عزف منفرد ... العراق المسكوت عنه

 
 
 

شبكة المنصور

سلام الشماع عن البلاد البحرينية

أسمعني الشاعر العراقي محمد البغدادي أغنية (يا دجلة الذكريات) بصوت الفنانة اللبنانية جاهدة وهبي ذات الصوت الملائكي الساحر وهي من كلمات الشاعرة العراقية أمل الجبوري، التي كانت قد كتبتها عن جريمة واحدة حصلت في ظل الاحتلال الأميركي للعراق قضى فيها أكثر من ألف عراقي غرقًا في دجلة.


وهذه الجريمة واحدة من آلاف الجرائم التي ارتكبها المحتلون وأزلامهم واتهموا بها شماعتهم العتيدة (القاعدة)، ولكنها جريمة مسكوت عنها... وشهداؤها مسكوت عنهم لم يذكرهم أحد.


وقعت هذه الجريمة في يوم 31 آب 2005م، بينما كان إبراهيم الجعفري المنصوب رئيسًا للوزراء في العراق آنذاك يتحدث عن الديمقراطية والشفافية وما إلى ذلك من مصطلحات ومفردات ومشتقات لغوية دوّخ بها العراقيين، الدائخين أصلاً، بالوضع الأمني المتردي وبالجثث المجهولة الهوية والاختطافات والسرقات والمداهمات والتفجيرات والأحزمة الناسفة والجرائم المريعة التي لم يسبق للمجتمع العراقي أن مرّ بها أو عرفها من قبل.


وللتذكير فإن هذه الجريمة حدثت عندما كان مئات آلاف الزوار متوجهين لإحياء ذكرى وفاة الامام موسى الكاظم، سابع أئمة الشيعة الاثني عشرية، المدفون في منطقة الكاظمية ببغداد وسرت بينهم شائعة بوجود مفجر انتحاري مما أثار الذعر بين الجموع وبسبب اكتظاظ الجسر بالمشاة وإغلاقه من أحد أطرافه بنقطة تفتيش والتدافع الشديد بين العابرين على الجسر سقط العديد من الزوار في النهر أو دهسوا بسبب الفوضى التي عمت بعد انتشار الشائعة، وغرق في النهر أكثر من ألف شخص بينهم نساء وأطفال نتيجة ذلك.


كان المحتلون وأزلامهم يهدفون من وراء هذه الجريمة المريعة إلى فتح باب للحرب الطائفية بين منطقتين هما الأعظمية (السنية) والكاظمية (الشيعية)، لكن هذه الكارثة كشفت بوضوح التلاحم الشديد بين العراقيين جميعًا وأظهرت أنهم جسد واحد من الشمال إلى الجنوب، فقد قام أهالي الأعظمية بمساعدة الغرقى والجرحى وانتشالهم من النهر، وغرق على أثرها أكثر من عشرة غواصين من المعروفين من أهالي الأعظمية اشتهر من بينهم عثمان العبيدي.


ورأينا فيها، لأول مرة، في تاريخ ما بعد الاحتلال وزيرًا يطالب بإقالة زملائه الوزراء ممن لهم علاقة بالموضوع، واستقتل وزراء أدينوا بالتقصير من أجل التمسك بمناصبهم: (ليس كل من يطالب بإقالة فلان من الوزراء يقال).


هكذا قال أحدهم.


وأعلنت الحكومة أنها ستقوم بالتحقيق في هذه الجريمة وعرض نتائج التحقيق على الشعب، ولكن لا التحقيق جرى ولا الشعب عرف المجرمين الحقيقيين إلى هذه اللحظة... إذ كيف لحكومة أن تفضح نفسها وعصاباتها وميليشياتها وحرصها على تنفيذ أجندة المحتل. وقادت حكومة الجعفري وقتها، أكبر عملية تبرع لذوي شهداء الجسر المغدورين وقد تحمست الحكومة والمسؤولون لجمع التبرعات وفتحوا أبوابها للتغطية على الجريمة، بعد أن وجهت إليهم أصابع الاتهام بالتقصير في الذي حصل، ولكنهم لم ينجحوا في صرف الأنظار عن تقصيرهم، وإنما نجحوا في جعل بعض العراقيين يلومون العرب ويشتمون عمرو موسى رئيس الجامعة العربية، وكأن البحرينيين ليسوا عربًا وشعب الإمارات العربية المتحدة ليس عربيا والأردن ليس بلدًا عربيًا وسوريا من خارج الوطن العربي وكذلك لبنان وسواها من الأقطار العربية التي وقفت إلى جانب ذوي ضحايا هذه المحنة وسواها... فهل رأيتم صفاقة سافرة مثل هذه؟!!.


ولو أن جزءًا بالمليون من هذه الجريمة قد وقع في أي دولة لسقطت الحكومة، إلا في العراق الذي بعد كل جريمة كبرى ترتكب فيه تبقى الحكومة ويسقط الشعب. استغرقت في الكتابة عن الجريمة المسكوت عنها ونسيت الحديث عن الأغنية المسكوت عنها أيضًا، فهي بالرغم من أنها مؤثرة جدًا ونفذت عقيب الجريمة إلا أنها جرى التعتيم عليها كما جرى التعتيم على الجريمة، وأنا لم أعرف بها إلا قبل أيام عندما أسمعنيها الشاعر العراقي الجميل محمد البغدادي.


وجاهدة وهبي معروفة لدى البحرينيين فقد شاركت في المهرجان الدولي الثامن عشر للموسيقى من خلال احتفالية أقامها قطاع الثقافة والتراث الوطني، قدمت فيها جاهدة أمسية غنائية للتخت الشرقي، وميزة هذه الفنانة المولودة في لبنان في العام 1969 أنها بالإضافة إلى كونها شاعرة وممثلة مسرحية وتلفزيونية وسينمائية، وتقول الشعر وتغني وتلحن، فإن أداءها لافت للنظر، وتطلق عليها الصحافة ألقابًا من مثل: «صوت ينفذ إلى أعماق الروح» و«حنجرة حريرية» و«قمة الطرب».


إن سؤالي يتركز على تجاهل المغنين العراقيين والعرب لقضية الناس البسطاء الذين يذبحون في العراق يوميًا؟؟

لماذا يتجاهل كاظم الساهر، مثلاً، أو غيره من كبار المغنيين والملحنين والشعراء في أعمالهم الفقراء والمساكين والضحايا؟؟ هل لأنهم متواطئون مع الاحتلال أم مع الحكومة أم مع الشيطان؟؟؟


لماذا تتحدث أعمالهم عن الحب والعشق والغزل والوله والدلع والفتنة والـ... فقط وينسون الشهداء؟


إن سؤالي موجه إلى جميع الذين يدعون أنهم صوت الناس... وأنهم المتحدثون باسم الفقراء والمساكين والضحايا...


وأقول لهم: اسمعوا جاهدة وهبي واعتبروا وتحمسوا للعراق وأوصلوا صوت مواطنيه الذين يُذبحون إلى ضمير العالم، وإلا سيكون العراق كله مسكوتًا عنه ويذبح كله في الخفاء، وأنتم المساهمون في الجريمة.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ١٩ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٧ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور