عقدة كركوك أم عقدة العملاء ؟

 
 
 

شبكة المنصور

محمد العماري
ليس لمحافظة كركوك العراقية أية عقدة حقيقية كما يروّج عملاء الاحتلال الأمريكي. فقد تعايش فيها العراقيون على مرّ الزمان بالرغم من إختلاف أعراقهم وديانتهم ومذابهم وتوجّهاتهم السياسية. ولم يحصل, كما لم يحصل في المدن العراقية الأخرى حتى يوم الاحتلال المشؤوم, أن أبناء العراق إختلفوا فيما بيهم أو تخاصموا أو تقاتلوا بسبب إنتماء عرقي أو طائفي أو مذهبي. بالرغم من أن العراق عبر تاريخه الطويل عاش مصائب وويلات وحصارات وحروب عدوانية فُرضت عليه من القوى الامبريالية وحليفاتها الأقليمية كجارة السوء إيران مثلا.


كما أن الشعب العراقي من شماله الى جنوبه, وهذه حقيقة لا ينبغي التقليل من شأنها أو طمسها تحت ركام الأكاذيب والزيف والتضليل, ظلّ متماسكا ومتعاضدا ومتآخيا في ظروف كانت من القساوة والصعوبة لو أنها حصلت لأي شعب أو بلد آخر لتفكّك وتمزّق وغرق في دماء الحروب الأهلية. وقد تكون السياسة وتبعاتها قد فرّقتنا في بعض الفترات الاّ أننا صمدنا وبقينا في إلفة عائلية تحت خيمة الوطن الواحد. لم نتنازع على أية بقعة منه مع أحد, فهو وطن الجميع بدون تمييز أو إستثناء. ولم يسمح أحد لنفسه بان يدّعى بان هذه المدينة أو البلدة "تابعة" له حتى وإن حصل بعض الظلم والتقصير هنا أو هناك.


لكن الأمور تعيّرت وإنقلبت رأسا على عقب وعدّة مرات بمجيء الاحتلال الأمريكي الصهيوني الصفوي ومعه عصابات القتل والتخريب والجريمة وطالبي ثارات مزعومة ومظالم مشكوك في صحّتها ومزوّري شهادات دراسية وحقائق تاريخية ومشوّهي مسيرة شعب عظيم.. طبعا وسط هذا الخراب وماتنج عنه من فوضى هدّامة إنتهز بعض ضعاف النفوس وميّتي الضمائرالفرصة الذهبية التي إنتظروها لسنوات, بل وشاركوا في الاعداد والتحضير لها واضعين تحت تصرّف العدو الغازي كل ما يملكون, الأرض والعرض والمال وجحافل من المرتزقة والمجرمين وأصحاب السوابق.


ولم يكتفِ الأمر عند أصحاب المظلوميات المزعومة والحقوق "المهدورة" أن إستولوا على كل شيء في العراق المحتل. بل إنفتحت شهيّتهم على مصراعيها وأصبحوا يطالبون بالمزيد. المزيد من المناصب, تطبيقا لديمقراطية المحاصصة العنصرية والطائفية, والمزيد من الأموال العامة, لأن عمليات النهب والسلب والسرقات العلنية والسرّية لثروات العراق لم تكفِيهم بعد, والمزيد من الأراضي لتحقيق أحلاهم الشريرة بتمزيق الوطن الواحد وتحويله الى كانتونات مغلقة أو دويلات فاشلة تعيش في إقتتال وصراع دائم مع بعضها البعض.


وكان للزعامات الكردية في شمال العراق, مسعود البرزاني وعائلته تحديدا, دورا محورّيا في كل ما جرى من خصام وفرقتة وإقتتال وتمرّد على سلطة الدولة المركزية بغداد على مدى عشرات السنين. ليس لأن الرجل سليل عائلة مشهورة في المنطقة والعالم بارتباطها الحميم حتى العشق والهيام بأمريكا والكيان الصهيوني. وإنما بسبب الكم الهائل من الأحقاد والضغائن والاحتقار التي يحملها مسعود البرزاني للعرب عامة وللعراقيين خاصة. الى درجة إن حقده الأعمى هذا أفقده القدرة على التمييز بين الأنظمة والشعوب. ولم يعد يفرّق بين المعارضة السياسية لنظام معيّن وبين التآمر المستمر, طبعا مع أي عدو أجنبي طامح, على وحدة العراق وسيادته ومستقبل أبنائه.


ولم تكن مشكلة مدينة كركوك العراقية عصيّة على الحل, كما يزعم بعض"قادة" العراق المحتل. لكن مسعود البرزاني, الذي يتصرّف وكأنه إمبراطور وليس رئيس إقليم مكوّن من محافظتين ونصف, بالغ كثيرا غي طموحاته وفي أحلامه وفي حجم غطرسته وصلفه حتى مع رفاقه العملاء. بعد أن إستقوى بحراب المحتلّين ودورلااتهم. وكثرت في لغته, في أي شأن عراقي لا يرضيه, عبارات التهديد والوعيد. ولم يخلّ خطابه قط من "لن نسمع أبدا.." أو "لا نوافق مطلقا.." وما شاكل ذلك. وتحوّل من رفيق في الخيانة والعمالة والحكم لساسة المنطقة الخضراء الى حجر عثرة في طريقهم.


لقد تمّ تقديم عدّة مقترحات لحا ما يُسمى بعقدة كركوك ورفضتها الأحزاب الكردية العميلة. مرّة باجراء تعديلات عليها تؤدي الى نسفها كليا, ومرّة بتقديم مقترحات مضادّة كسبا للوقت وللعودة الى المربع الأول أو لخلط الأوراق. فهم دائما يسبحون عكس التيار وفي خلاف مع الكل. ولا ترضيهم الاّ "حصّةالأسد" في أي موضوع يخصّ العراق. مع أن لا علاقة لهم بالأسود. فهم ليسوا أكثر من عصابات منظّمة وبنادق للايجار, تحت طلب وأمرة كل من يعادى العراق وشعبه, مصوّبة نحو صدر العراقيين. وما سلوكهم المتقلّب وتصرفاتهم الاستفزازية مع رفاقهم في المنطقة الخضراء الاّ دليلا على طبيعتهم العدوانية وسوء نواياهم وما يضمرون من حقد وكراهية لكل عراقي.


والحقيقة أنه لا توجد في كركوك مشكلة أو عقدة. فهي مينة الوئام والتآخي والتعايش السلمي منذ عقود. لكن المشكلة والعقدة, التي تحتاج ربما الى طبيب نفساني, هي في رأس مسعود البرزاني وأمثاله. فؤلاء إستغلّوا أبشع إستغلاء الوضع الاستثنائي للعراق المحتل وراحوا يفرضون شروطهم التعجيزية وكأنهم دولة مجاورة ومعادية للعراق,. وبالرغم من سيطرتهم وهيمتنهم على الكثير من الوظائف والمناصب الحساسة في"الدولة" العراقية التابعة للاحتلال الاّ أنهم ما زالوا يناصبون العراق والعراقيين العداء.


ولم يتخلّصوا من عقدة الضحية والمظلوم, رغم الكثير من المزاعم والفبركات والحقائق المشوّهة, وحصلوا على أضعاف أضعاف ما حصل عليه, من حقوق ومكاسب وإمتيازات لا يستحقونها, رفاقهم في ما يُسمى العملية السياسية. وقبل بضعة أيام هدّد أحد نواب الأكراد قائلا: "إذا لم تحقق مطالبنا في فيما يخص مدينة كركوك فاننا سوف نقاطع الانتخابات أو نلجأ الى الفيتو الرئاسي". وبديهي أنهم يعوّلون كثيرا على ضخامة جلال الطلباني "الرئيس" الكردي للعراق العربي لأنه لا يمثّل العراقيين بل يمثل الأحزاب الكردية العميلة. ومن المستحيل أن يصادق على أي قانون إن لم يرَ فيه مصلحة بل مصالح أنية ومستقبلية كثيرة لما يُسمى باقليم كردستان العراق.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ١٩ ذو القعدة ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٧ / تشرين الثاني / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور