عزف منفرد  - شكو .. ماكو؟؟!!

 
 
 

شبكة المنصور

سلام الشماع - عن البلاد البحرينية

(شكو.. ماكو؟) كلمة عراقية بامتياز، وهي تعني ما الموجود وما غير الموجود، ولن تجد عراقياً لا يسألك أول ما يستقبلك: شكو.. ماكو؟


وأحياناًُ يتندر العراقيون على هذه الكلمة اللازمة لكل حديث بينهم ويجدون أنها مبالغة في طلب المعلومات وفيها إرهاق للمسؤول الذي يجب أن يستعرض لك جميع ما في رأسه من المعلومات، لأن السؤال مطلق هنا ولا يختص بناحية محددة.


وشكو ماكو في المغرب العربي تقابلها كما سمعتها منهم عبارة: كاين وماكاينش، والمصريون يستعملون كلمة: فيه وما فيش، وفي سوريا والأردن ولبنان تقابلها عندهم عبارة: في وما في.. وكذلك أهل الخليج يستخدمون العبارة نفسها للسؤال عن الموجود وغير الموجود.


والطريف أنني في أي بلد أكون ويعرف أي واحد أنني عراقي يسألني ليبين لي اطلاعه على لهجة بلدي ومعرفته بها: شكو.. ماكو.. فأتهرب منه وأقول له: (كلشي ماكو.. كلشي ماكو).. أي لا يوجد أي شيء.


في الماضي، وكنت في الثامنة من عمري سمعت أحد ضيوفنا يحدث والدي بطريفة عن الـ (شكو.. ماكو؟) وغرقوا في الضحك بينما ظللت أنا أضحك للطرفة وقتاً طويلا وأرويها لأصحابي الصغار، وظلت عالقة في ذهني إلى الآن.
تقول الطرفة التي رواها الضيف لوالدي أن عراقياً ذهب إلى أمريكا، وطبعا كان ذلك قبل اختراع الكومبيوتر والأنترنيت، ووجد الناس متجمعين على ماكنة ضخمة يتقدم كل مرة إليها شخص ويهمس لها بسؤال فتجيبه عن سؤاله، ولما تقدم إليها صاحبنا العراقي همس لها بسؤال كان أقصر من جميع الأسئلة التي يطرحها عليها الناس، فما كان من الماكنة الضخمة إلا أن انفجرت وهي تعطي المعلومة تلو المعلومة، وهرب الناس خوفاً على أنفسهم من انفجارها، ولم يكن صاحبنا العراقي قد سألها شيئا إلا ذلك السؤال: شكو.. ماكو؟..


وفي كل محنة يمر بها العراقيون وفي كل حدث لا بد أن (يخترعوا) طرفة تتضمن الـ (شكو ماكو؟)، فبعد احتلال العراق، تقول الطرفة: سأل بوش مستشاريه.. لماذا عندما نوجه إلى أي عراقي أي سؤال كان لا يعجز عن الاجابة عنه وكأنه عالم بكل ما يدور في هذه الدنيا وما دار فيها وما سيدور؟!!..


قال له مستشاروه ذلك لأنه ما من عراقي يقابل عراقياً إلا ويسأله: (شكو.. ماكو؟)، وعن طريق هذا السؤال يتبادلون المعلومات بينهم فلا تخفى عليهم خافية..


بوش أراد أن يتأكد بنفسه من صحة المعلومة التي بيّنها له مستشاروه فذهب إلى بغداد متنكراً ولم يخبر أحداً فلبس الكوفية والعقال والملابس العربية وجلس في مقهى شعبي على اريكة بجانب عراقي كان يدخن الأركيلة، وبعد قليل مال بوش بجسمه وسأل العراقي: (شكو.. ماكو؟)، فأجابه العراقي، ببرود: (لايوجد شيء مهم ولكنهم يقولون إن بوش الحقير بن الحقير المجرم بن المجرم يتجول في مقاهي بغداد متنكرا!!).


طبعا هذه ليست حقيقة وهي طرفة يرويها العراقيون للتندر، وإلا فإنه لا بوش ولا أبوه  ولا أي واحد من أعضاء الحكومة التي نصبها في المضبعة الخضراء يستطيع أن يفعل ذلك ويتجول في شارع من شوارع بغداد الغاضبة أو في أية مدينة عراقية، لأن بوش، كما يذكر العالم كله، وهو في المنطقة شديدة التحصين عندما عقد مؤتمرا صحفياً قذفه صحفي عراقي شاب هو منتظر الزيدي بفردتي حذائه، ونحن الآن على أبواب الذكرى السنوية لـ (يوم الحذاء العالمي).. ذكرى حذاء منتظر الزيدي.  


المهم، وكما يقول أحد الكتاب العراقيين، ويؤسفني أني نسيت اسمه، إن العراق، الذي يعرف الجميع، أن أهم الدراسات العربية، والعلوم العربية، والنحو العربي، والقواميس والمعاجم العربية وأوزان الشعر العربي قد نشأت فيه، ظل شعبه يستعمل الـ (شكو.. ماكو؟) بديلاً عن لفظتين عربيتين يستعملها العرب في أقطارهم.


وفي الـ (شكو.. ماكو؟) اختلف العلماء ففي حين يؤكد العلامة الراحل طه باقر الآثاري المعروف بأنهما لفظتان سومريتان، يقول العالم اللغوي الدكتورإبراهيم السامرائي: إنهما لفظتان أكديتان. أما الجيل اللاحق من علماء الآثار فيقول: (أكو) سومرية. و(ما) عربية. وبهذا يزاوجون بين اللغتين.


ولا ندري لماذا لم يغير العراقيون هاتين اللفظتين فيقولون (في وما في) كأشقائهم في بلاد الشام أو بلدان الخليج على الرغم من أنهم يفهمون هاتين اللفظتين؟


إن هذا يشبه استعمالهم لكلمة (التمن) التي تعني الرز والذي يسميه الخليجيون (العيش)، وهي كلمة صينية ترقى إلى أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد، كما يؤكد العلامة العراقي الموسوعي الراحل الشيخ جلال الحنفي والمفكر العراقي الراحل أيضاً هادي العلوي.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٠٨ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٥ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور