مهزلة الانتخاب وخدعة الانسحاب

 

 

 

شبكة المنصور

محمد العماري

فشل ما يُسمى بالبرلمان العراقي, وهذه ليست المرّة الأولى, في الاتفاق على مشروع قانون الانتخابات بالرغم من أن ذلك القانون هو ثمرة جهود نفس"العباقرة" الذين يتصارعون الآن فيما بينهم على هذه المادة أو تلك. من أجل كسب المزيد من المنافع والامتيازات الشخصية قبل الحزبية. والحقيقة إن عجز"برلمان" بغداد ليس سببه فقط الخلاف بين أعضائه أو الاختلاف في وجهات نظرهم. فهم لم يتفّقوا قط الاّ على تدميرالعراق ونهب خيراته ووضعه,أرضا وسيادة وقرارا سياسيا, تحت تصرف أسيادهم بصرف النظر عن هوية أو إسم أو دوافع هؤلاء الأسياد.


إن ثمة نوايا واضحة جدا لمعظم المشاركين فيما يسمى يالعملية السياسية لوضع العراقيل أمام الانتخابات التشريعية القادمة, رغم كونها مهزلة مفضوحة, وسعي البعض منهم الى تأجيلها لأن رياحها تسير بما لا تشتهي سفن الأحزاب والتكتلات الكبيرة الطائفية والعرقية التي هيمنت على الساحة السياسية في العراق المحتل. ولا ننسى بطبيعة الحال إن هناك من ربط مصيره بشكل أعمى بوجود القوات الأمريكية الغازية, كحزبي العميلين البرزاني والطلباني, اللذين يعلنان ليل نهار وبكل صراحة عن تأييدهما المطلق لبقاء القوات الأمريكية "الصديقة" التي فتحت شهواتهم الانفصالية في شمال العراق وجعلتهم يتصرّفون وكأنهم حكام دولة مجاورة للعراق.


وبعد أن عجز برلمان العراق الجديد عن حلّ مشاكله الداخلية والتصرّف بمسؤولية أمام "ناخبيه" خصوصا فيما يتعلّق بمدينة كركوك, التي يسعى العميل البرزاني بوضع خيراتها وثرواتها تحت تصرّف أبناء عمومته الصهاينة في تل أبيب. قام هذا البرلمان الغير موقّر برفع الموضوع الى ما يُسمى بالمجلس السياسي للأمن الوطني, ما شاء الله ! ومعلوم إن هذا المجلس اللاوطني لا يختلف كثيرا عن البرلمان نفسه, فضلا عن كونه مجلس غير دستوري ووظيفته إستشارية فقط ولا يمكنه أن يتجلوز, أو هكذا يُفترض, البرلمان صاحب السلطة التشريعية الوحيد.. ثم أنه تأسس, أي المجلس السياسي, شأن جميع مؤسسات ودوائر الدولة والحكومة في العراق الجديد, على المحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية.


ويالتالي فأن إحتمالات فشل "المجلس السياسي" في حلّ أية مشكلة, وليس مشكلة كركوك فقط, كبيرة جدا آخذين بنظرالاعتبار وجود شاهنشاه مسعود البرزاني فيه, والذي يتعامل مع العراقيين وكأنه رئيس دولة معادية, وكذلك وجود صاحب الضخامة الرئيس العميل جلال الطلباني الذي يتصرّف وعلى المكشوف دائما كرئيس حزب كردي معارض لكل ما يصدر عن حكومة بغداد المركزية, وليس رئيسا للعراق وعميلا كبقية العصابة القابعة في المنطقة الخضراء.


وبالتالي, لا يُعقل أن يصلح ركّاع "المجلس السياسي" العراقي ما أفسده سماسرة ولصوص وحشاشة برلمان بغداد المحتلّة. ثم هناك ضغوط وإلحاح باراك أوباما على حكومة العميل نوري المالكي لكي تلتزم بموعد الانتخابات التشريعية حتى تعطي دولة العام سام والخال أوباما مبررا للهروب من جحيم العراق والانتقال, على خطى مجرم الحرب بوش الصغير, الى الجحيم الأفغاني. لكن أمريكا صاحبة الخبرة في التضليل والخداع والضحك على ذقون العملاء لا يمكنها أن تترك "الغنيمة" في العراق بعد التضحيات الجسيمة بالمال والرجال والعتاد, التي كبّدتها المقاومة العراقية الباسلة, بيد حفنة من قطاع الطرق والحرامية والسراق من أمثال المالكي والطلباني و البرزاني والهاشمي والشهرستاني وغيرهم.


وفي هذا السياق تأتي تصريحات الجنرال رايموند أوديرنو قائد القوات الأمريكية المحتلّة في العراق, والتي قال فيها بصريح العبارة "إن تاجيل الانتخابات التشريعية في العراق قد يؤثّر على خطط إنسحاب القوات الأمريكية في الموعد الذي حدّده الرئيس أوباما". ومعلوم إن أمريكا, وعلى الأخص جيشها المحتل, تبحث عن أية حجّة أو وذريعة لاطالة أمد بقاء قواتها في العراق. كما أن الكثير من الأحزاب والكتل السياسية في المنطقة الخضراء تسعى نحو تحقيق الهدف الأمريكي, أي بقاء القوات الأمريكية بذريعة توفير الأمن وحماية الناخبين إذا ما تقرر تأجيل الانتخابات, وما شاكل ذلك.


وسيكتشف أولئك الذين ما زالت تنطلي عليهم ألاعيب وحِيل الأمريكان بان الانتخابات القادمة, رغم التطبيل والتزمير لها والعراك والحراك بين الفرقاء العملاء, ليست أكثر من كوميديا محمكة السيناريو والاخراج. ربما تشغل العراقيين لفترة من الزمن. أما انسحاب القوات الأمريكية من العراق في عام 2011 كما قرّر باراك أوباما فانه خدعة ليس الاّ. وإذا حصل فعلا فأنه سوف يكون على شاكلة الانسحاب المزعوم الى خارج المدن. حيث ما زالت القوات الأمريكية بعجلاتها ودباباتها وطائراتها تدخل, بكل حرية وبساطة وبتعاون مع ما يا يُسمى بالقوات الحكومية, أية مدينة أو بلدة وتعتقل وتقتل من العراقيين ما تشاء وبدون وجع راس.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ٠٥ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٤ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور