تأملات / هوية التفجيرات .. بين العجز الفكري والضياع السياسي

﴿ الجزء السادس ﴾

 
 
 

شبكة المنصور

سمير الجزراوي

أذن لنتفق بأن الثقافة وبشكل عام هي حالة جامعة وواسعة ,ففيها الافكار والمعتقدات والتقاليد الحضارية وكل ما يخص النشاط الانساني للامم والمعبرة عن روح وهوية الامم والشعوب  وطرق تفكيرهم و همومهم الانسانية ,وهذه الثقافات لا يمكن أن يمتلكها الا الذي يعيشها في تفاصيلها في يومه الواحد, ويلتصق بها اي بمعنى أدق تكون له غذاءا ليس لجسده بل لعقله وتفكيره وبالتاكيد هذا سوف سيؤدي به الى أن تصاغ أفكاره و معتقداته من روح هذه الثقافة,ولا يمكن لاي ثقافة أخرى أن تحل بديلا عنها بل العكس تمنحه القدرة على التفاعل مع الثقافات الاخرى,وهي أيظا تساهم في تكوين الشخصية اخلاقيا وفكريا وسلوكا.والعربي الذي لا تكون علاقته بالثقافة العربية على الذي وصفناه في أعلاه ,لا يمكنه أن ينتمي أنتماءا حقيقيا لامته وبالتالي سيكون في غربة تامة عن الواقع العربي .وبما أن الثقافة العربية في جزئها الاخلاقي لا تقبل القتل وبكل صوره وتحت اي مبررولأي سبب كان ,فأن هذا يعطينا الحق في الحكم بأن من يمارس القتل خاصة في العمل السياسي أو الاجتماعي التنافسي لا يمت للامة العربية بأي صلة.أي أن التراث و التأريخ العربي يتبرأ منه,وحيث أن التأريخ العربي الاسلامي محوره المركزي والاهم في حلقاته المتسلسة وبدأ بالسومريين وأنتهاءا بالمرحلة المعاصرة يثبت أن من سكن هذه الجغرافية من بلاد العرب لا يمارس الغدر ويستهجنه كمبداء و سلوك,فالذي لا ينتمي لهذا التاريخ والتراث المجيد لاينتمي الى شكل واخلاق لاي حلقة من حلقاته ,وهذا يعطينا الحق في أن نقول أنه لا ينتمي لفلسفة و أهل الحكم في المدينة المنورة ولا يتمثل بأي رمز من رموزها , وأن كل أدعاته  بالانتماء أوبالخلافة الدينية او السياسية تغطية كاذبة.وأن أنتماءاته هي لغير الاسلام ولرموزه العظام في هذه المرحلة من حياة العرب و المسلمين,وأن الغدر أسلوب كفره الاسلام ,وأن التفجيرات هو غدر جماعي فمن يتعامل به لا يكون مسلما,فأين الذين يحكمون من المنطقة الملونة من الاسلام و رموزه ؟ 

 

أما ثقافة المقاومة فهي حالة شرعية في كل الاديان وتمارسها الامم الراقية والاصيلة للتصدي الى العدوان والاحتلال وتستهدف رموزه وأعوانه,وتنهض في وجه التحديات الظالمة وياستخدام كل الوسائل والمستويات في مواجهة الظلم بدءا بالوسائل السلمية ومرورا الى التحليل الاستراتيجي الذي يعطي للعمل المقاوم للشعوب مسارات ورؤية واضحة لطريق الكفاح والجهاد قال الله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )(1)) ..أن ثقافة المقاومة لاتتكون أو تولد في زمن المقاومة بل تكون موجودة اصلا وقبل أن تتكيف الاوضاع لممارسة العمل و الفعل المقاوم كحصول الغزو و الاحتلال او بروز سلطات قمعية, وقد تكون ثقافة المقاومة متعددة بالانتماءات الفكرية والأيديولوجيات المختلفة ولكنها  متوحدة في التحريروتكون في توافق ستراتيجي بحيث يتيح تواجدا لكل المخلصين في خندق المقاومة ممن يدين بالفكراليساري الماركسي و الفكرالقومي العربي والاشتراكي و الفكر الديني النقي ,ويجمعهم هدف سامي في التحرر والبناء وتنمية الوطن وقد أتفقوا على البوصلة الوطنية التي ستحدد مسارات وتوجهاتهم الفكرية والنضالية ويصرف النظر عن انتماءاتهم أو حتى خصوصياتهم,اي الذي اريد أن نصل اليه أن مصادر فكر المقاومة ليس أحاديا بل هو متعدد ولكنه يتفاعل جدليا ليصيغ فكر جديدا للمقاومة مع الاحتفاظ لكل الانتماءات والا جتهادات الفكرية بخصوصيتها الفلسفية والنضالية تجاه الاخرين.

 

أن الامة التي تمتلك فكرا وثقافة مقاومة تعتبر أمة حية , وألاسلام هو شامل لكل أنواع المقاومات التي تتفاخر بها الشعوب,فهو يحوي المقاومة الفكرية المتمثلة في الصراع الي اثاره ضد وثنية الفكر العربي والعالمي وهو مقاوم لكافة أنواع الظلم والقهر الاجتماعي الذي كان سائدا في وقتها وهومقاوم للفكر الطبقي السياسي للمجتمع انذاك .وأما نماذج الفعل المقاوم العربي المعاصر فهو لم يستطع أن يستمر في المحافظة بفكره ونضاله على البعد العربي في المقاومة, فمثلا لو كان فكر المقاومة الفلسطينية مستوعبا وممثلا لفكر وثقافة الامة أي أن يخرج من دائرة القطر الفلسطيني ليستوعب مبأدئ وأخلاقيات المقاومة العربية وبتعددية أقطار الامة وكما هي أنتماءات الفكر المقاوم الفلسطيني الذي تراوح بين الفكر الماركسي اللينيني الى الفكر القومي والقومي الاشتراكي والى الفكر الديني المتطرف ومحافظا على عربية المقاومة أي بمعنى أن تمتد جذوره الى العمق العربي , لكان حال المقاومة الفلسطينية غير الذي هي عليه ولم تتمزق امام قصري النظرو التقديرات,  لحركتي المقاومة فتح ذات  التاريخ والتراث الكبير في العمل المقاوم الفلسطيني وبنفس العيب لما وصل الحال بحماس التي تعتبر نفسها ممثلا للاتجاه الديني في المقاومة الفلسطينية,لكان وحدة مصير الامة هو الفاصل بين أي فصيل وأخر,والغريب كان من المؤمل أن تؤثر المقاومة الفلسطينية بتثوير الواقع العربي وليس العكس أن تنتقل أمراض المجتمع العربي الى الثورة الفلسطينية وكما سبق للمفكر العربي الكبير الاستاذ ميشيل عفلق أن أشره: (لقدتسربت الى الثورة الفلسطينية عدوى مرضين تعاني منهما الثورة العربية ككل هما:القطرية,وحب السلطة,وهما متلازمان بل ومتعاونان,يرتكزكل واحدمنهما على الاخر, ويستمد منه قوة و الغذاء, أذن لم يكن ذلك أصيلا في الثورة الفلسطينية بل كان موقف رد فعل على قطرية الانظمة العربية وعلى أستهتار تلك الانظمة بالقضية الفلسطينية)(2).وهذا ما تجاوزته الثورة في العراق وجناحها المسلح في المقاومة العراقية البطلة والتي قضيتها المركزية هي التحرير,ولكن ظمن تحرير الامة و لكل أراضيها وحدة الامة والبعث الخالد في هذه قيادته المسيرة  النضالية للمقاومة العراقية سوف يصلح ما خربته كل أشكال المقاومة العربية والتي حصرت ثورتها في حدود قطرية فقط وظمت كل الاتجاهات والتيارات  السياسية التي تعمل من أجل العراق الواحد وبكل قومياته واديانه والوانه الاجتماعية والسياسية. ,أقصد لو أنتبهت الثورة الفلسطينية لهذه الحقيقية لكانت أنتقلت من الثورة الفلسطينية الى الثورة العربية وبالتاكيد سيكون التامر عليها أكبر ولكن سيكون من الصعوبة  تحجيمها باتفاقيات وهمية مثل اتفاقية أسلو أو مدريد أو واشنطن.

 

فليتعلم العرب الاحرار من الدرس الفلسطيني..

 

(1) القران الكريم _سورة البقرة   الاية 216                                                           

(2) كلمة بحضور أعضاء الوفود الطلابية العربية والأجنبية المشاركة في أعمال المؤتمر التأسيسي الأول للاتحاد العام للطلبة العرب المنعقد ببغداد خلال شهر كانون الاول عام 1976

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ٢٩ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٧ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور