عبد الباسط المقرحي ووليمة اللئام ..

 
 

شبكة المنصور

خليفة فهيم الجزائري

كان لرجل ولدان ولما بلغا سن الزواج اراد ان يزوج الأول، على أن يبقى الثاني ليأتي بعده طبعا وبعد أن أتم كل الإجراءات الخاصة واللازمة بذلك، كان لابد له من اقامة حفل الزفاف الذي يحضره الضيوف، من الأهل والأقارب والأصدقاء والأحبة، وهذه عادة كل البشر على حد سواء ،ومن برتوكولاتها أن يقدم أهل العريس لضيوفهم كل الخدمات، من خصهم بأشهى المأكولات المتنوعة ،إلى توفير جميع وسائل الراحة كالقاعات الخاصة الشاسعة وغرف النوم بما فيها من الافرشة وغيرها من المستلزمات ،وهو ما اجتهد الرجل اب الولدان على توفيره بدءا من أكل وشرب وكل الوسائل ،عازما على أن لا يشكو احد من ضيوفه نقص ما قد ينتقده في يوم ما ،كما تجري العادة ويبقى الجميع يذكر تلك المناسبة ويصفها بالحسنة وهي في الحقيقة سمة من سمات أهل الجود والكرم وحسن الضيافة، وهو الأمل الذي كان يسعى إليه الرجل أب الولدان ، لذلك لم يتوانى في رصد ميزانية تليق بالمقام ،صرفها خلال أيام الحفل إن لم نقل ساعات انتهت وانتهى الحفل ،وحسب العادات غادر كلن إلى بيته وما هي إلا أيام معدودات حتى وردت أخبار إلى الرجل مفادها أن الضيوف ذهبوا مستاءين من تلك المعاملة التي لم ترقى إلى المستوى ،وخاصة ما يتعلق بالإطعام، تعجب الرجل لذلك وتأسف كثيرا ورأى أن في ذلك مهانة له ، لكنه وجد أن هناك فرصة ثانية في مناسبة قادمة لرد الاعتبار إلى نفسه وهي مناسبة زواج الابن الثاني ،وكما فعل وبعد إتمام كل الإجراءات بعدها إقامة حفل الزواج، لكن هذه المرة حضر الرجل أب الولدان مفاجأة لضيوفه المدعوين ،خاصة فيما يتعلق بالإطعام حيث اعتمد هذه المرة وجبة مغايرة تماما وقرر أن تقتصر على اللحم المشوي فقط، وبكميات هائلة على أمل آخر وليبقى ذلك برهان على أن أب الولدان كريم سخي ولا يمكن أن يهان ،وطبعا ككل عادة انتهى الحفل وغادر الكل و بقى الرجل في بيته، وما هي إلا أيام حتى جاءه زائر إلى بيته وخلال الكلام الذي دار بينهم ،عادوا إلى في حديثهم إلى حفل زفاف الابن الثاني وكيف مرت به الأمور، لكن ذلك الزائر حمل مفاجأة أخرى أثقل من المفاجأة التي قدمها أب الأولاد إلى ضيوفه ،حيث قال له الزائر أن هناك من الضيوف من يقول أن أب الأولاد قدم لنا اللحم المشوي فقط وبكميات كبيرة وكأننا اسود ....هنا وقف الرجل مذهولا .


كما وجدنا نحن اليوم أنفسنا مذهولين، أمام هجمة أخرى شرسة تقوم بها ذئاب نهشت لحمنا ،ونهبت ثرواتنا واحتلت أرضنا ،واستباحت دمنا ونخرت عظامنا، بشتى الطرق المتمثلة في الحيل والمكر والخداع.


الكل يشهد ويعلم أن الأشقاء في ليبيا، قدموا النفس والنفيس من اجل إرضاء تلك الذئاب الضالة الظالمة وضل الأشقاء في ليبيا يسايروا بدون معسرة ،أملين أن ترفع دوائر الشر عنها يدها لتعيش في أمان ،بعد أن أغاروا عليها وهددوها وحاصروها لأسباب واهية، وزرعوا فيها حتى الأمراض وأرادوا أن يجعلوا منها مخبرا لكل التجارب ،ومنها زرع الفيروسات القاتلة، مثل ما حدث مع ما يقارب الأربعة مائة طفل بريء بمستشفى مدينة بنغازي، وما عرف بقضية الممرضات البلغاريات العميلات أو المجندات، حيث اثبت أنهن مذنبات يجب معاقبتهن والزج بهن إلى السجن كان يستحقن الإعدام، لكن ورغم ذلك إلا العالم الغربي ثار وتكاتف وتحالف وتدخل كبار قادته لدى ليبيا لإطلاق سراحهن واستجاب الأشقاء لذلك وغادرت الممرضات إلى موطنهن، وما إن وطأت أقدامهن الأرض أين استقبلن بالورود ولم نقول نحن أن في ذلك استفزاز لمشاعرنا وغير ذلك زادوا لرفع دعوى يطالبن فيها التعويض !!!! و لا ندري فربما يكون الأشقاء قد ارضوا الراعي والذئب في آن واحد، لما يعرف عنهم من سخاء خاصة في مثل هذه الأمور التي عرفوا بها منذ القدم رافقتهم إلى اليوم، من طيبة وجود حالهم حال أب الولدان ليس إلا.


كان كل ذلك يجري والابن البار عبد الباسط المقرحي يقبع في صمت رهيب ،وكأنه لم يكن بسجن بارليني الاسكتلندي والأمراض تنهش جسمه، بعد أن وجهت له تهم واهية في ما عرف بقضية "حادثة لوكربي" ،لم يكون من ورائها سوى الابتزاز السياسي ولا شيء غيره المؤدي إلى المادي بالنهاية، وهو ما حدث فعلا مع الأشقاء في الجماهيرية الذين مضوا في سخائهم حد المبالغة، فقط لاسترجاع ابنهم ومكانتهم ووصل بهم الأمر حد التنازل على الكثير من ما لا يمكن أن يتنازل عنه وقانونهم كدولة ذات سيادة، لها خصوصياتها وأعرافها ،وبعد المد والجزر تمكنوا من استرجاع ابنهم لكن جثة متحركة أبكتنا، بكينا وبكت أمهاتنا أكثر،لما آل إليه حال من مكثوا ببطونهن تسعة أشهر، يوم شاهدن عبد الباسط المقرحي الذي طلب من قيادته أن يغادر ليبيا ليمتثل للقضاء الاسكتلندي ويقي بلاده وشعبه شر الماكرين لقد غادر وهو في أوج صحته مستقيم البنية ،ليعود لنا مرتكزا على عصا ولم يكون ذلك الاستقبال الأبطال كما اعتقد البعض بل استقبال المولود الذي جاء بعد عقم ،وهو ما لم يرضي الإدارة الأمريكية التي لم توافق من الأساس الإفراج عنه ،ووصف الرئيس اوبابا ذلك بالخطأ ،رغم أنها أكلت ما أكلت من تحت طاولة وليمة التفاوض ،وكان ذلك في عهد صاحب ضربة الحذاء الفخرية "بوش" .


لقد سألني صديق عن سبب رفض باراك اوباما أو استيائه إطلاق سراح المقرحي أجبته بالقول : لان إدارته ترى أنها لم تلتهم ما كانت تأمل التهامه ،ثم ليبقى فضلها حبلا تربطنا به بين أيديها ،وأكيد لها مآرب أخرى تريد أن تصل إليها بالتفاوض ،خاصة وان الإدارة الحالية تعتمد الحيلة للحيلولة دون الوقوع في المستنقعات والتكفير عن الذنوب، وتلميع الماضي السيئ ،كما تريد أن تصور للعالم على أنها تساير الآخرين وأنها مسحت سواد الماضي بدخول الإفريقي الأسود إلى البيت الأبيض،فرغم رفضها الذي جاء في سورة استياء إلا أن الأخر متمثلا في ليبيا والقضاء الاسكتلندي تجاهلها ومرغ انفها ،لقد استطاعت هذه الدولة الصغيرة وسط المملكة المتحدة أن تكون سبب في إقامة وليمة ابتزاز أكلت منها كل دول المنطقة على حد سواء ويبدو أنها انفردت بهذه الأخيرة وكانت دسمة ما أزعج الغير في تقديري، ولن تكتفي فهي تريد المزيد وبدت ملامح ذلك واضحة خاصة مع تلك التصريحات التي تم إطلاقها وما أثير من جدل حول إطلاق سراح عبد الباسط المقرحي، وهو ما يدل على أنهم ماضون في سياسة الابتزاز، لقد كشف سيف الإسلام القذافي على أن عملية الإفراج عن عبد الباسط المقرحي حكمتها عقود تجارية أي تمت عن طريق الولائم أنكروها اللئام كما جاء في الرد البريطاني على تصريح سيف الإسلام، فلم يختلف ذلك عن حال أب الولدان ومعاناته مع ضيوفه وحال الأشقاء مع شلة اللئام، الذين لم يتوقفوا في نقدهم ومضيهم في الابتزاز ولا شيء غير الابتزاز والاستئساد علينا لأننا أطعمناهم ما عز علينا ،لحما مشويا حتى اعتقدوا أنهم اسود باسلة بينما هم في حقيقتهم ذئاب ماكرة .

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٠٣ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٤ / أب / ٢٠٠٩ م