أيها العرب .. عليكم أن تدعموا اليمن حتى ينتصر لتنتصر الأمة

 
 
 

شبكة المنصور

كاظم عبد الحسين عباس - اكاديمي عراقي

قدمت امة العرب قرابين ثمينة، بل قرابين لا تثمن، على مذبح  مواقف بعض حكامها خلال مراحل النضال المختلفة  . وحين كان يظهر بين الفينة والاخرى نظام او قائد عربي يخرج عن أطوار الخنوع البائس والجبن المهين، تنبري كل ماكنة توطين الهوان والذل لتبشع صورته وتلصق بكيانه وصفحات ايامه صفات تؤدي به الى فناء غير محمود .

 

قدمنا على مذابح فشلنا السياسي ووهنا الوطني والقومي فلسطين وشعبها, ومعها تدريجيا خسرنا ارضا ومواقف في لبنان وسوريا ومصر وخسرنا معها الكثير من سمعتنا كبشر، حيث مع خسارتنا لاجزاء من ارضنا سمحنا لاعداءنا بتبشيع صورتنا دون اي حق موضوعي و تقزيم كياناتنا الانسانية حيث أخذوا يصورونها ويتداولونها على انها محض كيانات حيوانية متحركة لكائنات استثنائية متوحشة لا قيم عندها وتعاني من متلازمة العوز الانساني. وسمحنا للهزيمة بالتكرار غير ذي مرة فتعرضنا لانتكاسات غير لائقة بأمة عريقة ذات دين وثقافة وارث حضاري هو الأهم والأعرق.

 

ثم, وعلى تداعيات احداث النخر الصهيوني لجسدنا, اسقطنا العراق في واقعة اجهزت, أو كادت, على ما كنا نكابر على حافاته الآيلة للانهيار، ووقف البعض القليل من اشقاءنا موقف المغلوب على امره لا حول له ولا قوة يتوارون خلف حجب الدخان وروائح الحرائق ولحمنا المشوي وعظامنا المهشمة وأنين الانهيار المشين، بل الانهيار العار لكل مواثيق الدفاع المشترك والغيرة اليعربية التي تغنَينا بها مظهريا تجاه دين واحد ودم واحد ومشتركات ثقافية وتاريخية.

 

بدأت مآسي العراق من نقطة دخول جاهزة لقوى العدوان على الامة عبر التمرد الكردي. وقد لعبت على هذا المعبر لسنوات طويلة ايران واميركا والكيان الصهيوني وبريطانيا، بل وحتى تركيا والاتحاد السوفيتي السابق وتم تقديم المال والسلاح والاسناد المخابراتي وعوامل ادامة التمرد الاخرى وقامت بتعطيل او ذبح اي جهد وطني عراقي مخلص لاحتواء التمرد سلميا والحفاظ على وحدة العراق الوطنية. وهكذا جرت الاحداث تدريجيا وبتلاحق لا تعوزه قطعا فذلكة وحذاقة المصممين الدهاة, حتى حانت ساعة الانقضاض على المارد العراقي بعد ان جرد من اهم اسلحته الفعالة, المارد العراقي الذي اتعب واجهد  اللوبي الماسوني والصهيوني وادواتهما الظاهرة والباطنة, فمزقوا العراق بمخططهم الماكر اربا اربا ليقولوا للعرب المسلمين, واوصلوا رسالتهم للمنبطحين والمستسلمين: أن اركنوا الى زواياكم المعتمة، لا مكان لكم في عالم النور ولا عودة لكم الى عالم وزمن الترف المحمدي، لن نسمح لكم بالاعلان عن انسانيتكم وحقكم في الحياة لأنكم عرب ومسلمين, ولأنكم الذبيحة التي حتى لو سمنت لبعض زمن فان مصيرها الذبح ... وكانت تلك الحلقة هي الاخطر في مسلسل التيئيس والتدليس والتغييب القسري للعرب.

 

ان مقتضيات مكافئة اللاعب الفارسي المساند للغزو والاحتلال بطرق مباشرة او غير مباشرة, ظاهرة وباطنة, قد ادت الى اطلاق يد ايران المتحالفة جهرا وخفية مع جزاري العرب لتلعب بمقدرات الامة وفقا لأجندة ما عُرف بمظلومية الشيعة التي تبنتها اميركا والصهيونية لتشكل مفهوما وبعدا سياسيا رديفا لمظلومية شعب الله اليهودي المختار. وهكذا شاءت ارادة اعداء الامة أن تكون ارض العرب ودماءهم هي قربان المظلوميات الكاذبة التي استخدمت لتحقيق اجندات التمزيق والشرذمة, الكردية من جهة والشيعية من جهة اخرى، والصهيونية من جهة اخرى.

 

في زمن ازدهار الدور الفارسي الممنوح ضمنا وعلنا لايران من قبل الدول التي غزت العراق واحتلته، مارست ايران وعملاءها وقواتها, احزابا وميليشيات, التي دخلت شريكا في احتلال العراق، مارست إحكام الصلة مع الجيوب الايرانية والعميلة لايران في الجزء الآسيوي من الامة العربية، وزرعت كياناتها الطائفية في لبنان التي ترتبط بعلاقات وثيقة عقائدية وتأريخية مع احزاب ايران في العراق ك (المجلس الاعلى وبدر والدعوة والتيار الصدري والفضيلة ومنظمة العمل الاسلامي وحزب الله العراق ومؤسسة شهيد المحراب) وغيرها, وفي اليمن عبر حركة التمرد الحوثي وفي الخليج عبر خلاياها المعروفة وخاصة في البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية.

 

ان خطة ايران التي يمكن لاي متفحص ان يدرك خطوط حركتها الجغرافية بعد السيطرة الاحتلالية على العراق وخاصة الجزء الجنوبي منه وعلى جنوب لبنان، بدأت تجرب قوة اذرعها الطائفية التي سلحتها وامدتها بالاموال في المملكة العربية السعودية، غير انها تلقت ضربات قاصمة حيدت دور جيوبها هناك ولو الى حين، وصار لزاما, ولاحكام الطوق على اقطار الخليج العربي, ان يتم ضرب اليمن وتجربة امكانيات الجيب الطائفي فيها في تنفيذ المخطط الفارسي. اليمن ضمن هذه الدائرة تمثل ساحة في غاية الاهمية الاستراتيجية لايران لانها ستكون الكف الهائلة التي ستضم وتحتوي اقطار الخليج تحت مطرقتها من جهة والمملكة العربية السعودية من جهة اخرى وفقا للمساقط الجغرافية المعروفة. ان هذا الامتداد (الحلم) للدولة الفارسية الشيعية الصفوية يعطي لها وصفا ووضعا اسطوريا حيث الخليج العربي وبحر العرب وخليج عدن ووصولا الى البحر الاحمر واطلالا ترفا مريحا بعد ذلك على البحر الابيض المتوسط. هكذا تكون الامبراطورية الفارسية قد رأت النور ولو في احلام العصافير المتطايرة في هذا العش او ذاك من ساحات العرب.  

 

الحكومات العربية قاطبة والخليجية بشكل خاص تدرك تماما ابعاد المخطط الفارسي والمديات التي ادركها. وايران تعلن رسميا عن جوانب مهمة من توجهاتها الامتطاطية الطائفية على حساب الامة العربية. وازاء هذا الوضع والحال, صار لزاما على هذه الحكومات ان تدعم اليمن وتسانده علنا وبوضوح وعلى كل الاصعدة وبكل ما تحتاجه اليمن من اموال وسلاح وسياسة واعلام.

 

ان ضرورات الحفاظ على ما تبقى من التزامات الدفاع العربي المشترك وتفعيلها بصيغة او باخرى، انما هي الطريق الوحيد المتبقي امام العرب لايقاف هذا العدوان والتمدد الفارسي على ارض ومياه الامة، وحيث صارت اليمن الان اولوية وارجحية ايرانية واضحة حيث ان تحقيق موطئ قدم في صعدة وبعض المناطق المجاورة سيكون بمثابة الاسفين الذي لا يدق في شمال اليمن فحسب، بل وايضا في حافات الحدود السعودية.

 

ان رهان التمرد على وعورة التضاريس لادامة زخم الاذى على قوات اليمن النظامية بهدف استنزاف قدراتها المختلفة وخلق البلبلة السياسية مع احتمالات الاسناد من الحراك الجنوبي ان هو الا اعادة متطابقة مع سيناريوهات ما حصل في العراق شمالا وجنوبا  مع اختلاف المسميات العرقية فقط. ومن بين حسابات التمرد الحوثي ان الاقتصاد اليمني قد لايستطيع الصمود طويلا امام حرب الاستنزاف العصاباتي مع ادامة زخم الدعم متعدد الوجوه من ايران ونظامها العميل في العراق, واسقاط هذا الرهان ممكن فقط بتقديم دعم عربي واسع ومعلن ويتضمن تقديم الاموال والاسلحة مع الاسناد الاعلامي والسياسي، الى جانب اصرار الشعب اليمني الشجاع على الحفاظ على وحدته واستقراره وسيادته.

 

ان اسناد اليمن حتى النصر يجب ان يُنظر له, ويتم التعامل معه, على انه حماية للامة العربية كلها من المحيط الى الخليج ... ولم يعد منطق وعقدة المؤامرة هاجسا يلعب تحت اباطنا، بل هو الفعل المعلن على رؤوس الاشهاد .. فايران تدعم وتتحرك وتنمي جيوبها في كل مكان من ارض العرب.

 

ان سقوط المارد العراقي تحت قوة الغزو والاحتلال الغاشم قد اوضح دون ادنى شك, للناطق وللاخرس, حجم الكارثة التي حلت بالعراق و بالامة والتي طالما حذر منها نظام العراق الوطني, وها هي اقطار الخليج وسورية ولبنان والسودان ومصر واقطار المغرب العربي كلها تواجه مشاكل وتحديات بهذا القدر او ذاك من النظام العميل لاميركا في العراق المدعوم علنا من إيران، ومن إيران والولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

 

ونحن على يقين بان اختلال الوضع في اليمن لاسمح الله او تسجيل التمرد لاية نقاط قوة على حساب الدولة اليمنية سيشكل طامة كبرى وكارثة على النظام العربي كله وخاصة الجزء الاسيوي من ارض العرب الذي استطاع النفوذ والاحتلال الفارسي ان يؤسس فيها لتواجد واضح وعلني. ان انتصار اليمن والحفاظ على وحدته وسيادته هو الضمانة الوحيدة المتبقية لحماية ارض ومياه العرب والتي يمكن ان تنطلق منها الامة لاعادة الاعتبار لوجودها كأقطار وكرمزية ثقافية وجغرافية واحدة بعد ان نال الهوان ما نال من وحدة الكيان الانساني العربي.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٢٥ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٣ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور