عزف منفرد  - ورطة مع محمد سعيد الصحاف

﴿ الحلقة الثالثة

 
 
 

شبكة المنصور

سلام الشماع - عن البلاد البحرينية

أنجزت كتابة الرحلة النهرية التي قمنا بها في أربع تحقيقات صحفية نشرتها مجلة العراق الأولى ألف باء وبالصور الملونة لفتت إليها الأنظار بما احتوته من معلومات وأسرار عن بغداد، وقد دعانا إلى لقائه السيد محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام وقتها، وعندما دخلنا إلى مكتبه وجدنا المخرج التلفزيوني المخضرم عمانوئيل رسام قد سبقنا إلى مكتب الوزير.


طلب منا الصحاف أن نحول الرحلة إلى 365 حلقة تلفزيونية مدة الحلقة الواحدة عشر دقائق بحيث تبث حلقة واحدة كل يوم على مدار السنة، ويبدأ بث الحلقات ابتداء من شهر رمضان الذي كان يفصلنا عنه أقل من شهرين.
وجدنا أن الأمر مستحيل، لكن عمانوئيل رسام حسم الأمر عندما قال: تأمر سيادة الوزير.. ثم التفت إلينا وقال متى تسلموني حلقات المسلسل.. ولم نستطع إلا أن نقول له: بعد أسبوع تكون عندك عشر حلقات.


وعندما خرجنا من مكتب الوزير، قال عمانوئيل رسام لنا: إن الأمر مستحيل.. اصرفوا النظر عن الفكرة.. وأنا سأتدبر الأمر مع الوزير.


وهكذا خلصنا عمانوئيل من تنفيذ أمر مستحيل ومن ورطة مع الوزير الصحاف الذي كنت أحد موظفي وزارته في مجلة ألف باء.


كان العمل في هذه الأثناء يجري في مشروع اكساء ضفتي نهر دجلة بالحجر، وقد وجد العاملون في المشروع في الموقع الذي أشار الدكتور عماد خلال الرحلة النهرية إلى أنه موقع بغداد المدورة على آثار قصر عندما رآه الدكتور عماد قال أنه بقايا قصر الذهب العباسي، وقد عثر في هذا القصر على ختم الخليفة ابي جعفر المنصور.. وهو ما أثبت صحة تحديد الدكتور عماد لموقع المدينة المدورة.


واكتشف الدكتور عماد عبد السلام رؤوف قبر المستعصم الذي قتله هولاكو في قصر من قصور الخلافة في بغداد الشرقية في سنة 656 هـ وغيب المغول جثمانه عمداً سنوات عدة، حتى قامت السيدة أم رابعة عصمة الدين  زوجة أبي العباس احمد نجل الخليفة، وحفيدة السلطان صلاح الدين الأيوبي، بنقل الجثة ودفنها في مشهد النذور في الاعظمية، ويسمى كذلك المصلى العتيق حيث كان الناس يقيمون فيه صلاتي العيدين.. ويسمى أيضا قبر أبو رابعة نسبة إلى السيدة رابعة العباسية بنت الأمير احمد بن الخليفة المستعصم بالله العباسي، وسعى الدكتور عماد إلى أن تقوم الدولة بإجراء تنقيبات في هذا الموقع الذي حدده، ثم أن تعيد تسميته نسبة إلى دفينه العباسي، وقد تولت الهيئة العامة للآثار في العراق إجراء تلك التنقيبات فاكتشفت وجود ثلاثة قبور ترقى إلى العهد المغولي المبكر، هي قبر المستعصم، وكنته عصمة الدين، وابنتها رابعة، كما اكتشفت آثار مقبرة جماعية لا يعرف سببها. وقد جدد الموقع وأعيدت تسميته باسم مقبرة المستعصم وشيد إليه مسجد بالاسم نفسه..


كما اكتشف الدكتور عماد قبر المؤرخ الطبري أيضاً في حديقة الرحبي في الاعظمية، وشرعت الدولة في التخطيط لمشروع بناء القبر لولا الاحتلال الأميركي الذي أوقف المشروع.


ولم أنقطع عن زيارة الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في بيته في منطقة الغزالية القريب من بيتي والاستئناس بحديثه على الرغم من الاحتلال الأمريكي الذي قلب طبيعة المنطقة الوادعة إلى فوضى عارمة وأطلق يد العصابات الطائفية فيها فهجرت من بيتي الذي استولت عليه إحدى تلك العصابات، وقرر الدكتور عماد مغادرة المنطقة بعد حادث أرعبه، فهو يظل يواصل عمله في البحث والدراسة إلى ساعات الصباح الأولى في مكتبه الواقع في الطبقة العليا من بيته وعلى ضوء فانوس لانعدام الكهرباء، وفي إحدى الليالي سمع أصوات طائرات مروحية ثم أصواتاً على سطح داره كأن أشخاصاً يتحركون على سطح الدار ثم ما هي إلا لحظات حتى بدأ إطلاق نار وانفجارات شديدة، فلم يتحرك من مكانه أو لعله نزل إلى الطبقة السفلى من الدار حيث تقيم العائلة، ليكتشف في صباح اليوم التالي أن إنزالاً عسكرياً أميركيا حدث على سطح داره الهدف منه تطويق الدار التي تقابل داره وقصفها، فقرر أن يغادر المنطقة ويقيم في أربيل، خصوصاً وأن المنطقة أصبح القتل فيها بالمجان على يد قوات الاحتلال من جهة والعصابات الطائفية من جهة أخرى، على الرغم من أن هذه المنطقة عبرت عن تضامن أبنائها بأروع صورة، فعندما كان أبناء المنطقة يشعرون بهجوم هذه العصابات يتحول الشيعة إلى بيوت السنة والسنة إلى بيوت الشيعة، فإذا كانت هذه العصابات قد جاءت لاستهداف السنة فإنها ستجد أن شيعة يسكنون الدار، وإذا كانت قد جاءت لاستهداف الشيعة فإنها ستجد أن سنة يسكنون الدار.. وهكذا فوت السنة والشيعة على هذه العصابات فرصة النيل مهم، وعندما اتصلت بالدكتور عماد في أربيل، قبل أيام، وطلبت منه معلومات لموضوع أنوي كتابته إلى هذه الصفحة اعتذر لي بأن مصادره بعيدة عنه في بغداد وأنه لا يعلم ما الذي حل بداره الآن.. وعندما سألني عن داري أجبته أيضاً بأني لا أعلم ما حلّ به ومن يسكن فيه الآن وأن عائلتي مازالت محشورة في غرفة صغيرة بعد أن فقدت مأواها.


هل هو قدر الدكتور عماد الذي أرّخ لجميع احتلالات بغداد أن يشهد الاحتلال الأميركي لها؟.. ونسب الدكتور عماد كما اطلعت عليه معلقاً في لوحة على جدار صالة الاستقبال في داره يعود إلى العباسيين الذين استوطنوا شمال العراق بعد احتلال بغداد في العام 656 هـ - 1258 م وأنشأوا هناك إمارات، وها هو بعد الاحتلال الأميركي لبغداد عام 2003 يقطن الديار التي أسس فيها أجداده إماراتهم، فهل سينشئ لنا إمارة من علم تعين العراقيين على مقاومة الاحتلال؟.


وأذكر أني حولت احداثاً رواها لي الدكتور عماد عبد السلام رؤوف عن بعض الشخصيات التي أهملها التاريخ إلى قصص صحفية سأعرض في القسم المقبل من هذا المقال واحدة منها.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٠٨ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٥ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور