تجارة الأوطان .. ثمنها بخس !

 

 

 

شبكة المنصور

حسين المعاضيدي - صحفي عراقي

قرأت مقالة لأحد الكتاب المجهولين والذي ظهر أسمه على الساحة لأول مرة، تطاول فيها على كُتّاب المقاومة، وراح يصفهم، وينعتهم بطريقة يعجز قلمي عن كتابتها، لما فيها من خدش للحياء، وتجاوز على الدين، والعرف العشائري، والاجتماعي.

 

وأنا أقرأ ذلك المقال، الذي هو من ضمن سلسلة مقالات يقوم بكتابتها عدد من الأسماء المجهولة، والتي يقف خلفها كُتّاب، معروفين بعمالتهم لدرجة الغليان، عادت بي الذاكرة الى زمن ما قبل الاحتلال، حينما سلطتُ قلمي للكتابة عن ممثل كان، من منظاري، يمثل التفاهة بكل قيمها، والدناءة بكل أركانها ومكامنها، ما دفعني حينها للكتابة عنه، حتى انه قدم فيّ شكوى يتهمني فيها بالتطاول على شخص الـ(فنان) الذي يتجسد فيه، واستذكاري لتلك الحادثة جاء بعد مشاهدتي نفس الممثل في مسلسل تلفزيوني ساخر على إحدى القنوات، يتناول فضائح حكومة العار، التي تلطخت يديها بكل ماهو مشين، من فعل وقول وعمل، وأخذ ذلك الممثل يتفنن في إظهار الشخصية التي يقلدها، لتكون طبق الأصل، كالشخصية الحقيقية العفنة التي تحكم اليوم بلاد الرافدين من مسرح المنطقة خضراء الذي يقتصر حضوره على من فقد الغيرة والشرف والعفة والطهر، وخان حليب العراق الطهور.

 

هذا (الممثل) في ذلك الزمان والـ(فنان) اليوم، رغم انفي، قد غسل تاريخه الأسود بماء طهور يوم وقف ليقول ويتحدث ويمثل، دون خوف أو وجل، لأنه رأى ان بلده قد انتهكت حرمته، وأرضه قد اغتصبت، ودينه الذي لم يكن يملك منه شيء قد أستبيح، فانتفض، وغيّر لون تاريخه الى بياض ناصع، بموقف حول فجوره الى رفعة وعز وشرف!

 

وغير بعيد عنه استذكرت موقف آخر لغجرية جاء بها كبار مشايخ الصحوات ليحتفوا بأسيادهم المحتلين، فحينما طلبوا منها ان ترقص أمام أولياء نعمتهم، ما كان منها إلا ان تحتج وترفض الرقص أمام محتل لبلدها الذي يؤويها وعائلتها الغجرية، وقالت حينها جملتها الشهيرة التي يحفظها كثير عن ظهر قلب: ( ألا تخجلون، ألا تملكون شرفاً.. تريدوني أن أرقص لمحتل)!!

 

مواقف علقت في ذهني وأنا اتامل مقالات أولئك الذين يتنفسون هواء العراق ويشربون ماؤه ويمسحون أحذية من يجلس على كرسي سلطة زائلة جاء من خلف البحار البعيدة ليحكم أرض بغداد الأصالة وبابل التاريخ ونينوى الحضارة وكوفة الخلافة الإسلامية، ويساعدوا على الانتقام من نبوخذ نصر لسبيه اليهود، ومن الرشيد لقتله برامكة المجوس، ومن المعتصم لدحره روم الصليب! فهؤلاء لا يريدون لأمة الضاد أن تنتصر، أو ان تعيش محررة من قيود الاحتلال والاستعمار الذي جيّشَ أقلاماً، لها أول ولا آخر لها، وكل قلم له شأن يغنيه، فهذا لمدح المحتل، وذاك لسب المقاومة، وآخر لتسقيط الرموز، ورابع لذب الشر عن أصحاب الغايات والأهداف اللا نبيلة من أدوات المحتل، أما أخير هذا الأقلام، لا آخرها، فتلك التي تستهدف الكتاب والصحفيين والإعلاميين، من المحسوبين على الخط المقاوم والمجاهد، والذين لهم نصيب الأسد من الافتراءات، والأكاذيب، والدجل، والتي تنطلق من أفواه تعوي، دون ان يغادر صدى عوائها الغرفة التي يجلسون فيها.

 

وهذه الحرب القذرة من جانب المحتل، ومن السائرين في فلكه، أخذت صوراً متعددة، فقبل أيام وصلتني رسالة من أحد الأشخاص قام بتعميمها الى مجموعة من الصحفيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية يفتري فيها مرسلها عليّ، وعلى شخصي، وتاريخي الصحفي الذي يعرفه كثير من زملاء المهنة، وتضمنت الرسالة سيلاً من الشتائم، وأستخدم مرسلها جملاً من السب، لم نعهدها أو نسمع بها إلا من حثالات القوم، ممن يسكنون المنطقة الخضراء، الذين لا يهمهم عرض مسلم، أو شرف عراقي، بقدر ما يهمهم رضى سيدهم، الذي يفتشهم، ويشمشمهم عند مداخل بوابات مناطق خضراء من الخارج، حمراء من الداخل، محصنة، لا يستطيعون مغادرتها شبراً، ما لم تخرج معهم أفواج، وجيوش، وفيالق بشرية، وسيارات تزأر أناء الليل وأطراف النهار، ومصفحات تنحر بلا وجه حق السائرين في الطرقات، ودوريات تغلق الشوارع، وأخرى تصادر الأرصفة وتسلب سابلتها حق المشي عليها والسير!

 

لست الوحيد الذي تطاول عليه أذناب حكومة العمائم، من الذين تلطخت سمعتهم قبل الاحتلال بمختلف جرائم الشرف والعار، ومنهم مرسل الرسالة، قبل ان تتلطخ يديه بدماء الكثير من العاملين في مجال الإعلام، فتلك الافتراءات طالت عدد من الكتاب المحسوبين على خط المقاومة والممانعة والمناهضة والجهاد والمتضمنة افتراءات متعددة الأشكال والألوان، جاءت بعد كشف كُتّاب المقاومة لعدد من رواد ما يسمى (نادي بغداد للصحافة) ذو الفضائح الذائعة الصيت، الذي أنشئ من قبل المحتلين بعد احتلالهم للعراق، والذي تم من خلاله (تجنيد) كثير من الصحف والصحفيين عبر تلقيهم أموالاً سرية من الاحتلال في مقابل كتابة موضوعات يحددها الاحتلال ضد المقاومة الباسلة، والترويج للمحتل ومشاريعه المشبوهة، وتجميل صورته بطرق مباشرة أحياناً، أو بطرق غير مباشرة في أحايين أخرى، وبحسب عدد الموضوعات التي ينشرها عضو النادي، والمساحة التي ينشر بها، وما إذا كان الموضوع مدعماً بصور أم لا!

 

وقد أخذت هذه النكرات تفتري على كُتّاب، سلكوا خط مقاومة المحتل، ومساندة إخوانهم المجاهدين والمقاومين في سوح الوغى كنوع من الحرب القذرة، التي أعتاد عليها من خان الله والوطن، وارتمى في أحضان حكومة الذل والعار الحالية، وتلك ضريبة الوقوف في خندق المقاومة ضد خندق المحتل وأشباه الرجال الذين أتوا به، ويسيرون خلفه.

 

وقد تجاهلت الموضوع حينها ولم أعلق على الافتراءات والتهجم على شخصي أو على قلمي وتاريخي الصحفي الذي يعرفه القاصي والداني، والعدو قبل الصديق، لكني وجدت ان محاولة تشويه سمعة الأقلام المقاومة للاحتلال هو ليس حالة فردية، وإنما سياسة ممنهجة باتت حكومة الفضائح الصفراء تنتهجها ضد كل من رفع لواء محاربة الاحتلال والوقوف بوجهه، وبما أنهم يرون أن الكلمة تعدل ألف مدفع في ميدان السياسة، وصدقوا في ظنهم، وهم الكاذبون، فقد أنبرى كلابهم للنيل من عدد من الكتاب والصحفيين، بعد ان فشلوا في وصول رصاصات غدرهم الى مجاهدي الكلمة في بلاط صاحبة الجلالة، فكلنا يتذكر قصة الزميلة الصحفية (كلشان البياتي)، التي انهالت البيادق الشطرنجية لتنال من سعيها الحثيث والدؤوب في مقارعة المحتل، في محاولة منهم للنيل من موقفها الرجولي، وهي السيدة، لا لسبب سوى لكتابتها مواضيع صحفية تهاجم فيها المحتل وسياسة الحكومة الطائفية التي نصبها المحتل، وهي التي لم تتنازل عن ثوابتها، فتم اعتقالها لمرتين، ولم تخضع لضغوطاتهم وتهديداتهم، فأمروها بالجلوس في البيت والتوقف عن الكتابة، فتمردت على قوانينهم الرجعية والهمجية، فهددوا بخطفها أولاً، ثم هددوا بقتلها ثانياً، ثم حاولوا تنفيذ الجريمة، لكن إرادة الله شاءت ان تفلت من قبضة أيديهم في آخر لحظة، لتغادر بغداد وتستمر في معركتها من أرض أخرى، غير أرض بغداد، التي لا بد ان تعود إليها يوماً وهي مرفوعة الرأس، كما هي اليوم بموقفها المشرف من الاحتلال وصعاليكه وأدواته، فما كان من الأقزام والأقلام المأجورة إلا أن أخذت تشهر وتفتري وتلفق عنها وحولها الأكاذيب والأباطيل التي لها أول ولا آخر لها.

 

آخر أساليبهم القذرة والوقحة هو نيلهم من سيدة خبرتها وعرفتها في عالم الصحافة والإعلام، كصحفية لا يشق لها غبار، ولا يثلم لها قلم، تقول كلمة الحق، ولو كلفتها حياتها، حباً بهذا البلد، الذي منحها الأمن والأمان طيلة سنوات عمرها الأربعين التي سبقت الاحتلال، ووفاءً منها لماء دجلة الطهور، الذي شربت منه أكسير الحياة.. أنها الزميلة الصحفية (سحر الدباغ)، التي ورغم عبورها بوابة الأربعين عاماً، لتصبح على مشارف الخمسينات، إلا أنها باتت هدفاً لهم، فتكررت هجمات الوحوش عليها، فبعد التهديد بقتلها وخطفها علناً، ومحاولة اغتصابها، كما جاء على لسان جهة تتحدث باسم المالكي، وأمام الأشهاد، لرفعها لواء مقاومة المحتل، بقلمها، وفكرها، وعقلها، فاتحها أحد مستشاري المالكي السريين، وهو المدعو (سمير عبيد) والذي يمتلك موقعاً الكترونياً يروج فيه بقوة أولى وثانية وثالثة لسياسات سيده قزم المحتلين، وذلك عبر أيميلها الشخصي الذي تختم به مقالاتها وكتاباتها داعياً إياها للانضمام الى حملة المالكي الدعائية، ولها من الأموال ما تشتهيه، الى جانب منصب رفيع، بعدما يستقر حال الانتخابات، ويصبح رئيس حكومة الاحتلال الرابعة رئيساً لحكومة الاحتلال الخامسة، ولأنها كعادتها ليست من اللواتي تبحث عن مجد زائل، أو أموال تلطخت بدماء أبناء جلدتها، وأبناء الإسلام، ولأنها مسلمة شريفة، عفيفة، نقية كماء الفرات، وحرة تأبى ان تصبح اَمَة لغير الله!

 

رفضت (سحر الدباغ) عرض مستشار المالكي السري، الذي يعد نفسه القوة الثالثة في عالم المواقع الإلكترونية بعد التلفزيون والصحافة المقروءة، يدفعها في ذلك دينها الإسلامي، ووازعها الإنساني، وحسها الوطني، ورفضها للإغراءات التي يسيل لها لعاب من قَبِلَ على نفسه الدَنيِة دفع البغاة لسن خناجرهم، وشحذ سكاكينهم، لينهشوا في لحمها وعرضها وشرفها كما تنهش الكلاب حينما تجتمع على قصعتها، وهذا دأبهم، فراحوا يتهمونها مرة بالجاسوسية، ومرة بالعمالة، ومرة بالدناءة، ومرة ببيع الجسد، أخزاهم الله، ثم أخذوا يلفقون تهماً مخزية، كتأريخهم، حول أصلها، وفصلها، ومسيرتها الصحفية في فترة ما قبل الاحتلال، فكانت تلك الافتراءات والأكاذيب والتخرصات، الشهادة بأنها كاملة الأخلاق والطباع، خصوصاً أنها أتت من قوم ناقصي العقل والغيرة والشرف والدين!

 

ولست هنا بموضع الدفاع عن الزميلة (سحر الدباغ) أو عن الزميلة (كلشان البياتي)، أو غيرهن من الكاتبات الشريفات في ميدان الكلمة، فهاتان الصحفيتان وغيرهن كثير هما نهرا العراق الجاريان من الشمال الى الجنوب، يمنحان العراق الأمل بعراق باق، وهما أنموذجان لخنسوات هذا الزمان، اللواتي لم يكتفين بتقديم الأهل عربون محبة لهذه الأرض الطهور، وإنما جِدن بأرواحهن وأنفسهن، يوم تحدين قوى الطغيان، ليصبحن من العلامات الفارقة لهذا البلد، الذي يتذكر الكل بطولات نسائه ورجاله على السواء، لكن استعراضي لطبيعة الحرب القذرة التي تتعرض لها الأقلام التي لم ترتضِ لنفسها إلا ان تكون في خندق الحق ضد فيلق الأقلام المأجورة في خندق الباطل، ممن أصبحوا أدوات المحتل الصليبي، أو مبشرين لتمدد ونفوذ إيراني كانوا هم ابرز أدواته في الساحة العراقية، التي نسأل الله ان تُخسف بهم مع أسيادهم، وهو تبيان كذلك لما يتعرض له سكان بلاط صاحبة الجلالة، التي تحاول الكلاب المسعورة النيل منها، والذين لم يكتفوا بإرسال رسائل التهديد والوعيد والتصفية الى بريد كل كاتب صحفي مقاوم للاحتلال الصليبي أو للتغلغل الإيراني، والتي تأتي تارة بأسماء المسؤولين الصريحة، ومرة بأسماء مكاتبهم، وثالثة بأسماء أقزامهم، من المحسوبين مستشارين إعلاميين لهم، أو كصحفيين ناطقين باسمهم، بل أخذوا يكتبون المقالات لينشروها في مواقعهم المؤطرة باللون الأسود، لوناً ومحتوى وسياسة، والتي سمتها ووشمها الكذب ثم الكذب ثم الكذب غير مدركين ان سياسة هتلر الإعلامية (اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس) لم تعد تنطلي على الألباب، والتي هي اليوم بالإشارة تفهم.

 

ويكفي ان أقول، لو كان ما يذكره هؤلاء صحيحاً لما انتظر الى اليوم حكام المضبعة الخضراء وجلاوزتهم لتناول هذه الشخصيات التي هي من أسلحة المقاومة الإعلامية رغم القنابل اليومية ورصاصات أقلامهم المدوية التي تخترق أجسادهم كل يوم، ولما انتظروا الى اليوم ليكشفوا الى الملأ تاريخ أقلام سَخّرت أقلامها، وما تبقى من أعمارها لنصرة المجاهدين والمقاومين في أي زمان وأي مكان، وأينما وجد الظلم.

 

قاموس هؤلاء الكتاب والصحفيين يعرفه القاصي والداني، ولا يشك بولاءاتهم وكتاباتهم الصحفية، ونصرتهم للمجاهدين وللمقاومين ودفاعهم المستميت عن هذه الثلة المباركة من جند الله، جند الرحمن في جهاد المسلمين ضد قوى الكفر والطغيان، وأينما وجد الجهاد والمقاومة في بلاد المسلمين المحتلة سيكون مجاهدي الكلمة معهم، ولهم، بأقلامهم، وبأرواحهم، وبأجسادهم، ان تيسر لهم ذلك، سواء أكانوا في عراقنا المحتل، أو في أفغانستان، أو في الشيشان، أو في الصومال أو السودان ، أو في فلسطين، أو في أي جزء محتل من أرض إسلامنا، وهم يدافعون عن العرض والشرف والعزة والكرامة الإسلامية، وقبل ذلك دين الله، الذي يحارب على أيدي الطواغيت المنحرفين، عبدة المحتل الصليبي، وأذناب المجوس، وخدمة اليهود في بلاد الرافدين، من مروجي الأباطيل وملفقيها، الذين عاشوا مجرمين بشعين، وأقزام صغار، ومخبرين سريين في الزمنين ممن يرددون كببغاوات أوامر سيدهم التكساسي المتصهين، وخليفته الأفريقي المتأمرك!

 

أن أولئك المحسوبين على معاشر الكتاب والصحفيين، تخندقوا مع الباطل ضد أهليهم، وأبناء بلدهم، ووطنهم الذي شربوا من مائه، وتنفسوا هوائه، وسكنوا أرضه، قبل أن يخونوه بعد ذلك، ويبيعونه، كما باعوا الشرف والعرض والدين في سوق البغاة، وبثمن بخس، دراهم معدودات، وهو ما لم تفعله حتى غجرية الصحوات!

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٠٥ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٤ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور