في سبيل البعث : مقتطفات من '' قوميتنا المتحررة امام التفرقة الدينية والعنصرية ''

 
 

شبكة المنصور

زيد احمد الربيعي

فأسلوب السياسيين الموجودين في البلاد العربية هو أسلوب مرتجل كما هو معروف لا يقوم على نظرة علمية مدروسة شاملة تعتمد في المستقبل على إمكانيات الشعب العربي وتسعى الى تحقيق أهدافه وفق مراحل مدروسة.

 
فالسياسيون يصدرون من هذه النظرة، ولأن مصالحهم أيضا لا تسمح لهم بالعمل الطويل ولا تسمح لهم بالتجرد والنضال المستمر لذلك نراهم يرتجلون. فالعلل الموجودة في المجتمع العربي من رأسمالية وإقطاعية يضخمها الاستعمار باستمرار الى جانب عصبيات عنصرية وطائفية ومذهبية. ومعالجة السياسيين لهذه العلل معالجة مرتجلة وسطحية، تارة يكذبون على الشعب وتارة على أنفسهم ويتجاهلون هذه الامراض ويخضعون لها الخضوع التام فنرى من السياسيين من يماشي النعرات الطائفية المذهبية، وآخرين لكي يتحاشوا الاصطدام بالفروق العنصرية يلجأون الى الشعارات التي في عرفهم تجمع المجتمع. ففي المغرب مثلا يظن أن الإسلام يجمع الجميع لذلك لا يعود مجال للاختلاف العنصري. كما يوجد في الشرق العربي من يقول بهذا الرأي مع أنه أصبح ضعيفا.

 
الأمراض سطحية وقابلة للكشف، فان التصريح بعقيدتنا وفكرتنا يساعد على شفاء هذه الامراض مثل الطبيب الذي يعتمد ارادة المريض في شفائه. فالطبيب الذى يكتم عن المريض مرضه يفقد عنصرا أساسيا في الشفاء. ومعنى ذلك انه لا يشرك المريض في عملية الشفاء في حين ان الطبيب الواعي يشارك المريض. لماذا كانت لنا هذه الثقة بفكرتنا وبأنفسنا؟ لأن فهمنا للعروبة يختلف كثيرا عن المفاهيم التقليدية. لقد اعتبرنا انتشار هذا المفهوم الجديد في أوساط الشعب يكفل تأييد الشعب له وبالتالي التغلب على الأوهام والمفاهيم البالية والاعتبارات القديمة. فهناك جملة مفاهيم للعروبة أو للقومية تخلق مشاكل ليس لها آخر فتمزق وحدة الشعب وخاصة وضع الشعب العربي في هذه المرحلة بعد قرون من التأخر، فنحن أحوج ما نكون الى مفهوم صحيح للعروبة نقدمه للعالم وللحضارة وللتفكير الإنساني. القومية المغلقة المتعصبة أكبر خطر علينا لانها تغذي الفروق بدلا من القضاء عليها. ولقد وجد دوما في البلاد العربية مئات من الناس كانوا يتبنون النظرة النازية حتى قبل ظهور النازية نتيجة للجهل، ووجد دوما من صوّر العروبة بأنها مقتصرة على نوع معين وعدد معين من الناس وانها تفاخر واستعلاء على الآخرين. وطبيعي ان يُحدث هذا رد فعل، وان تشعر الأقليات العنصرية بأنها مهددة بوجودها أمام مثل هذه القومية، لذلك كان هناك رد فعل على القومية المتعصبة من الأكراد والآشوريين والأرمن ورد فعل ديني ومذهبي. إن القومية الإسلامية والدعوات الطائفية الاخرى كان مصيرها الفشل كما كان مصير القومية الطاغية المتعصبة. اذا كيف عرفنا نحن العروبة منذ البدء وكيف وجدنا لها ضمانات قوية جدا لكي لا تصطدم بأي عقبة من هذا النوع ولكي لا تتحجر، بل تكون دوما منفتحة ومتطورة وانسانية؟ ليس تعريف العروبة وحده كافيا ولكن الشيء الاساسي في الموضوع هو أننا فسرنا قوميتنا بالاشتراكية وبفكرة الحرية. هذه هي الضمانات الحقيقية في الواقع عندما تكون القومية ملازمة للاشتراكية او الاشتراكية ملازمة للقومية.

 
فنحن عندما ننادي بالمساواة الاقتصادية وبتكافؤ الفرص نعني اننا سلمنا قضية البلاد لأصحابها الحقيقيين وهم أفراد الشعب. وهم في حقيقتهم شيء واحد لا فرق بين مسلم ومسيحي وعربي وكردي وبربري... الخ..

 
فلا يعقل مطلقا أن تكون القومية اشتراكية وفي نفس الوقت متعصبة لان الاشتراكية في فلسفتها هي محو لكل تمايز واستغلال وسيطرة من فئة لأخرى. فاذن نحن صدرنا من البدء عن فكرة وليست نظرية، اذ انها مستمدة من صميم هذا الشعب العربي الممتد على هذه الرقعة الممتدة في الشرق والغرب، والذي تجمعه أواصر في الماضي ومصالح وأواصر روحية في الحاضر والذي يجب أن يكون له اسم. فالاسم الذي هو أقرب ما يكون الى الواقع والى الماضي والى المستقبل هو العروبة. فاذا قلنا الاسلام فسنختلط مع عالم آخر نصطدم معه بالمصالح. فالفروق القائمة في وسط مجتمعنا العربي تظهر أنها لا شيء أمام الفروق في وسط العالم الاسلامي. اذا أخذنا الاقليات العنصرية ما بين العالم العربي والاسلامي نجدها كثيرة فالدولة الدينية كانت تجربة في القرون الوسطى وتجربة انتهت بالفشل وكلفت البشرية كثيرا من الجهد ومن الدماء ومن المشاكل وحدثت تقريبا في أوقات متقاربة في البلاد الاسلامية وفي أوروبا المسيحية. في أوروبا كان هذا الحلم عند الباباوات والأباطرة الجرمان من ألف سنة. لقد حاولوا أن يجعلوا من أوروبا دولة مسيحية واحدة باسم النصرانية، وكانت من نتائجها حروب مستمرة وتورط للسلطة الدينية في مغامرات سياسية بشعة لا تليق بالدين، حتى أصبح رجال الدين في أوروبا وزعماء الكنيسة أكثر شرا وفسادا من الملوك. كذلك أباطرة الجرمان ظلوا يعيشون وراء هذا الخيال مئات السنين وكانت النتيجة فشل المحاولة لظهور القوميات منذ القرن السادس عشر. فقد تبلورت فكرة القوميات في أوروبا وقضت نهائيا على هذا الحلم. أما في الشرق الاسلامي فقد فشلت المحاولة ايضا ونتائجها معروفة كذلك، بين حروب وثورات عديدة مستمرة انفصلت على أثرها الشعوب غير العربية وشكلت كيانات مستقلة مثل ايران وتركيا.

 
نظرهم لا تسمح بتكوين مجتمع يحفظ حرية الفرد ويساير التطور الحديث في العالم. فاللبنانيون الانعزاليون بحكم موقع القطر اللبناني، وبحكم الاتصالات بينهم وبين الغرب ووجود ارساليات أجنبية، تذوقوا مظاهر الحضارة الغربية اكثر من أي قطر عربي آخر، وتعلقوا بالحرية الفردية، فهم يخشون بعد ان حصلوا على شيء من هذه الحرية، اقول يخشون اذا ما اندمجوا في الجسم العربي أن يفقدوا حريتهم. واذا أخذنا الاقليات العنصرية مثل الاكراد مثلا.. نتساءل.. لماذا يتخوف الأكراد أو قسم منهم من العروبة؟


والآن ليس هناك اقليات مضطهَدة وطوائف مضطهَدة وانما هناك اكثرية شعب مضطهَد هو الشعب العربي، وهناك اقلية مضطهِدة من المتآمرين مع الاستعمار. العربي والكردي والبربري والاشوري والمسلم والمسيحي والدرزي الخ.. افراد الشعب الذين يشكلون 90 بالمائة من افراد الأمة العربية مضطهدون محرومون من قبل أقلية تستغل الأوضاع الفاسدة وتستفيد من وجود الأجنبي.

 
فعندما تطرح المشكلة على هذا الشكل، أي ان الاشتراكية تطرحها على هذا الشكل، وقوميتنا اشتراكية، هناك طبقات مستغلة متآمرة على حساب الشعب، فعلينا ان نقضي على هذا الاستغلال عندها لا يعود هناك فرق بين المواطنين. واذا رجعنا الى تعريف العروبة كما نفهمها نحن وكما نريد ان تتحقق بأنها هي العنوان والاسم والروح التي تجمع بين هذا الشعب الواحد وتشعره بشخصيته ورسالته في الحياة فليس فيها أي جمود أو تحجر أو استعلاء.

 
لا أحد يمنع الأكراد ان يتعلموا لغتهم شريطة ان يكونوا خاضعين لقوانين الدولة ولا يشكلون خطرا على الدولة، والطوائف المسيحية مثلا لا يوجد من يمنعها من ممارسة شعائرها الدينية ومن الثقافة المسيحية ضمن هذه الثقافة العربية العامة. فمفهومنا بعيد جدا عن مفهوم القومية النازية التي تؤمن بأن هناك عرقا مفضلا وله مميزات خاصة يجب أن يتطهر من كل شيء وبالتالي ان يضطهد كل من لا تتوفر له الشروط من حيث النسب والعادات المعينة... فالعروبة هي انسانية ونحن نفهم من قوميتنا العربية بأنها الإنسانية الصحيحة وبأنها تقديس لقوميات الآخرين، فنقدس هذا الشعور عند كل شعب آخر.

 
ولكننا لا نقول بالاممية التي يقول بها ادعياء الماركسية بل نعتبرها مصطنعة لانها محاولة لأفقاد كل شعب شخصيته وربط الشعب بروابط طبقية بحتة، وهي محاولة فشلت كما فشلت محاولة الدولة الدينية في القرون الوسطى على ما في ذلك من مفارقة. فالشعب في حاجة الى من ينبهه الى أن الاممية التي تجاهلت الحقيقة القومية تتحول يوما بعد يوم الى طريق الفشل. وهكذا نرى أن نظرتنا الى الإنسانية هي النظرة العلمية لأننا نعتبر ان الإنسانية الصحيحة هي في القومية الصحيحة.

 
ونغمة التفريق هذه قد اصطنعها الاستعمار وغذاها، اذن هل نقول اننا نريد ان نتحرر من الاستعمار اولا تحت الشعارات الملائمة التي تجمع ولا تفرق بعد ذلك نسعى أن نزيل هذه الفروق، أو أن نظهر للبربر الذين يتحفظون تجاه القومية العربية بأنها عين ما يطمحون اليه وانها حريتهم وحياتهم وازدهارهم وانها القوة الحقيقية؟ ثم بأنهم لن يكونوا فئة قليلة وبأنهم سيكونون جزءا من امة واسعة منتشرة في الشرق والغرب وهذا اضمن لقوتهم وسعادتهم؟  فالواقع ان المستقبل هو ابن الحاضر وان ما نتساهل فيه اليوم لن نستطيع تلافيه غدا. اننا لا نريد ان نكرر الاخطاء في المغرب فنحن لا يهمنا رجال الحكم والزعماء التقليديون الموجودون هنالك. فالاعتماد على الجيل الجديد، ولا يجوز له ان يساوم على فكرته وعقيدته لانه يبني للمستقبل وعليه اذن ان يبشر بهذه الفكرة: الفكرة الإنسانية الحرة الاشتراكية التي لا تبقي أي مجال للاستغلال بين عنصر وآخر وطبقة وأخرى. اذا لم نزرع هذه الفكرة من الآن فسنجد من الصعب جدا زرعها عندما تتحرر البلاد لان التحرر سيرافقه ايضا يقظة للمصالح الخاصة وحرص من الزعماء على أن يقتطعوا لانفسهم مناطق نفوذ، وهكذا فيجب أن نوجد الخميرة عند الشعب منذ الآن. فعلينا أن نوضحها ونقويها لأن لهذه البلاد في شرقها وغربها اسما واحدا ولغة واحدة وقومية واحدة. 

 
نحن قلنا في تعريفنا لقوميتنا العربية بأنها ستسمح بالحرية للجميع. فلا شك ان المغرب عندما يكون جزءا من الوطن العربي الكبير سيكون امنع استقلالا وحرية واخصب ازدهارا مما لو كان وحده معرضا دوما للعدوان والمطامع واستغلال الدول القوية الاستعمارية. وأنتم تعرفون ان المعقل الاخير للاستعمار هو افريقيا، والدول الاستعمارية وأميركا خصوصا تتوجه بنظرها نحو المغرب. والاحتفاظ بنفوذ في المغرب من قبل الدول الكبرى غايته تركيز دعائم الاستعمار في هذه البقعة الباقية من افريقيا. ففي الوقت الذي يثبت فيه الاستعمار شعور الانقسام والفرقة والتمايز والكره للاكثرية نجده نفسه يبث عند عملائه من السياسيين بأن الاكثرية تحاول فرض سلطانها على الاقلية، وبنفس الوقت الذي يغذون الشعور بالاقلية عند البربر يخلقون عند الاكثرية زعماء متعصبين يسلكون سلوكا يثير نقمة الاقليات. فالقومية المتعصبة هي ايضا من النتاج الاستعماري في بلادنا والدعوات الطائفية كذلك لتدعيم الاستعمار. فلا الشخصية البربرية يحافظ عليها اذا استقلت لان البربر يصبحون عبيدا للمستعمر ولا يحافظ عليها اذا انعزل المغرب عن المشرق العربي لان المغرب بدون المشرق العربي سيبقى ضعيفا امام الاستعمار لان اوروبا متسلطة ومشرفة اشرافا مباشرا عليه.

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد  / ٠٢ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٣ / أب / ٢٠٠٩ م