القومية المؤمنة

﴿ الحلقة الاولى ﴾

 
 

شبكة المنصور

زامـــل عــبــــد

تناولنا في أكثر من موضوع البعد الروحاني في فكر البعث العربي والترابط الجدلي فيما بين الأمة العربية والإسلام بأفقه الديني الرسالي وما يشكله من ثورة اجتماعية كبرى هزة المجتمع العربي وجدانيا" ونقلته من الجهالة إلى الأفق الإنساني الشامل وللرد بالمباشر على كل الأبواق المعادية إن كانت شعوبية التكوين أو من تتخذ الإسلام برقعا" لتمرير أهدافها والأجندة التي زرعت من اجلها في الجسم العربي أتناول موضوع القومية المؤمنة

 

إن القومية العربية هي التعبير الأصيل عن وجود الأمة العربية ، الأمة التي تشكل ثقلاً سكانياً ومادياً وروحياً قابلاً لأن يفعل فعلاً مؤثراً في تشـكيلة محيطه الإقليمي و العالم اليوم وغداً وكما كانت في الماضي التليد ، كما أنها في شكلها ومضمونها الإيماني هي المؤهلة لأن تصنع منابت حضارية جديدة يمكن أن تعيد للأمة دورها الإنساني الرسالي أو بعضا منه وبقراءة متفحص للتاريخ العربي نجد أن الأمة العربية لم تعش حياتها في خط مستقيم واحد بل شهدت حالات مد وجزر، صعود وهبوط ، نهوض ونكوص  بفعل الظروف الموضوعية والذاتية التي أحاطت بها وفي هذا السياق فإن الحالة التي تعيشــــــها الأمة هذه الأيام هي في إطار تلك المسيرة وحيثما تتوفر للأمة فرص النمو( القيادة التاريخية المؤمنة بالأمة وثوابتها المبدئية  المؤمنة بالله والرسل واليوم الآخر والدور الرسالي الذي هو نتاج التمازج فيما بين العروبة والإسلام ، وتغلب الموت على الحياة فهما" لمعنى الشهادة ، وكذلك وجود فرصة اللقاء والتضامن والوحدة ، فحيث تتوفر فرص الوحدة ، تكون الأمة في أقصى درجات قوتها وعنفوان إرادتها الحرة من اجل الحفاظ على الاســــتقلال والســــيادة من أي تدخل خارجي  ( النهضة في الزمان والمكان ، تتعزز روح القومية ، وتتوثب نحو التقدم وقطف الثمار


ومن خلال قراءة صفحات التاريخ يتأكد لنا أن القوى الأجنبية الاستعمارية والشعوبية عملت بشتى السبل للحيلولة دون تحقيق الوحدة العربية  ، وسعت إلى تفتيت المقسم إلى دويلات دينية وطائفية وعرقية كما حصل في لبنان وأحداث 1976 في العراق المعروفة بدوافعها وأهدافها استثمارا للمناسبات الدينية وتأجيج الطائفية وما يعيشه العراق اليوم والدعوات التي تطلق من هنا وهناك تحت غطاء الفدرالية والإقليم ووعود إسعاد أبناء الجنوب العراقي واستثمار خيراته للبناء والتطوير لبرهان صادق على تحقيق هدف القضاء نهائياً على فكرة الوحدة وفكرة القومية العربية ، وطرحت أفكاراً جديدة لسد الفراغ في الوطن العربي مثل "مشروع الشرق الأوسط" (الصهيوني) و"مشروع الشرق الأوســــــــــــــــط الكبير" (الأمريكي) والشـــــــــــراكة الأورو - متوسطية (الدول الأوروبية) وطرحت كذلك العولمة بكل مضامينها الاقتصادية والسياسية والثقافية والإعلامية، لمحو الهويات القومية في العالم ومنها القومية العربية، وقد وجدت تلك الأفكار الغريبة الوافدة من الخارج من يروج لها في وسائل الإعلام المختلفة، ويدافع عنها، بدعوى أنها سبيل العرب نحو التقدم والرقي والانتقال من حالة التردي إلى حالة النهضة ، كما صبوا جــام غضبهم على القومية العربية  بدعوى أنها فكرة قديمة عفا عليها الزمن ولا تصلح لمعايشة مستجدات العصر وكلما اعتقد دعاة "العولمة" و"الشرق أوسطية" بأن الأفكار التي يدافعون عنها قد أصبحت حقيقة واقعة وان فوائدها اكبر من مضارها، جاءت عناوين الجهاد والصمود في أكثر من بقعة عربية لتبدد تلك الأفكار، وتعيد الأضواء على حقيقة الأمة الواحدة، والحقيقة الحية للقومية العربية، ولأن الفكر القومي العربي حقيقة حية يعيش في وجدان أبناء الأمة لأنه حب قبل كل شيء، فأنه قابل للتجدد ورفض الجمود والتحجر، لأن الإنســـــــــــــان الذي خلقه الله ليكون خليفته على الأرض، إنسان حي متجدد ، وأفكاره حية متجددة أيضاً، وحيوية الأمة، وكذلك حيوية القومية العربية تكمن
  بروحية التجدد و في الجهاد والنضال والمقاومة ، الجهاد الأكبر والأصغر معاً نضال دؤوب من اجل النهضة والتقدم، ومقاومة التخلف والفقر والمرض، ومقاومة قوى الغزو والاحتلال والاغتصاب الطامعة في ثروات الأمة وخيرات الوطن الكبير.

 

إن النظرة الحية للقومية العربية، نظرة عميقة مبنية على أسس روحية وثقافية متمثلة في اللغة والتاريخ والتراث الروحي المشترك لأبناء الأمة العربية، فالقومية قدر محبب للأمة، لأنها ارتباط وجداني مصيري بين الإنسان العربي وأمته. ولم تكتف هذه النظرة بالاهتمام بالجانب الروحي والوجداني فحسب، بل أخذت بعين الاعتبار كل العوامل الخارجية المادية، ولذلك كانت وقفة الأمة الموقف الجهادي من أجل الحرية والاستقلال                            

 

وقف أبناء الأمة بوجه الأفكار الوافدة التي تم زرعها مخابراتيا" في الأرض العربية والتي تريد النيل من القومية العربية انطلاقاً من أن القومية العربية هي التعبير الأصيل والعميق عن روح الأمة ورسالتها العظيمة، رسالة الإسلام العظيم  لتمرير المخططات والأجندة التي يراد منها سلب الذات العربية إن كانت هذه الأفكار اشتراكية لا قومية تعاملت مع الفكر القومي تعاملا مشوبا" أو دينية اتخذت موقف العداء الكامل لما هو عربي الأفق والتوجه الوقفة الرافضة إلا من ارتضى التنكر والخيانة والارتماء  في أحضان الأعداء ، ومن هذا الارتباط العميق بينها وبين الإسلام جاء وصف القومية المؤمنة ، وهذا الوصف لا يعني بأن القومية دينية، بل هي تأصيل وجداني لهذه الصلة بينهما لأن الإســلام هو الذي عبر بصدق عن عبقرية القومية العربية، ولذلك فالقومية ( جسد روحه الإسلام ) والقومية تعتبر الإيمان هو الأساس الخالد والمتميز في عملها التاريخي، وهي التي تعبر عن رسالتها تعبيراً متجدداً مبدعا. وعليه فالقومية العربية غير مقلدة لقومية الغرب المتعصبة، تلك القومية التي فصلت نفسها عن الدين. فالقومية العربية هي الدالة على الإيمان، الإيمان الذي يحتاجه المناضلون والمجاهدون في كل مرحلة انبعاثية جديدة في مواجهة موجات الكفر والشر والعدوان ، وموجات التكفير المتزمتة يقول الرفيق القائد المؤســـس رحمه الله في الشروط الواجب توفرها في المناضلين (( فالمناضل ألبعثي يجب أن تتوافر فيه شروط صعبة جدا وتكاد تكون متناقضة فهو حرب على كل تدجيل باسم الدين والتستر وراءه لمنع التطور والتحرر والإبقاء على الأوضاع الفاسدة والتأخر الاجتماعي ، ولكنه في الوقت نفسه يعرف حقيقة الدين وحقيقة النفس الإنسانية التي هي ايجابية قائمة على الإيمان لا تطيق الإنكار والجحود ، وان جمهور الشعب ليس هو العدو بل هو الصديق الذي يجب أن نكسب ثقته. صحيح انه مضلل مخدوع ولكننا نحن لا نستطيع أن نكشف له الخداعة إلا إذا فهمناه وتجاوبنا معه وشاركناه في حياته وعواطفه ومفاهيمه، فنحن في كل خطوة تخطوها نحوه نستطيع أن نطمع بخطوة من جانبه يأتي بها إلينا، لذلك يكون المناضل ألبعثي مهددا دوما بالخطر: فهو إن سلك هذا السلوك مهدد بأن يتزمت وان ترجع إليه عقليته الرجعية التي ثار عليها، وهو إن سلك سلوكا آخر معاكسا، إن شهر السيف على المعتقدات الخاطئة مهدد بأن يصبح سلبيا وان يخون ما في فكرة البعث من ايجابية فيلتقي بهذا مع السلبية الشيوعية التي رفضناها أو أن يلتقي مع أي شكل من أشكال التحرر الزائف المقتصر على التظاهر والتبجح. إذن على المناضل ألبعثي، عندما يحارب الرجعية ويصمد أمام هجماتها وافتراءاتها وتهيجاتها وإثارتها، أن يتذكر دوما انه مؤمن بالقيم الايجابية والقيم الروحية وانه إنما يحارب تزييف القيم من قبل الرجعية ولا يحارب القيم نفسها. وانه عندما يساير جمهور الشعب ويتصرف تصرفا حكيماً معه دون أن يجرح عواطفه لكي ينقله تدريجيا إلى مستوى الوعي اللازم، عليه أن يتذكر انه رجل ثائر متحرر لا يقبل لنفسه ولا لأمته مستوى رجعيا رخيصا من الاعتقاد ولا صورة مشوهة للعقيدة الروحية، وان مسايرته للشعب ليست إلا وسيلة مؤقتة لكي يهيئه لأن يفهم الأمور الصعبة. إن ثقة ألبعثي بالإنسان عامة وبالإنسان العربي خاصة يجب أن تغريه دوما بالمزيد من الجرأة في مكافحة المعتقدات الخاطئة الجامدة، وان لا يحسب أن الأمة العربية لا تتحمل هذه الكمية من الثورة والتحرر فهي خصبة عميقة، وهي مختزنة لتجارب مئات السنين من الآلام، مئات السنين من التأخر والظلم، لذلك فهي مهيأة كل التهيؤ لان تتفجر وان تبلغ مســــــــــتوى روحيا فيه كل الجرأة. )) ، لإيمان الصادق هو الذي وحدّ قبائل العرب في المدينة وشبه الجزيرة العربية  وحـد قبائل الأوس والخزرج وشكلوا نواة الدولة العربية الإسلامية ومنها خرجت نواة الأمة العربية وتحولت العصبية من التعصب إلى القبلية إلى الإيمان بالأمة الموحدة المؤمنة بالإسلام المهيأة لنشر رسالته في كل الأصقاع فأصبح السيف العربي الدالة على دور العرب في الإسلام وانتشاره ، إنه وحدة سادتها روح الإخاء والتسامح بدل العداوة والفرقة إيمان ووحدة أهل المدينة تصبح مركز الدولة  العربية الإسلامية ومنطلق بعثات نشر الرسالة ومنطلق جيوش المسلمين نحو الأمصار لنشر الإسلام فيها ..

 

له تابع ..

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاثنين / ١٦ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٥ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور