عزف منفرد / أطفال يدفعون الثمن
عن البلاد البحرينية

 

 

 

شبكة المنصور

سلام الشماع

هموم العراقيين لا تنتهي، فالاحتلال زرع في المجتمع العراقي من المآسي والأزمات والاختلالات والسوء والفساد ما يصعب أن يعالج في وقت قصير، كما أشبع تراب العراق وهواءه وأشجاره بالمواد المشعة التي لن تعالج آثارها إلا بعد مرور دهور.


ما يشغل المجتمع العراقي الآن هو أطفاله الذين يتعرضون إلى الخطف، وما أثارته الصحافية السويدية (تيريس كرستينسون) وزميلها (توربيورن انديرسون) عن وجود أسواق لبيع أطفال العراق تشبه أسواق النخاسة.


لكن أطفال العراق لم ينقطعوا عن دفع ثمن الاحتلال ومقدماته، فهم الضحية الأولى، أم تُراكم نسيتم المليون طفل الذي قضوا نتيجة الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق في العام 1990 والذي تحول إلى نهب اقتصادي الآن؟؟!!.


ومنذ أول يوم وطأت أقدام الغزاة الأميركان أرض العراق والأطفال يقتلون أو يختطفون ليدفع أولياء أمورهم الفدية عنهم ثم يقتلون أيضًا، ولأول مرة شاهدنا معتقلات كبيرة للأطفال بتهمة الإرهاب تظهر صورها على شاشات التلفزيون، ناهيك عن تعثر المسيرة المدرسية لأطفال العراق، ووجود أربعة ملايين طفل يتيم (إذا كان معدل العائلة العراقية من 4 إلى 6 أطفال حسب تقديرات وزارة التخطيط العراقية).


وعلى الرغم من أن التقديرات الدولية المعتمدة عن حوادث خطف الأطفال تشير إلى بلوغ عدد حوادث الاختطاف هذه خلال العام الحالي فقط إلى نحو 900 حالة، (بيان صندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة “يونيسيف”)، كما يشير تقرير صدر مؤخرًا عن لجنة حقوق الإنسان العراقية إلى أن أكثر من 6 آلاف حالة اختطاف حصلت في العراق منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إلا أن الحكومة العراقية تهوّن من هذه الأرقام كثيرًا فيطلع علينا مسؤول أمني كبير في وزارة الداخلية العراقية هو اللواء ضياء الكناني ليقول في تصريحات صحافية إن”عدد عمليات الخطف التي طالت الأطفال في البلاد خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بلغ 177” وهو خمس تقديرات المنظمة الأممية.


لكن هذا المسؤول الأمني الذي يشغل منصب المدير العام للتحقيقات الجنائية في وزارة الداخلية العراقية أقر بعدم وجود أرقام عن عمليات الاختطاف غير المسجلة، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يقطع بـ “أن الأمر لا يرقى إلى أن يكون ظاهرة”، كيف عرف بذلك وهو لا تتوفر لديه إحصاءات؟.


قال هذا المسؤول”لا يمكن أن نسميها ظاهرة، فهذه الحالة منتشرة في كثير من البلدان، ولدينا عدد من الحالات التي تدخل في باب الأغراض الشخصية يقوم بها أفراد”.


إن أكثر ذوي الأطفال المخطوفين لا يسجلون حوادث اختطاف أبنائهم لدى الشرطة، لأن الشرطة ليس بإمكانها حمايتهم أو حماية أطفالهم من التهديدات التي يرسلها الخاطفون، يحذرون من إبلاغ الشرطة أو وسائل الإعلام، وإلا فالموت للمخطوفين.


لذا فعلى الرغم من قصص كثيرة يتداولها العراقيون، لم تتطرق صفحات الجرائد إلى عمليات الخطف، وأعلن عن بضع حوادث فقط في بعض الفضائيات... ما يعني أن خطف الأطفال أصبح ظاهرة في العراق ومجرد التعتيم عليها لا ينفي كونها ظاهرة يعاني العراقيون من مخاطرها.


 ويرى مراقبون أنه وعلى الرغم من تراجع موجة العنف قليلاً في العراق، إلا أن ظاهرة اختطاف الأطفال أصبحت أكثر تناميًا، وهناك حالات تم رصدها في مناطق متفرقة من بغداد، ولم تتخذ إجراءات بصددها، ولم يعرف جزاء الخاطفين بعد القبض عليهم.


ألا يجعلنا هذا الكلام نشير بأصابع الاتهام إلى الأحزاب السياسية وميليشياتها المسلحة التي لا تتورع عن القتل والتصفيات الجسدية والاختطاف وسرقة المصارف؟..


فلتضف الإحصائيات إلى أرقامها أرقامًا جديدة بعدد الثكالى إلى جانب القتلى والأيتام والأرامل... و... و... و... 
 المأساة الأخرى المرتبطة بهذه الظاهرة هي المأساة التي كشف عنها التحقيق الصحافي الذي نشر على ست صفحات في أوسع الصحف السويدية وأكبرها ووكالة الأخبار العالمية اكسبريس والذي ترجم إلى أكثر من 12 لغة عالمية خلال أربع وعشرين ساعة والذي أثار ضجة كبيرة في السويد...


فقد تخفت الصحافية السويدية (تيريس كرستينسون) وزميلها (توربيورن انديرسون) في سيارة فولكس واكن برازيلي مهترئة بحد وصفها ليتابعا عن كثب سوق بيع الأطفال الكبير في وسط بغداد بالصورة والصوت... سوق لبيع الأطفال الرضع والمراهقين... سوق النخاسة الذي أبكى القراء والمشاهدين من المجتمع السويدي لحظة نشره على الصحف والتلفاز السويدي!


عرض التلفاز فتاة عراقية اسمها (زهراء) عمرها أربعة أعوام وهي تباع وسط بغداد بمبلغ 500 دولار، وهو المبلغ الذي لا يساوي قيمة الزهور الصناعية التي يضعها الرئيس جلال الطلباني أو رئيس وزرائه المالكي في واحد من مؤتمراتهم الصحفية!...


ثم يسترسل الصحافي وهو يشرح: “أطفال العراق تباع في سوق النخاسة ونساؤهم بغايا بالإكراه، وأرقام مخيفة عن عدد القتلى اليومي، وأحزاب تنهب ما فوق الأرض وما تحتها وتقدم لشعب العراق رصاصة الموت تحت رغيف الديمقراطية... جوع، وباء، سوء تغذية، تلوث بيئي، فوضى سياسية... يقتل الإنسان بقيمة قسيمة ملء الهاتف النقال”.


ومن فورها أعلنت السويد عن فتح استقبال الأطفال العراقيين ممن يتعرضون لسوء المعاملة ومنحهم اللجوء مباشرة، ويحق للطفل بعد الإقامة لمّ شمل ولي أمره إنقاذاً لأطفال العراق ونسائه، والأمر الأكثر غرابة أن الصحافية تتحدث عن مكان بيع الأطفال وتصفها على الخريطة بأنها بقعة خاصة من داخل المنطقة الخضراء ولا أحد يعلم إلى أين وإلى من يباع أطفال العراق؟


سؤالي الأخير: هل مات ضمير العالم بحيث أصبح يرى ويسمع بهذه الجرائم من دون أن تهتز شعرة فيه؟.. ولماذا انتخت السويد لأطفال العراق ونسائه ولم تهتز شعرة واحدة من شوارب أبناء العم؟!!

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ٠٧ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٦ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور