المالكي والحملة على البعث

 
 
 

شبكة المنصور

المحامي حسن بيان

منذ ذاق نوري المالكي طعم السلطة ، لم تفارقه لازمة التهجم على حزب البعث بماضيه وحاضره ، وكان آخرها ما اعلنه في الاول من تشرين الثاني ، محذراً من تسلل عناصر حزب البعث الى مجلس النواب العراقي  ، داعياً الى عدم السماح لهؤلاء (أي للعناصر البعثية او لمن يتعامل معهم بالعمل تحت قبة البرلمان)وقد اردف تحذيره هذا بسبحة طويلة من المفردات الفظة والساقطة بحق الحزب ورموزه.


هذه الحملة التي يشنها المالكي على حزب البعث ، ليست جديدة ، بل هي قديمة قدم انخراطه بالعمل السياسي في صفوف حزب الدعوة بداية  ، ومن ثم عمله وانضوائه تحت مظلة اجهزة المخابرات الاجنبية التي لم توفر وسيلة والا لجأت اليها للتخريب والتدخل في شؤون العراق ، والتي بلغت اوجها في الدخول الى العراق على متن دبابات الاحتلال الاميركي واخيراً انضواءه في اتئلاف سياسي مذهبي البنية مناطقي التواجد لن تغير من طبيعته بعض الزركشات الشكلية لتلاوين طائفية مختلفة.


ان المالكي الذي منحته انتخابات المحافظات  ، وضعاً متقدماً على سائر الكتل السياسية الاخرى المنخرطة بما يسمى العملية الانتخابية ، يسعى للاستناد الى هذه النتائج ليحقق وضعاً مشابهاً في الانتخابات البرلمانية التي اقر قانونها بعد اخذ ورد واستمر لفترة طويلة .لكن وهو يأخذ تلك النتائج كمرتكز سياسي يؤسس عليه للانتقال لمرحلة جديدة حيث يقف العراق على عتبة الدخول في مرحلة اعادة انتشار قوات الاحتلال  ، أراد ان يعطي شحنة سياسية لحملته الانتخابية ، انطلاقاً من تصعيد هجومه على حزب البعث وفق خطة موزعة على ثلاثة محاور.


المحور الاول: توطيف امكانات السلطة واداراتها وامكاناتها في خدمة معركته الانتخابية  ، والمحور الثاني ، ترتيب علاقات ضامنة مع ايران ومع الولايات المتحدة الاميركية باعتبار الاخيرة حالياً هي صاحبة النفوذ الاول في ادارة الشأنين السياسي والامني في العراق ، والمحور الثالث استحضار توترات سياسية مع بعض دول الجوار ومع قوى سياسية داخلية لتوفير ارضية ملاءمة لاستنفار عصبية سياسية ظناً منه انها تشكل رافعة قوية لحملته الانتخابية .


وفي دائرة المحور الثالث ، افتعل معركة اعلامية وسياسية مع سوريا بحجة توفيرها ملاذاً آمناً لمن يعتبرهم ينفذون عمليات عسكرية في العراق كما عمد الى استحضار موقف قديم جيد في عدائيته لحوب البعث واتخذ بعداً جديداً ليس من خلال حصرية العدائية مع الحزب وحسب بل أيضاً لقوى يعتبرها انها تتعامل مع الحزب او غير قاطعة لوشائح العلاقة معه.


ان الانتخابات البرلمانية في العراق سواء جرت في موعدها المحدد بداية العام2010 ام اجلت الى موعد آخر فإن الثابت ان ساحة العراق تختلج اليوم بتفاعلات سياسية نتيجة للصراع الذي اخذ بعداً وشكلاً جديدين والذي تمحورت جاذبياته حول محورين ، محور الفعل المقاوم بكل قواه ، ومحور الاحتلال والدائرين في فلكه ،


ان المالكي الذي تبوأ الموقع الاول في الادارة السياسية للعراق في ظل الاحتلال بات يدرك جيد ، انه بخروج الاحتلال والحاصل عاجلاً أم آجل ، سيفقد مرتكزه الاساسي الذي يتكىء عليه والغطاء السياسي الذي يتلحف به.وعلى ضوء هذا الادراك  ، والاثار السلبية الذي سيتركه خروج المحتل على مواقع ونفوذ القوى التي تناوبت على السلطة في ظل الاحتلال ومنها المالكي فإنها دخلت منذ حين مرحلة التحضير لبدائل دعم واسناد لمواقعها السياسي في الداخل العراقي .ولهذا عمد المالكي ، لاستحضار بعض العناوين الوطنية في خطابه السياسي ، لمعرفته بحجم الانشداد الشعبي لهذه العناوين ، مرفقاً ذلك بشن هجوم سياسي واعلامي استباقي ضد القوى التي ادت وتؤدي دوراً مركزياً في مقاومة الاحتلال على قاعدة الرؤية والبرنامج الوطنيين ،


لهذا لم يكن اختيار المالكي لحزب البعث  ، كهدف اساسي لحملته المعادية ، اختياراً عبثي ، بل هو اختيار هادف  ، لأن يعرف كما غيره ، ان الحزب يقوم بدور مركزي في فعاليات المقاومة وانه عبر برنامجه الوطني الشامل المعبر به بالبرنامج الاستراتيجي للمقاومة الوطنية العراقية ، بات الحاضر المركزي في الحياة السياسية العراقية وهو يشكل واحداً من اهم مراكز الاستقطاب السياسي العابر للطوائف والمذاهب والمناطق.وانه بالنظر لهذه المحورية الذي يشغلها الحزب في الحراك السياسي العراقي كان عرضة للتهجم عليه من المالكي وغيره كما هو عامل جاذب لشد قوى تريد ان تلعب دوراً في الحياة السياسية العراقية تحت عناوين وطنية ولا تستطيعها دون علاقة او غطاء من الحزب .


ان القوى التي تسعى لنسج علاقات ايجابية مع الحزب تحفزهما ثلاثة عوامل:


العامل الاول:هو المحرك الاول هو المحرك الوطني حيث لا تجد ذاتها خارج الانتماء الوطني الاصيل ، والعامل الثاني ، لأن الحزب اعاد انتاج نفسه في مصهر الوطنية التي تشكل المقاومة عنوانها الانقى  ، والعامل الثالث ، هو حجز هذه القوى لموقع لها في الخارطة السياسية الجديدة التي يؤكد الحزب على انها ستكون خارطة ترتسم ضمن حدودها كل القوى الوطنية الحريصة على وحدة العراق وعروبته وديمقراطية الحياة السياسية فيه ،


ان الحزب من خلال دورة في صياغة البرنامج العام لاستراتجية المقاومة وهي تقاوم الاحتلال ، ولمرحلة ما بعد الاحتلال ، قد حسم موقفه ورؤيته للحياة السياسية المحكومة بتعددية سياسية تضمن حق الجميع في العمل السياسي على قاعدة حماية والدفاع عن المسلمات الوطنية السياسية ، وهي وحدة العراق الوطنية وعروبته القادرة على اسقاط كل اشكال التطييف السياسي والمذهبي من حياته المجتمعية ، واحترام حقوق الاقليات القومية ضمن ضوابط القانون الوطني الاساسي ، وجعل الديمقراطية السياسية الناظم الاساسي لحياته السياسية ، والتي بالاستناد اليها يختارالشعب القوى التي تستحق شرعيته التمثيل السياسي له .وان الجميع يدرك بأن الوطنية العراقية المشدودة الى انتمائها القومي هي التي تمنح ثقتها لهذا الفريق او ذاك ،  واذا كان المالكي قد حقق كسباً في انتخابات مجالس المحافظات فليس لانه يشكل رمزية وطنية والكل يعرف انه اتى الى السلطة برعاية الاحتلال وحمايته ، بل لانه لجأ الى دغدغدة العواطف الوطنية و التي لا يريتقي ادنى شك الى عمق تجذرها في الوجدان الشعبي العراقي ،


ولهذا فإن التصويت في انتخابات مجالس المحافظات لم يكن للمالكي كشخص ولا لائتلاف دولة القانون الذي خاض الانتخابات تحت عنوانه بل كان تصويتاً على شعارات وطنية طرحها المالكي في خطابه السياسي ، مثل اعادة الاعتبار للدولة المركزية على حساب الفيدرالية واعادة الاعتبار لدور الجيش كاداة حامية للوطن ، والوقوف في وجه قانون النفط الذي يريد رهن ثروة العراق للشركات الاحتكارية ومافيات الداخل والقوى المستفيدة التي تحكم بالاستناد الى امر واقع نما وترعرع في ظل الاحتلال .


ان المالكي الذي صعد حملته مؤخراً على الحزب وعلى كل من يريد ان ينسج علاقة معه ، آن له ان يعي انه اذا كان يريد لنفسه موقعاً في الحياة السياسية العراقية في مرحلة ما بعد الاحتلال فسبيله واحد لاغير ، هو ان يقلع عن النهج الذي يعتمده بتصعيد عدائيته للحزب اول ، وثانياً ان يمارس نقداً ذاتياً عن كل الاساءات التي لحقت بالعراق وكان مسؤولاً عنها وان يقوم بمراجعة سياسية شاملة لمسيرته السياسية وخاصة منذ وطأت اقدامه ارض العراق تحت حراب الاحتلال الى مرحلة استلامه للموقع التنفيذي الاول في السلطة


نقول ذلك لان المالكي كما غيره ممن عملوا تحت مظلة الاحتلال انما يتحملون مسوؤلية بما آلت اليه اوضاع العراق من تدمير خراب ونهب وثروات لانه في ظل حكمه ومن سبقه صنف العراق دولة فاشلة على الصعيد العالمي وادرجت في آخر سلم التصنيف للدول الفاشلة.


ان المالكي وغيره عليهم ان يعرفوا بأن حزب البعث لن يشارك في عملية سياسية تحت حراب الاحتلال ، والذي يريد ان يكون له دور في الحياة السياسية العراقية على قاعدة المسلمات الوطنية عليه ان يدخل في ورشة عمل سياسي تختلف عن آليات العمل الحالي ، وهذه الورشة تبدأ بالتحضير لمؤتمر وطني عام تكون قوى المقاومة الوطنية ركيزتها الاساسية وفي الطليعة منها حزب البعث وعنه تنبثق الاطارات السياسية التي تحضر المناخات لعملية سياسية ، تلحظ متطلبات المرحلة الانتقالية ، ومن ثم وضع آاليات لادارة شؤون العراق مع بداية بزغ الفجر الاستقلالي الذي رسمت معالمه بدماء المقاومين وتضحيات الشعب العراقي.


واذا كان المالكي يرى بأن الحملة على الحزب ستقوي مواقعه ،  فنعتقد انه مخطىء في تقديره لأن هذا لن يزيده الا انكشافاً سياسياً وشعبي ، وشعب العراق لن يصوت لمن دخل دائرة الافول السياسي مع دخول الاحتلال مرحلة افوله ، بل سيصوت وسيقترع للمستقبل والمستقبل هو للقوى التي اعادت صهر نفسها في مطهر المقاومة وهي التي عملت لاجل ان يستعيد العراق اعتباره وموقعه ودوره ويقيم سلطته الوطنية على كامل ترابه الوطني.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٢٣ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١١ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور