الرد الشرعي للهيئة الشرعية في جيش رجال الطريقة النقشبندية على الرد الذي قام  به مجلس شورى حنين على لقاء الناطق الرسمي

 
 

شبكة المنصور

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين... وبعد

 

فلقد تقدمت إدارة شبكة منتديات حنين بطلب إجراء لقاء مع الدكتور صلاح الدين الأيوبي الناطق الرسمي لجيشنا جيش رجال الطريقة النقشبندية، من خلال أسئلة يقوم بطرحها أعضاء الشبكة ثم يقوم فضيلة الدكتور بالإجابة عليها، وبعد أن تمت الموافقة من قيادة الجيش على ذلك الأمر وتم إعلام إدارة الشبكة بذلك مع اشتراط أن يكون إجراء اللقاء بجميع مراحله وفق الآداب والأخلاق الشرعية، ولكن الذي حصل بعد إجراء اللقاء أن قام مجلس شورى حنين بمخالفة ما تم الاتفاق عليه مع إدارة المنتدى ونشر ردّ على ما جاء في كلام الدكتور صلاح الدين، وقد سجلنا على هذا الردّ كثيرا من الهفوات والأخطاء الشرعية واللغوية وكيلاً من الاتهامات الباطلة التي وردت في هذا الردّ الذي وجدناه كلاما خاليا من أي دليل شرعي ولم يكن سوى  استنتاجات وآراء شخصية موافقة للهوى، ناهيك أن شرف المهنة يقتضي المحافظة على الوعود والعهود فكان من المفترض أن تقوم الإدارة بحجب الأشياء التي لا تصلح للنشر من وجهة نظرها أو تنشرها كما وردت بحيادية أو أن تراسلنا للاستفسار والتوضيح إن كان القصد هو النصيحة وليس التشهير، وعليه سنردّ على الاعتراضات التي وردت في كلام مجلس شورى حنين، وعلى عجالة بسبب انشغالنا في الساحة الجهادية للنيل من العدو الكافر والتعجيل بإخراجه لدفع الاحتلال البغيض عن بلدنا، وسندعم كلامنا بالأدلة الشرعية وأقوال الفقهاء كما تعودنا دائما في أن يكون كلامنا موافقا للشرع الحنيف، وسنجعل كلامنا على محورين المحور الأول هو الملاحظات العامة للأخطاء التي وردت في ردّ مجلس شورى حنين، والمحور الثاني هو الردّ على المجلس ردّا شرعيا، فنقول معتمدين على الله ومنه التوفيق :

 

المحور الأول : الملاحظات العامة للأخطاء التي وردت في ردّ مجلس شورى حنين

 

1.  كانت المقدمة مشتملة على اتهامنا بالنفاق وأخذنا الأحكام الشرعية بالهوى والتشهي، ومن المعلوم أن إطلاق كلمة النفاق جزافاً على أي مسلم مسألة خطيرة لم يتجرأ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على اتهام أي مسلم بها مع أنه كان في المدينة ثلاثمائة منافق لا يعلم بهم إلا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لأن النفاق صفة قلبية وهو: إظهار الإيمان وإبطان الكفر، ولم يُسر النبي (عليه الصلاة والسلام) بأسمائهم أحداً من أصحابه إلا حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه)، ولذلك سمي بـأمين سرّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، مع أن الأمر خَفيَ على أجلّ أصحاب رسول الله (عليه الصلاة والسلام) كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم (رضي الله عنهم) لخطورة الأمر وكونه سراً من أسرار النبوة، فمن ذا الذي اطلع على هذا السرّ النبوي ليتجرأ على اتهام المجاهدين بالنفاق، والجهاد صفة ظاهرة من صفات أهل الإيمان.

 

2.  ذكرتم في عنوان الرد أنه ( ردّ مجلس شورى حنين )، ولكن بعد التمعن والتدقيق في ردكم ـ كما تدعون ـ يتضح لنا أن الذي قام بالرد شخص واحد، حيث سبق قلمه بالحقيقة فذكر هذه الكلمات (وسأذكر ـ وسأرد ـ سائلاً المولى- وأحب أن أنوه إلى أمر عندي مهم - ولا أريد الكلام أكثر – فأرجو)، إضافة إلى أنه لا يملك العلم الشرعي الكافي الذي يؤهله للرد الشرعي.

 

3.   مما يدل على أن الذي قام بالرد بضاعته في العلم مُزجاة كثرة الأخطاء النحوية والإملائية، فعلى سبيل المثال لا الحصر:

 

الأخطاء النحوية: (يكون طاغوت)، (أصبح البعث حاكم شرعي)، (أصبح الجميع مسلمون)، (لأن من يقود هذه الأحزاب يقولون)، (يكون أبو سفيان والمشركين)، (لأنهم عراقيين)، (بلقاؤكم)، ( ليس دليل شرعي)، ( ليس دليل على الإسلام)، (وبدلا أن يكون)، (واخشى)، (لم نرى)، (وأصبحنا آثمون).

 

الأخطاء الإملائية: (قرائنا)، (يدعوا الناطق)، (الذي ظهرت)، (أغاضوا).

 

ومن المفروض على من يقوم بردٍ مهم من هذا القبيل ويطلق فيه عددا من الأحكام الشرعية والفتاوى الخطيرة بتكفير المجاهدين أن تكون له معرفة في العلوم الشرعية ومنها علم الآلة الذي هو أحد شروط الإفتاء قال إمام الحرمين الإمام الجويني رحمه الله ( ومن شرط المفتي أن يكون عالما بالفقه أصلا وفرعا خلافا ومذهبا وأن يكون كامل الأدلة في الاجتهاد عارفا لجميع ما يحتاج إليه في الأحكام من النحو واللغة ومعرفة الرجال وتفسير الآيات الواردة في الأحكام والأخبار الواردة فيها ).

 

4.  الذي يبدو من ردكم أنكم لم تطلعوا على ما أحال الناطق الرسمي إليه من تفاصيل وتوضيحات وفتاوى للهيئة الشرعية، وقد وجدنا اعترافاً لأحد أعضاء مجلس الشورى ـ وربما يكون هو الكاتب للرد ـ ذكر فيه صراحة أنه لم يطلع على الروابط التي أحال إليها فضيلة الدكتور صلاح الدين الأيوبي، وكان الواجب والإنصاف على من قام بالرد التثبت من الموضوع أولاً فإن لم يفعل كما هو الحال فقد جانب الإنصاف وحكم بالهوى.

 

5.   لقد كِلتم كثيراً من الاتهامات للناطق الرسمي وفي أكثر من موضع، وعلى سبيل المثال قولكم (ابتعد في إجاباته عن عقيدة السلف)، ومن المعلوم أن عقيدة جيشنا واضحة ومعلومة للجميع ولمن يجهلها فله الرجوع إلى موقع الجيش، فنحن على عقيدة الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وأيضا قلتم (استغل الناطق اللقاء ليدعو إلى...الخ) في حين أن الدعوة إلى اللقاء كانت منكم، وأنتم من أرسلتم الأسئلة منقحة بأيديكم، وفيها غير قليل من الأسئلة الدقيقة التي كان بإمكانكم حذفها والاستغناء عنها إن كنتم لا تريدون أن تُنشر في منتداكم، وهذا ليس استغلالا من الناطق الرسمي بل هو خطأ محسوب عليكم، وذكرتم (أن الناطق كان يُبعض وينتقي في أجوبته ما يوافق هواه) والحق أنه كان يذكر المسائل إجمالاً ويُحيل من أراد المزيد إلى روابط فيها تفاصيل للهيئة الشرعية من حيث الأدلة ونقل أقوال الفقهاء.

 

6.   ذكرتم أن الدعوة إلى البعث والعلمانية مؤامرة نقشبندية قديمة على الإسلام والمسلمين، وهذا محض كذب وافتراء وتكفير للغير بدافع الحقد والحسد، لان كل مسلم منصف يعلم يقينا بأن الطريقة النقشبندية تأريخها قديم يمتد إلى مئات السنين وتدعو إلى طاعة الله ورسوله والجهاد في سبيله من أجل إعلاء كلمة الله، ولا يخفى على كثير ممن لديهم اطلاع على التأريخ الإسلامي بأن رجال الطريقة النقشبندية كانوا سببا في نشر الإسلام في كثير من بلدان العالم  كأمثال الشيخ أحمد الفاروقي السرهندي (رحمه الله) شيخ الطريقة النقشبندية آنذاك الذي تمكن من التأثير على الحكومة المغولية اللادينية التي كانت تحكم بالهند فأصبحت تدين بدين الإسلام بدل البراهمة  والوثنية، وكان الملك المجاهد محمد أورنك عالم كير (ت 1707م) ثمرة من ثمرات دعوته وجهاده، وهو من سلالة تيمورلنك المشهور، وفتح بلداناً كثيرة، ويعده المؤرخون أعظم إمبراطور مغولي مسلم صوفي بلغت الدولة في عهده الذروة، والشيخ شامل الداغستاني في بلاد القوقاز، وأمثالهم من رجال الطريقة كثير الذين عرفوا بجهادهم في سبيل الله ونشر الدعوة الإسلامية ولم يتغير فيها شيء من ذلك ولازالوا على ذلك العهد القديم، ومن كان هذا حاله فلا يمكن أن يوصف بأوصاف باطلة كهذه إلا من قِبل من يريد أن يشوه الجهاد وأهله من خلال إطلاق العبارات السياسية التي لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية للتدليس على الناس وإيهامهم بأن الطريقة النقشبندية طريقة سياسية وليست طريقة لنشر الدين الإسلامي ونصرته وهذا دليل واضح على جهل من يتهم الطريقة النقشبندية.

 

7.  أجوبة الدكتور صلاح الدين أجوبة عامة اقتبسها من منهج الجيش وعقيدته، وقد دلستم على الدكتور كثيرا من الأحكام التي لم يقلها، فمنها على سبيل المثال حكمكم على كلام الدكتور بأنه فتوى وإدخالكم فيها القوى والأحزاب العميلة التي جاءت مع المحتل، وهذا يُرد عليكم لأنه كلام باطل والدكتور لم يقله، ومنها استنتاجكم من كلامه حكما ألصقتموه بنا بالباطل وهو قولكم: فعندكم كل من يدافع عن وطنه يصبح مسلماً .... حتى ولو كان كورياً أو فنزولياً، ونقول هذا رجم بالغيب، فقد اختلط عليكم الأمر حتى أصبحتم لا تفرقون بين المجاهد المسلم والمقاوم الكافر، ونسبتم إلى النقشبندية غير ما قالوا، فالجهاد مصطلح خاص بالمسلمين، ومعناه: القتال في سبيل الله ومن أجل إعلاء كلمة الله، وقد اتفق فقهاء المذاهب الأربعة على ذلك، وإليكم أقوالهم:

 

الحنفية:) الجهاد: بذل الوسع والطاقة بالقتال في سبيل الله عز وجل بالنفس واللسان وغير ذلك)، بدائع الصنائع، 9/924.

 

المالكية: (الجهاد: قتال المسلم كافرا غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله أو حضوره له أو دخوله أرضه له)، حاشية العدوي، 2/2.

 

الشافعية: (الجهاد: بذل الجهد في قتال الكفار)، فتح الباري، 2/6، وحاشية الباجوري 2/162.

 

الحنابلة: (الجهاد: القتال وبذل الوسع منه لإعلاء كلمة الله تعالى)، منتهى الإرادات، 1/301.

 

والخلاصة أنه لا يجوز الخلط بين الجهاد الذي هو من خصائص المسلمين، والمقاومة التي هي عامة للمسلم والكافر، فينبغي التثبت وفهم الكلام جيداً قبل الحكم عليه وقذف الناس بالباطل.

 

8.  قلتم: (فالقاعدة تقول كل مسلم قد يغيظ الكافر، ولكن ليس كل من يغيظ الكفار بمسلم).

 

‌أ. لم نعرف أي قاعدة تقصدون بكلامكم، أهي أصولية أم فقهية أم منطقية أم غيرها؟، فلم يقل أحد من الأئمة والمفسرين وأهل العلم هذا الكلام الذي أسميتموه قاعدة، فنحن نعلم أنه لا وجود لهذا الكلام بصرف النظر عن صحته أو خطئه.

 

‌ب. هذا الكلام لا يسمى قاعدة، لأن القاعدة: أمر كلي يتعرف منه أحكام جزئياته، أو: حكم كلي ينطبق على جزئياته ليتعرف أحكامها منه، فما ذكرتموه يسمى في علم آداب البحث والمناظرة (قياس مشتمل على مقدمتين) وقد خلا من النتيجة، والمذكور فيه النسبة بين المسلم وغيظ الكفار، والتي هي ـ على حد كلامكم ـ العموم والخصوص من وجه، وهذه النسبة غير ملزمة في الاستدلال، ولا يمكن أن تكون قاعدة إطلاقاً، إضافة إلى أن الشطر الأول منها غلط صريح ففيها إثبات الكلية والجزئية في قضية واحدة وذلك باستعمال كلمة (كل) المفيدة للكلية وكلمة (قد) المفيدة للتقليل، وهو ينافي الكلية، فإما أن يقال: كل مسلم يغيظ الكفار، أو يقال: بعض المسلمين يغيظون الكفار، وكلامنا هذا لا يستوعبه إلا أهل العلم.

 

‌ج. وعلى فرض صحة كلامكم هذا فالدلالةُ فيه عليكم لا لكم، فقولكم: (كل مسلم قد يغيظ الكفار)، أوليس ينطبق على سلطتنا الشرعية فهم مسلمون يغيظون الكفار؟، وقولكم: (ليس كل من يغيظ الكفار بمسلم)، فيه سلب العموم والذي لا ينافي إثبات الجزئية، فمدلولها يكون: بعض من يغيظ الكفار مسلم، ومن هذا البعض سلطتنا الشرعية، وهو موافق لما قاله الدكتور، وهذا الكلام إن كان ملزما فهو يلزمكم ولا يلزم الدكتور.

 

9.  اتهمتم النقشبنديين بأنهم وضعوا قاعدة جديدة وأدخلتم من خلالها الكفار في الإسلام، والنقشبنديون أناس مسلمون يحكـّمون كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، ولا ينسبون الإسلام إلى كافر، ولا ينفون الإسلام عن  مسلم،  واتهامكم لنا فيه مغالطة واضحة لا نرى منها إلا سوءا في النية.

 

المحور الثاني :  ردّنا الشرعي على مجلس الشورى

1.  علاقتنا بالبعث علاقة شرعية لأن الحاكم الشرعي للعراق اختارهم بطانة له، وشرعية حكومتنا وإن كانت بالاستيلاء والذي هو أحد الطرق التي تنعقد بها الإمامة متفق عليها لدى جمهور الفقهاء الذين قالوا بأن الإمامة تنعقد بثلاثة طرق، أحدها البيعة كما بايع أغلب الصحابة أبا بكر (رضي الله عنهم)،  وثانيها استخلاف الإمام لمن يليه وعهدها إليه كما عهد أبو بكر إلى عمر (رضي الله عنهما) وانعقد الإجماع على جوازه، وثالثها القهر والاستيلاء، فمن استولى على السلطة بقهر الناس بسيف حتى أذعنوا له ودعوه إماما فتثبت له الإمامة ويلزم الرعية طاعته، قال الإمام أحمد بن حنبل (رحمه الله) من غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله يبيت ولا يراه إماما برّا كان أو فاجرا، لأن عبد الملك بن مروان خرج عليه ابن الزبير فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعا وكرها ودعوه إماما، ولِما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم وذهاب أموالهم . وعليه أصبحت مبايعة هذا الإمام واجبة .( ينظر: البحر الرائق ج6/ص284، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج4/ص298، وروضة الطالبين وعمدة المفتين، 10/42، وكشاف القناع ج6/ص159). 

 

ثم ما حدث بعد احتلال العراق هو تسلط الكافر الحربي (العدو الأمريكي وحلفاؤه) ومن جاء مع الكافر المحتل من الحكومات العميلة التي حكمت من مجلس الحكم وإلى يومنا هذا فحكمهم لا ينسخ ولا يزيل حكم السلطة الشرعية في العراق، لأنها بمجموعها جاءت تحت ظل الاحتلال وسطوته فتكون حكومات غير شرعية.

 

2.    رميتم البعثيين بكونهم خارجين عن ملة الإسلام ولم تستندوا إلى دليل شرعي، وبذلك يظهر لنا جلياً وبوضوح عدم معرفتكم بنواقض الإسلام وأسباب الردّة، ومن واجبنا أن نبين الحق والصواب فنقول: إن عقيدتنا هي عقيدة أهل السنة والجماعة التي مبناها على عدم الحكم بالكفر بسبب الشبهات على من أعلن إسلامه، منطلقين من حديث ابن عمر (رضي الله عنهما): ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قال أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الناس حتى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسول اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فإذا فَعَلُوا ذلك عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلا بِحَقِّ الإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ على اللَّهِ )) رواه الإمام البخاري : 1/17.

 

ومن الحادثة التي وقعت لسيدنا أسامة بن زيد (رضي الله عنهما) حيث قال :     (بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلا فقال لا إله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي (صلى الله عليه وسلم) فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أقال لا إله إلا الله وقتلته ؟ قال قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح قال أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ قال فقال سعد وأنا والله لا أقتل مسلما حتى يقتله ذو البطين يعني أسامة قال قال رجل ألم يقل الله { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ؟ فقال سعد قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة وأنت وأصحابك تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة }) رواه الإمام مسلم ، 1 / 96 ، وعجبا لمن يسمع بهذا الحديث أو يقرؤه ثم يقع منه تكفير للمسلمين جزافاً.

 

فنحن لا نكفر أحدا من أهل القبلة، والمسلم في معتقدنا معصوم الدم لا يباح دمه إلا بما نص الشرع عليه، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن البعث لم يأت بمنهج عقدي ديني وإنما جاء بمنهج فكري اجتماعي أراد من خلاله جمع العرب على منهج سلطوي واجتماعي واحد من خلال إبراز فضل العرب وهو شيء محمود، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أحبوا العرب لثلاث لأني عربي ، والقرآن عربي ، وكلام أهل الجنة عربي) رواه الحاكم في المستدرك 4/97، إن الله تعالى ارتضى العربية لغة للقرآن وجعلها لغة أهل الجنة واختار العرب لنشر دينه، وأحاديث فضل العرب كثيرة وتوجد مؤلفات في ذلك منها محجة القرب إلى محبة العرب لزين الدين العراقي وجواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العلم الجلي والنسب العلي لنور السمهودي ومبلغ الأرب في فضائل العرب لابن حجر الهيتمي وخلاصة الذهب في فضل العرب لعبد القادر الجزيري ومسبوك الذهب في فضل العرب وشرف العلم على شرف النسب لمرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي.

 

فكل أمر يأتينا نعرضه على الشريعة فإن خالفها لم نأخذ به وإلا أخذنا به، ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) علمنا الأخذ بذلك والأمثلة على ذلك كثيرة منها: صومه عليه الصلاة والسلام ليوم العاشر من محرم الذي كان يصومه اليهود، وحفر الخندق الذي لم يكن من صنع العرب وارتضاه النبي (صلى الله عليه وسلم) منهجا تكتيكيا في حرب الكفار.

 

نعم من واجبنا أن نبين الحق والصواب لكن لا يحق لأحد أن يحكم بكفر من استأثر منهجا وضعيا في إدارة حكم بشرط أن لا يكون إنكارا لما علم من الدين بالضرورة كاعتقاد عدم وجوب الصلاة واعتقاد حل الزنا والربا وغيرها من الأحكام، فأين أنتم من الحملة الإيمانية وإغلاق دور الزنا وحانات الخمور وغيرها من الأمور الكثيرة التي يعرفها القاصي والداني والتي تدل على صحة كلامنا.

 

وقد حكمتم بإسلام الرئيس العراقي صدام حسين وفرقتم بينه وبين البعث بحجة أنه ظهرت عليه علامات التوبة من حمل المصحف الشريف وأداء الشهادة، وهذا الكلام فيه تناقض واضح  فالذي في ساحة المعركة ضد المحتل الكافر يعلم يقينا بأن البعثيين المجاهدين علامات الإيمان ظاهرة عليهم ويصلون ويحملون المصحف ويؤدون الشهادة ويرفضون مدّ أيديهم للمحتلين وأذنابهم، وهذا دليل على مشابهتهم لصدام حسين من حيث الحكم بإسلامهم، فلم الحكم بإسلام صدام حسين وكفر البعثيين؟.

 

3.   إن الذي يستدل على تكفير البعثيين وغيرهم من حكام المسلمين بقول الله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)(المائدة 44) يجاب بكلام علماء التفسير، لأن مقام تفسير كلام الله مقامهم ولا يحق لأحد أن يفسر كلام الله تعالى برأيه وهواه لقوله (عليه الصلاة والسلام): (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ) رواه أبو داود والترمذي، ونحن نرى في كلامكم مخالفة لعلماء التفسير فمن أين جئتم بهذا التفسير الذي لا مجال للصحة فيه مطلقا فأنتم في وادٍ والمفسرون في وادٍ آخر، وسنذكر التفسير الصحيح للآية الكريمة أعلاه. 

 

يقول أبو حيان الأندلسي رحمه الله: ( ... ظاهر هذا العموم يشمل هذه الأمة وغيرهم ممن كان قبلهم وإن كان الظاهر أنه في سياق خطاب اليهود، وإلى أنها عامة في اليهود وغيرهم ذهب ابن مسعود وإبراهيم وعطاء وجماعة، ولكن كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق يعني أن كفر المسلم ليس مثل كفر الكافر وكذلك ظلمه وفسقه لا يخرجه ذلك عن الملة قاله ابن عباس وطاووس، وقال أبو مجلز هي مخصوصة باليهود والنصارى وأهل الشرك وفيهم نزلت، وبه قال أبو صالح قال ليس في الإسلام منها شيء .... وعن ابن عباس واختاره ابن جرير إن الكافرين والظالمين والفاسقين أهل الكتاب وعنه نعم القوم أنتم ما كان من حلو فلكم وما كان من مر فهو لأهل الكتاب من جحد حكم الله كفر ومن لم يحكم به وهو مقر به ظالم فاسق ) تفسير البحر المحيط 3/504.

 

وهذا الكلام واضح بين أهل العلم لكننا ملزمون لشرحه لأننا نعرف أن مثيري الشبه ليسوا منهم، فنقول وبالله تعالى التوفيق يفهم من كلام أهل التفسير هنا جملة أمور أهمها أمران:

 

الأمر الأول: هذه الآية نزلت في اليهود، وهناك خلاف بين أهل العلم وهو: هل هي خاصة باليهود والنصارى وأهل الشرك، أم هي عامة لهم ولغيرهم أخذا من القاعدة الأصولية (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)؟، فإذا كان الأول (خاصة باليهود والنصارى وأهل الشرك) فلا يصح الاستدلال بها في تكفير غيرهم بل هي خاصة بهم  دون غيرهم، وإذا كان الثاني (عامة) فيصح الاستدلال بها وتكون محلا للنقاش .

 

الأمر الثاني: إذا كانت عامة فالمراد بالكفر في الآية في حق اليهود والنصارى والمشركين هو الكفر المعهود الذي يقابل الإسلام، وفي حق المؤمنين الذين لم يحكموا بما أنزل الله هو كفر دون كفرهم (فيكون كفرا بالنعمة مثلا) وهو كفر لا يخرج من الملة وليس هو الكفر المقابل للإيمان هذا على قول، وهناك قول ثان (للذين قالوا المراد من الآية العموم) وهو ما ذكره أبو حيان بقوله: (( ... من جحد حكم الله كفر ومن لم يحكم به وهو مقر به ظالم فاسق)) ومعنى كلامه أن السورة وصفت الذين لا يحكمون بما أنزل الله تعالى بثلاث صفات (الكفر والظلم والفسق) وهذا يطبق على من حكم بإسلامه كالآتي: إذا كان قد ترك الحكم مع الإنكار والجحود له فهو كفر وردة عن دين الله تعالى، وإذا كان ترك الحكم لغير ذلك (ضعفاً، كسلا، خوفا، مداهنة) فيكون المسلم عندئذ فاسقا ظالما، فمثلا المسلم الذي تتبرج ابنته وتخرج سافرة لم يحكم بما أنزل الله تعالى فإذا كان جاحدا لوجوب الحجاب ويرى ذلك تخلفا ونحوه فهو كافر مرتد وإذا كان مهملا لبيته ورعيته ضعيفا في إدارته أو متكاسلا في نصح ابنته فهو فاسق وظالم، وهذا الكلام بعينه ينطبق على الحاكم الذي لم يحكم بما أنزل الله تعالى، فترك الحكم إذا كان مع الجحود يكون كفرا وردة وإذا كان بدون ذلك فهو ظلم وفسق، والحاكم طاعته واجبة في غير معصية الله لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وإن كان فاسقا.

 

ولا يخفى على أحد حال الحجاج بن يوسف الثقفي حيث أنه كان حاكما فاجرا ، ولقد قال عنه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وكفى به فاجرا ومن فجوره ضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق حيث أنه قتل ابن الزبير فيها وكثيرا من الصحابة وكذلك قتل وشنع وأذلّ واعتدى على كثير من الصحابة والتابعين منهم أنس بن مالك وجابر بن عبد الله وسعيد بن جبير وأمثالهم ، وظلم الناس ظلماً وفجر فجورا لم يسبقه به إلا فجار بني إسرائيل لأنهم قتلوا الأنبياء ، والحجاج قتل أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وهو على هذا الفجور البيّن ولم ينكر على إمامته أحد من الصحابة والتابعين وصلوا خلفه الجمعة والجماعة ومنهم سيدنا أنس بن مالك وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وغيرهم من الصحابة والتابعين والعلماء ، ولم يجرؤ أحد من الفقهاء الأربعة أن يفتي ببطلان إمامته وجواز الخروج عليه أو ارتداده عن الدين.

 

فهذا نهج وحال سلف الأمة من كبار الصحابة والتابعين والفقهاء ، والأولى بمن يدّعي اتباعهم أن يتبعهم في كل شيء لا أن يبعّض فيأخذ منهم ما يوافق هواه ويترك ما يخالفه.  

 

4.  نحن نفهم من واقعنا الذي عشناه ونعيشه الآن هو أن الحكومة التي كانت قبل الاحتلال هي حكومة شرعية وطاعتها واجبة إذا لم تكن في معصية الله تعالى، والسبب في ذلك هو أن هذه الحكومة كانت وفق الضوابط التي ذكرها الفقهاء والتي من خلالها يمكن الحكم بشرعيتها (أي هي حكومة واجبة الطاعة ولا علاقة لذلك بكونها تحكم بكل بنود الشريعة الغراء أو تعطل بعضا من أحكامها)، وقد أمرت بالجهاد في سبيل الله لطرد العدو الكافر المحتل، ولتوضيح معنى الحكومة الشرعية وكيفية توليها الإمامة العظمى سنقوم بنقل كلام الفقهاء من المذاهب الأربعة:

 

مذهب الأحناف: قال ابن نجيم ((والسلطان يصير سلطانا بأمرين بالمبايعة معه  ويعتبر في المبايعة مبايعة أشرافهم وأعيانهم الثاني أن ينفذ حكمه على رعيته خوفا من قهره وجبروته))  البحر الرائق ج6/ص284.

 

مذهب المالكية: قال الدسوقي ((... اعلم أن الإمامة العظمى تثبت بأحد أمور ثلاثة إما بإيصاء الخليفة الأول لمتأهل لها وإما بالتغلب على الناس لأن من اشتدت وطأته بالتغلب وجبت طاعته ولا يراعى في هذا شروط الإمامة إذ المدار على درء المفاسد وارتكاب أخف الضررين وإما بيعة أهل الحل والعقد وهم من اجتمع فيهم ثلاثة أمور العلم بشروط الإمام والعدالة والرأي....الخ)) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج4/ص298.

 

مذهب الشافعية: قال الإمام النووي: ((..... وتنعقد الإمامة بثلاثة طرق أحدها البيعة كما بايعت الصحابة أبا بكر (رضي الله عنهم)، ..... الطريق الثاني استخلاف الإمام من قبلُ، وعهده إليه كما عهد أبو بكر إلى عمر (رضي الله عنهما) وانعقد الإجماع على جوازه، والاستخلاف: أن يعقد له في حياته الخلافة بعده ... وأما الطريق الثالث فهو القهر والاستيلاء فإذا مات الإمام فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة وقهر الناس بشوكته وجنوده انعقدت خلافته لينتظم شمل المسلمين، فإن لم يكن جامعا للشرائط بأن كان فاسقا أو جاهلا فوجهان أصحهما انعقادها لما ذكرناه، وإن كان عاصيا بفعله)) روضة الطالبين وعمدة المفتين، 10/42.

 

مذهب الحنابلة: قال العلامة منصور البهوتي: ((ويثبت نصب الإمام بإجماع المسلمين عليه كإمامة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) ... أو يجعل الأمر شورى في عدد محصور ليتفق أهلها أي أهل البيعة على أحدهم فاتفقوا عليه  كفعل عمر (رضي الله عنه) حيث جعل أمر الإمامة شورى بين ستة من الصحابة فوقع اتفاقهم على عثمان (رضي الله عنه) أو بنص من قبله عليه  بأن يعهد الإمام بالإمامة إلى إنسان ينص عليه بعده ولا يحتاج في ذلك إلى موافقة أهل الحل والعقد كما عهد أبو بكر بالإمامة إلى عمر (رضي الله عنهما) أو باجتهاد من أهل الحل والعقد على نصب من يصلح ومبايعته أو بقهره الناس بسيف حتى أذعنوا له ودعوه إماما فتثبت له الإمامة ويلزم الرعية طاعته، قال أحمد في رواية عبدوس بن مالك العطار ومن غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله يبيت ولا يراه إماما برّا كان أو فاجرا لأن عبد الملك بن مروان خرج عليه ابن الزبير فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعا وكرها ودعوه إماما، ولِما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم وذهاب أموالهم)) كشاف القناع 6/159 .

 

إذا عدنا إلى النصوص الفقهية نجد أن الفقهاء جميعا اتفقوا على صحة إمامة من تولاها بالقوة والقهر وهذا ما كان موجودا في الحكومة التي سبقت الاحتلال حيث استولوا على الحكم بطريقين الأول عنوة، وكانت لهم سيطرة وسطوة في البلد كله فمن هنا اكتسبت شرعيتها وأصبحت حكومة شرعية، والثاني طلبوا من الشعب مبايعة هذا السلطان فبايعه الشعب جهارا ونحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.

 

وفيما ذكرناه ـ على عجالة ـ كفاية لمن أراد الحق ، في كشف الغمة عن عقيدة الطريقة النقشبندية وجيشها المبارك السائر في طريق التحرير حتى النصر المؤزر، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبب  / ١٥ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٥ / أيلول / ٢٠٠٩ م