في برلمان العراق المحتل كلُّ قومٍ ما لديهم فرِحون !

 
 
 

شبكة المنصور

محمد العماري

توصّل ما يُسمى بمجلس النواب العراقي, بعد لأيٍ وترحة وإتهامات متبادلة, الى إتفاق لا يخلو من الغموض والسموم والالغام, على قانون الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في شهر يناير/ كانون الثاني المقبل. وتمّ التصويت على هذا القانون, الذي شهد أكثر من تعديل وحذف وإضافة, بغياب 80 نائبا عن الجلسة. وغياب أو بالأحرى تغيّب هذا العدد الكبير من نواب البرلمان, سواء كان مشروعا أم لا, لم يحصل سابقا في برلمان أية دولة من الدول المتخلّفة طبعا. خصوصا وإن القانون المذكور يُعتبر, بالنسبة لساسة المنطقة الخضراء وأسيادهم الأمريكان, واحدا من أهمّ القوانين التي عالجها برلمان العراق المحتل.


والفضل في تشريع هذا القانون, كما سمعنا ورأينا بشكل مباشر, يعود بطبيعة الحال الى السفير الأمريكي في بغداد. فقد أبلى الرجل بلاءا حسنا داخل قاعة البرلمان وفي الممرات. ولم يكن وجوده داخل البرلمان تهديدا أو ضغطا كما يزعم البعض بل أنه مارس سلطاته وصلاحياته باعتباره الحالكم الفعلي للعراق. أمّا المعمّم خالد العطية - نائب رئيس البرلمان الموجود في الخارج ! - والذي ترأس الجلسة فلم يكن سوى عريف حفل يؤدي دوره المرسوم بشيء من الحماس والاثارة والتشويق كما يحصل عادة في مثل هذه الأدوار. بدليل أنه, أي المعمّم خالد العطية, أعلن فور إنتهاء التصويت الكارتوني برفع اليد, قائلا إن إقرار هذا القانون يعد "إنجازا يُضاف الى إنجازات البرلمان العراقي".


ولا داعي هنا لذكر جميع"إنجازات" برلمان المنطقة الخضراء فهي أكثر من أن تعد وتحصى. إبتداءا من الرواتب الضخمة والمخصصات والامتيازات وقطع الأراضي التي حصلوا عليها دون مشقة أو تعب, فضلا عن غياب أغلبهم عن حضور جلسات البرلمان وإنتهاءا بجوازات السفر الدبلوماسية لهم ولعوائلهم وأولادهم والتي تمتد صلاحيتها الى 8 أعوام بعد أنتهاء خدمتهم. وفي المقابل لم يحصل المواطن العراقي, حتى ذلك الذي خُدع باطروحاتهم الفانتازية وكلامهم المعسول, غير المزيد من الفقر والبؤس والحرمان وفقدان الأمنان والعمل والأمل والخدمات, بل حتى الرغبة في الحياة. هذه هي إنجازات برلمان اللصوص والسماسرة والدراويش ومعدومي الشرف والضمير.


وتأكيدا على إن الكلمة الفصل كانت للسفير الأمريكي كرستوفر هيل فقد أعلن سعادته, قبل أن يصدر الاعلان عن أية جهة عراقية أخرى, عن تأجيل الانتخابات الى ما بعد موعدها المقرر في 16 يناير/كانون الثاني. ثم جاء بعد ذلك إعلان ما يُسمى بالمفوضيّة المستقلّة للانتخابات ليؤكد ما قاله سفير دولة الاحتلال في بغداد, وفعلا تأجلت الانتخابات الى يوم 21 يناير/ كانون الثاني..


واللافت أن مظاهرالفرح والبهجة عمّت الجميع, ونقصد جميع فرقاء العملية السياسية الكوميدية, فلا غالب ولا مغلوب, ثم تعدّت البهجة حدود الوطن المُباح حتى وصلت الى ردهات وحدائق وغرف البيت الأبيض في واشنطن لتشمل الرئيس باراك أوباما نفسه والذي هنأ العراقيين - العملاء طبعا - وإمتدح شجاعتهم وصبرهم لارساء أسس الديمقراطية في العراق قائلا: "إن إقرار هذا القانون سوف يمهّد الطريق لانسحاب القوات الأمريكية". وهذا هو بيت القصيد.


ثمّ, وبالرغم مّما قاله أوباما أو سفيره وما يخططان له حاليا أو مستقبلا بشأن العراق المحتلّ الاّ أن ثمة رائحة كريهة لطبخة ما بدأت تنتشر في أروقة البرلمان العراقي وتخرج شيئا فشيئا الى الشارع العراقي. وهذه الطبخة, التي حضرّت لها على نار هادئة الأحزاب الكبيرة المتنفّة, الدينية والعنصرية على حدّ سواء, تتعلّق بالمهجّرين والمهاجرين والهاربين من جحيم الديمقراطية. وتقول الأخبار الواردة من بغداد المحتلّة إن أحزابا وكتلا كبيرة بذلت كل جهد, بمشاركة ما يُسمى بالمفوّضية المستقلّة للانتخابات, من أجل تحجيم تمثيل المهجّرين والاجئين في الخارج, وعددهم بالملايين طبعا, خشية من تأثيرهم على نتائج الانتخابات إذا صوّتوا بكثافة لصالح بعض القوائم ذات الخط الليبرالي كما يُسمى .


ومعلوم أن مشكلة العراقيين الخاضعين لاحتلال أمريكي - إيراني متداخل ومتجانس في الأهداف والنوايا, ليست في إقرار قانون إنتخابات أو قائمة مفتوحة أو مغلقة ولا في تقديم أو تأخير موعد تلك الانتخابات ولا حتى في زيادة عدد نواب البرلمان الى 300 بدلا من 275 نائبا بما يتناسب حسب زعمهم وعدد السكان, وهذه النقطة بالذات هي خدعة كبيرة أرادت بها بعض الأحزاب الكبيرة الحصول على فرصة أخرى لحجز وكسب مقاعد جديدة لها بعد أن أدركت إن الرياح تجري بما لا تشتهي سفن ديمقراطية المحاصصة الطائفية والعنصرية.


إن مشكلة العراق وشعبه تكمن في أن الدستور الذي شرّعوه وفرضوه على الشعب العراقي في غفلة من الزمن هو دستور ملغوم باكثر من قنبلة موقوتة ومبني على أسس لا علاقة لها مطلقا بالديمقراطية وإحترام حقوق الانسان. بل جاء من أجل إرضاء ومكافأة خونة وعملاء ومأجورين لقاء جهودهم "الخيرة جدا" في إحتلال الوطن وتدميرالدولة العراقية ومعها كلّ الانجازات الكبيرة التي حقّقها العراقيون بدمهم وعرقهم وأموالهم على مدى أربعة عقود وفي جميع المجالات.


لا يمكن لقانون الانتخابات الذي شرّعه برلمان بغداد المحتلّة أن يحقق الهدف المرجو منه حتى بالنسبة لمن صاغه ورّوج له ودافع باستماتة عنه باعتباره حاجة ملحّة له ولسيده الأمريكي أو الايراني أو الصهيوني الذي جعله عضو برلمان. فالعراق الجديد وخلافا لجميع دول العالم خالٍ من قانون ينظّم الأحزاب والمنظمات والجمعيات. وقانون الأحزاب الموجود حاليا هو الفوضى بعينها ولا يمت بصلة حتى لأكثر ديمقراطيات العالم هشاشة وزيفا ورياءا. وبالتالي لا قيمة لأي إنتخابات وسط بحر متلاطم من أحزاب وتكتلات وقوائم وعمائم تختلف في الأسماء والأشكال والحجوم وتتشابه في الأهداف والنوايا والمضمون.

 
mkhalaf@alice.it
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الثلاثاء / ٢٢ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ١٠ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور