أزمة اللاجئين العراقيين هل هي أزمة أخلاقية أم سياسية ؟

 
 
 

شبكة المنصور

د. مثنى عبد الله - باحث سياسي عراقي

تتبارى الدول وتتسابق فيما بينها سعيا لتشريع المزيد من القوانين التي تؤكد حقوق الانسان وتجعلها واقعا ملموسا تحفظ له حياة حرة كريمة , كما تتنافس المنظمات الدولية والاقليمية المعنية بهذا الامر لفرض المزيد من السلطات الرقابية على الحكومات لضمان تطبيق شفاف لتلك القوانين, وللحد من الانتهاكات التي تمس واقع الانسان, وتتجاوز على وجوده المادي والمعنوي بأعتباره قيمة عليا , وان حقه مقدس في تطوير كامل خصاله الانسانية والاستفادة من قدراته العقلية ومواهبه الطبيعية , التي ستكون في خدمة البشرية جمعاء في حالة توفير الاسس التي تضمن أنطلاقتها .


وأذا كان هذا المسعى من قبل الدول والمنظمات يقدم لنا صورة زاهية الالوان للواقع الانساني المستقبلي , ونتوسم فيه خيرا للاجيال القادمة , فان هنالك بؤر مظلمة في العالم لازالت تعبث بمصير الانسان وتصادر أبسط حقوقه الطبيعية وتعتدي على أنسانيته في كل وقت وحين , ولعل ماحدث ويحدث الان في العراق من قبل قوى الاحتلال ووكلائه الشرعيين دليل واضح على ذلك حيث قدموا للعالم صورة قاتمة السواد عن خرق حقوق الانسان منذ التاسع من نيسان في العام 2003 وحتى اليوم , ولازالوا مصرين على رسم صورة أحادية اللون , مجهولة الملامح, خالية من الضوء للواقع الانساني المستقبلي للاجيال القادمة ,فراحوا يعبثون بالنسيج الوطني للمجتمع , ويثقفون الناس على أنهم مجرد مجموعة طوائف وقوميات وأقليات حان الوقت كي يقتص كل من الاخر , بل تمادوا في غيهم وحاولوا تطويع الانسان العراقي لخدمة أهدافهم الطائفية والعنصرية والحزبية الضيقة , وجعله وسيلة لتلك الاهداف, بينما يسعى العالم اليوم لتفصيل القوانين والتشريعات بما يتلائم والحاجات الانسانية لبني البشر . فعلى مدى السنوات السبع من عمر( الديمقراطية) التي بشروا العالم بها , والتي تم تطبيقها باكثر الوسائل تحضرا (المثقاب الكهربائي , والاعدامات السرية , وأغتصاب الرجال والنساء) لازالت أزمة المهجرين داخل الوطن والذين يسكنون الخيام في السليمانية والحلة وغيرها , والتي افتعلتها مليشياتهم لتغيير ديموغرافية المناطق خدمة لاهدافهم الطائفية , لازالت لافتة كبيرة تفصح عن ممارسات وسلوكيات يندى لها جبين الانسانية , اضافة الى أزمة اللاجئين خارج الوطن التي باتت تلقي بظلالها الكئيبة على حياة أكثر من ثلاثة ملايين أنسان , والتي تقف الادارة الحالية في العراق موقف المتفرج عليها , والمساهم في أستمرارها , بينما يعلن المتحدث بأسم المفوضية العليا للاجئين في جنيف بان( العراقيون لازالوا وللسنة الرابعة يحتلون المرتبة الاولى على لائحة طالبي اللجوء السياسي في العالم) .


أن الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي أكد بان ( لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه ) وعدم جواز (القبض على أي أنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا ) , أضافة الى بنود أخرى تعزز أنسانية الانسان , أنما يجده العراقيون بصورة عامة والمهاجرين والمهجرين اليوم مجرد عبارات فارغة المحتوى أمام السجل اللاأنساني الذي عانوه , فما زال ثلاثة ملايين عراقي مشردين داخل البلاد , ومليون و600 الف مهدد مصيرهم , حسب ماأوردته المنظمة الدولية للهجرة , و200 الف عائلة عراقية تعيش تحت الجسور وفي مناطق مهجورة , وأن طلبات اللجوء للغرب أرتفعت بنسبة 12% , اضافة الى 600 عائلة عراقية في الاردن يعاني أفرادها من أصابات بالسرطان وأمراض القلب أصبحوا غير قادرين على الحصول على الادوية بسبب تعليق المساعدات الطبية الدولية , كما أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تعلن أنها تعمل حاليا على توطين أكثر من 82 الف لاجيء , وتقول أن نصف مليون عراقي بحاجه الى توطين . وأمام هذه الاحصائيات التي يقول القائمون عليها بانها دقيقة , فانها تبقى مؤشر لملامح أزمة أنسانية وليس أعلانا عن حقيقتها , خاصة للمتتبعين لها والذين عايشوها فعليا , فهي أعمق من ذلك بكثير لان الذي تسبب بها أنما هي قوى سلطوية منظمة فاعلة على الارض تملك المال والقوة المادية والمعنوية , وأجهزة الاعلام والصحافة , وقد ساهمت مساهمة فعالة في تغطية حقيقة الموضوع والتعتيم عليه , لكن تحركاتهم على الصعيد الدولي والاقليمي وتصريحاتهم تفضح التناقض بين أقوالهم وأفعالهم , فعلى مدى عام ونصف مضت أدعت السلطة بأنها أعادت المهجرين الى ديارهم , بينما يعلن الكابتن ناثان وليمز احد قادة الاحتلال الامريكي في بغداد قبل بضعة أسابيع , بان نسبة العائدين في كل بغداد من المهجرين وصلت الى 16% فقط , كما نظمت السلطة حملة واسعة النطاق تجاه دول الجوار العربي لاقناع اللاجئين بالعودة , وعملت لربط الاتفاقات الاقتصادية مع تلك الدول , بما ستشرعه من قوانين وقرارات تعرقل حياة اللاجيء العراقي وتضطره للعودة , كما أنها سعت لدى الدول الاوربية لتحسين صورة الوضع في العراق وأقناعهم بان الوقت قد حان للضغط على اللاجئين للعودة الى ديارهم مستغلة ماتعانيه تلك الدول من أزمة أقتصادية , لكن الوقائع على الارض تثبت عكس مايقولون , فلازال البعض من الذين عادوا من دول اللجوء بلا مأوى بعد أن وجدوا دورهم قد أستبيحت ونهبت ممتلكاتهم , ولامصدر رزق لهم بعد أن جرى أجتثاثهم , ومنهم من لازال حبيس داره بعد التهديدات التي وصلته , وتم أستنطاق أخرين وجرى الضغط عليهم كي يكونوا مصادر معلومات لاجهزة السلطة, كما أن السلطات لازالت تهدد كل من يطلق سراحه من السجون بخيارين لاثالث لهما أما مغادرة البلاد أو العودة مجددا الى السجن , ثم جاء حادث عدم السماح لثلاثين عراقيا بالدخول الى أرض الوطن وأعادتهم الى المملكة المتحدة التي أبعدتهم عن أراضيها في الاسبوع الماضي , دليلا أخر على أزدواجية المعايير التي تطبقها هذه السلطة ضد اللاجئين العراقيين , في الوقت الذي يجري التعامل مع غيرهم من المقيمين في أيران بطريقة سلسة الى الحد الذي لايطلب منهم حتى أية وثيقة تثبت أنتسابهم الى الوطن , كما أن السفارات العراقية في عدد من الدول الاوربية منحت العديد ممن أدعوا بأنهم عراقيين , جوازات سفر عراقية وروجت لهم معاملات الحصول على الجنسية العراقية , في وقت يصرح فيه وزير مسؤول وقيادي في المجلس الاعلى بان(أحياء اليوسفية واللطيفية وسلمان باك مستوطنات صدامية يجب أزالتها)متناسيا بان سكانها مواطنون عراقيون قدموا الغالي والنفيس من اجل الوطن .


لقد تعاملت الادارة العراقية الحالية مع ملف المهجرين والمهاجرين بأسلوب يتنافى مع ابسط القيم والاخلاق , وحاولت من خلال دعواتها لللاجئين بالعودة , أستغلال الموضوع سياسيا للتظاهر بأنها تمثل الشعب العراقي لكسب الدعم والاعتراف الدولي والاقليمي بها , وللتهرب من ضغوط المجتمع الدولي المطالب بأنهاء هذه المعاناة الانسانية , لكن الرعب من عودة الملايين المهجرين لازال ينتاب السلطة ويطغي على طموحاتهم باستغلال الموضوع سياسيا لانهم على دراية تامه بما يشكله هؤلاء من قوى ضغط سياسية وطنية وقومية وأسلامية ترفض الاحتلال والمنهج الطائفي المقيت لاحزاب السلطة القائمة وتهدد وجودهم الهش , كما أنهم يشكلون قوى حية أقتصادية وأجتماعية وأدارية (تكنوقراطية) , قادرة على أدارة مؤسسات الدولة بكفائة عالية , وبالتالي تسليط الضوء على الفساد المالي والاداري الذي تقوده (كوادر) الاحزاب الحاكمة .


أن المسار الاخلاقي المتأزم الذي تعانية الادارة الحالية والناتج عن أرتضائها القيام بدور الادلاء للغزاة المحتلين ومساهمتهم الفعالة في تدمير البلد, هو الذي قاد الى الازمة السياسية الحالية , وكلاهما أدى الى الازمة الانسانية التي تعصف بالعراق , وان كل دعوات أصلاح المسار الاخلاقي والسياسي لن تجدي نفعا , لان كل المسارات في العراق مرتبطة بمنهج سياسي لاأخلاقي هو (العملية السياسية) الطائفية , الضامنه لمصالح المحتل وأعوانه , وان الحل الوحيد هو أسقاطها وبناء عراق بهوية وطنية .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ١٩ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٧ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور