عزف منفرد / فضيحة الجواز الدبلوماسي

 
 
 

شبكة المنصور

سلام الشماع

الامتيازات التي وضعها نواب البرلمان العراقي لأنفسهم فاقت حدود الخيال، والعراقيون ما زالوا يتندرون على أعضاء برلمانهم الذي قضى وقتاً طويلا من دون انجاز حقيقي يصب في خدمة الشعب، وإذا عرض عليهم مشروع قانون فيه مصلحة للشعب فإنه يؤجل ولا يتم الاتفاق عليه، لكن المجلس بادر في جلسة لم تستمر سوى تسع دقائق بالموافقة بإجماع لا تشوبه شائبة اصبع واحد رافض على منح اعضاء المجلس قطع أراض ورواتب تقاعد مدى الحياة مع امتيازات أخرى لهم ولعائلاتهم. (رواتب أعضاء المجلس “الموقر” تعادل ميزانية دولة صغيرة في وقت تتزايد أعداد المتسولين وتتحول الى جيوش من الجياع في بغداد وحدها).


ومن الامتيازات التي فاقت حدود الخيال تلك، منح أعضاء البرلمان وعائلاتهم جوازات سفر دبلوماسية، في حين كان النظام الوطني قبل الاحتلال يعطي هذا الجواز لرئيس المجلس الوطني ونائبيه فقط، وليس لعائلاتهم. أما بقية النواب فيمنحون جوازات سفر خدمة فقط، للعضو وليس لعائلته أيضاً.


ومن القصص التي تثير الالم والبكاء حد القرف عن بلد ينحدر إلى الحضيض في ظل الاحتلال قصة رواها الدكتور صاحب الحليم عن سيدة عراقية اسمها جعاز تحمل جواز سفر دبلوماسيا عراقياً... وتعالوا نستمع للدكتور الحليم وهو يروي القصة المؤلمة.


يقول: نشرت احدى الصحف البريطانية خبرا عن وصول “سيدة” عراقية كانت تحمل جوازا “دبلوماسيا” عراقيا الى مطار هيثرو في لندن، وملخص القصة الحقيقية الممتعة أن السيدة عندما وصلت الى موظف الجوازات، استغرب الضابط البريطاني، الذي تم اختياره من بين مجموعة من الموظفين الأكفاء الذين لهم خبرة في الوجوه البشرية التي تزور بريطانيا (يزور بريطانيا 36 مليون سائح سنويا من مختلف أنحاء العالم ومن الجنسيات واللغات والألوان كلها).


السيدة العراقية كانت تتلفت يمنة ويسرة ويظهر على منظرها أنها ضائعة، والمطار تملؤه الكاميرات الخفية والظاهرة التي تراقب القادمين والمغادرين، كانت المرأة تذهب مرة الى الشمال ومرة تدخل الى ممر في اليمين ثم تخرج منه ولا تدري هل تدخل في الطابور الخاص بالبريطانيين والدول الأوروبية، ام تقف خلف الواقفين في الطابور الخاص (بالدول الأخرى) غير دول المجموعة الأوروبية وبهذا الارتباك أثارت انتباه الجميع، وعندما وصلت السيدة إلى ضابط الجوازات، سألها بعد أن رأى أنها تحمل جوازا خاصا “دبلوماسيا”: اسمك جميل سيدتي، بوصفها من الشخصيات الخاصة التي تستحق الاحترام... فلم تجب... قال لها: أتتكلمين الإنكليزية؟ فلم تجب... ظنّ الضابط انها ربما لم تسمع او ربما هي مصابة بالصمم الجزئي، فقرر استدعاء مترجم... كان المترجم من احدى دول شمال افريقيا، فلم تفهم “الدبلوماسية العتيدة” من المترجم شيئاً فازدادت شكوك الضابط البريطاني اكثر بوصفها قادمة من بلد (عربي) ولا تعرف اللغة العربية وكانت أكثر شكوكه تدور حول اسم السيدة، فظن الضابط انها ربما تكون كردية، فاتصل بإحدى المترجمات الكرديات تلفونيا لتسهيل المهمة فنفت المترجمة الكردية ان تكون تلك (الدبلوماسية العراقية) من الكرديات لانها تحدثت معها ولم تفهم أي كلمة كردية تفوهت بها المترجمة، اذن هناك احتمال آخر هو ان تكون هذه الدبلوماسية صماء، ولكن المختصين بذوي الاحتياجات الخاصة لم يفهموا من السيدة العراقية سوى المزيد من الحيرة، وطلب الضابط ان يعلن في مكبرة الصوت عن الحاجة إلى (عراقي او عراقية) من الموجودين في المطار سواء للتوديع أم الاستقبال للتطوع لمساعدتهم، وهذا طبيعي في المطارات الأوروبية،  وفعلا فقد تقدم (الدكتور .... ....) متطوعا واصطحبوه إلى حيث (احتجزت) تلك الدبلوماسية الفاهمة، وعندما التقاها الدكتور المذكور وتكلم معها، اذا بها تخرج عن طورها وتبدأ بالحديث وبنحو غريب وبفرح غامر وابتسامة عامرة وهناء كان بادياً على حركات يديها ووجهها، ولم تشتك من ان الموظفين الانجليز أخروا دخولها، وساعدها الدكتور (...) على ملء استمارة الدخول حيث إنها تجهل حتى اللغة العربية...


وبقي السؤال المحير: اسمها؟؟... سألها الضابط الحيران (عن طريق الدكتور العراقي) هل إن أبويك سموك بهذا الاسم الذي لم يسمع به سجل الاسماء المذكورة في جهاز الكومبيوتر على الإطلاق؟! هل تحبون هذه الموسيقى في العراق الى هذه الدرجة حتى ان اسمك مشتق منها؟!!... لقد ظنّ الضابط أن اسمها (الجاز)، في حين أنه “جعاز” والانجليز لا يلفظون العين كما تعرفون... وهنا قال الضابط المتمرس: أهنئ وزارة الخارجية العراقية على هذه الفلتة الفريدة الفتية: جعاز الأمية العراقية الدبلوماسية!! فشعر الطبيب العراقي وكأن الضابط يصفعه صفعة ما كان يتوقعها: أهذا هو العراق الجديد؟


انتهت رواية الدكتور صاحب الحليم، لكن مثل هذه الفضائح لن تنتهي ما دام الجواز الدبلوماسي يحمله الأميون، وربما يحمله آخرون من غير عائلات النواب سامحهم الله، إذ بالإمكان شراء أي وثيقة من (سوق مريدي) المشهور بالتزوير في بغداد، الذي خرجت منه شهادات عليا حملها كبار المسؤولين في الحكومة قبل أن تكتشف هيئة النزاهة تزويرهم .

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ١١ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٨ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور