مَن علّمني حرفاً - في الشأن الفلسطيني - مَلكني عبداً

 
 
 

شبكة المنصور

محمد العماري

إن إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن عدم رغبته في الترشّح لولاية ثانية خلط الأوراق على الجميع. خصوصا على أولئك الذين شاركوه في صناعة وديمومة سراب "السلام" مع العدو, والذين إنساقوا خلفه كالعميان منذ يوم أوسلو المشؤوم "يوم حليمة" الفلسطيني وحتى هذه اللحظة. وإتّضح لكل لبيب بان الفشل والاحباط والاذلال واللاجدوى هي الأسباب الحقيقية التي تقف خلف قرار الرئيس الفلسطيني دون أن يعترف الرجل صراحة بذلك, مع ان هذا القرار, الذي كان يُفترض به إن يتخذه مثلا أيام العدوان الصهيوني البربري على قطاع غزّة بداية هذا العام, ما زال مجرّد"عدم رغبة" وليس قرارا سياسيا قاطعا.


وإذا إستثنينا إمكانية وجود لعبة من نوع ما أو حيلة معيّنة دفعت الرئيس محمود عباس للاعلان عن عدم رغبته بالترشح ثانية لرئاسة السلطة, فاننا يمكن إعتبار قراره هذا, طبعا دون إنكار تاريخه وماضيه المشرّف, أفضل خدمة يقدّمها, في المرحلة الراهنية, للشعب الفلسطيني الذي لم تزده المفاوضات العبثية العقيمة مع الكيان الصهيوني الغاصب وإستجداءعواطف ومشاعر أمريكا المنحازة دائما وأبدا وبلا تحفّظ الى جانب هذه الكيان, الاّ فقرا وحرمانا وحصارا وإذلالا متعمّدا وعلى مدار الساعة.


لكن اللافت إن "عدم رغبة" الرئيس الفلسطيني في الترشح مرّة أخرى فاجأت على ما يبدو المقرّبين منه قبل غيرهم, وكأنه إتخذ قراره بمعزل عن الجميع. وبالأخص بمعزل عن تلك المؤسسات ذات الأسماء الرنانة مثل المجلس الوطني والمجلس المركزي والمجلس الثوري لحركة فتح.. و..و.. وهلّم جرا. وأعترف بأنني أتساءل باستمرار إن كان ثمة حاجة حقيقية للشعب الفلسطيني المغلوب على أمره والمحاصر جوا وأرضا وبحرا لكل هذه المجالس والتنظيمات ومراكز القوى والنفوذ التي عجزت - مجتمعة ـ عن إزالة حاجز واحد من أكثر من 600 حاجزا نصبها الكيان الصهيوني لتقطيع أوصال الشعب الفلسطيني وما تبقى من أرضه المغتصبة؟


ثمّ إن غالبية المؤسسات الفلسطينية الحالية تحوّلت, مع الأسف الشديد, الى ما يشبه جمعيات المتقاعدين والمحاربين القدماء ونوادي كبار السن, مع إحترامنا وإعتزازنا بالكثير منهم, وأصبحت"عالة"على الشعب الفلسطيني وعلى المنظمات التي ينتمون اليها. واليوم, إنبرى هؤلاء من كل مخابيء وزوايا النسيان مطالبين رئيسهم, الذي أدرك بما لا يقبل الشك أن سلطته الوطنية لم تكن الاّ وهما وخداعا وضحكا على الذقون, بالعدول عن قراره. وأعلنوا أنه "مرشحهم الوحيد والأوحد" في إنتخابات الرئاسة المقبلة. وإنهالوا عليه وعلى سياسته, الذي ضيّعت أكثر من 90 بالمئة من حقوق الشعب الفلسطيني, بالمديح والثناء والكلام المعسول.


لكن القادة الفلسطينيين, سواء في هذا الجانب أو ذاك من الجحيم الفلسطيني, حوّلوا صراعهم على السلطة الوهمية والجاه والنفوذ الى أولويّة طغت تقريبا على صراعهم الحقيقي مع العدو الصهيوني. وأصبح أغلب الوقت والجهد والفعل المقاوم, رغم قلّته في هذه المرحلة, يُهدر في حوارات ومفاوضات وإتصالات لا تببدو لها نهاية بين الفصائل الفلسطيني نفسها. بينما يستمر العدو الصهيوني في ممارسة عدوانه المتعدّد الطرق والوسائل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل, ويقوم بتنفيذ خطّته الاجرامية, تحت سمع وبصر الجميع شاءوا أم أبوا, لهدم المسجد الأقصى المبارك وإفراغ القدس من سكانها الفلسطينيين لتكون عاصمة يهودية "نقيّة" لكيان إسرائيل اللقيط.


ولعلّ خطوة الرئيس محمود عباس, لو قدّر لها وأن تحقّقت فعلا, تكون بداية انهيار صرح الأوهام والخرافات التي كان يروّج لها فريق أوسلو وأخواتها في السلطة الفلسطينية "الوهمية" حول السلام وإقامة الدولة الفلسطينية الموعودة. وعسى أن تعود الأمور الى طبيعتها عندما كانت بنادق جميع الفصائل االفلسطينية موجّهة فقط نحو صدر العدو الصهيوني الغاصب. ويوم كان سفك دم الفلسطيني على يد أخيه الفلسطيني من المحرمات والخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها, مهما كان الخلاف والاختلاف والخصام, من قبل أي طرف أو جهة أو تنظيم.


فالشعب الفلسطيني اليوم بامس الحاجة, خصوصا في ظل حكومة الكيان الصهيوني الفاشية المتطرّفة ومشاريعها الاستيطانية المستمرة بلا توقّف, الى وحدة الصف والكلمة والأهداف, والتخلّص من عقدة الزعامة والهيمنة وإقصاء الآخر. كما أن إعتبار مقاومة الاحتلال الصهيوني بالسلاح والحجارة والتظاهر والعصيان والاضرابات, النقطة الأساسية التي ينبغي أن يتّفق عليها الفلسطينيون قيادة وشعبا. وعكس ذلك فان القضية الفلسطينية, قضية العرب والمسلمين المركزية سوف تنتهي, بمشاركة بعض الحالمين والمغرورين والساهين في غيّهم, الى عالم النسيان والاهمال والضياع.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الجمعة / ٢٥ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٣ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور