في سبيل البعث : مقتطفات من « مستوى جديد لنضالنا »

 
 
 

شبكة المنصور

زيد احمد الربيعي

لقد عملت الدول الاستعمارية عشرات السنين على تأخير انبعاث الأمة العربية بإفقارها وتجزئتها وتكبيلها بالقيود العديدة. ثم أوجدت إسرائيل كوسيلة أخيرة بالغة المفعول والنجوع في هذا السبيل لإشغال العرب وإهدار جهودهم وقواهم وقطع الطريق على تحررهم ووحدتهم.

 
ولكن هذه الدول فوجئت في الآونة الأخيرة بتزايد إمكانيات الشعب العربي وتفجر طاقته الثورية رغم جميع العراقيل، فتراجعت موقتا لتضع من خطط الضغط والعدوان وأساليب التفرقة والإفساد ما تستطيع معه التفوق على الطاقة العربية الجديدة..

 
والذي تهم معرفته اليوم هو هل ستبقى قوميتنا العربية بهذا الشكل العام المجرد الذي يحوي من العاطفة أكثر مما يحوي من الفكر، وتختلط فيه العوامل الايجابية بالعوامل السلبية، أم إن خطورة المعركة التي نخوضها تتطلب أن ننظم عملنا ونفتح وعي شعبنا على مفهوم لقوميتنا عميق ايجابي مكتمل الجوانب، هو وحده الكفيل بأن يخلق في شعبنا من القوى ما يتكافأ مع متطلبات معركة التحرر والبناء، وأن يوجه هذا الشعب ضمن المبادئ والأساليب التي تقيه الانحراف والانتكاس، وتضمن له تزايد الانسجام مع نفسه ومع المجموعة الإنسانية؟

 
كان منطق السياسيين القدامى يتخذ دوماً من معركة التحرر ذريعة لإرجاء طرح المشاكل الأساسية التي تصطدم بها نهضة العرب الحديثة، أما منطق الوعي الجديد فيفرض ويحتم أن نعتبر معركتنا مع الاستعمار حافزاً لطرح هذه المشاكل وإيجاد الحلول لها بدلاً من اعتبارها عائقاً.

 
إن هذا التحرك القومي المطبوع بطابع مقاومة الاستعمار والعمل على التحرر منه، ما زال فيه فراغ ونقص، ولا بد من إغمائه وإخصابه بالثورة الاجتماعية والثورة الفكرية. إن قسماً غير قليل من شعبنا العربي ما زال خارج المعركة، وان جوانب عديدة في نفس كل عربي مشترك في النضال ما زالت جامدة صماء لم تحركها المعركة ولم تضرب على أوتارها العميقة.

 
فلا بد من قفزة إلى أعماق الجماهير العربية، والى أعماق النفس العربية. ففي المجتمع العربي من أنواع الظلم والعسف والإذلال، ومن التفاوت الاقتصادي الفاضح، ومن الكفر بكل قيمة للمواطن، ما يتعارض السكوت عنه والتباطؤ في معالجته مع ما نظهره من استنكار للظلم الاستعماري. وفي حياة الفرد العربي من المآسي والتناقضات التي تمس حريته وكرامته الإنسانية ما يعيق تجاوبه الكامل مع انطلاقة أمته، وما يصم هذه الانطلاقة بفقر الروح وسطحية المعنى. وإذا بقينا نقيس أنفسنا على الاستعمار والمستعمرين، ونسجن نظرتنا في نطاق المقارنة والمفاضلة بيننا وبين المعتدين علينا، فسوف يبقى حقنا رخيصاً وحقيقتنا زائفة ومعركتنا غير أصيلة ولا حاسمة. لقد آن لنا، بعد أن بلغ نضالنا الحد الذي أعاد إلينا الثقة بأنفسنا وبالمستقبل، أن نقيس أنفسنا بالمقاييس الإنسانية الايجابية، وان نعطي لثورتنا ثقلها الاقتصادي الواقعي وعمقها الروحي وأبعادها التاريخية.

 
هذا هو المستوى الذي ينقذ معظم جهودنا وإمكانياتنا من الضياع ويسجم سيرنا مع سير الشعوب الحرة المبدعة .

 
وإذا حاول المنطق القديم أن يعترض ويتذرع كعادته بحراجة الظرف ليقول إن هذه الأشياء سابقة لأوانها، نجيب بأننا لا نقصد أن نحمل مرحلتنا الحاضرة أكثر مما تحتمل، ولا أن نشتت الأفكار ونبعثر الجهود، ولكننا مع حرصنا على توفيه المعركة الحاضرة حقها، نريد أن تتفاعل بذور المستقبل مع الحاضر، وأن ينبئ الحاضر عن ملامح المستقبل ويوصل إليه.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٢٦ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٤ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور