هل سيكون التطبيع مع الدول العربية حلا للكيان الصهيوني
بعد أن أصبحت علاقته بأمريكا مشكلته الأساسية ؟؟

 
 
 

شبكة المنصور

نبيل العربي

بدا واضحا في الأيام القليلة الماضية سعي قادة الكيان الصهيوني و بشكل محموم و غير مسبوق لتحقيق انجاز على صعيد تطبيع العلاقات مع الدول العربية و الإسلامية و دول الإقليم عموما، حيث يقومون بجولات مكوكية متكررة هذه الأيام لعدة دول و مناطق في العالم بأسره، و منها جولة الإرهابي أفغدور ليبرمان وزير خارجية العدو إلى دول حوض النيل، و كذلك اختفاء رئيس وزراء الكيان الصهيوني، الإرهابي نتنياهو، لمدة عشر ساعات مساء الإثنين بحسب اذاعة العدو، و التي يعتقد أنه قد قضاها في إحدى الدول العربية التي لا تقيم علاقات مع الكيان الصهيوني، في حين ذكرت مصادر أخرى أنه كان في زيارة سرية لروسيا في محاولة لإقناع قادتها بإلغاء عقود الأسلحة لكل من سوريا و إيران.

 

و في نفس السياق جاءت جولة المبعوث الأمريكي الأخيرة  للمنطقة، حيث  ذَكَرَت صحيفة "هآرتس" الصهيونية أن جورج ميتشل قد تمكَّن من الحصول على تعهُّدات من العديد من الدول العربية لمختلف الخطوات في اتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، و تراوحت هذه التعهدات بين فتح مكاتب تمثيل للكيان في هذه الدول، و منح تأشيرات لدخول رجال أعمال و سياح صهاينة إليها، أو السماح بالاتصالات الهاتفية المباشرة مع الكيان، و أن البعض من هذه الدول العربية وافق على عقد لقاءات عالية المستوى مع قادة الكيان الصهيوني، و السماح للطائرات الصهيونية باستخدام مجالها الجوي أو الهبوط في المطارات العربية.

 

يصاحب هذه التحركات الأخيرة و الجولات المكوكية، الدعوة إلى إحياء محادثات التسوية بين الدول العربية و الكيان الصهيوني استناداً إلى " مبادرة السلام العربية" و التي بالرغم من سوئها و انتقاصها لحقوق الشعب الفلسطيني و الأمة العربية، إلا أنها لم تحظ بعد على إجماع القيادات السياسية في الكيان الصهيوني، و التي تقوم أساساً على اعتراف الدول العربية رسميا بالكيان الصهيوني و تطبيع كامل للعلاقات معه مقابل دولة فلسطينية على الأراضي العربية المحتلة عام 1967.

 

و في تطور لافت كشف الإرهابي ايهود ياتوم، الرئيس الأسبق للموساد الصهيوني، في كتابه " شريك في السر، من جوالة القيادة العامة إلى الموساد" و الذي سينشر قريباً، عن " وثيقة لاودر" و هو رجل أعمال أمريكي صهيوني و الذي كان ممثلا عن رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو في المفاوضات مع سوريا خلال فترة حكومته السابقة 96-1999 ، و بموجب هذه الوثيقة يتعهد الإرهابي نتنياهو للرئيس الراحل حافظ الأسد بالانسحاب الكامل من الجولان العربي المحتل، مقابل إقامة محطة إنذار مبكر في الجولان لمدة عشر سنوات، حيث وافق الجانب السوري على هذا الأمر شريطة أن تكون تحت إشراف أمريكي - فرنسي مباشر، الأمر الذي نفاه رئيس وزراء العدو مراراً حيث أن هذا الأمر لا يتفق مع سياسة حكومته و أنها غير ملتزمة بالإنسحاب من الجولان، و أصدر مكتب رئيس وزراء العدو بياناً نفى فيه هذه التصريحات و أكد على أنه كانت هناك اتصالات سياسية مع دمشق في السابق، و أنه مستعد اليوم للوصول إلى أي مكان في العالم لدفع مفاوضات " السلام " مع سوريا دون شروط مسبقة، و لكن يبدو أن هذه الموافقة على الإنسحاب من الجولان ما زالت واردة حيث يرى المحلل السياسي في صحيفة " معاريف " الصهيونية بن كاسبيت، " أن الرجل لم يتغير منذ عام 1996 حيث أن الكذب و عدم قول الحقيقة ما زالا يلازمانه".

 

من جهة أخرى، يبدو أن احتمال تقديم بعض التنازلات من رئيس وزراء الكيان ليس مستبعداً، حيث أنه طرح خطة جديدة لإحلال " السلام" تقوم أساساً على بناء مشاريع اقتصادية مشتركة بين الكيان الصهيوني و الدولة الفلسطينية المتوقع قيامها قريباً، و من ثم مع دول الطوق العربية و بقية دول المنطقة.

 

يبدو أن خطة " السلام الاقتصادي " التي يتبناها رئيس وزراء العدو تحظى بدعم رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، الذي قام بجولة في الضفة الغربية لإقناع الجميع هناك بخطته الاقتصادية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، و الحاجة للتنمية الاقتصادية في الضفة الغربية لخفض نسب البطالة و توفير فرص العمل، في الوقت الذي يتحدث فيه رئيس وزراء العدو عن التنمية الاقتصادية المشتركة بين الفلسطينيين و الكيان الصهيوني و من ثم التطبيع الاقتصادي الكامل مع الدول العربية و الاسلامية كضرورة لعودة قوية إلى طاولة المفاوضات.

 

من ناحية أخرى فقد بدأ بعض الأطراف في الدول العربية و الكيان الصهيوني بدراسة خطة أمريكية جديدة "للسلام" قدمها الرئيس الأمريكي كبديل عن خارطة الطريق، و من المفترض أن يتم الكشف عنها مع نهاية الشهر الجاري خلال مؤتمر خاص يعقد بشرم الشيخ بحضور الرئيس أوباما.

 

هذه الخطة التي تعد كفيلة بتصفية القضية الفلسطينية، في طريقها لكي تصبح أمراً واقعاً على الأرض، و ذلك بسبب الدعم الأمريكي لها في ظل ضعف الموقف العربي و الإنقسام الفلسطيني الداخلي، حسب ما ذكر حسن خريشة عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، حيث أن الخطة تتجاهل حق اللاجئين في العودة لمدنهم و قراهم، و تستعيض عنه بالسماح لعدد محدود منهم بالعودة إلى داخل الضفة الغربية و تحديدا في مناطق رام الله و نابلس.

الخطة كذلك تشترط تطبيع العلاقات بين الدول العربية و الإسلامية مع الكيان الصهيوني و اعتراف الجميع بها رسمياً، قبل الشروع في تنفيذ ما تبقى من بنود الخطة، و التي يتعهد من خلالها الجانب الأمريكي بإعلان الدولة الفلسطينية صيف عام 2011.

 

و تتركز أغلب بنود الخطة الأمريكية المقترحة على ضمانة أمن الكيان الصهيوني من خلال التطبيع الكامل للعلاقات أولا، و من ثم نشر قوات دولية في غور الأردن و بعض مناطق الضفة الغربية، و حل جميع الفصائل الفلسطينية و تحويلها إلى حركات سياسية، و عدم السماح للسلطة الفلسطينية بإقامة تحالفات عسكرية مع أي من دول المنطقة، و احتفاظ جيش العدو بالسيطرة الجوية الكاملة.

 

إن هذا الحراك السياسي و الأمني المتسارع في المنطقة لتحقيق الأمن و الاستقرار للكيان الصهيوني يأتي بالتزامن مع تصريحات وزير خارجية العدو، الإرهابي أفغدور ليبرمان، لصحيفة " يديعوت أحرونوت " الصهيونية أنه يريد محو القضية الفلسطينة من قاموس وزارته، حيث اشار إلى أن كل الخطوات السياسية التي اتخذت خلال الستة عشر عاماً المنصرمة لم تؤد إلى نتيجة لحل الصراع، و يعتقد أن حل الدولتين أيضاً لن يكون نهاية الصراع، فيجب " إبقاء القنوات السياسية مفتوحة و أن نتعلم كيفية العيش بدون حل ... و أن ما لا يفعله العقل سيفعله الزمن، و هذا هو التوجه الواقعي تجاه الصراع مع الفلسطينيين و الغاية هي عدم حل الصراع".

 

و أشار الإرهابي ليبرمان في تصريحاته ذاتها إلى " أن مشكلتنا هي أننا ببساطة بحاجة بصورة مطلقة لحكم الولايات المتحدة الأمريكية، و رغم عدم وجود بديل عن علاقتنا معها، لكن إضافة إلى ذلك يجب إقامة علاقات مع مجموعة من الدول التي نكون جزءاً فعالاً فيها، فلا يمكننا الإستمرار هكذا، و لذلك بدأت بإقامة علاقات قوية مع دول أمريكا الجنوبية و إفريقيا".

 

فإذا كانت الولايات المتحدة هي الداعم الأساسي للكيان الصهيوني سياسياً و عسكرياً، و الضمانة الأولى لبقائه و استقراره، فلماذا أصبحت اليوم الحاجة للولايات المتحدة الأمريكية مشكلة الكيان الصهيوني الأساسية؟؟!!!

 

إن إمعان النظر و التدقيق في الوضع الأمريكي الراهن، يؤكد على تراجع موقع الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، و ضعف هيمنتها على العالم بشكل كبير، يصعب معه قيامها بالحفاظ على أمن و سلامة و استقرار الكيان، خصوصاً بعد تفاقم الأزمة المالية العالمية، و تصاعد المقاومة العراقية الباسلة، و زيادة معدل الخسائر في صفوف قوات الإحتلال في العراق و أفغانستان على حد سواء، و ارتفاع تكاليف مواصلة الحربين معاً.

 

إن واقع الحال الذي وصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية، فرض على قادة الكيان البحث عن علاقات أوسع و أشمل، لبناء روابط أكثر استقراراً مع دول المنطقة و العالم سعياً لضمان أمن و استقرار كيانهم الهزيل المصطنع، و من المحتمل أن يقدم قادة الكيان بعض التنازلات المؤلمة بالنسبة لهم، لضمان تقدم هذا المشروع، و تطبيع كامل للعلاقات مع الدول العربية و الإسلامية وصولاً إلى تحقيق هدفهم في إطالة عمر الكيان لسنوات أخرى قادمة.

 

و كما هو واضح من المواقف الهزيلة للأنظمة العربية، فإنها لا تسعى لاستغلال هذا الظرف و الفرصة السانحة أمامها للضغط على الولايات المتحدة و الكيان الصهيوني لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب للقضية الفلسطينية، بل على العكس من ذلك، فإنهم ماضون في تنفيذ الإملاءات الأمريكية، و العمل على ضمان استقرار و سلامة الكيان الصهيوني، في موقف معاكس تماما لأبسط قواعد المنطق و اللعبة السياسية الدولية، و لموقف الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب.

 

ففي الرباط دعت عدة منظمات شعبية مغربية حكومة بلادها إلى وضع حد للخطوات التطبيعية مع الكيان الصهيوني، و اعتبروا أي خطوة في هذا الإتجاه بمثابة خيانة للشعبين الفلسطيني و المغربي، و تظاهر عشرات المغاربة في وسط العاصمة الرباط لنصرة غزة و الاحتجاج على ما اعتبروه بوادر لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، و دعا المتظاهرون إلى تطبيع العلاقات مع المقاومة و فك الحصار عن غزة، بدلا من التطبيع مع الكيان الصهيوني و رفع الحصار الشعبي العربي عنه.

 

و في السياق ذاته أبدت الصحافة الصهيونية خشيتها من جراء تنامي حملة مقاومة التطبيع في الأردن و التي تقودها النقابات المهنية الأردنية، في إشارة إلى الجدل الدائر حاليا حول زيارة عدد من الصحفيين الأردنيين إلى القدس المحتلة بتأشيرات صادرة عن سفارة الكيان الصهيوني في عمان.

 

إن هذا الموقف الشعبي الرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني و هذه الأفواه التي لا زالت تصرخ بـ " عاشت فلسطين حرة عربية من النهر إلى البحر" و " لا صلح ... لا اعتراف ... لا مفاوضات" هي الرد الحقيقي على كل المخططات الرامية إلى تصفية الصراع العربي الصهيوني، و التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني، و التنكر لدماء الأكرم منا جميعاً من شهداء الثورة الفلسطينية.

 

فالخيار الشعبي العربي بدعم صمود و مقاومة شعبنا الفلسطيني البطل، و المقاومة العراقية الباسلة، و توحيد المواقف العربية، و رص الصفوف و رأب الصدع الفلسطيني الداخلي، هو الطريق الصحيح نحو مزيد من الضعف و التراجع لقدرة و مكانة الولايات المتحدة و ربيبتها الكيان الصهيوني المصطنع، و هي الطريق الوحيد نحو استعادة الأرض و الحقوق و الكرامة العربية المهدورة. 

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ٢٤ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٤ / أيلول / ٢٠٠٩ م