إشكالية حزب الله : ( طاهرة ) في بيروت عاهرة في بغداد !

﴿ الحلقة الثانية ﴾

 
 

شبكة المنصور

صلاح المختار

قل لي من هو صديقك أقول لك من أنت

مثل عالمي

 

الصلة البريطانية

 

وقد يظن البعض بان ما قاله حسن عن عزيز هو عمل ضمن المعسكر الايراني فقط ، لكن هذا وهم فهناك نوع من الاجماع بين قوى الاستعمار الاقليمي والدولي على تلميع صورة عزيز ، ولعل الموقف البريطاني هو الاكثر إيحاءا وتحديدا لهوية عزيز ، فقد صدر عن وزير الخارجية البريطانية تصريح يقدم مؤشرا مهما جدا ولا يخطأ لطبيعة حزب الله ، فقد بعث وزير الخارجية البريطانية ديفيد مليباند ببرقية الى عمار وصف فيها عزيز: (بانه "رمز العراق" في رسالة تعزية مثيرة للانتباه بعثها الى عمار الحكيم بمناسبة وفاة والده . وقال مليباند في رسالة التعزية إن عبدالعزيز الحكيم لعب دورا بارزا في تحقيق ما وصفه "حرية بلدكم" في اشارة الى غزو القوات الاميركية والبريطانية للعراق واحتلاله عام 2003 . وأضاف وزير الخارجية البريطانية " ان عبدالعزيز الحكيم استمر في قيادة الشعب العراقي منذ ذلك التاريخ نحو ما وصفه ب"مستقبل ديمقراطي وزاهر".

 

ويلفت الانتباه في الموقف البريطاني ان مليباند وجه رسالته الى عمار الحكيم شخصيا قائلا انه، أي وزير الخارجية البريطانية، يشعر "بالحزن العميق لنبأ وفاة والدك". والاهم انه يعترف صراحة بان عزيز ( قاد ) العراق في ظل الاحتلال ،  وهذا التصريح يؤكد كل ما قلناه من ان عزيز وحزبه كانا اهم القوى التي دعمت الاحتلال وساعدته ولولاها لما بقي الاحتلال . وكالة الأنباء البريطانية 29/8/2009

 

ماذا يلاحظ في رسالة وزير الخارجية البريطانية ؟ انه يستخدم في المحصلة النهائية نفس اوصاف حسن نصر الله لعزيز ، ويلتقي معه حول الدور الكبير لعزيز في العراق الجديد ، ولكن ثمة فرق وهو ان الوزير البريطاني يتجاوز ( حبه ) لعزيز ( حب ) حسن له حينما يصف عزيز ( بانه قاد العراق منذ الغزو ) ، فهل ( حب ) الوزير البريطاني لعزيز مجاني وشخصي ؟ ام انه نتاج الدور الخطير الذي لعبه عزيز في خدمة غزو العراق ؟ وهل تم التشابه بين موقف حسن وموقف الوزير صدفة ؟ ام انه دليل على وجود صلات ايرانية - بريطانية تتعلق بتوحيد الموقف من العراق ؟ بريطانيا ، شريك امريكا الاول في غزو العراق منذ بدءه حتى اكماله والتي تحولت بعد ذلك الى طرف يأتي بعد ايران في مرحلة ما بعد اكمال الغزو ، تقول عن عزيز هذا الكلام وحسن يقول نفس الكلام ، فما السر في التقاء حسن مع وزير الخارجية البريطانية هذا ؟ نترك الجواب للضمائر التي تدافع عن حسن بالحق او بالباطل .

 

عقدة الدونية

 

ثمة عرب استحوذت على عقولهم (عقدة الهزيمة ) لدرجة انهم صاروا روبوتات بشرية جاهزة للتأييد والرقص طربا لمجرد اطلاق رصاصة ضد الكيان الصهيوني حتى لو كانت رصاصة خلب -  اي صوتية ، وبدون التساؤل عن الهدف الحقيقي من اطلاق الرصاصة ! في ازمان الهزائم المتكررة والمتواترة ، منذ غزو فلسطين في عام 1948 ، تكونت لدى البعض عقدة اخذت تبرز وتكبر يوما بعد اخر وتشاهد بلا مجهر ، وهي عقدة الدونية الناجمة عن الهزائم الكبرى ، ومن يصاب بعقدة الدونية يرى في اي عمل ناجح – حتى ولو كان جزئيا وناقصا وغايته سلبية - تعويضا عن عقدته فيستبشر به خيرا ويهلل ويكبر بصورة متطرفة تتجاوز حدود العمل الناجح وطبيعته ، وقد تقلب سلوكه فيصبح غرورا مقيتا يحاول به اخفاء عقدة الدونية . ماهي هذه العقدة ؟

 

لو حللنا ما كتب ويكتب منذ هزيمة عام 1967 لوجدنا ان ثمة احساس ، متزايد يتعقد ويتعمق اكثر كلما حلت هزيمة جديدة ، بان الانسان العربي محكوم عليه بالفشل والهزيمة ومحرّم عليه تسجيل نصر ولو واحد ! وكما هو معلوم فان تبلور احساس وتعمقه واستمراره لفترات طويلة ، واضافة ما يؤكده ، يؤدي بعد جيل او جيلين الى تحوله من مجرد احساس الى طبيعة ثانية حسب تعابير علم النفس . وبغض النظر عن نضوج واكتمال ورسوخ الطبيعة الثانية او كونها في طور التكون بعد جيل او جيلين فان العقدة المناسبة للطبيعة الثانية قد ولدت وهي عقدة الشعور بالدونية بأزاء الاخر الذي ينتصر ويتقدم علميا وتكنولوجيا فيما نحن نهزم ونتراجع علميا وتكنولوجيا ونتحول الى محض طفيليات تعتاش على انجازات الاخر العلمية والتكنولوجية المنتصر علينا حربيا !

 

وحتى حينما يحقق اسير عقدة الدونية نصرا فانه ، ونتيجة لعدم ثقته بنفسه ، يساهم في خسارة النصر وتحوله الى هزيمة : خذوا مثلا انتصار العرب الاولي على الكيان الصهيوني في حرب اكتوبر ( 1973 ) كان نصرا حقيقيا وتاريخيا وعظيما ، ولكن عقدة الدونية ، التي كانت قد وجدت قبل ذلك ، تحركت باللاشعور وبالشعور وهزت بعض من يتخذون القرار والكثير ممن ينفذون القرار وكان لها دورا مهما في تحويل النصر الى هزيمة اخرى ! نعم لقد اعادت امريكا تسليح الكيان الصهيوني بجسر جوي ولكن نعم اقوى من النعم الاولى تقول كان يمكن مواصلة دحر الكيان الصهيوني او على الاقل عدم اعطاءه الفرصة لتحقيق تقدم كما حصل في ثغرة الدفرسوار واعادة احتلال الجولان .

 

لقد تكونت طبيعة ثانية لدى بعض العرب ، واقول بعض العرب ولا اقول لدى الحكام العرب فقط ، لان الكثير من المثقفين والساسة العرب خارج الحكم أصيبوا بخيبة امل اوصلتهم الى الوقوع في فخ عقدة الدونية ، ومن يقرأ قصائد نزار قباني مثلا يجد هذا الاحساس العميق باننا  امة مهزومة همها الوحيد اللعب بالفروج  ! وهذا خلط خاطئ بين حكام اصابهم الفساد والعمالة وشعب مضطهد ومكبل ، كما يجد ( مختصون )  في علمي النفس والاجتماع من يستعير مفاهيم غربية - صهيونية وصفت العرب بعدة اشكال منها انهم ( شعب صوتي ) او ( ظاهرة صوتية ) ، اي ان العرب لا يتقنون الا الشعارات والوعود والعنتريات ويفتقرون الى الفعل والتطبيق ! وهذا ايضا تعميم لظاهرة خاصة اصابت الحكام ، بدليل وجود المقاومة والرفض للنظم وللاستعمار .

 

منذ هزيمة عام 1948 واجهنا هزائم وانكسارات كان اغلبها نتيجة تقصيرنا جميعا : بعد مد قومي عظيم شمل الوطن العربي كله نشأ عقب العدوان الثلاثي على مصر حول التراجعات ، التي بدات تظهر بصورة كاملة منذ احتلال فلسطين ، الى تقدم كبير شعبي قاده القائد المرحوم عبدالناصر وخلق انطباعا قويا بان زمن الهزائم قد ولى الى غير رجعة ، وجاء انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة ليشكل ضربة عنيفة وموجعة للضمير العربي المتوجع اصلا لان الوحدة العربية كانت الحلم العربي الاعز .

 

ثم توالت الكوارث : صراع القوميين والشيوعيين ، بعد محاولة المرحوم عبدالكريم قاسم الديكتاتور الشعوبي والمسئول الاول عن كارثة الاحتراب العراقي – العراقي ، وبدعم كامل من الحزب الشيوعي ومصطفى البارزاني ، اجتثاث القوميين العرب بالاعدامات والتصفيات الجسدية ، وتوسعت الكارثة بانتقال الصراع من العراق الى المستوى العربي وتجلى في الحرب الاعلامية والسياسية الشعواء بين عراق الديكتاتور قاسم والجمهورية العربية المتحدة ، وانبثق صراع أخر مدمر بين التيارات القومية خصوصا بين الناصرية والبعث ، وتوسعت الكارثة حينما بدأت انشقاقات البعث واسقطت سلطته في العراق عام 1963 بعد 9 شهور على استلامه للسلطة ، وحلت الضربة القاضية بوقوع هزيمة عام 1967 المدوية والتي كانت الخنجر الذي غرز في قلب عبدالناصر وادى الى اغتياله ووصول السادات الى السلطة ، بنهجه الاستسلامي المعروف ، الذي غيّب الطابع التحرري والوطني والقومي للناصرية في مصر كقوة قائدة هناك .

 

ولم تكد كارثة الردة الساداتية تنحسر حتى جاءت كارثة اخطر مكملة لها ، في اطار مخطط صهيوني - غربي كما اثبت الاحداث اللاحقة ، وموسعة لاثارها التشرذمية وهي وصول خميني للسلطة في ايران واعلانه الحرب على القومية العربية وتحويله - المتعمد والمرسوم - للصراع من صراع مع الصهيونية وداعميها الغربيين الى صراع اسلامي - اسلامي ، او عربي - فارسي ، وكان ذلك انقلابا ستراتيجيا هو الاخطر في العصر الحديث لانه حرر الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري من القدرات الكفاحية لحركة التحرر الوطني العربية ، وكان ابرز مظاهر التخريب الخميني هو فرض الطائفية المنظم والمنهجي .

 

وعلى مستوى اخر جاء فشل كل التجارب التي وصفت ب ( الوحدوية ) التي اقيمت بين مصر وسوريا وليبيبا والسودان ليعزز الشعور بالانكسار ، وبدأ ( التعهير ) المنظم للقومية العربية من خلال تقديم صورة مشيطنة ومنفرة لها وهي صورة الوحدات الهزلية الكارتونية والتي تفشل بعد الاعلان عنها وقبل ان تقوم ! اما احتلال اول عاصمة عربية من قبل الكيان الصهيوني ، وهي بيروت عام 1982 ، واخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان ونفيها الى تونس فكان مقدمة سايكولوجية لاحتلال عواصم اخرى بعد تجريد العرب من رد الفعل المناسب لعمل خطير كهذا .

 

وحينما تحول حلم الوحدة العربية الشاملة الى شعار صعب التطبيق استعيض عنه بالاتحادات الكونفدرالية ، فبرزت الاتحادات العربية التي تكونت : مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي ، ومجلس التعاون العربي ( العراق ومصر واليمن والاردن ) ، لكن هذه الاتحادات بقيت بصورة عامة مجرد ادوات طوارئ الى ان زالت عمليا ! اما العدوان الثلاثيني على العراق ومشاركة انظمة عربية فيه تحت قيادة امريكا ، فانه كان الخطوة الثانية الصادمة للوجدان العربي ، بعد زيارة السادات للقدس ، التي اكملت تمزيق الصف العربي .

 

وظهرت خطورة الموقف العربي الرسمي من العدوان على العراق باشتراك انظمة العربية في فرض الحصار على العراق والذي كان اكبر كارثة عربية بعد كارثة فلسطين ، حيث انه قتل حوالي مليوني عراقي ومهد لغزو العراق في عام 2003 والذي شكل صدمة أخرى اكثر تدميرا للمعنويات العربية . ومن الملاحظ ان التراخي في مواجهة الغزاة اتخذ شكلا مفجعا بتمييز احتلال عن احتلال من قبل بعض العرب ، فهؤلاء اذ يدينون احتلال الكيان الصهيوني للاراضي العربية يدعمون احتلال ايران للاحواز ، وهي اكبر من فلسطين باكثر من تسعة مرات ارضا وسكانها ضعف سكان فلسطين ، كذلك السكوت على احتلالها للجزر العربية وتدخلاتها الخطيرة في الاقطار العربية ونشر الفتن الطائفية ، وتعاونها مع الكيان الصهيوني وامريكا في تدمير الاقطار العربية كما حصل باحتلال العراق ، وعقد صفقات ايران جيت وغيرها واعلانها الرسمي بانها تريد التفاوض مع امريكا حول مصير العراق والمنطقة كلها أحد اهم الادلة على ذلك ! ان الموقف من ايران ، مثلا من قبل بعض المنظمات الفلسطينية ، يعد ساداتية جديدة بحق لانه برر بغطاء دعم ايران لمنظمات فلسطينية ، وكأن هذا الدعم مسوغ للسكوت على الدور الايراني الخطير في العراق وغيره ، وهو نفس منطق السادات الذي اعترف بالكيان الصهيوني تحت غطاء خدمة المصالح المصرية !

 

واخيرا وليس اخرا احتواء المقاومة الفلسطينية التي كانت الامل العظيم ليس فقط في تحرير فلسطين بل في تحرير الامة العربية كلها ، فالثورة الفلسطينية اغتيلت وحوصرت الى ان اصبحت عبارة عن سلطة قزمة في الضفة الغربية وغزة ، ثم جاءت الضربة القاسية للوجدان العربي باندلاع حرب بين من يحكم غزة ومن يحكم الضفة الغربية وتبني الطرفان المسيطران فيهما لحل يقوم على التنازل عن الحق العربي في فلسطين ، وهو اقامة دويلة قزمة ومقزمة في الضفة والقطاع ، والفرق بين سلطة الضفة وسلطة غزة ان الاولى تقول انها تعترف بالكيان الصهيوني فورا مقابل الدويلة بينما الثانية تقول انها تتنازل عن فلسطين التاريخية مقابل الدويلة مع عدم الاعتراف الفوري بالكيان الصهيوني ، في لعبة ساذجة مارستها عناصر من فتح في السبعينيات للتمهيد للاعتراف بالكيان الصهيوني !

 

هذه الاحداث الكارثية لضخامتها وخطورتها ولا محدودية تخريبها ، اجبرت البعض على الظن بان ثمة يد اجنبية تحركها وتصنعها وتديمها ، وهو اعتقاد اكدت الاحداث كلها انه ظن في محله ، وبغض النظر عن الحجم والتفاصيل .  لذلك فان تفجر تلك الاحداث وتعاظمها واستمرارها جعل الفرد العربي يتعرض لعملية غسل دماغ جماعية لاجل اقناعه ( بدونيته وتخلفه الطبيعي البايولوجي وبانه محكوم عليه بان يبقى مهزوما ومذموما ) ، في مسعى واضح لاخفاء الاسباب الحقيقية وهي اسباب سياسية واقتصادية وتربوية ساهمت دول الغرب والصهيونية في ايجادها وغرس بذراتها .

 

ولاجل اكمال وترسيخ الاساس بالدونية الذي خلقته تلك الاحداث الكارثية ، وهناك غيرها كثير ، فان مالاحظه الانسان الواعي هو الاتجاه القوي لاخفاء ومحو او تشويه الانجازات العظمى التي تحققت في عهد عبدالناصر وعهد البعث في العرق قبل الغزو ، ومنها دلالات حصول غزو العراق بالذات والذي كان التأكيد الحاسم على ان الانسان العربي مبدع وخلاق وقادر على اللحاق بالعالم المتقدم والا لم تجشمت امريكا ومن معها تضحيات غزو العراق الكارثية لو لم يكن العراق تجاوز الخطوط الحمر التي وضعها الغرب امام العرب لمنعهم من تحقيق تقدم علمي وتكنولوجي واجتماعي .

 

ولذلك لم يرى المواطن العربي العادي ، وحتى قسم كبير من المثقفين العرب ، من كل هذه المشاهد الا الكوارث والهزائم  المخجلة التي كانت تتراكم واحدة فوق اخرى محولة الانسان العربي الى مجرد حاضنة للكوارث والفشل والانتكاسات المتتالية والمتعاقبة مع تغييب واضح ومتعمد لكل الانجازات والانتصارات ، مثل انجازات البعث في العراق واهمها : محو الفقر والامية وتأهيل 300 الف عراقي علميا وتكنولوجيا من حملة الماجستير والدكتوراه وتأسيس اكثر من سبعين جامعة بعد ان كانت قبل حكم البعث جامعتين فقط ، وبناء جيش عظيم واقامة صناعة عسكرية ممتازة ، ومجانية الطب والتعليم ، ودعم الاسعار بحيث اصبح في كل بيت فائض كبير من المال . وفي حالة الفشل في التعتيم لى الانجازات كان العمل على تحويلها ، بالشيطنة المنظمة ، الى (خطوات غير محسوبة ) و( انتهت بالفشل ) ، او ( انها هي التي حرضت الغرب والصهيونية على تدمير العراق ) ، مع ان الذي افشلها هو التحالف الغربي – الصهيوني .

 

ان التساؤل حول ما حصل في العراق وادى لتدميره بصورة منظمة يكاد ان يكون معدوما ، لان عمليات الشيطنة والسيطرة التامة على الاعلام الجماهيري كانت تحرم القوى الوطنية من القدرة على توضيح موقفها والرد على عمليات الشيطنة . لذلك لم يعد في المشهد العربي الا التراجعات والهزائم مما اوقع الكثيرين في فخ الدونية .

تلك هي البيئة التي  خلقت عقدة الدونية لدى كم عربي كبير ومهم جدا ، وجعلته ينظر بيأس الى المستقبل العربي ، بل ان الكثيرين ارتدوا عما اقتنعوا به في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينات ، خصوصا الايمان بوحدة الامة وحتمية تحقيقها والانتصار على الاستعمار والصهيونية . ومما عمق وعزز الشعور بالدونية واليأس وجود انظمة عربية فاسدة وتابعة للغرب ومتعاونة معه ومع الكيان الصهيوني رغم كل جرائم الغرب والصهيونية ، وترسخ وجود تلك الانظمة بفضل الدعم الغربي وفشل محاولات اسقاطها سواء بالطرق السلمية او العنفية .

 

وكان الاعلام الغربي والصهيوني يقوم بدور حاسم في استثمار هزائم وفشل الانظمة العربية لزرع فكرة ان الانسان العربي بتكوينه الطبيعي انسان مهزوم وضعيف وكذاب وكسول ومتخلف وعاجز واسير انانيته وبطنه وما بين فخذيه ، وهو لذلك مهزوم مسبقا ، لقد كتب بهذا الاتجاه كثير من كتاب الغرب والكيان الصهيوني مثل رافائيل باتاي في كتابه المعروف ( العقل العربي والعقل اليهودي ) والذي اكد فيه ان العربي اسير الجنس واللذة والكسل ...الخ ، وسار على نهجهم كتاب ومختصين عرب ، روجوا لفكرة ان الانسان العربي بطبعه عاجز ومتخلف ! اما بعض الشعراء فانهم زادوا الطين بله بطريقة تفكيرهم الذاتية الغائبة عن الواقع في عالم نرجسي والمتجاهلة لمحركاته وتعقيداته فقامت بممارسة تحقير الذات على نطاق واسع مما اوجد مناخا مثاليا لطغيان روح الهزيمة والدونية في اوساط واسعة !

 

منذ عام 1967 وحتى الان تروج تلك الافكار وتقرن بامثلة واقعية وهي هزائم وفشل العرب ، وفي هذه البيئة نشأ اكثر من جيل وهو متأثر بتلك التربية الفكرية والنفسية ، ولذلك حصلت فجوة بين الاجيال التي تكونت في العقود الثلاثة اللاحقة لغزو فلسطين ، وهي اجيال النضال والانتماء القومي والوطني والماركسي ، والاجيال التي تكونت في الجيلين اللاحقين اللذان تكونا في الثمانينات والتسعينيات ، وكانت السمة الطاغية عليهم هي ضحالة الوعي القومي والوطني والتأثر بالغرب ثقافيا والاعجاب بنمط حياته ، وكره السياسة وهو كره مفهوم و لا ترجمة له سوى خدمة الغرب والصهيونية ، مادام كل تحييد لكتل عربية يخدم العدو .

 

الاجيال الجديدة هذه كانت ترى بعين واحدة فقط ان الامة العربية امة مهزومة واراضيها محتلة والانظمة عاجزة عن تحريرها ، مع انها اراض عربية وان الكيان الصهيوني يحتل ويعتدي مدعوما من قبل الغرب ! تحت ضغط هذه البيئة تكونت ازدواجية الغربة عن الوطن والامة مقابل وجود احساس قوي بان العرب ضحايا ومساكين وان الغرب معتد والصهيونية معتدية ! ان السؤال الذي يفرض نفسه هو : ما هي الاثار السايكولوجية التي تترتب على وجود هذه الازدواجية ؟ هذه البيئة تحدد خيار الانسان وهو الهروب من الواقع الى اتجاهين : اتجاه عدمي تغريبي لدى الجيل الجديد يجعله يرفض نمط الحياة العامة بما فيها النمط السياسي ، وهو رفض يجعله موضوعيا قريبا من الغرب والصهيونية وفريسة سهلة لهما ، واتجاه غاضب ورافض ايضا لكنه يحن ويحلم بازالة الظلم وتحرير الاراضي العربية بصورة رومانسية لانه عاجز عن العمل الجاد لذلك يلجأ للحلم تعويضا عن عجزه .

 

الاتجاه الثاني استبطن شعورا بالحاجة للتغيير رغم قناعته بانه مستحيل بحكم طبيعة الوضع وتوازنات القوى ، لذلك فان وطنيته كانت عبارة حنين للمستحيل وهو الانتصار على العدو ، ولانه لا يعرف كيف يتحقق الانتصار في بيئة الهزيمة والتداعي فانه انطوى على نفسه وصار معقدا جدا في تعامله مع الواقع العربي . وتجلى هذا التعقيد في تبلور عقدة الدونية لديه في اللاشعور مع انه في شعوره يرفض ذلك ! انه يريد العظمة للامة لكنه لا يتجرأ على البوح برغبته لانه اسير وعي عام وذاتي بان العرب عاجزون ومتخلفون ! هنا صار الانتصار حلما بعيد التحقق ، ويقض هذا الحلم مضجعه حتى وهو مستيقظ ! التنفيس عن الدونية اصبح عبارة وعي مقلوب لديه يتجلى في توقع نصر مع انه مقتنع انه نصر مستحيل ، وهذه الاستحالة عمقت ازمته النفسية وجعلته واقعا تحت ضغط رغبة مستحيلة تؤرقه ليل نهار وتربك تعبيراته الادراكية عند تعامله مع الناس ومع محيطه القريب .

 

يتبع ..

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ١٤ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٣ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور