قيامة صغيرة !

 
 
 

شبكة المنصور

ذكرى محمد نادر

على هامش احداث يوم الاحد

لا جدوى.. ليس هناك من احد يسمع.. لا جدوى

 

 لنصف المشهد.. ولمن فاته ان يسمع.. لير بالكلمات ما يخشى ان يراه.. ثم ليغمض عيناه مرة اخرى!

المكان مقبرة.. أم مدفن لوجوه الصغار أم بيت للاناشيد.. فالمكان كان يسمى رياض اطفال.. رضع يضعون الابهام في افواههم كل ذات جوع.. يحبون.. او يمشون على اربعتهم.. يعلكون خبزة باليد.. او يغفون حين النعاس.. وبعضهم تعلم نشيد بالامس.. نشيد مررنا على عتباته ذات طفولة:

 

يا بط يا بط ..اسبح بالشط

أو ربما..

عصفوري من كفي طار

عصفوري.. بين الاشجار

 

لعله النشيد المناسب لان العصافيرالصغيرة التي لن تكبر بعد الان قد طارت.. والعصافير لم تختر قيامتها الصغيرة لكنها على غفلة صبيحة تجول فيها الدم.. صبيحة وجهها قنابل ملغمة بالموت.. لا يعرف اسمها الصغار بعد.. لكنهم احسنوا تعلم صوتها.. كل يوم.. يجفلون ريثما تطبطب الام على ظهر الخوف ليهدأ.. وتربت حينا وهي تترنم بما حفظته امهات العراق كلهن بطنا لبطن.. وصدرا لصدر:

 

دلول يا الولد.. يا ابني دللول.. عدوك عليل وساكن الجول..

ولكن كف الام تأخر هذه المرة.. ولم يسكن روع الصغار في ارتعابهم الاخير.. ابطأ في التربيت على القلوب التي وجفت.. ذعرت تصارخت., وبكت.. وبالذعر نفسه انطفت..

 

وليس للعصافير شهادة مدرسية بعد.. لكنما اصبح لها الان شهادة وفاة.. لا يوقعها اعتراف قاتل لانه دائما مجهول!

 

ولا  تملك اجنحة الملائكة  صوت الاحتجاج.. الا الرفيف القصير لرحلة حياة تنتهي بلحظة تفجير!

طفل في مهده دست المربية ثدي حليب مجفف في فمه.. تجمد عند خط  الشروع نفسه بالرضاعة حين ارتخت شفتاه..

 

اخر كان يعد مكعباته ليبني شيئا لن يعرف ماهيته على الاطلاق.. مات هو وظلت المكعبات التي تركها.. وحيدة تشكو عزلة اصابعه الصغيرة.. نثار الخبز المغبر على طاولة ملونة.. كان يبكي دماً تناثر فوقه.. يسأل عن اسنان اللبن التي لم يتح لها فرصة ان تقضمه.. اصابع مثل نبعة ريحان تنمو فجأة في وجه الموت.. بغير اعتراض مسموع.. اصابع لم تكتب حرفا من حروف الهجاء لكنها كتبت بأسم الموت اخر قصيدة دم..

 

والانباء تتوالى ينقص مرة الرقم فيها او يزيد 60 طفلا في حضانة وزارة العدل حيث يسقط العدل مدفونين تحت الركام..20.. 28.. فحتى في موتهم المروع يسرقون حقهم بالحقيقة.. الاحياء منهم بقوا يصرخون لوقت ليس قليل..  وهم يرددون  كلمة واحدة فقط.. فهم لم يتقنوا  بعد غيرها: ماما.. ماما..

 

والامهات الملتاعات اللواتي ما جهزن  حقائب الاطفال اليوم بعدة الموت.. يحضنّ صدوراً فارغة من وجوه اطفالهن.. يتذكرن تلك الريحة الطيبة للصغار.. ورائحة الاطفال في بغداد تفتح شهية الموت.. فللصغار رائحة العنبر حين يفوح: افيش يمة.. تصرخ من عمق الروح: افيش يا ريحتك يمة!.

 

الاخبار تتعتم على موت الطيور الطفلة.. والاجنحة المنكسرة تحت ثقل الركام لم تعد ترفرف ولا يعنيها في شيء ان تعرف من يتهم من.. الحكومة  تشير باصابعها نحوالاجهزة الامنية.. والاجهزة الامنية تصرخ ان الاحداث بسبب القوائم الانتخابية والاثنان يوجهان التهم إلى الارهاب.. والجميع له وجه واحد.. وفم واحد.. وشكل واحد.. شكل قنبلة تحت سرير طفل.. او في باب مدرسة.. او تحت ركام رياض للاطفال.. او حديقة شارع.. او في مسطر عمال عند الغباشي الحزينة في الغياب.. او طلقة كاتم صوت.. او حزام ناسف..

 

في دار حضانة وزارة العدل يوم الاحد.. حيث ايام الاسبوع نسيت اسماؤها وصارت تعرف بارقام القتلى.. ما زالت نهنهات الصغار تحت الركام تبكي احضان الامهات.. في قيامة صغيرة! وحتى الان تغفل الحكومة اعلان ارقام الموتى الصغار كي لا تربك ارقام القوائم الانتخابية.. او كي لا تؤثر على مزاج مؤائد الساسة الجدد.. وحتى في قوائم الموت.. في بلد مسلة العدل الاولى صار العدل مضاعا.. وا لهفي... فان الامهات اللواتي عند الهديل في النعاس كن يغنين:

 

"عدوك عليل وساكن الجول"..يصمتن الان عنوة.. لانهن يعرفن عين المعرفة ان العدو طليق فيما يسكن اطفالهن مقابر موحشة بـ"الجول"...

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ١٤ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٢ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور