( أبو ذيبة ) ذئب الجهاد الشرس .. لن ينساه المحتلون !!...

 

 

شبكة المنصور

حسين المعاضيدي
أسرته القوات الأميركية في حرب العام ألف وتسعمائة والواحد وتسعين، حيث كان يومها ضابطاً في الجيش العراقي ويحمل رتبة ملازم أول، شهد له الجميع بموقفه الصلب في أقفاص الأسر، وكان يتعرض الى تعذيب شديد على أيدي الغزاة نتيجة دفاعه المستميت عن بلده ودينه، وأيمانه الشديد بعدالة القضية التي كان يقاتل من أجلها في ذلك الحين، وهي رد الشر ودفعه عن بلده الذي يتنفس هوائه ويشرب ماءه ويقطن أرضه.

 

اعتدى في إحدى المرات على جندي أميركي بالضرب بعدما شتم الإسلام والمسلمين، فنال بسبب ذلك تعذيباً كبيراً، لكنه بعد أيام كرر ضربه، لكن هذه المرة لجندي من القوات المناصرة لقوات الاحتلال الأميركي ، حيث أخذ ذلك الذنب في سب أهل العراق وشتمهم، فانبرى له الأسير فحطم لذلك النكرة أنفه، الذي لا يشم به سوى عبق الخيانة ورائحة العار، وهو يصبح رمح حربة غرسها المحتل في جسد العراق.


فك الله أسر (أبو ذيبة) بعد ذلك ليعود الى أهله، فذاع صيته وعرف الجميع بطولاته في الأسر، ومواقفه المشرفة، ما دفعني الى إجراء حوار صحفي معه بعد عدة سنين من خروجه من الأسر، حيث ظلت حكايات بطولته تتردد على الألسن.. وحينما تمكنت من الوصول إليه أجريت معه حواراً صحفياً تناول شجاعته في الأسر، وكيف انه وقف كسد منيع، بل قل كجبل بوجه الطغاة، وراح يرد عن بلده ودينه، فتحدث لي بتواضع، موضحاً ان هذه هي مواقف أي شخص يغار على دينه وبلده وأمته..


تركته وغادرت بعد ان نُقشت وارتسمت في ذهني صورته، رافضة مغادرة خيالي، فلقد كان ذو شخصية مميزة رغم بساطته، وكانت عيناه تتقدان قوة وبصيرة، الى جانب كونه صاحب نخوة وامتلاكه لقلب عامر بالأيمان، لكن الأقدار شاءت أن ألتقيه ثانية، وكان العدو القديم الجديد قد عاد، وعاث في بلاد الإسلام قتلاً وتقتيلاً، وانتهاك للحرمات، واغتصاب للمحرمات، وكان (أبو ذيبة) قد التحق هذه المرة بركب الجهاد والمجاهدين، مشمراً عن ساعديه بعد ان طلق الدنيا الفانية في سبيل نصرة دين الله، حتى ذاع صيته الجهادي، وعرف بطولاته القاصي والداني، الصغير والكبير، حتى أن الأطفال أخذوا يتشبهون به حينما يلعبون لعبة (المجاهد والأميركي) التي حلت بديلة للعبة (الشرطي والحرامي) التي كان يلعبها صغار الأمس، وكان الأطفال يختصمون فيما بينهم حول أيهم يؤدي دور (أبو ذيبة)، في الوقت الذي كان يتهرب الجميع من أداء دور الأميركي، لأنه في حساباتهم، رغم صغر سنهم، خاسر لا محالة في معركته مع (أبو ذيبة)!


سألني يومها مستغرباً عدم توثيقي لقصص المجاهدين ولسير عمالقة هذا الزمان الذين وقفوا كالجبال قبالة عدو محتل لا يرعى في مسلم إلاً ولا ذمة، عدو هدفه رفع راية الصليب في بلاد الهلال، عدو جعل من كل مسلم على وجه هذه البسيطة عدواً له، ومجرماً يتوجب قتله بلا محاكمة حتى، والجرم انتماؤه لأمة الإسلام لا غير، أبلغته حينها بأنني سأحرص على توثيق بطولات أبطال أمتنا أينما كانوا في سوح الجهاد، وأبلغته حينها بأنني، وكما وثقت قصة أسره سأوثق سيرة جهاده، فأبتسم لي قائلاً:


أن رزقني الله الشهادة فاجعلني آخر من تكتب عنه، ولا تبدأ بي إلا بعد أن تنتهي من أصغر مجاهد مجهول نال الشهادة في أرض الجهاد!


افترقنا حينها ولم تر عيناي صورته ثانية بعدها أبداً إلا في بقايا ذاكرة وهنت ولا علاج لها غير استذكار بطولات الجهاد في أرض الأمجاد.


إحدى بطولاته والتي كانت أشهر من نار على علم تجلت في غزوة خاضها مع مجموعة صغيرة كانت بإمرته، حيث خرج مع تلك الثلة المباركة من المجاهدين الأفذاذ، لنصب كمين لدورية تتبع للمحتلين كانت هي بدورها تنصب كميناً للمجاهدين في إحدى المزارع على الجانب الشرقي لنهر الفرات في مدينة بروانة بمحافظة الأنبار، وحينما وصل الى محل كمين الدورية التي كانت راجلة انقض كالأسد الهصور، وكذئب الصحراء على فريسته فقتل بقناصته التي كان يحملها ثلاثة من جنود الاحتلال، ثم راح ينادي على باقي عناصر الكمين المحتل بان يسلموا أنفسهم وسيعاملهم معاملة الأسرى، وكان يتحدث معهم بلغة انكليزية، فهو يجيد اللغة الإنكليزية ويجيد التحدث بها، فأبى جنود الاحتلال تسليم أنفسهم أول الأمر، فحذرهم في نداء أخير لهم، بصوت زلزل الأرض من تحت أقدامهم، كيف لا وهو كصوت القعقاع في المعركة الذي يعدل ألف رجل، فراح ينادي عليهم بأنه سيقتل من يرفض تسليم نفسه، وحينما أنقضت مهلة الدقائق التي منحها لهم، صال عليهم مع بقية أفراد مجموعته، وطوقهم من مختلف الجهات، وتمكن بخبرته العسكرية من القبض عليهم وهم أحياء بعد إصابة كثير منهم بجروح مختلفة، وكانوا ثمانية جنود اميركان قام (أبو ذيبة) بتجريدهم من أسلحتهم التي غنمها، ولصعوبة أخذهم أسرى من أرض المعركة أقدم  (أبو ذيبة) على قتل الجنود التسعة في مشهد لن ينساه أبناء العراق وسيتذكره أبناء الإسلام مدى الدهر، خصوصاً وهو ينفذ فيهم حكم الله والعدل والقانون، فقتلهم الواحد تلو الآخر بمسدسه الشخصي، تاركاً في جبهة كل واحد منهم رصاصة العز والشرف ورفض الاحتلال، فأنفرد هذا الذئب في كونه من أسر أكبر عدد من جنود الاحتلال في عملية واحدة قبل ان ينفذ فيهم الحكم الذي ينفذ بحق كل محتل غاصب للأرض، هاتك للعرض.
حمل أبو ذيبة الغنائم التي حصل عليها من عمليته البطولية تلك، إلى جانب حمله لجثة أحد القتلى ونقلها لمكان أمين، للاستفادة منها في أمر ما، حسبما كان يخطط لذلك (أبو ذيبة).


الأسلحة التي غنمها أبو ذيبة، ورغم حاجته الماسة إليها، خصوصاً أنها من نوعيات ممتازة، وأسلحة قنص عالية الدقة، إلا انه رفض ان يحتفظ بها لمجموعته، أو جماعته فقط، بل أرسل لكل جماعة، أو فصيل مسلح عامل في المنطقة الغربية قناصاً كهدية منه الى تلك الجماعة، أو ذلك الفصيل، وقد تلقفتها الجماعات الجهادية بقوة كونها مباركة كما يقال، فالغنيمة لها وقعها عند المجاهد، فكيف لو كانت قناصاً أميركياً عالي الدقة والمستوى؟!


جماعة أخرى طلبت من (أبو ذيبة) أن يهديهم جثة الجندي الأميركي المقتول ليتم عمل كمين بها لقوات الاحتلال، وبالفعل فقد قام بإهدائها لهم، ليقوموا بالتالي بتفخيخها وإلقائها على قارعة الطريق، ليتم تفجيرها على قوات الاحتلال حين وصولها الى الجثة، وهو ما كان بعد عدة أيام.


لم تنته القصة عند هذا الحد، فقد بادر أبو ذيبة، بحسب الخبرة العسكرية التي يمتلكها، وفي محاولة لزيادة الإرباك لدى قوات الاحتلال، الى زراعة عبوة ناسفة كبيرة مزودة بإضافات، ومواد شديدة الانفجار، عند المدخل الشمالي لمدينة بروانة، مع مجموعته نفسها التي قتلت الجنود الأحد عشر التابعين لقوات الاحتلال الأميركي، فهو كان يدرك ان قوات الاحتلال ستطوق المدينة التي جرت فيها عملية قتل جنودها الأحد عشر، وستحاول الثأر لقتلاها، الى جانب البحث عن الجثة المختفية، وهو ما كان بالفعل، حيث شكلت قوات الاحتلال بعد أثني عشر ساعة تقريباً طوقاً أمنياً حول مدينة بروانة، في محاولة لشن حملة عسكرية بعد مقتل جنودها الأحد عشر، وحال اقتراب أولى آليات المحتلين من المدخل الشمالي للمدينة ضغط أحد جند الله من مجموعته الباسلة على زر التفجير، لتتحول آلية برمائية فرقاطة الى هشيم تذروه الرياح، ليقتل على إثرها أربعة عشر جندياً من قوات الاحتلال كانوا بداخلها، تناثرت أشلاؤهم عند مدخل المدينة وتحديداً في حي علاوي الأسماك لتختلط لحومهم العفنة مع لحوم الأسماك المتفسخة التي يتم رميها من محلات بيع الأسماك على قارعة الطريق قرب مدخل  المدينة، ما أضطر قوات الاحتلال في ذات اليوم الى إعلان مقتل الجنود الأربعة عشر الى جانب الأحد عشر الذين سبقوهم لتصبح الحصيلة النهائية خمسا وعشرين جندياً محتلاً، وهو أعلى، وأكبر رقم تعلن عنه قوات الاحتلال يتم قتلهم في أربع وعشرين ساعة فقط طيلة سنوات الاحتلال السبع الماضية، ما جعل المحتل يعيش أياماً عصيبة في تلك المناطق التي ظلت عصية على المحتلين، حتى ظهور الوليد المسخ للمحتلين ما يسمونهم(الصحوات) الذين حاربوا المجاهدين بمختلف الطرق والوسائل.


حاول المحتلون اصطياد (أبو ذيبة) لأكثر من مرة، خصوصاً بعدما أوصل لهم العملاء وأذنابهم من الخونة والجواسيس هوية آسر وقاتل مرتزقتهم، فتعرضت الدار التي كان يقيم فيها الى العشرات من حملات الدهم والإنزال والتفتيش، دون ان يتمكنوا من اعتقاله، فقد كان في كل مرة ينجيه الله بمعجزة من بين أيديهم، حتى أضطر الى ترك مدينته الصغيرة (بروانة) واضطراره لعيش حياة الترحال بين المدن، مع زوجاته الاثنتين، حتى أستقر به المقام في مدينة هيت، دون ان يدري أنها ستكون آخر محطات ترحاله في رحلة عمره وجهاده!


كان، تقبله الله، رغم كل صفات البأس والقوة تلك، طيباً رحيماً متواضعاً، حتى انه كان يداعب الأطفال حينما يقف معهم، وكان محبوباً من الجميع، ولم يبق جندي من جنود الاحتلال في مناطق غرب العراق لا يعرف أسمه، فكانوا يخشون سطوته أيما خشية، ولم يمروا بدار ما لم يسألوا عنه، أو عن أية معلومات تقود الى قتله أو تمكنهم من اعتقاله، لكن الله شاء ان يحفظه ويمكنه منهم حتى حانت ساعة الفراق والوداع ليلتحق بركب من سبقه ممن ازدانت بهم قوافل الشهداء.


ففي آخر يوم له جلس معه أميره في العمل الجهادي، فأبلغه بأنه شاهد رؤياً في منامه، وقد رأى (أبو ذيبة) فيها وهو يغرق أثناء عبوره لنهر جارف، وكان حينها الذئب المفترس (أبو ذيبة) قد حدد موعد هجمة جديدة على نقطة رصد لقوات الاحتلال على مقربة من قرية الدولاب التابعة الى مدينة هيت، حيث كان يتمركز هناك عدد من جنود الاحتلال في نقطتين متجاورتين، وكان قد خطط للانقضاض عليها، وقتل وأسر من فيها، خصوصاً بعد توجيهات صدرت الى المجاهدين بمحاولة الحصول على أسرى من جنود الاحتلال، لما لذلك من وقع شديد عليهم، وعلى روحهم المعنوية، المنهارة أساساً، نتيجة حجم العمليات التي يتعرض لها الجيش المحتل في بلاد الرافدين!
حينها كان يفكر هو في خطة عسكرية لقتل أو أسر أفراد ذلك المرصد، فتوصل إلى أن المباغتة هي الأنجع في الحصول على الأسرى، خصوصاً أن موقع الرصد يقع في زاوية على طريق متعرج، ما يجعل سالك الطريق لا يرى النقطة الأميركية إلا حينما يصبح على بعد خمسين متراً منها لا أكثر، ما يعني بالتالي أن الجنود المحتلين لن يروا المهاجم حتى يصبح على بعد أمتار منهم، وهو ما كان يريده (أبو ذيبة)، فهو يسعى الى عنصر المفاجئة، لكن أميره في الجهاد طلب إليه أن يعدل عن هذه الغزوة، مذكراً إياه بالرؤيا التي شاهدها في المنام، فرد عليه متبسماً، ان كان الهأ سيرزقني الشهادة في هذه المهمة الجهادية، فذلك من عظيم نعمه عليّ، وحينها أكون قد فزت بالجنة بإذن الله، والشهادة هي المبتغى، وهي ما نعيش لأجله، مصراً على تنفيذ المهمة دون يخيفه شبح القتل الذي حام حوله بحسب رؤيا أميره، فارتدى حينما حانت ساعة الصفر ملابسه الخاصة بعمله الجهادي، واستقل سيارة مع مجموعته المهاجمة واتجه صوب الهدف.


ترجل المجاهدون حين اقترابهم من الهدف بعد ان باتوا قاب قوسين أو أدنى من عُبّاد الصنم، لتندلع معركة، كانت هي ختام المسك لشباب مجاهد أحب الموت كما أحب عدوهم الحياة، أما التفاصيل فيرويها الناجي الوحيد من تلك الواقعة، التي ستظل عالقة في أذهان كل من سمع بها.


يؤكد الناجي الوحيد أنه وحين ترجلهم من سيارتهم تقافز الأبطال و(أستل) كل واحد منهم سلاحه ليباغتوا به مرصدي المحتلين الاثنين بعد أن أصبحوا في اقرب نقطة إليهم، حيث فتحت المجموعة نيرانها بكثافة على العدو بواسطة البنادق أولاً في محاولة لإرباكهم وتشتيتهم، وتجهيز أرضية خصبة لفتح الطريق على قاذفات صواريخ الـ(آر بي جي) التي هي فرس الرهان في المعركة كونها الأكثر تأثيراً في مثل هذه الهجمات والاشتباكات، لكن إرادة الباري شاءت ان يصيب خللاً قاذفة الصواريخ الأولى التي كانت على كتف (أبو ذيبة)،


فتناول من زميل له قاذفة الصواريخ الثانية ليهدم بها الموقع على رؤوس المحتلين، ليتبين ان عطلاً وخللاً منعها هي الأخرى من قذف الصاروخ، ليتقدم الساند لهم بسلاح الـ(بي كي سي) التي تحملت العبء الأكبر في تلك المواجهة غير المتكافئة، فدارت رحى المعركة حتى  شارفت ذخيرة أبطال الجهاد على النفاذ، فجاءهم أمر الانسحاب من أميرهم (أبو ذيبة)، عبر أودية وأخاديد ضيقة بجانب الطريق، فتراجع الجميع إلا المصور الذي كان يحمل كاميرا بيده، ليوثق تفاصيل المعركة، والذي سقط على الأرض، بعد إصابته بإطلاقة في رأسه!!


رفض إخوة الدين والمصير والجهاد الانسحاب وترك جثة أخيهم المصور في أرض المعركة، فجاء الأمر الحاسم من (أبو ذيبة) بمشاغلة العدو بالبنادق، لحين التمكن من إخلاء المصور الشهيد، لكن إرادة الله شاءت ان يقتل الجميع فوق المصور وهم يحاولون إخلائه، بمن فيهم قائدهم (أبو ذيبة)، ولم يتمكن سوى مقاتل واحد من الانسحاب بأمان، ليروي تفاصيل معركة أحزنت أحداثها وتفاصيل ما جرى فيها كل من آمن قلبه بالله وشهد برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.


فهنيئاً لتلك الثلة المجاهدة الفوز بالشهادة، نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وهنيئاً لهم الحور العين، وهنيئاً منازل الشهداء لـ(أبو ذيبة) الذي ترك في كل شبر من ثرى الأنبار وصلاح الدين أثراً، أثراً ينطق ويحاكي من جاء من بعده.


انتهت المعركة بعد أن وضعت رصاصات المحتل خاتمة لذئب شرس قُتل بعدما رفض الانسحاب وجثة أخ له مرماة في ساحة المعركة، وبانتهاء تلك المعركة، انتهت رحلة مجاهد، وسيرة بطل صدق مع الله، فصدق الله معه.


قتل أبو ذيبة، وهذا قدر المجاهدين، وقدر من سلك طريق الله باحثاً عن رضوانه، جل في علاه، ونصرة دينه، لكن مسيرة الجهاد لم تتوقف من بعده، ولن تتوقف، فبمقتل أبو ذيبة ولد الكثير من المجاهدين، فقد كان مقتله دافعاً للكثير من الشباب للالتحاق بركب الجهاد، بعدما شاهدوا بأم أعينهم مقدار الرفعة، والتقدير، والدعاء الذي كان يتعالى أثناء تشيع جثمانه الطاهر حين تم دفنه في مقبرة الشهداء بمدينة (بروانة) مسقط رأسه، فإن كان هذا شأنه في الدنيا، فكيف بآخرة وجنان وعدها الرحمن لجنده الصادقين المجاهدين في سبيله؟!


قتل (أبو ذيبة)، وشهد له الأعداء قبل الأصدقاء، وهو الذي كان أسمه يتداول على لسان الجميع، خصوصاً بعد واقعتي بروانة، اللتين شهدتا له بالقوة والشجاعة والشدة والبأس.. قتل من شهدت له الساحة الجهادية، التي وأن ودعته، إلا ان ذكراه باقية فيها، تلهم إخوته حب الجهاد، والسير على خطى أخيهم الذي قتل على يد أعداء الله، من الصليبين..


قتل الشجاع الذي كانت حياته من دم ونار، بعد ان قاسى أهله وأبناء دينه مرارة الظلم.. قتل من زأر في وجه الكفر، وأذاق المحتل كأس العلقم، والذي ظل رابضاً في ارض الجهاد، ولم يتركها رغم انه كان المطلوب الأول في محافظتي الأنبار وصلاح الدين..


قتل من صمد وقاتل حتى قتل، فأوفى القسم للحق، جل في علاه، يوم عاهد الله على البذل والسعي، وفداء ماله، ووهب نفسه لله رب العالمين، ليمضي ذلك الجسد الممتلئ قوة وعزماً وشكيمة الى قبر، نسأل الله ان يكون له روضة من رياض الجنة، فيما حلّقت روحه النقية الى حيث القمة لتتربع على عرشها، قمة تاجها الشهادة، والتاج لؤلؤته مرضاة الله.


أدرك أني خالفت وصيتك، أيها الذئب الشرس حين طلبت مني يوماً أن تكون آخر من أفكر بالكتابة عنهم، لكن بطولاتك اضطرتني للتمرد على وصيتك، وعذراً لأني جعلتك من أوائل من أكتب في ذكراهم وسير بطولاتهم وتوثيق جهادهم من جند الإسلام في ساحة الجهاد، فأنت ستظل في مقدمة من اُخلد ذكراهم للتاريخ، تماماً كما كنت في مقدمة من جاهد وصبر وصمد حتى قتل.. فلك من الله الحواري الخلود، ولك منا الذكر، يا حافظ العهود، وهنيئاً لك العزة والكرامة، والصدع بالحق، وهنيئاً لك الشهادة، والنجاة من النار، وهنيئاً لك العهد والوعد، هنيئاً لك ان اشترى الباري منك، فأحسنت البيع وأحسن الله منك الشراء، أو نحسبه كذلك، وهنيئاً لك الثمن، يا من هجرت اللذائذ والراحة والدعة والنساء، وبحثت عن المتاعب والسقم والوهن والعناء، يا من تركت الفراش الدافئ الوثير، والتحفت السماء لرد كيد المعتدين ولإعادة الكرامة لأمة، دينها محارب من كل حدب وصوب ودين، يا من حملت بيمينك سيفا وقرآنا.


فيا ترى أتكفي بضعة كلمات لتحفظ للأجيال ذكراك، ويا ترى هل أوفى القلم حق قطرة من دمائك الزكية، التي سالت على ثرى أرض الإسلام، أرض الجهاد؟! لا والله، فكيف للحبر أن ينصف الدم !!؟

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٢٥ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٤ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور