آخ .. يا بلدنا

 
 

شبكة المنصور

رباح آل جعفر

تصلي من أجل العراق ، تغمض عينيك طويلا لتراه كأنك تحلم ، ترسم تراجيدياه في مخيلتك ، تلامس مواجعك مواجعه ، تتأمله في السراب ، فتكتشف باليقين :


كم في العراق من عسس ، وعساكر ، وجيوش ، وعروش ، وكروش ، ونعوش ، وبنادق ، وخنادق ، وبارود ، وجنود ، ورماد ، وخناجر ، وسكاكين ، وحراب ، وأنياب ، وذئاب ، وشطار ، وعيارين ، ومماليك ، وبرامكة ، وخلفاء ، وأمراء ، وزعماء ، ووزراء ، وسلاطين ، وولاة ، وتيجان ، وحكام ، وطواغيت ، وكوافير ، ومهراجات ، ومفتين ، وأناشيد ، وقمصان مزركشة ، ومرقطة ، وسوداء ، وسراويل ، وجياد ، وحتوف ، ورايات ، وغارات ، وغزوات ، ولثامات ، وسيوف ، وحتوف ، وكر وفر ، ودم طلول ، وخوف ، وأفلام رعب ، ونهايات غير سعيدة ، وكوابيس ، وفقدان أمن ، وميليشيات ، وسيطرات وهمية ، وفرق موت ، وعصابات خطف ، وزنازين ، وقضبان ، وسجون ، وسراديب ، ومعتقلات ليس لها اسم ، وأقبية ، وقبور ، وجحور ، وجماجم ، ونحور ، ينحرونها نحر الأضاحي من دون أن يقرأوا بسم الله.


وكم في العراق من ظلمة بلا كهرباء ، وجفاف بلا ماء ، ونفط بلا مردود ، ومرضي بلا علاج ، وسرطانات بلا عقار ، وأضاحي بلا أعياد ، وأجساد بلا رؤوس ، وتوابيت بلا جثامين ، ومجالس عزاء بلا معزين ، وأحزان بلا دموع ، وأشواق بلا تذكارات ، وجامعات بلا أساتذة ، ومدارس بلا طلاب ، ومكتبات بلا قراء ، وصحف بلا صحفيين ، ودوائر بلا موظفين ، وبيوت بلا ساكنين ، وأسواق بلا متبضعين ، ومتنزهات بلا متنزهين ، ومقاه بلا رواد ، وشوارع بلا أرصفة ، وحارات بلا شوارع ، وأطفال بلا طفولة ، وشيوخ بلا شيخوخة ، ونساء بلا رغبات ، ومنابر بلا خطباء ، ومآذن وقباب بلا عصافير خضر ، وحمر ، لأنها صارت تخشى أن تمزقها القنابل وهي علي أهبة التحليق !.


وكم في العراق من أحزاب : ( كل حزب بما لديهم فرحون ) ، وقيادات بلا قواعد ، وقواعد بلا قيادات ، وأدعياء بلا شرف ، ومنظمات حقوق إنسان لا تهش ، ولا تنش ، ومنظمات مجتمع مدني ما أكثرها ، ومسميات ، وعناوين ، وسياسيين ، وزعماء ، وقادة ، لو أن مركزا للبحوث والإحصاء تكفل بإحصائهم لظهر أن لكل عراقي زعيما ، ولكل عراقي سياسي ، ولكل عراقي قائد ، ولعل ذاك ما قصده علي الشرقي في بيت شعره الشهير : قومي رؤوس كلهم .... أرأيت مزرعة البصل ؟!


وكم في العراق من فقر ، وعوز ، وبؤس ، وشقاء ، ويباس ، وعذاب ، وانتظار ، وغصة ، وحرمان ، وشعب يلهث من أجل لقمة العيش ، واحتلال يتلذذ بالجريمة ، وفقراء صاروا قرابين علي مذابح الأغنياء ، وجوع ، وجياع ، وصدق السياب القائل : ( ما مر عام والعراق ليس فيه جوع ) ، والمتنبي القائل : ( جوعان يأكل من زادي ويمسكني ) ، والجواهري حين قال ( نامي جياع الشعب نامي ) لم تحرسها آلهة الطعام التي فرت من المفخخات والتفجيرات والاغتيالات والقتل الطائفي .


فلا تيسرت من حيث كانت تعسرت ، ولا عدلت من حيث ظلمت ، بل صار العراقي مغدورا به ، وحيدا في ملاقاة الحتف الذي يداهمه كل يوم قسرا ، منفيا بلا منفي ، مهاجرا بلا نصير ، مسافرا بلا وداع ، يكابد أمواج العذاب ك ( تايتانيك ) لينجو بروحه قبل أن يمخر قاربه البحر فيهلك بالحسرة . فمن سيقول الكلمة الأخيرة في المأساة الطويلة التي يمر فيها العراق ، من دون لوم الذات ، والآم الندم ، و ( قفا نبك ) ، والنحيب علي الأطلال ، وتقبيل الجدران ... ثم من يجفف الدموع ، ويدمل الجروح هذه المرة ؟ .

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٢٣ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٣ / أيلول / ٢٠٠٩ م