تأملات  / هوية التفجيرات .. بين العجز الفكري والضياع السياسي

﴿ الجزء الثامن ﴾

 
 
 

شبكة المنصور

سمير الجزراوي

أن من يمتلك ثقافة قومية أنسانية تتسع للاهداف الواسعة والشاملة للجماهيرولا تفصل بين ماهو أنساني و ماهو قومي ويربط بين الماضي والحاضر والمستقبل  ربطا جدليا,يولد من رحمها فكرا بهذا القوة الفلسفية والنضالية والتي تؤهله لقيادة الامةو بناء المستقبل الجديد لها, وكما يعطي بعض صفاته المفكر العربي الكبير الاستاذ ميشيل عفلق(رحمه الله) فهو يقول:( وحركة البعث تؤمن بالانسانية وبأن للأمة العربية رسالة إنسانية. وهي لا تفصل بين القومية والانسانية، كما انها لا تفصل بين الحاضر والمستقبل، بل تسهر على ان تظهر صورة المستقبل العربي المنشود من خلال الحاضر الذي نبنيه. والمستقبل العربي اما ان يخلص لمبادئ النضال الشعبي فيكون مستقبلا جديدا مبدعا جديرا بحمل الرسالة)(1) .

 

أن هذا الوسع والبعد الثقافي والنضالي للبعث الخالد و المستمد من التراث العربي الاسلامي بالضرورة سوف يصطدم بافكارضيقة ومحدودة ومصدرها ثقافة طائفية او عرقيةو يمكن ان يصطلح عليها بالثقافة الاحادية , وأن هذه  الثقافات والافكارتبداءبعد فقدانها مبررات وجودها حيث تبدء بالانكفاء على ذاته بسسب نمو التعددية الثقافية في العالم وأنتاجاتها التي تحاول أرضاء الثقافات الاخرى و يعني هذا أشتداد التنافس الثقافي على قاعدة البقاء للاحسن ,والاحسن هنا في قوة الثقافات والايديولوجيات في نوعية وشمولية وكذلك الانفتاحية الايجابية بعضها على البعض وفي قدرتها على التحسس بأيجابية تجاه ثقافات الاخرين وليس قوتها في استخدامها لاساليب القتل الفردي و الجماعي ومنها التفجيرات..وأما الثقافات الأحادية في الدين أو العنصر أو الطائفة فان حضوضها في الاستمرار تنتهي عند حدود تقوقعها وهذا الامر يجعلها تبدو بالصغرنسبيا الى تمدد و زحف الافكارالمنطلقة من ثقافات تتسع لاكثر من طائفة أو دين أو قومية.واليوم في العراق هنالك الكثير من هذه النماذج الفكرية ومنابعها الثقافية المحدودة تنكمش وتضمحل لفقدانها لمبررات وجودها , وقد أشر الفيلسوف والمناضل العربي الكبيرالاستاذ ميشيل عفلق ملاحظاته عن هذه الاحزاب و الحركات فقال:( ووجد دوما من صوّر العروبة بأنها مقتصرة على نوع معين وعدد معين من الناس وانها تفاخر واستعلاء على الآخرين. وطبيعي ان يُحدث هذا رد فعل، وان تشعر الأقليات العنصرية بأنها مهددة بوجودها أمام مثل هذه القومية، لذلك كان هناك رد فعل على القومية المتعصبة من الأكراد والآشوريين والأرمن ورد فعل ديني ومذهبي. إن القومية الإسلامية والدعوات الطائفية الاخرى كان مصيرها الفشل كما كان مصير القومية الطاغية المتعصبة. اذا كيف عرفنا نحن العروبة منذ البدء وكيف وجدنا لها ضمانات قوية جدا لكي لا تصطدم بأي عقبة من هذا النوع ولكي لا تتحجر، بل تكون دوما منفتحة ومتطورة وانسانية؟)(2) ,ولاجل ضمان أستمرارية الاحزاب التي تمثلها والتي هي بمثابة الواجهات والادوات المعبرة عنها, سأحاول أخذ نموذجين من هذه الاحزاب التي تحمل هذين النوعين من الثقافات:

 

النوذج الاول بدء هذا النوع من هذه الاحزاب بالتتشطر وتنشق الى أخرى وبقواعد فكرية جديدة لضمان بقائها وأدامة وجودها في الساحة السياسية ولكن المشكلةالرئيسية التي ستواجها أن قاعدتها الثقافية لم تتغير وأن هذا الامر سيجعلها و بمرور الزمن السياسي لها بدون قاعدة ثقافية وأن مسيرتها ستكون مرهونة بأجتهادات فردية ةتنتهي بأنتهاء هذه الشخصيات الفريدة التي وضعت الاسس لهذه الثقافات والايديولوجيات أن كانت قومية أو طائفية لان الاجترارات في الجذب الجماهير من خلال هذه الشخصيات لايمكن ان يستمر الى ما لا نهاية له وهذا ينطبق على أكثر المكونات السياسية في العراق المحتل  .. 

 

أي بمعنى اوضح أن في العراق اليوم أحزابا وتجمعات تستمد ثقافتها من العبقرية الفردية ( لايتحدد مصطلح العبقرية هنا بالقدرات الخيرية فقط بل تشمل أيظا العقليات الشريرة فعلى سبيل المثال أن كيسنجر الصهيوني كان عبقريا في رسم السياسات الامريكية للسيطرة على مقدرات الشعوب وكولدا مائير كانت عبقريةفي شرورها أيظا..),  وقد تكون هذه الشخصيات دينية أو قومية لا تتعدى في فلسفتها او نظرتها الطائفة أو القومية وتصاغ أهدافها لخدمة هذا الجمع الطائفي أو القومي وتؤطر الاهداف بمرحلة كفاحية,وقد تستقطب من جماهير هذه الطائفة أو القومية في هذه المرحلة ولكن أزمتها تبداء بعد أجتيازها للمرحلة التي قامت فيها و مثلتها وفقدانها للحاضن الذي ساعدها على حياتها الطفيلية..وأثارثقافة الفرد هي صبغة أساسية لهذه الثقافات في عراق المحتل,وبالتاكيد يفرق هذا الفهم كثيرا عن التي يكون الافراد فيها رموزا فكرية و نضالية جهادية ومساهمة في البناء الثقافي والفكري.. فكيف يمكن للفكر الذي يولد من ثقافة محدودة ومحصوربفئة وطائفة محددة ان يتمكن من أن يكون غير طائفيا في مرحلة أخرى و خاصة بعد ان يوضعه القدر أمام مسؤولية مجتمع متعدد في أعراقه  وأديانه و طوائفه أنها أزمة حقيقية ,ومثال على ذلك الاحزاب في حكومة الاحتلال في العراق عاشت وتعيش هذا النوع من الازمات لانها تستمد فكرها من ثقافة قامت على أعمدة طائفة أو قومية محددةو مبنية على ثقافة الفرد سواء كان شخصية دينية او قومية, والتزمت بكل روافد هذه الثقافة وعلى المفاهيم شخصيةوالتي أستمدت منها شرعيتها وعلى فترات مختلفة من التاريخ وقد تحدد هذا الفكر بهذا النوع من الثقافةو بروافدها.فمثلا واليوم وبعدأكثرمن خمسين عاما من تأسيس حزب ثقافة الطائفة كيف يقدر أن يستوعب حركة الواقع العراقي وبكل فئاته وأديانه وقومياته مالم يقف وقفة  شجاعةويغير تغيرا جذرياو جديا في فكره وبنيته التنظميةوبالمحصلة مغادرة الثقافة التي أستمد فكره منها والا سيكون في مأزق وهو يريد أن يكون المعبر عن طموحات العراقين جميعا وأحدى المظاهر الواضحة لهذه الازمات الانشقاقات العديدة التي يعيشها اليوم ,وفي نفس الوقت يريد من العراقين أن يقبلوه  في تمثيله للجماهير.

 

النموذج الثاني و هو نموذج اخر لاحزاب قائمة على قومية عنصرية ,ففي مرحلة المعارضة المسلحةلم يكن لديها مشكلة حقيقة في حشد لجماهيرها من الخطابات الحماسية والنارية والتي تمس المشاعرالقومية ,ولكن لم يوضع واضع فلسفتها أو مفكرها طبيعة مرحلة  أحتماليةممارسة السلطة ولكنه وولكنهم قد أكتفوا بوضع ستراتيجيات مرحلة حمل السلاح ولكن عندما وصلوا لسدة الحكم بفضل المحتل الامريكي لم يستطيعوا أن يستوعبوا أن يكونوا قادة مجتمع متعدد الاعراق والديانات والمذاهب فأنكفوأو في عقليتهم ومنطقتهم وكما كانوا منكفئين في الجبال سابقا,وهذا هو جزء أساسي من سايكولوجية قيادتهم,فمن الصعب جدا تغير خطابهم السياسي لانهم لا يملكون ما يستطعون أن يقدموه للاخرين من خارج قوميتهم واذا ما قفزت عقلية قادرة على أستيعاب من يعيشون على اطراف او حدود وسياج توقعهم هذا ,فأن القيادات السياسية التقليدية ستحرج ولا يكون ليها سوى بديلين أما

 

أولا_ أن ترضى بهذا الوضع ولكن مقابل ثمن باهض والمتمثل في أن هذه الشخصيات او الشخصية ستكسب نجاحا على مستوى أبعد من السياج الثقافي والسياسي القومي وهذاسيجعلها منافسة وبدون أي شك لهذه القيادات التقليدية وبالتالي سيجعل أبناء القومية يتطلعون لمشاركة الكل من أبناء الوطن ومن القوميات الاخرى,وهنا ستظهر وبحكم المنطق أجتهادات وأفكارا جديدة تتخطى فيها مرحلة السجن الثقافي والحصار الفكري وستكون القيادات التأريخية فيها طافية وتفقد كل الامتيازات الاعتبارية والمادية التي تمتعت بها بالسابق والان وفي المستقبل. وأما

 

ثانيا_ أوتحجيم هذه الشخصيات وبأغطية المصلحة القومية وأعتبارات  ومصلحة (الاقليم) وفي نفس الوقت تشديد القبضة على طموحات هذه الشخصيات أو الشخصية وذلك بربطها بمسؤوليات قريبة من سلطة هذه القيادات التقليدية بهدف تحديد انشطتها وطموحاتها!وبذلك ينتهي دور هذه الشخصية المتفتحة وتقبل بالامر الواقع من خلال ما تثقفت به من عدم الخروج في خدمة الاخرين ومن المشاركين في الوطن الواحد عن خدمة الاقليم!

 

وهذا نموذجا و أحدى الصور لديمقراطية الحكم الجديد في العراق المحتل التي نستطيع ان نلتقطها عبر شريط الاحداث وبالتأكيد هنالك العشرات او المئات مثل هذه السلوكيات والممارسات لديمقراطية الاحتلال!وهم محقون لانه في قطار المستقبل لا وجود لهم ولا لثقافاتهم ولا فائدة من ديماكوجياتهم التضليلية بعد ان شتموا الشرفاء والمخلصين وكذبوا على شعبهم والعالم ويكفي ان حولت ثقافاتهم العراق الى بلد مدمر في كل نواحي الحياة وأكسبوه شرف أن يكون من الدول الاربعة الاولى في العالم من ناحية الفساد,اي ثقافات وأية أحزاب لقتل الحياة هذه التي جاء بها المحتل؟دعائي للرب أن يكون مع العراق ...أمين

 

(1)   نص الحديث الذي ألقي في بيروت في احتفال القيادة القومية بالذكرى الثالثة عشرة لتأسيس الحزب في 7نيسان 1960

(2)   مقالة قوميتنا المتحررة أمام التفرقة الدينية و العنصرية في عام 1955_في سبيل البعث

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ٠٨ ذو الحجة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٥ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور