يا عقلاء مصر والجزائر .. اعقلوا المسعورين ..

 
 
 

شبكة المنصور

عبد الكريم بن حميدة
منذ فترة طغت أخبار المباراة التي ستجري غدا بين المنتخبين العربيّين الشقيقين مصر والجزائر على ما عداها. وعدّلت الغالبيّة ساعاتها على وقع هذه المباراة، فقلّ اهتمامهم بالهموم الحقيقيّة التي يعيشها العرب، وتبدّلت القضايا في سلّم الأولويّات، فلم تعد البطالة تحتلّ صدارة الاهتمام في تفكير الناس ولا في أحاديثهم، وكذلك الشأن بالنسبة إلى تدهور الطاقة الشرائيّة ومسألة الديمقراطيّة وحقوق الإنسان وحصار غزة والمصالحة الفلسطينيّة وتقرير غولدستون وحرب اليمن ونهب ثروات الأمّة وتفشّي ظواهر الفساد والرشوة ومستقبل المقاومة العراقيّة.. و.. و..


غيض من فيض.. أو قطرة في محيط قضايا الأمّة ومشكلاتها التي نعانيها منفردين أو مجتمعين.. فكيف استطاعت مباراة في كرة القدم أن تتصدّر قائمة اهتمامات العرب لا سيما في مصر والجزائر إلى الدرجة التي أصبح بعض الناس يتوجّسون شرّا من هذه المباراة وما يمكن أن تفرزه من تداعيات.


الذاكرة الإنسانيّة ما زالت تحتفظ بحرب تسبّبت فيها مباراة كرة قدم بين منتخبي دولتين من أمريكا الوسطى: هندوراس والسلفادور..


الفاجعة مأساويّة.. نعم، ولكنّها قبل ذلك غريبة..
الفاجعة مأساويّة حقّا لأنّ مائة وثمانين دقيقة كانت كافية لإشعال حرب دامت مائة ساعة استخدمت فيها أسلحة المدفعيّة والطيران والدبّابات وأسفرت عن مصرع 6000 شخص وجرح حوالي 15000.

 

قبلها تُرك العنان للمسعورين والمغيّبين الذين تكفّلوا بشحن الجماهير الرياضيّة.. فكانت الكارثة: حاصرت جماهير هندوراسيّة مشحونة الفندق الذي أقام فيه منتخب السلفادور، وقذفتهم بالحجارة، وأحدثت من الضجيج ما حرم الضيوف من الراحة والنوم.. فانهزموا..


فصول الحكاية لم تنته عند هذا الحدّ.. فتاة سلفادورية تُدعى أميليا بولانيوس رفضت الهزيمة، فسرقت مسدس أبيها وانتحرت.. وبسرعة تحوّلت إلى شهيدة وطنيّة أقيمت لها جنازة مهيبة مشى في صفوفها مئات الآلاف على رأسهم رئيس الجمهورية والوزراء وكبار ضباط الجيش.


في الأثناء كانت آلة الشحن الإعلامي تدور بأقصى طاقة ممكنة.. وكان المسعورون يوغلون في تخدير الناس وتغييبهم.. وفي مباراة العودة عاش منتخب هندوراس ساعات من الرعب طوال الليل. وفي الصباح نُقل الوفد إلى الملعب في عربات مدرّعة تحت حراسة جنود سلفادوريّين مدججين بالسلاح.


قبيل المباراة قام المشرفون على الملعب بحرق علم هندوراس أمام اللاعبين واستبداله بقطعة قماش قذرة على صاري العلم بالملعب.


ترشّح منتخب السلفادور. وعاد منتخب هندوراس على عجل إلى بلاده. أما مشجّعوه فقد تمّت مطاردتهم في الشوارع والاعتداء عيهم وقتل بعضهم وجرح آخرين.. وتبادل البلدان التهجير الجماعيّ والطرد المتبادل لأكثر من 300 ألف شخص، وتمّ قطع العلاقات وإغلاق الحدود بين البلدين وحشد الجيوش على الشريط الحدوديّ المتنازع عليه أصلاً.. وكان ما كان…


تعمّدت أن أروي القصّة كاملة لأنّي أخشى بصدق أن تتحوّل مباراة مصر والجزائر إلى معركة سياسيّة غذّتها أقلام لا ترى خيرا في العروبة ولا في التقارب بين أبناء العرب.. ولا تقتات إلا على السموم التي تبثّها بين الناس الذين غُرّر بكثيرين منهم، فغاب عنهم أنّ الأمر لا يتعلّق بشرف مصر ولا بشرف الجزائر، وأنّ النصر لن يزيد الفائز هيبة، كما أنّ الهزيمة لن تحطّ من قدر المهزوم.


إنّ شرف مصر وشرف الجزائر لا يتوقّف على مباراة مهما كانت أهمّيّة الرهان فيها. ومصر عظيمة قبل هذه المباراة وأثناءها وبعدها.. كما أنّ الجزائر عظيمة قبل المباراة وأثناءها وبعدها.

 

مصر عظيمة بتاريخها وبشعبها وبثورتها وبقائدها العظيم جمال عبد الناصر.. والجزائر عظيمة بتاريخها وبشعبها المجاهد وبثورتها المجيدة التي دفعت على مذبح الحرّيّة مليونا ونصف مليون شهيد.. وفي البلدين عقلاء كثيرون يدركون أنّ أخوّة الجزائر ومصر ودماءهما المشتركة لن تعبث بها حفنة من الجهلة الحاقدين على كلّ ما هو عربيّ.. ستنتهي المباراة، وتبقى الجزائر ومصر بكلّ شموخهما وعنفوانهما وأخوّتهما.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٢٥ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٣ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور