إتّهامات بين إمارة الظلام وسلطة الاستسلام
( الأقرع يعيّر أبو حَبّه ! )

 

 

 

شبكة المنصور

محمد العماري

شنّ الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته وصلاحيته وشرعيته هجوما لاذعا على خصومه في حركة حماس "الحاكمة" في غزة, أو بالأحرى في الجانب الآخر من الجحيم الفلسطيني. وإستخدم معهم كل مفردات الكلام المُباح في زمن الردح والانبطاح وعرض العضلات العربي. وحاول التركيز والايحاء في هجومه الغير مسبوق, لا سياسيا ولا أخلاقيا ولا أدبيا, على نقطة أساسية بغيةأرضاء سادته الأمريكان والصهاينة, شركاءه في سلام الاستسلام, وهي إن حركة حماس التي تدير"إمارة الظلام" كما سمّاها في قطاع غزة هي فرع, شأن فروع المصارف والشركات والجمعيات الخيرية, من نتظيم "القاعدة" الذي أصبح صداعا مزمنا للأمريكان والأنظمة العميلة التي تُدار من قبلهم.


ولعلّ السيد محمود عباس أراد من هذا الربط بإتهام حركة حماس بالظلامية, الحصول على المزيد من الدعم المادي والمعنوي والسياسي في الوقت الذي بدأ القوم, بما فيهم بعض المقرّبين منه, بالتمرّد عليه وأدارة الظهر له, بعد فعلته الشنعاء وخطأه الذي لا يغتفر عندما أمر رجاله المتنفّين, وجميعهم بالمناسبة من حركة فتح فقط, بتأجيل مناقشة تقرير القاضي"غولدستون" الذي يدين بعبارات صريحة قادة الكيان الصهيوني ويُطالب بتقديمهم الى المحاكم الدولية.


لكن حركة حماس, كما هو معروف للجميع خصوصا بعد"إنقلابها" في غزة وإستلامها للسلطة هناك, ليست فصيلا من الملائكة والقدّيسين. فقد قامت هي الأخرى بما يندى له الجبين من أفعال وإنتهاكات وتجاوزات وأعمال قتل لم يكن الشعب الفلسطيني, الذي هو بكل تأكيد ليس ملكا لحركة فتح أو لحماس, منفعة أو مصلحة وطنية ملحّة. ثم إن من أخطاء حركة حماس, وهذا رأي شخصي بحت, هي إنها إنجرّت, دون إدراك عميق وربما بحماس مبالغ فيه, الى لعبة "الديمقراطية" الخادعة وشاركت في الانتخابات التي إنتهت بفوزها. مع العلم إن فلسطين التاريخية أو ما تبقى منها محنلّة أرضا وسماءا وماءا, وشعبها يُعاني أحلك الظروف بسبب الاحتلال الصهيوني وبسبب صراع الأخوة الأعداء في الفصائل الفلسطينية. ثمّ إن حركة حماس وجدت نفسها, بعد أن نجحت أمريكا والغرب, الى إدخالها الى ساحة اللعب, بين مفترق طرق. فلا هي حركة مقاومة واضحة وصريحة ومقنعة, كما كانت منذ تأسيسها, ولا هي حركة سياسية قادرة على مجاراة قواعد اللعبة التي فرضتها أمريكا والغرب.


وربما غاب عن أذهان الأخوة في حركة حماس, لعل سحر السلطة أسكرهم, إن نتائج أية لعبة, ولدينا مثال قاطع فيما يجري هذه الأيام على الساحة الفلسطينية, سوف لن تكون أبدا في صالح الشعب الفلسطيني وقضيته. فالكيان الصهيوني دأب منذ تأسيسه اللاشرعي وحتى هذه اللحظة, على زرع بذور الفرقة والتناحر والاقتتال بين الفلسطينيين أنفسهم, ونجح في تطبيق نظرية"فرّق تسد" عليهم, وبشكل ما على الأنظمة العربية أيضا. واليوم, نرى هذا الكيان الغاصب يقرع أنخاب النصر ويتبادل قادته المجرمون إبتسامات الفرح والشماتة وهم يرون أكبر تنظيمين فلسطينيين, بكل ثقلهم وتاريخهم النضالي البطولي, يتبادلات الاتهام والكلمات المشينة على مرأى ومسمع ملايين الناس, وبالبثّ المباشر.


أما حركة فتح وسلطتها التي لا تتعدى حدود"المقاطعة" في رام الله, ونتحدى من يثبت العكس, فقد وجدت في أمريكا والكيان الصهيوني ملاذا آمنا لها وداعما مضمونا لديمومة الوهم الذي تعيش فيه. وبدلاً من أن يلجأ السيد محمود عباس, باعتباره رئيسا لجميع الفلسطينيين بمن فيهم الملايين المتواجدة في المنافي, الى شعبه ويحتكم اليه, تحوّل شيئا فشيئا وبضغوط ومشورة من رجاله الذين أكل الدهر عليهم وشرب, الى رئيس لحركة فتح التي ينتمي اليها فقط. وأصبحت السلطة"الوطنية" الفلسطينية, رغم هشاشتها وعدم تأثيرها, سلطة تابعة لحركة فتح ورئيسها محمود عباس.


وهنا لا توجد غرابة بطبيعة الحال, فالرئيس عباس سار بكل بساطة على خطى رفاقه وأصدقائه من الحكام العرب. فالدولة والحكومة والسلطات جميعها بالنسبة لهم تابعة للحزب الحاكم, أي حزب الرئيس. لكن مشكلة محمود عباس تبدو أكثر تعقيدا من سواه من الرؤساء ومصيبته أدهى. فهو بلا وطن, ولا دولة, ولا حكومة, وحكومته الحالية هي حكومة تصريف أعمال, وليس لديه جيش أو شرطة تحميه )من شرّ النفاذات في العقد. ومن شرّ حاسد إذا حسد( رغم جهود صديقه الجنرال دايتون في تدريب وإعداء قوى الأمن الفلسطينية التي ستكون مهمّمتها الأساسية هي حماية اليهود الصهاينة والدفاع عنهم من تصرفات وتحرشات الشعب الفلسطيني المشاغب !


والأدهى من كلّ هذا هو إن محمود عباس, الذي لا يمكن الاستهانة بتاريخه النضالي لطويل, إرتضى لنفسه ببضعة كيلومترات في"المقاطعة" في رام الله تحرسها من كل جانب قوات الاحتلال الصهيوني, ويعتمد في كلّ تحركاته وتنقلاته وأسفاره على موافقة صباط وجنود الكيان الصهيوني الذي يحتلّ بلده ويقمع ويضطهد شعبه يوميا وأمام عينيه. وثمة أوجه شبه كثيرة, مع الفارق في تاريخ الرجلين طبعا, بين محمود عباس رئيس سلطة "وهمية" وجلال الطلباني الذي يترأس هو الأخر سلطة"وهمية خالص" في المنطقة الخضراء في بغداد. وكلاهما لا يخطو خطوة واحدة الاّ بموافقة قتلة شعبه ومدّمري بلده وسارقي ثرواته ومستقبل أجياله.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٢٧ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٦ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور