرين ، تستعبدهم الأنانية وشهوة المادة ))  مقابل التيار الليبرالي ، الذي ينطلق من مركــزية الفــرد ، ومن ثـــم من أولـــــوية الخصوصيات ومع انهيار الاتحاد السوفيتي ودول المنظومة الاشتراكية ونشوء الظروف الموضوعية لانفلات مشروع الأحادية القطبية ، وبالأخص بعـد تبني المحافظين الجدد ( نصارى يهود ) في الإدارة الأمريكية المهزومة بوش الأب والابن لمقولة "صراع الحضارات"، وتركيز الهجمة على العرب والمسلمين استثمارا لأحداث 11 أيلول وما رافقها من كذب وخديعة للرأي العام العالمي من حيث امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل والعلاقة فيما بين القيادة العراقية والقاعدة  ، وبعد انبثاق مشروع العولمة الرأسمالية ، وهجوم الشركات متعدية الحدود الضاري على الدولة والثقافة القومية عالمياً بنفس مقدار هجومها على الطبقة العاملة وإنجازاتها وعلى شعوب العالم الثالث ، فإن الهجوم على الإسلام من منظور الإسلاميين ، صار يصعب تمييزه من الهجوم على الأمة العربية من منظور القوميين ، وكلاهما يزعم أنه هو المستهدف أساسا ً، وصار يصعب تمييز الهجوم على العراق والهجوم على أفغانستان ، من منظور اليساريين حول العالم ، وذلك أن الطرف القائم على ذلك الهجوم هو نفسه في كل الحالات ، ولذلك لم يكن غريباً أن تسمع أسامة بن لادن مثلاً يتحدث عن الشركات الكبرى التي تدير المؤسسة الإمبريالية وسياساتها  وتكفير البعث كونه قوة فكرية ثورية  تعمل من اجل الأمة العربية وتلبية حاجاتها الإنسانية بالخلاص والمساواة وإعادة ما اغتصب من ترابها الوطني بفعل القوى الاستعمارية ، أو أن ترى برنامج التفكيك والهيمنة الذي تتبناه القوة المتفردة في الشأن العالمي ومن تبعها تحالفا وعبودية لبرنامجها نفسه يستهدف


1- الهوية الحضارية
2 - السيادة الوطنية
3- الثروات والأسواق المحلية


قد يهتم الإسلامي بموضوعة الهوية أكثر من الأمور الأخرى ، ويهتم الوطني والقومي بموضوعة الســـــــــــيادة والأرض والوحدة السياسية أكثر ، ويهتم اليساري بخصخصة القطاع العام والإجحاف اللاحق بالعمال والمواطنين أكثر ، دون أن يعني ذلك طبعاً أن أياً منهم يريد أن يفرط بالبنود الأخرى ، لولا طريقة ترتيب الأولويات النابعة من المرجعية الفكرية الخاصة لكلٍ من هذه التيارات، ولولا أن المعركة هنا لا يمكن فصلها عملياً عن المعركة هناك أوالصراعات هنا  مثلاً الدفاع عن وحدة العراق  هو مقاومة كل  ما أفرزه الغزو والاحتلال  إن كان على مستوى تفتيت وحدة التراب العراقي  أو ما يسمى بالعملية السياسية التي هي أساسا متعارضة مع الإرادة الوطنية وتبني لأفعال لاحقة تنعكس سلبا على المنطقة  في حالة تمكن القائمين عليها من الوصول إلى غاياتهم واهدفهم المعلنة والخفية  


التي ترسم لوحةَ برنامجٍ تفكيكيٍ شامل ينطلق من

 

1 -أولوية حقوق الفرد مقابل حقوق الجماعة
2- أولوية حقوق الأقلية بالحكم الذاتي أو لانفصال مقابل وحدة الوطن
3- أولوية تكسير الرؤى الأيديولوجية والسياسية الكبرى، والقيم والمفاهيم الثقافية، "المتعسفة والمطلقة" بالتأكيد، من أجل إبراز الخصوصيات و"فردا نية الحقيقة"، أو الحقيقة الذاتية ذات المرجعية الفردية ، الواقع الذي يعانيه أهل العراق اليوم هو بذات الأولويات أعلاه من حيث النتائج التي  ترتبت بفعل ما أفرزته العملية السياسية التي يدعونها إن كان على مستوى الدستور والقوانين والأنظمة التي تم تشـــــــــــريعها وهي بذاتها تتعارض والمصلحة الوطنية العراقية


ومضمون هذا البرنامج يبقى طبعاً تفكيك الأرض والإنسان والهوية لإنتاج المشروع "الشرق أوسطي" بكل أبعاده
ولو كانت القضية قضية ديمقراطية فحسب ، فإن التفسير السطحي (الغربي) للمصطلح ، بمعنى حكم الأغلبية العددية ، يمكن أن يتحقق من خلال تبني خيارات الكتل الكبرى في المجتمع العربي التي ترتبط بهوية حضارية واحدة ، ورابطة قومية واحدة ، وبمصلحة اقتصادية واحدة ، ولكن لا لأن المشروع المطروح أمامنا ليس حكم الأغلبية  بل الترويج للفردية لليبرالية قاعدتها الفرد ، وهي في أحسن الأحوال ليبرالية ديمقراطية ، كما يسمي علماء السياسة الأمريكيون نظامهم أو ليبرالية غير ديمقراطية في حالتنا ، أي تفكيك المجتمع الإسلامي  وهذا تم من خلال المسميات التي لم يسمع بها الفرد العربي  قبل الغزو والاحتلال  ومنه( العرب ألسنه والكرد الشيعة  والشيعة تم تصنيفهم حسب مرجعياتهم فهذا صدري وذك سيستاني وهذا فيا ضي و الأخر نجفي  أو يعقوبي  وصرخي وحكيمي  وغيرها من  النعوت التي  تهدف أساسا  تعميق التفرقة والتشتت ) أو الأمة العربية أو الطبقة العاملة ، إلى ذرات وجزيئات متفرقة


الحديث عن طموح ديمقراطي لأفراد لا يربطهم رابط حضاري أو قومي أو طبقي في وعيهم وأذهانهم ، لأن هذا ما يحقق أفضل الشروط لنفاذ الشركات متعدية الحدود وهيمنة الحركة الصهيونية فالقضية هنا ليست أنهم جميعاً يواجهون عدواً سياسياً آنياً واحداً فحسب، بل مشروعاً أيديولوجياً تفكيكا واحداً يهدد وجودهم جميعاً ووجود الأمة بالصميم


وليست هذه دعوة لمحو الفروق بين التيارات الثلاثة ، خاصة عندما يكون لكل منها متميزٌ يقدمه في الدفاع عن الأمة ، ولكن ما سبق يفســــــــــــــر إلى حدٍ ما ، حالة التقارب والحوار الهادئ في بلادنا بين الوطنيين والقوميين والإسلاميين أساسا ً، وبدرجة أقل اليساريين  منذ هجمة العولمة وبزوغ عهد القطب الواحد والاستعدادات التي قامت بها راعية الإرهاب الدولي الإدارة الأمريكية من اجل تنفيذ جريمتها في العدوان الشامل على البلد الإسلامي أفغانستان بدعم وإسناد خفي ومعلن من نظام الملا لي في إيران ، وغزو واحتلال العراق من اجل تدمير البناء العلمي والسياسي والاقتصادي الذي أنجزته القيادة الوطنية  القومية والذي يشكل بكل مفرداته البدايات الأساسية للمشروع النهضوي العربي الذي يمكن الأمة ويجعلها مقتدرة على التصدي للعدوان واسترداد ما اغتصب أو سلب من أراضيها ، وهنا لا يخفى الدور الخبيث الذي لعبته إيران في ارتكاب هذه الجريمة الإنسانية والشراكة في النتائج التي أفرزتها والدور القذر الذي تقوم به من خلال أدواتها وعملائها والانتشار المتحقق على الأرض العراقية لقوات فيلق القدس الإيراني


المد القومي العربي بدأ كظاهرة حداثية حينما بدأت القوميات العالمية من أوروبية و تركية و كان للعروبيين قصب السبق ، فأعادوا هيبة اللغة العربية بعد أن كان المستعمر الفرنسي يمنع تدريسها ، و قبله الاستعمار العثماني الذي حاول بكل قواه تدمير اللغة العربية من خلال  إدخال المصطلحات التركية فيها وجعلها فاعلة  إضافة إلى الركون إلى عوائل عربية لا تهش و لا تنش فجاء الاستعمار الغربي  و هادنها في مقابل أن تبقى في سلبيتها المريضة من حيث تقديم الخدمات له وتلبية مصالحه والحفاظ عليها و لولا الحراك القومي الذي قام به مسيحيون و مسلمون لما حدث إعادة هذا المد الثقافي الهائل الذي كان حجر أساس للنزعة الإسلامية التي جاءت لاحقاً أو ما يسميه البعض بالصحوة الإسلامية الكبرى ( لا أعني الصحوة بالمفهوم السلفي الضيق بل صحوة المسلمين كأمة لها رابطة و منظومة ) أحيانا يقول البعض....ماذا فعل القوميون العرب في مواجهة الكيان الصهيوني غير الهتافات و الشعارات و أقول  لولا القوميين العرب وخاصة مناضلي البعث لبقي العرب من سلفيين و علمانيين تحت مظلة الأنظمة و باقي العائلات المتكلسة التي كانت تسلم القطعة تلو القطعة للاســـــــتعمار لتبقى في مناصبها التي أبقاها هو فيها ، فكان فاروق و سنوسي ليبيا و غيره من الرموز التي كانت ( و لا تزال أمثالها قائما ) نقصاً و خللا على الأمة و عاهة في جبين أي عمل تقدمي تحرري تنويري


بل إن فكرة رفض الشرق أوسطيين للاستعمار القائم على القومية الصهيونية و رفض كيانها(( إسرائيل)) ككيان صناعي غريب مزروع في الجسد العربي لم تكن لتحدث لولا وجود التطلع إلى نضج قومي إيماني و توحيد العرب في كيان واحد مع إيجاد مقومات المقاومة والتصدي لكل أشكال التهديد والاحتواء وتطلب ذلك من النخبة العربية  الجهاد المستمر والتواصل  مع الجماهير القاعدة الأساسية لأي تغير وان تستثمر أية فرصة للوصول إلى الأهداف السامية التي تجسد أماني  وتطلعات الأمة 
 
له تابع ..

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٢١ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٠ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور