في سبيل البعث : مقتطفات من '' لبنان والعروبة ''

 

 

 

شبكة المنصور

زيد احمد الربيعي
حسبما تكون نظرتنا إلى مستقبل الاتجاه العربي الثوري نظرة متفائلة أو متشائمة، ننظر أيضا إلى موضع لبنان من العروبة، والى موقف العروبة من لبنان.

 
والواقع إن أكثرية الذين يسمون أنفسهم ثوريين عربا بهم يأس من لبنان ومن إمكانية انفتاحه على العروبة وانسجامه معها.

 
وسبب هذه النظرة سطحية وانحراف في ثورية هؤلاء "الثورين". فالعروبة الحديثة، أي العروبة الثورية، لا يجوز أن تيأس من جزء من أجزاء وطنها وشعبها، لان الثورة العربية ليست إلا الانكباب على مواطن الألم وأسباب التأخر والفرقة في مجتمعنا، ومعالجتها من الأعماق والجذور، بروح مشبعة بالإيمان والتفاؤل، إيمان بمبادئ الثورة، وتفاؤل بقدرة شعبنا على التجاوب مع هذه المبادئ.

 
وأكثر من ذلك، فالروح الثورية إنما هي التي تتخذ من المشاكل المعقدة مناسبات ودوافع لتعميق المبادئ وامتحانها، وتصحيح الأسلوب، وإعطاء الرسالة كل معناها ومداها.

 
وفي وطننا العربي الكبير من المشاكل والأوضاع الشاذة المتراكمة ما يتحدى ثورية القومية العربية وأصالتها كل يوم، ويدفعها باستمرار كيما تجعل من واقعها وعاءا شفافا للمبادئ التي نادت بها.

 
فالمغرب العربي تكوينه التاريخي الخاص الذي يجمع بين العرب والبربر، ثم هجرة أعداد ضخمة إليه من الأوروبيين في ظل الاستعمار الفرنسي... والعراق وأقلياته العنصرية، وخاصة تلك الأقلية الكبيرة من الأكراد... ولبنان وتكوينه الخاص الذي أعطى لفروق المذهب والدين معنى الاختلاف الحضاري، كل هذه الحالات تتطلب حلولا ثورية سليمة، تحفظ للعروبة كل أجزاء أرضها وشعبها، وتتحقق الوحدة الروحية والتفاهم والانسجام بين الجميع، بدلا من الحلول النابعة من اليأس التي تتراوح بين بتر الأجزاء المسببة للمشاكل، أو الاحتفاظ بها بالقوة والقسر.

 
وإذا قصرنا الآن كلامنا على لبنان نجد إن مشكلته لم تطرح حتى الساعة بشكل صحيح ونزيه، وأول ما يتوجب تصحيحه هو الاعتقاد بأن لبنان يكون مشكلة فريدة في الوطن العربي، مع انه إحدى المشاكل الرئيسية وقد لا يكون أكثرها صعوبة.

 
ولكن الأهم من ذلك هو التخلي نهائيا عن الحكم على عروبة لبنان بمقاييس هذه الدولة العربية أو تلك، والرجوع بدلاُ من ذلك الى مقاييس العقيدة القومية الثورية التي لم تتجسد بعد بصورة كاملة في أية دولة عربية، وان كان بعض الدول يقترب منها أكثر من بعضها الآخر.

 
في ضوء هذه الحقيقة يبدو لبنان اقل ابتعادا عن العروبة من عدد من الأقطار الأخرى. وعندما نتخلص من هذا الالتباس نكون في الوقت نفسه قد وضعنا حدا في لبنان للاعتقاد الخاطئ الذي يعتبر كل نقص او خطأ في تصرفات بعض الدول العربية نقصا في القومية العربية ذاتها. كما إننا، بالمنطق نفسه، نرفض تقسيم الشعب في داخل لبنان الى قسمين، قسم مع العروبة وقسم ضدها، ذلك إن الجميع في نظر المقاييس القومية الثورية، بعيدون عنها، ولو بإشكال ونسب مختلفة. اذ انه لو صح التقسيم الاصطلاحي وكان نصف سكان لبنان "عروبيين" أي عربا ثوريين، لما بقي فيه مخاصما للعروبة غير القلة من الرجعيين، بل لما كان فيه تقدمي الا هو نصير لها مؤمن بها، لان مشكلة لبنان مع العروبة ليست الا مشكلة تقدمية العروبة.

 
وبهذا المعنى يصبح للبنان دور أساسي في تصحيح وتعميق وتكامل الحركة العربية الثورية، حتى لو كان الذين يخاصمون العروبة فيه لا يقصدون التصحيح من موقفهم السلبي العدائي، اذ المفروض في العروبة الحديثة إن تكون قادرة على قبول هذا التحدي والإجابة عليه بمزيد من توضيح تقدميتها وتعميق إيمانها بالحرية والإنسانية

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٢٧ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٦ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور