وأمرهم شورى بينهم .. وبين السفير الأمريكي !

 

 

 

شبكة المنصور

محمد العماري

من السمات الملفتة للنظر في العراق الجديد ليس فقط الفشل والتعثّر والفساد المالي والآداري والأخلاقي وسفك دماء العراقيين بالمجان وكلّ يوم, وإنما أصبح البلد, منذ إحتلاله ولغاية اليوم, يُدار بشكل مباشر من قبل السفير الأمريكي في المنطقة الخضراء. ويكاد يكون حضوره المرحّب به دائما من قبل العملاء من "قادة" عراق اليوم, شبه يومي في كل نشاطاتهم وفعالياتهم وإجتماعاتهم, وعلى جمسع المستويات.


ومعلوم إن السفير الأمريكي في بغداد لم يكتفِ بتوجيه"النصائح والارشادات" كما تزعم أمريكا وخدمها وحشمها من عراقييّ المتعة والملذات العابرة, بل أنه يصدر الأوامر والانذارات والتحذيرات ويهدّد هذا وذاك من "الساسة" إن لم يلبّوا رغباته ويحقّقوا مطالبه. فامريكا, بعد الفشل الذريع وخسائرها الجسيمة في العراق الصامد المقاوم, بحاجة ماسّة الى أي إنجاز, حتى وإن كان قانون إنتخابات غامض ومكتوب على وريقات صفراء باهتة.


غير أن ما يثير الضحك والشفقة هو إن العراق الجديد إنتفخ وتورّم من كثرة الأحزاب والكتل السياسية والتنظيمات والميليشيات, لكنه مع ذلك عاجز تماما عن حلّ أبسط مشاكله. فالخلافات تعصف بالجميع. فلا الحكومة العميلة منسجمة مع نفسها وتتحدّث بصوت واحد ولديها القدرة على إدارة شؤون البلاد والعباد. ولا البرلمان "المنتخب" قادر على ممارسة مهامّه الدستورية في مراقبة الحكومة وتشريع القوانين لأن جميع أعضاءه بدون إستثناء مصابون بسرطان الفساد والطائفية والعنصرية المقيتة والأنانية المفرطة. وجلّ همّهم هو الحصول على المزيد من المكاسب والامتيازات والغنائم الشخصية قبل فوات الأوان. وشعارهم المفضّل هو يَمغرّب خَرّب .


فعلى سبيل المثال لم يحصل في أية دولة, مهما كان نوع ونظام الحكم فيها, إن برلمانا فشل للمرّة السادسة على التوالي في الاتفاق والتصويت على قانون انتخابات. كما حصل في برلمان الخرفان في المنطقة الخضراء. بالرغم من إن هذا القانون يخصّهم هم قبل غيرهم. وهو في النهاية إستمرار لمسرحية "العملية السياسية" التي ما زالت تغري الكثير منهم وتسيل لعابهم أملا من بعضهم في البقاء على خشبة المسرح البالية, أو الاكتفاء بالتفرّج والتصفيق من داخل القاعة, إذا ساء حظّه قليلا.


لقد كان حضور السفير الأمريكي كريستوفر هيل يوم الخميس الماضي الى قاعة البرلمان ومشاركته الفعّالة في المناقشات والمداولات فيما يخص قانون الانتخابات ولقائه برؤساء الكتل البرلمانية, فضحا مكشوفا لكل إدعاءات وتخرّصات"قادة" العراق الجديد العملاء حول السيادة الوطنية وإستقلال القرار السياسي وما شكل ذلك. فالعراق كلّه اليوم, وليس سيادته فقط, تحت تصرّف السفير الأمريكي وقائد قوات الاحتلال الجنرال رايموند أديرنو. فقبل بضعة أيام أصدر الاثنان, باعتبارهما أعلى سلطة مدنية وعسكرية حاكمة في العراق المحتل, بيانا حول ضرورة إقرار قانون الانتخابات. وكالعادة كانت كلمات بيانهما المذكور محشوة ومطليّة بمختلف أنواع السموم.


لكن ساسة بغداد المحتلّة ما عادوا يميّزون, من كثرة خنوعهم وتبعيتهم وغرامهم بأمريكا, بين السم والعسل. فكل ما يأتي من السفير كريستوفر هيل, إن كان إشارة بسيطة أو كلمة عابرة, فهو على العين والرأس. وصدق المتنبي الذي قال: "إن القليلَ من الحبيبِ كثيرُ". وبالتالي فان حضور السفير الأمريكي الى قاعة البرلمان, في سابقة نادرة جدا لم تشهدها لا أفغانستان ولا جمهوريات الموز ولا جزر الواق واق ولا حتى أكثر حكومات العالم تبعية وعمالة وسقوطا, لا تعني الاّ شيئا واحدا, هو إن العراق من شماله الى جنوبه محتلّ بالمعنى الدقيق للكلمة, ويُدار من قبل السفارة الأمريكية بشكل يومي ومباشر.


وعليه فان كل ما قيل عن إنسحاب أمريكي خارج المدن أو إتفاقيات مبرمة بين واشنطن وحكومة بغداد العميلة أو ما يُسمى بالسيادة الوطنية والبرلمان المنتخب والعملية السياسية وما نتج عنها, كلّها ببساطة أكائيب ونفاق وهراء مبتذل. لم تعد تنطي لا على العقلاء ولا على المجانين, باستثناء حفنة من السماسرة واللصوص والمنتفعين من خراب ودمار الأوطان والشعوب, كساسة عراق اليوم.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ١٢ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٣١ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور