باراك أوباما .. كالمستجير من الرمضاء بالنارِ

 

 

 

شبكة المنصور

محمد العماري

لا يختلف إثنان على أن جميع رؤساء أمريكا, مهما كان إسم وتوجهات ونظرية الحزب الذي ينتمون اليه, متشابهون في تعاطيهم مع السياسة الخارجية. وبما أن ثقافتهم وأرثهم وتاريخهم كلّها بُنيت على الهيمنة والاستغلال والعدوان وإحتقارالآخر بل وقتله إذا إقتضت مصلحتهم ذلك. فهم بالتالي يعتبرون أنفسهم"أفضل" من سواهم من البشر. كما أن مشكلتهم تكاد تكون واحدة. وهي أنهم لا يتعلّمون دروسا لا من الماضي ولا من الحاضر ولا من تجارب دول وشعوب أخرى, ولا حتى من بعضهم البعض.


ومن يدخل البيت الأبيض, بغض النظر عن طريقة وكيفية وصوله اليه, يسعى قدرالمستطاع الى تمييز نفسه عمّن سبقه محاولا بشتى الوسائل والسبل, بما فيها البلاغة اللغوية وفنّ إستخدام الاشارات والنظرات وتعابير الوجه, أن يترك بصماته الخاصّة على مسرح الأحداث. ولا يهمّه إذا تهدّم المعبد على ساكنيه أو أشتعلت النيران في زوايا وأركان المعمورة. كما فعل مجرم الحرب بوش الصغير.


وهكذا جاء دور باراك أوباما, الذي أقام له العام أجمع زفّة محترمة تليق بأسمر يتربّع على عرش أمريكا البيضاء, ليجرّب حظّه في وضع ضوابط وقواعد للفوضى الهدّامة التي نشرها الأبله بوش الصغير في كل مكان. لكن أوباما, الذي عقدت عليه الملايين آمالا كبيرة, لم يكلّف نفسه عناء السوال عن الحكمة والمغزى والمنفعة من إستمرار حروب أمريكا العدوانية المباشرة, في العراق وأفغانستان, وغيرالمباشرة في أكثر من ثلاثين بلدا. مع العلم أنه يعي تماما كونها حروب لا شرعية ولا أخلاقية وباهضة التكاليف ومرفوضة من قبل غالبية الشعب الأمريكي. فضلاً عن أنها لم تحقّق, لا لأمريكا نفسها ولا لمن أكتوا بنيرانها المشتعلة في بيوتهم, غير الموت والخراب والمآسي التي لا نهاية لها.


لكن, بعد هزيمة أمريكا وخذلانها وإنكسار معنويات جيشها العرمرم على أيدي فرسان العراق البواسل في فصائل المقاومة الوطنية, لم يجد باراك أوباما بدّا من التركيز على أفغانستان وتشديد موقفه من الحرب هناك وجعلها تقريبا حربه الشخصية أملا منه في أن لا تنحدر صورة أمريكا وسمعتها العالمية الى الحضيض أكثر فأكثر. وليس مستبعدا, كما تؤكد يوميا فداحة الخسائر الأمريكية في بلاد الأفغان, أن يجد أوباما المستجير من رمضاء العراق بنار أفغانستان, نفسه في وضع لا يحسده عليه أحد. وربما يصحى ضميره, إذا لم يتحوّل الى إلعوبة بيد العسكر وصناع وتجّار السلاح والشركات الضخمة, ويضع حدّا لهدر دماء العرب والمسلمين في أكثر من بلد.


صحيح إن الرئيس الأمريكي دستوريا هو القائد العام للقوات المسلّحة وله كلمة عليا وصوتا مسموعا في هذا المجال, لكن الصحيح أيضا هو أن المؤسسة العسكرية وما يتبعها ويلحقها من قوى ولوبيات نافذة, يتصدّرها اللوبي الصهيوني الضارب الجذور في مؤسسة الحكم الأمريكية, هي التي تقرر وتضع الخطط والمشاريع والخرائط. وتبيّن للرئيس نفسه, بناءا على المصالح الضيّقة لحفنة من مصّاصي الدماء, أين تقع المصالح الاستراتيجية الأمريكية وكيف يمكن الدفاع عنها. ومن هنا يأتي إلحاح قادة الجيش الأمريكي في أفغانستان على الرئيس أوباما لزيادة عديد القوات المقاتلة هناك.


وفي دولة العم سام لا تختلف حال السياسيين كثيرا عن حال العسكريين. فهؤلاء لا يمكنهم العيش الاّ في الحروب والتدخلات العسكرية. فهم كالأسماك التي لا يمكن أن تعيش الاّ في الماء, وإن كان بركة آسنة. ومن يطّلع على تاريخ أمريكا, خصوصا في الخمسين سنة الأخيرة, يجد أن حروبها العدوانية وتدخّلاتها العسكرية في شتى بلدان العالم تكاد تكون سنوية. ومن النادر أن يمّر عامان مثلا دون أن تقوم أمريكا أو من ينوب عنها, وما أكثرهم, باشعال نار حرب أو تمرّد أو إنقلاب عسكري.


وبدوافع الحقد المتأصل ضد العرب والمسلمين, وليس فقط من أجل حماية الكيان الصهيوني الغاصب, فأن الدول العربية والاسلامية لها حصة الأسد من تدخّلات وحروب أمريكا العدوانية. وبالرغم من موجات التفاؤل التي رافقت دخول باراك أوباما البيت الأبيض, وكر الشر والعدوان والتآمر, والتي بدأت تنحسر بالتدريج, الاّ أن الرجل لم يخرج عن هذا النهج. وحتى لو إستطاع وضع إستراتيجية جديدة. كما يروّج له هذه الأيام, حول حربه الخاصة في أفغانستان, فان واقع الحال سوف لا يتغيّر أبداً. لأن أمريكا دولة تأسست على المجازر والحروب وتعيش من وعلى الحروب وسوف تنهار وتتقزّم بسبب الحروب العدوانية التي تشنّها ضد الدول والشعوب الأخرى.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاحد / ٠٦ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٥ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور