عودة نبو خذ نصر

﴿  الجزء الاول : بناء بابل الجديدة ﴾

 
 
 

شبكة المنصور

الرفيق رأفت علي - بغداد الجهاد

منذ عشرات السنين وقضية فلسطين الحبيبة تحتل الصدارة في البحوث والدراسات والحوارات .كما احتلت موقع  الصدارة في أدبيات الكثير من الأحزاب والحركات و الثورات العربية. واعتبرها حزب البعث العربي الاشتراكي قضية العرب الأولى . ونتيجة للظروف العصبية التي مرت بها امتنا العربية والإسلامية فقد ظلت فلسطين أسيرة الاحتلال الصهيوني البغيض .

 

وبعد قيام ثورة البعث  في العراق عام 1968 ، ونظرا لما أولته أدبيات البعث وقيادته للقضية الفلسطينية من مكانة كبيرة ، فقد تسال الكثير عن قدرة العراق لتحرير فلسطين. إلا إن إحداث عام 1990 وما تلاها على العراق من ظروف عصيبة قد أبعدت الأنظار عن قدرة العراق  لتحرير فلسطين . ومع غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق فقد الكثير من أبناء امتنا أمله في العراق كقوة قادرة على تحرير فلسطين . للتوجه الأنظار وليأخذ الحديث عن قضية فلسطين منحى أخر ، فظهرت الكثير من البحوث والدراسات عن إن تحرير فلسطين سيكون على يد المهدي في أخر الزمان .

 

ونظرا لحجم ما كتب عن هذه القضية المهمة من بحوث ودراسات وبعد إن تكشفت الكثير من حقائقها وإحداثها حتى بات المواطن البسيط على اطلاع كبير بمجرياتها ومع استمرار حيازتها على مركز الصدارة لدى الشارع العربي خاصة والمسلم عامة وما يثار حولها من أسئلة واستفسارات بين الفينة والأخرى  فقد ارتأيت إن  أبين بعض ما غاب أو غيب عن أبناء امتنا العربية والإسلامية لاسيما وان تراكم الإحداث وتشعبها وتداخلها وما ألت إليه الأمور في عراقنا العظيم وامتنا المجيدة قد إربك الكثير منا .فبادئ ذي بدء علينا إن نفصل ونحلل تلك الإحداث حتى وان كانت معروفة لدى الكثير منا ؛ لنتمكن فيما بعد من تكوين صورة واضحة منسجمة  .


فقد اغتصب الكيان الصهيوني ارض فلسطين عبر إيفاد اليهود من شتى بقاع العالم إليها وبشتى الحجج والذرائع والأساليب ليكوّن فيما بعد دولته المسخ .. وبدعم دولي كبير بل ومنقطع النظير. فقد كان لبريطانيا وفرنسا الدور المهم والأساسي في تمكين الصهاينة من إقامة دولتهم المسخ على ارض فلسطين منذ بدايات القرن العشرين وحتى إعلان قيام ماتسمى بدولة "إسرائيل "عام 1948 ؛ فاعترف بها الاتحاد السوفيتي السابق بعد عشرة دقائق من إعلانها . ثم أخذت الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقها مهمة إسنادها بكل مايحتاج إليه من مال وسلاح ودعم سياسي وإعلامي ودولي  . فنال الكيان المسخ دعم منظمة الأمم المتحدة ومعظم دول العالم ولاسيما أوربا . إما إيران الخميني التي كانت تدعي الإسلام زورا وبهتانا وادعاءاتها الكاذبة  لتحرير فلسطين ؛  قد ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر بدعم الدولة المسخ . بل إن الخميني قدم  أفضل خدمة للصهاينة بإعلانه الحرب ضد العراق عام 1980 وتعمده إطالة أمدها لثماني سنوات أخر.


وبالتالي فان زوال الكيان المسخ  يستلزم وبحكم الواقع ، زوال الدول الساندة لها أو على اقل تقدير زوال دعم تلك الدول خاصة الدعم الأمريكي. ولهذا فان  الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر رحمه الله واسكنه فسيح جناته عجز عن تحرر فلسطين .


فالكيان المسخ لا يمتلك أي مقومة من مقومات الدولة القوية المقتدرة . فلا مساحته توفر له عمقا إستراتيجيا قادرا على امتصاص زخم هجوم العرب على أراضيه ولهذا فقد تعمد خوض المعارك على ارضي الدول العربية المهاجمة .كما إن حجم سكانه هو الأخر لا يوفر له إي غطاء امني عسكري قادر على امتصاص خسائر المعارك الضخمة . ناهيك عن الضعف الاقتصادي المزمن الذي يعانيه هذا الكيان المسخ . فما ينتجه داخل أراضيه لا يلبي حاجاته الضرورية ، ولهذا فقد اعتمد على المعونات الدولية سواء التي تعطى له بإرادة تلك الدول كالمعونات الأمريكية أو تلك التي ترغم على دفعها كالتعويضات الألمانية مثلا. إما اللوبي الصهيوني العالمي فقد اخذ على عاتقه تمويل الفتن والحروب بين أمم وشعوب الأرض ، ليحمي كيانه المسخ من أي قوة قد تقضي عليه . إما الواقع الاجتماعي لهذا الكيان المسخ فهو الأخر يلاقي أزمة شديدة الخطورة على تماسكه ، فالتمييز الموجود بين يهود الغرب ويهود الشرق قد أصبح مرض مزمن في الكيان المسخ . كما إن أيدلوجية الأحزاب والحركات السياسية والدينية لهذا الكيان المسخ بداءت بالتفكك فظهرت عليها علامات الوهن والضعف والتمزق منذ فترة ليست بالقصيرة .

 

وحينما فتح العرب جبهتان بان واحد عام 1973 ، رأينا بكل وضوح حجم المأزق الذي سقط فيه هذا الكيان المسخ وجيشه الذي روج له على انه أكثر جيوش المنطقة قوة وإرادة .

 

وعقب محاولات العرب لتدمير الكيان المسخ وتحرير فلسطين ،  تولد رأي جديد قائم على الإحباط والفشل  ، بان العرب متخلفين ضعاف متى ما يحرروا أنفسهم من الهيمنة الأجنبية ومتى مايصنعون مايستهلكون يقدرون تحرير ارض فلسطين.


هذا الرأي ، ورغم نبذي له ، إلا انه يحوي شيئا من الصحة . فإذا لم يحرر العرب دولهم واقتصادهم وسياسياتهم من الهيمنة الأجنبية عموما ومن الهيمنة الأمريكية خصوصا فلن يقدروا على انجاز هذا الهدف الكبير إلا وهو تحرير فلسطين العزيزة . هنا أصبحنا بين فكي كماشة ، بين الهيمنة الأجنبية على دولنا من جهة ، وبين إسناد تلك الدول المهيمنة علينا للكيان المسخ .

 

كانت نتائج المحاولات العربية لتحرير فلسطين وما تبعها من واقع مؤلم وشعور بالإحباط والفشل والهزيمة إحدى أهم الأسباب التي دفعت بحزب البعث العربي الاشتراكي إلى القيام بثورة 17/30تموز 1968. فقد تعامل البعث مع هذا الموضوع بروح ثورية  فقلب الواقع الحزين المحبط إلى واقع جديد مليء بالأمل والحماس لبناء مشروعه التاريخي في العراق وليفتح صفحة جديدة في تاريخ العرب المعاصر . وليبدأ معه عهد جديد ليس للعراق فحسب بل للأمة عامة ولفلسطين خاصة .

 

استطاع البعث إن يحرر العراق فعلا بعدما أمم ثرواته النفطية وأنهى شبكات التجسس الصهيونية ونجح في حل القضية الكردية المزمنة كما استطاع القضاء على الإقطاع الزراعي ومحو الأمية وعمل على إلزامية التعليم ومجانيته وأقام العديد من المشاريع الصناعية والزراعية والتجارية والخدمية والعلمية ليحقق للعراق حريته الكاملة الغير المنقوصة .

 

مَـثـّل حزب البعث ومشروعه التأريخي في العراق  خطراً على الكيان المسخ ، الأمر الذي جعل هذا الكيان المسخ والولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوربا تحرض شاه إيران ضد العراق . فغادرت بريطانيا منطقة الخليج وتعمدت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق عدم ملئ الفراغ . ليعطوا بذلك الفرصة المناسبة لشاه إيران بملأ الفراغ وليصبح شرطي المنطقة كما يقال .


استطاع البعث إحباط  مشروع الشاه ومن يقف وراءه ، فجاءت تلك الدول (الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية) بالخميني إلى إيران ليفتح حربا كان سلاحها مهيئا منذ عهد الشاه .. ناهيك عن صفقات الأسلحة التي وردتها تلك الدول نفسها إلى إيران الخميني ؛ وهذه قصة أحداها :-

 

ففي 18تموز1981 أنكشف التصدير "الإسرائيلي" إلى إيران عندما أسقطت وسائل الدفاع السوفيتية طائرة أرجنتينية تابعة لشركة اروريو بلنتس و هي واحدة من سلسلة طائرات كانت تنتقل بين إيران و "إسرائيل" محملة بأنواع السلاح و قطع الغيار و كانت الطائرة قد ضلت طريقها و دخلت الأجواء السوفيتية على أن صحيفة التايمز اللندنية نشرت تفاصيل دقيقة عن هذا الجسر الجوي المتكتم و كان سمسار العملية آن ذاك التاجر البريطاني إستويب ألن حيث استلمت إيران ثلاث شحنات الأولى استلمتها في 10-7-1981والثانية في 12-7-1981 والثالثة في 17-7-1981 وفي طريق العودة ضلت طريقها ثم أسقطت و في 28 آب 1981 أعلن ناطق رسمي بأسم الحكومة القبرصية في نيقوسيا أن الطائرة الأرجنتينية من طراز (كنادير سي إل 44) رقم رحلتها ( 224 آى آر ) قد هبطت في 11 تموز 1981 في مطار لارنكا قادمة من "تل أبيب" و غادرته في اليوم ذاته إلى طهران حاملة 50 صندوق وزنها 6750 كيلوغرام و في 12 تموز حطت الطائرة نفسها في مطار لارنكا قادمة من طهران وغادرته في اليوم نفسه إلى "إسرائيل" يقودها الكابتن (كرديرو) و في 13 من نفس الشهر حطت الطائرة نفسها قادمة من "تل أبيب" وقادر ته إلى طهران في اليوم نفسه يقوده الكابتن نفسه.

 

هكذا نجحت الصهيونية العالمية من إبعاد خطر عراق البعث عن الكيان المسخ ولفترة طويلة ومهمة من خلال حرب الثماني سنوات. والتي استطاع البعث بأذن الله عزوجل إن يخرج منها مكتسبا المزيد من القوة والقدرة والتطور وفي شتى ميادين الحياة فبنى جيشاً من العلماء إلى جانب الجيش العراقي الباسل الذي أصبح من أقوى جيوش العالم وليس المنطقة فحسب . شكل خروج العراق منتصرا من الحرب خطرا فائقا على الكيان المسخ ، ليس لمجرد انه أصبح قوة سياسية وعسكرية وأمنية وعلمية فحسب أو لكونه استطاع  إن  يخلق توازن في المنطقة ، بل لقدرته على تحرير فلسطين وتدمير الكيان المسخ .


وهنا رب سائل يسأل فيقول : كيف يحرر العراق فلسطين وهو لم يتمكن من فصم تعاون الكثير من دول العالم مع "إسرائيل"؟

 

هنا لابد لنا إن نستذكر مدى القوة والقدرة الكامنة التي تمتع بها العراق في تلك الفترة . وبالضبط القدرة الكيماوية والصاروخية . التي كانت قادرة على تحقيق الهدف الأساسي (تدمير إسرائيل ) وبنفس الوقت إرغام الدول الداعمة للكيان المسخ (كالولايات المتحدة الأمريكية )على الوقوف موقف المتفرج.  فان أي تدخل عسكري في الحرب  من قبل الدول الداعمة سيعود على تلك الدول بأفدح الخسائر البشرية التي لأتقوى على تحملها . إما بقية أشكال المعونات الدولية لهذا الكيان المسخ فلن ترقى بأي حال من الأحوال إلى درجة منع انهيار هذا الكيان المسخ  من الداخل خاصة حينما تتدفق موجات السموم من بابل الجديدة .

 

لهذا فقد بيت للعراق أمراً دُبر في ليل .  إلا وهو أزمة الخليج أو بالأحرى أزمة الرجعية العربية التي ساهمت بؤد المشروع التاريخي للبعث ، سواء عبر أحداث 90-1991 العسكرية والسياسية والإعلامية أو سواء عبر فتوى علماء الرجعية بحق قيادة العراق وبعثه المجيد .فضلا عن تكالب عشرات دول العالم عليه وبشتى الوسائل والسبل .

 

عاد الصراع إلى نقطة الصفر عقب تلك المؤامرة التي نفذت على العراق العظيم . إلا إن العفريت انطلق من قمقمه . فحافظ العراق على عقوله الجبارة والتي استطاعت أعمار جل ما تم تدمير في الحرب ؛ بل إن بعض تلك المنشاءات التي استهدفها العدوان الأمريكي الصهيوني  أصبحت أفضل من ذي قبل . والاهم من كل هذا هو بثبات قيادة العراق على مبادئها وقيمها وثوابتها ومنهجها ، فلم تعترف بالكيان المسخ. وكثفت جهودها لرعاية علماء العراق ، أصحاب العقول الجبارة؛ فقامت بمشروع علمي كبير مكن العراق من الصمود بوجه الحصار الجائر، ومكن قيادة العراق من تحقيق النجاح في سياسة تأكـُل الحصار الدولي الجائر المفروض على العراق العظيم .


لهذا جاءت الولايات المتحدة هذه المرة بنفسها .. بجيوشها وتقنيتها الفائقة التطور وبدولاراتها ومرتزقتها في الإعلام قبل العسكر . وتكرر الأمر مرة أخرى .. ولكن هذه المرة دخلت بجيوشها الغازية ارض بابل الجديدة. هنا انتهى الصراع ؛ وتوقف التاريخ ؛ وانتصرت إسرائيل على بابل الجديدة مانعة بذلك عودة  نبو خذ نصر الجديد... ولكن للحظات .. للحظات فقط .. عرضت على شاشة الفضائيات يوم التاسع من نيسان عام 2003..!!!


فمن هنا بداءت صفحة جديدة في التاريخ .. وبدا مشروع تاريخي جديد . وللبعث أيضا ولكن هذه المرة بأسلوب جديد ومتميز وفائق الخطورة و السرية. دعامته الأساسية جهاز المخابرات العراقية في حربها على الإرهاب الأمريكي والحقد اليهودي . وهذه المرة ليس بتأميم النفط وبمحو الأمية وببناء جيش من العلماء ولا بالصناعة الحديثة أو الزراعية الكفوءة ولا بالاقتصاد المتين ولا بعدد المقاتلين وبعدد الآليات العسكرية الثقيلة ولا بنوع ذخائرها .. إنما بحرب عصابات منظمة تُقاد على الطريقة الخاصة لنبوخذنصر الجديد.


إما الهدف فلم يكن هذه المرة لبناء العراق أو حتى تحريره .. !! إنما بتدمير الخصم وأنهاك قواه  وإزالة تأثيره من الوجود . بتفكيك الكيان الامبريالي العالمي للولايات المتحدة . وبتفكيك مؤسساتها البنيوية القائمة على الأراضي والبحار الأمريكية. وهو أسلوب نجحت العملية لكن المريض قد توفى .

 

يتبع : الجزء الثاني ، مشروع بابل الجديد لتدمير كيان الولايات المتحدة الأمريكية .

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٠٣ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٠ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور