نـحـــــــــــن والـتخـلــــــــــــــــــــــــــف

 

 

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس - أكاديمي عراقي

يَسِمَنا الآخرون، ونحن نَسِم أنفسنا، بأننا متخلفون. مجموع ما يكتب عن تخلفنا من قبلنا  أو من سوانا قد يصل الى أطنان من الورق. واليقين ان بعض مَن يكتبون عن تخلفنا انما يكتبون بقصد التنوير والتثوير، غير ان أغلبهم لا ينطبق عليهم وصف الاخلاص ولا الانصاف، بل هم صيادون في المياه الآسنة.

 

مزقوا امتنا في سايكس بيكو الى دويلات واوقعوا حكامها في مصيدة حماية الذات, ولو بأرواح الناس, ثم اتهمونا باننا نتعامل مع افق مغلق للحرية والديمقراطية متغاضين عن حقيقة دورهم في تعميتنا عن حقائق العصر وحياته ومتطلباتها، بل في منعنا عمليا من الاستجابة لها والتفاعل معها.

 

نحن أبناء أمة نعوَّق بكسر عظامنا من قبل أعداءنا ثم نوصف بأننا معاقين وعرجان، وكأننا خُلقنا هكذا من لحظة الولادة والعياذ بالله.

 

نحن شعب نبني المدارس لنتعلم فيها القراءة والكتابة وأعداءنا يهدمونها ثم يصفونا بالأمية، أو انهم يحجبون عنا أصلا حق بناء المدارس ليديموا سمات الجهل والتخلف ويعيروننا بل يصفعوننا بموت التنمية البشرية في احضاننا.

 

تضرب مصانعنا أحدث الطائرات القاصفة الامريكية أو البريطانية أو الفرنسية أو الصهيونية، ونوصف بأننا خارج عصر الصناعة.

 

يبيعوننا أحدث أجهزة البحث العلمي وحين نستخدمها يهاجموننا بما حللوا لأنفسهم وحرموه علينا من الاسلحة الفتاكة ثم ليختموها بالشمع الاحمر أو يصادروها او يكسروها ثم يبدأون ببيعنا اجيالا جديدة منها ممنوع استخدامها الا وفق شروط البيع الوقحة، واذا لم نستخدمها فانهم يبيعون علينا الاجيال اللاحقة من هذه الاجهزة بكل سرور لانها ظلت مطمورة تحت التآكل والاندثار واتربة الزمن الاغبر بعد ان يصفونا بالتخلف في الاستفادة منها ..

 

حين نزرع القمح، تحرقه المشاعل الحرارية لطائرات الفانتوم والميراج، وإن توقفنا عن الزراعة وسمونا باننا قوم لا ننتج ولا نعرف كيف نأكل، الا من انتاجهم المتطور .. ويوم عرفوا اننا نطفّر وننتج أنواع من المحاصيل والبذور، ونستخدم في سبيل ذلك حتى الاشعاع، جن جنونهم وتنادوا لايقاف البدو الرحل من خطورة امتلاك الذرة والنواة والاشعاع في الزراعة والصناعة والطب، وأغاروا على مواقعنا النووية ومزارعنا ومصانعنا ومستشفياتنا المرتبطة بها ودمروها .. واتهمونا هم وأقزامهم وقردتهم وخنازيرهم، بأننا نبني ولكن لا نعرف كيف نحافظ على البناء !!!

 

اذا تاسست عندنا دولة حديثة وقادها ابناءها باقتدار وجِد وذكاء جيّشوا علينا الجيوش بعد ان يجربوا كل انواع التآمر والاذى العسكري والسياسي والاعلامي والاقتصادي.

 

يجبروننا على نمط واحد أو محدد من البحوث في مختلف مجالات العلم ثم يتهموننا بأننا خارج حلقات الخلق والابداع الانساني ... بل وبمحدودية انتاجنا البحثي فضلا عن اجبارنا على اعلان فشلنا وعجزنا.

 

يفرضون علينا بوسائلهم الخاصة المختلفة وبواسطة بعض حكامنا مناهج دراستنا للجغرافية والتأريخ والعلوم الصرفة وللهندسة والطب والدين و بعدها يتحدثون عنا ويرغموننا على الحديث بشتائم وسباب مبتكر بأننا لانعرف طرائق التدريس ولا تحديث المناهج ولا أولويات العلم والعلوم ...

 

يهجّرون عقولنا بالترغيب وبالترهيب بعد أن نصرف عليهم دماء قلوبنا ليصيروا عقولا، ثم يتهموننا بأننا جوعناهم وضيقنا عليهم سبل البحث والتقصي وحجبنا عنهم الدوريات العلمية والمصادر والاجهزة المساعدة !! .. وبالتالي نوسَم بأننا أمة تأكل أبناءها أحياءا ويغضون الطرف تماما عن حصارهم العلمي والاقتصادي المهلك الذي فرضوه علينا  لسنوات طوال وما زالوا !!.

 

يصدرون لنا كل أنواع الفايروسات وكل أنواع الأمراض المستعصية مثل الأيدز والسرطانات والصرع والكآبة ويهدمون ما بنيناه ونبنيه من مستشفيات ومصحات بالصواريخ والطائرات والقنابل العنقودية والفسفورية والغبية والذكية ... ويتهموننا ويسِمونا بنقص المناعة ووهن الخدمات الصحية ليبيعوا علينا خبرات الارتزاق والادوية فاقدة الفعالية.

 

يؤسسون لنا أحزاب طائفية وعرقية شوفينية في أقبية مخابراتهم واستخباراتهم ويتهمونا بالدكتاتورية والفردية والقمعية والدموية حين نحاول منعها من تدمير اوطاننا وشرذمة شعبنا !! ويذبحون أحرارنا وثوارنا والرافضين لقهرنا وتخلفنا وسوء واقعنا ... وحين نواجهها لنحمي انفسنا وأوطاننا .. نُتهم بالوحشية والدكتاتورية والفردية والدموية.

 

غير ذلك الكثير مما يتوجب على شرفاؤنا وأحرارنا الوقوف عنده قبل أن نجلد ذاتنا القومية والدينية، ونتغنى بما يقولون عنا وما يتهمونا به ويسِمونا به ليبرروا ويسوّغوا غزونا واحتلالنا وتسليط الشياطين وأبناء الزنا والسماسرة علينا ... وغير ذلك الكثير الكثير مما يتوجب علينا مغادرة تناوله كشتيمة لانفسنا توطّن فينا اليأس والاحباط والتعايش مع التخلف .. فمتى نعي بعض ما يحاك لنا من أدوات موت بطيء وسريع باستخدام الكلام والاعلام؟ !!

 

متى نعي ان الذين تقدموا لم يتقدموا لوحدهم أبدا، بل بعمل أممي فبراءات الاختراع الالمانية كانت حاضرة في صعود اليابان التكنولوجي، والهنود كانوا هناك في بناء قطارات انفاق بريطانيا، ومخترع الكهرباء من بلد ومخترع الرنين النووي المغناطيسي من بلد اخر ومكتشف البنسلين من بلد اخر .. واننا نحن ايضا كان ومايزال لنا حواضرنا العلمية والبحثية.

 

واغلب مَن يكتبون عن تخلفنا لايجيدون قراءة البحوث العلمية ولا براءات الاختراع العربية ولم يسمعوا عنها قط  ولا يمتلكون قطعا وسائل القياس لما يجري من تقدم ولو ببطئ في حياتنا سيفضي في لحظة آتية لاريب فيها الى ان نكون فرسان الصناعة والزراعة والسياسة والاقتصاد. وعسى ان يكف دعاة التخلف ليس بقصد التنوير والتثوير، بل من اجل جرنا الى خانات العبودية والاستحذاء.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٠٥ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٤ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور