أخوة كرامازوف

 
 

شبكة المنصور

رباح آل جعفر
كلما اقترب موعد انتخابات في العراق ، وبدأت مواسم إطلاق الشعارات ، شعرت بخيبة أمل من سياسيين بكائين ، مدانين بأخطائهم ، لا وزن لهم إلا في الطائرات ، اتفقوا على توحيد الله ، وتقسيم الأوطان ، فبعثروا العراق إلى ( كانتونات ) ، وشرذموه إلى ( جيتويات ) طائفية تحت مسميات ، وعناوين ظرفية ، وفي كل مرة ، تحفزني هذه الخيبة بهم ، أن أعيد قراءة رواية ( أخوة كرامازوف ) من جديد ، هؤلاء الأخوة الأعداء الخصوم !.


السياسيون العراقيون على مختلف حجومهم ، وتلاوينهم ، وهوياتهم ، مختلفون في كل شيء ، وفي كل يوم يبتدعون المعارك الوهمية ، لتسوية حسابات مؤجلة ، ويتبارزون بحرب من كلمات ، أشد من الحرب الكلامية بين الأمين والمأمون ، وبين جرير والفرزدق ، وبين الأخطل والراعي النميري ، وبين المعتزلة والأشاعرة ، وبين الأوس والخزرج ، ثم ما أن يقترب موعد انتخابات جديدة حتى تراهم متفقين ، متصالحين ، يعقدون التحالفات ، ويبنون ائتلافات ، ويوزعون الابتسامات ، ويتعانقون ، ويتبادلون القبلات بعد الشتيمة ، إذ  ليس أمامهم غير التشبث بالآخر ، والتودد إلى الآم الناس ، والتغني بعذاباتهم ، والتكسب بأحزانهم ، وكتابة المراثي في مواجعهم .. والنتيجة ، لا من لقمة عيش ، سوى رغيف خبز يابس منقوع في كثير من الأحيان بالذل .


ولا يقولن لي أحد هذه هي لعبة الديمقراطية في الوضع الناشئ الجديد ، فما هذا إلا المنطق النفعي الضئيل ، واللهاث الأعمى لجني المال ، والفوز بالمنافع ، والمناصب ، وكسب المغانم ، وقد أصاب العري هذه الجماعات ، والأحزاب المشلولة ، واستلبها شعور بالهزيمة ، واتسع الخرق على الراقع ، كما اتسع حجم الاختلاف السياسي ، وثبت بالوجه الشرعي أنها كتل غير متجانسة ، تعطي  لنفسها ميزة أداء دور الضحية قبل أن يأتي عيد الأضحى .


وإذا صح أن يقال ..  فهؤلاء بألف وجه ، وألف لسان .. وهم أساتذة النفاق بلا منازع ، يقولون كلمات من العسل ، ويخدعون الغافلين .. ولمّا كانت السيرة قد انفتحت ، فإننا نود أن نسأل هذه الكيانات العليلة : على أكتاف من قامت .. ومن لحم من أكلت .. ومن دموع من شربت ؟.. ثم إذا كانت هذه الأحزاب ، كما تدعي ، ذات رصيد من الجمهور ، وأفكار واسعة الانتشار ، فلماذا لا تتفضل إلى صناديق الاقتراع من دون الحاجة إلى الدخول في تحالفات مترهلة ، غير متجانسة ، لا لون لها سوى لون الطائفة ؟!.


تكفي العراقيين ست سنوات من خطابات طائفية ، كادت تحرق الأخضر واليابس ، ما تزال شواهدها يقظى ، ولم تكن تلك السنين الست وصلة من الموشحات الأندلسية ، ولا مشهدا دراميا ، ولا فنا استعراضيا ، ولا صورة بلاغية من صور البلاغة العربية ، ولا عملا من أعمال الاستعارة ، والتشبيه ، والبديع ، والبيان .. ولكنها سنوات كان العراقي في جفن الردى وهو يقظان ، اختصر إلياذة الصبر ، كما لم يختصرها ألف خطيب ، وألف أديب ، وألف هوميروس  .

 
سنوات ست ، أعطونا البرلمانات ، وأخذوا الحرية .. أعطونا الأراجيح ، وأخذوا الأعياد .. أعطونا الحليب المجفف ، وأخذوا الطفولة .. أعطونا الجوامع والكنائس ، وأخذوا الإيمان .. أعطونا الحراس والأقفال ، وأخذوا الأمان .
ويحي على العراق .

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٠٣ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٤ / أب / ٢٠٠٩ م