خذ الشور من راس الثور في حماقات المستشارين المالكيين

 
 

شبكة المنصور

ا.د. عبد الكاظم العبودي
يقول المثل العراقي " تغرق السفينة من يكثر ملاليحها" وقيل أيضا ملاليكها،، وهي مقولة تجد حكمتها التطبيقية في واقع النظام العراقي الحالي الذي شكلته الصراعات والإرادات المحلية والاقليمية والدولية في توازنات هشة لا تصمد أمام رياح المستقبل أبدا. إن علة هذا النظام تكمن فيه وبشخوصه، كما تكمن في نصوص دستوره المرقع، كما يختصره المثل القائل انه جاء ( لقيطا وجمعته امه من كل راعي نقطة)، وتتجسد في تجمع حفنة من الوصوليين الانتهازيين الذين مُنحوا رتب مستشار، وتجدهم أحذية عند كل عتبة لرئيس ووزير ومدير، وهم من دون رأي أو قرار. ولا أظن ان نظاما في الكون له من أعداد المستشارين، تجزل لهم المرتبات الضخمة، كما هو حال نظام العراق اليوم. وعندما أحسب عدد المستشارين ومهامهم وعناوينهم لدى المالكي أوغيره من الوزراء، أتسائل وماذا يعمل عقل الرجل؟، إن كان له مخا يفكر به طالما أن هؤلاء يطرحون أنفسهم " العقل البديل" للحاكم.


أثبتت معالجات وردود فعل النظام العراقي لقضية مجازر الاربعاء الدامي مدى هشاشة هذا النظام وقرب تفسخه المرتقب. حالة الذهول لصدمة سقوط إنتصارات الحل الامني ومنجزات مشاريع دولة القانون مرة واحدة كانت مفجعة، بعد فضائح متتالية، بدء من سرقات البنوك، وإنفجارات وزارة الخارجية والمالية، وتتالي سقوط القذائف على المنطقة الخضراء، لم يجد المالكي ومستشاروه الا اللجوء الى الفبركة الاعلامية السريعة، بالادعاء بكشف الجهة التي قامت بالتفجيرات. وبدأ مسلسل الوعد والوعيد للخصوم والحلفاء من كل جهة، منها التهديد بلذهاب الى المحكمة الدولية لتقصي جرائم الحرب ضد الانسانية في العراق. وكأن كل الجرائم المرتكبة خلال ست سنوات في العراق الذبيح لم تصل بعد الى مستوى جرائم ابادة ضد الشعب الذي تحكمه اليوم عصابات إجرام حقيقية سيكشف عنها المستقبل القريب.


في البدء جاء التهديد لسوريا، ولبعض الشخصيات العراقية المقيمة هناك، بتهم تدبير تفجيرات الاربعاء الدامية وسط تخبط اعلامي وسياسي كان مضحكا ومفجعا في آن واحد. فمن يتذكر خطوات بدء خطوات تنفيذ سيناريو رد الفعل المالكي عبر تدخلات المستشارين المالكيين وناطقه الرسمي الذي بدأ بالاحماء التلفزي المطلوب من خلال شاشة قناة العراقية بمقابلة عدد من الصحفيين مع القائم عليها وصادق الموسوي. تلك القناة الطائفية المقيتة التي يقال انها الناطقة رسميا باسم الدولة، لكنها تكرس خدمتها طائفيا لقائمة دولة القانون.


بدأ المستشارون والمتقولون الاعلاميون للمالكي بهستيريا الاتهام لسوريا والمقاومة والقاعدة وعادوا تكرار اسطوانة اتهام الصداميين والتكفيريين، ووضعهم كلهم برزمة واحدة، لا يجمعها جامع واحد منطقي. وصار الحديث عن الدم العراقي هذه المرة حارا يستحق ذرف الدموع . يبقى وضع المالكي في أسوء أحواله، فهو لم يضع بعد قلم توقيعه على وثائق التعاون الاستراتيجي مع سوريا، إثر زيارته الأخيرة، ليجد نفسه ونظامه متهما لها بعد ان قدم قاسم العطا شهادته الأمنية المفبركة مدعيا بقدرة قادر سرعة اكتشاف رهيبة باعتقال الجناة وخيوطهم في واحدة من أخطر العمليات الأمنية التي تعجز عنها أكفأ مخابرات العالم.


ومن المتهمين المنفذين قيل عنه أنه جاء مباشرة من سجن بوكا الامريكي في البصرة، وقد خرج منه قبل يومين فقط من الحادثة من دون ان تتهم حكومة المالكي باحتمال قيام سلطات الاحتلال بإعداده وإطلاق سراحه لاجل تلك المهمة، مثلا، لتنفيذ مثل هذا العمل. ولعل هشاشة الاقناع لدى مناطقة ومستشاري المالكي لا يمكن ان تقنع أحدا بان متهما كان نزيلا لسجن بوكا الامريكي يخرج من السجن لينفذ بعد يومين مباشرة أحد أكبر التفجيرات المعقدة ببغداد، وهو عمل عسكري ولوجستي صعب بكل المقاييس ، خصوصا انه نفذ تفجير وزارتين "غير سياديتين، بحكم الاحتلال" وتتابع معها بتنفيذ ست هجمات أخرى في نفس اليوم الدامي.


وبعدأن نزلت الفاس بالراس كما يقال. وتوسعت دائرة الاختلاف بين مستشاري الرئاسات الثلاث (الحكومة، البرلمان، رئاسة الجمهورية) تناقضت اجتهاداتهم لمعالجة الملف الجديد في ظل حمى اعلامية وسياسوية لتشكيل واصطفاف الكيانات الانتهازية للانتخابات القادمة في ظل استمرار الاحتلال والاتفاقية الامنية مع اسيادهم الامريكان. بدا واضحا أن النظام الذي عولت عليه الولايات المتحدة أن يحمي فترة انسحاب قواتها من العراق، غير قادر على حماية نفسه، أولا، وغير قادر على التوحد والتماسك إزاء ما ينبغي عمله بحق الجيران والمحتل عندما يواجه البلد أخطارا شتى باتت معروفة جهاتها لكل ذي عقل.


لقد كانت فكرة الهروب من واقع لا يحسد عليه هو المراهنة على المحكمة الدولية والمطالبة بإجراء التحقيق القضائي الدولي مجازفة تضع حكومة المالكي نفسها في مرمى الادانة، وواضعة رقاب مجرميها في يد القوى الكبرى لكي يسهل ابتزازهم عند الطلب. وهي قضية يهرب بها أصحابها كمن يستجير من الرمضاء بالنار. ومن أفتى بها من المستشارين يكون مثل حيلة ذلك المستشار الذي طلب منه ملكه ان يعلم حماره القراءة والكتابة بسرعة قياسية وخلال سنة، او مصيره الاعدام فورا، فما كان من ذلك المستشار الا الموافقة على طلب الملك باستعداده لتعليم الحمار القراءة والكتابة لتأجيل موته المحتوم ان رفض ذلك، معللا قبوله المخاطرة بحياته بانجاز تلك المهمة، المعجزة، بتعليم الحمار بأن أمامه عاما كاملا، قد يكون كفيلا بحل الاقدار للمشكلة إما بموت الحمار او الملك او المستشار.


ان محنة من لارأي له ، ممن صار مستشارا لحكومة المالكي ، صارت مشكلة عراقية متفردة ويتفكه بها القاصي والداني، وفي كل مرة لا تسلم الجرة كما يقال، وقديما وفي منظور المثل الشعبي، قال العراقيون "خذ الشور من راس الثور". وملخص حكاية هذا المثل: ان قوما استنجدوا بمستشار لهم عن حل لمشكلتهم عندا استعصى على أحد ثيرانهم إخراج رأسه من جرة الطحين التي أدخله فيها. فأشار المستشار أولا بذبح الثور لكي تسلم الجرة، وتم ذبح الثور، فسقط الرأس وسط الجرة، ولم يتمكن القوم من اخراجه، فعادوا الى مستشارهم العتيد عله يجد حلا. فقال عليكم بكسر الجرة لإخراج الرأس.

 

وهكذا هي حلول حفنة مستشاري حكومة العراق بكل قضية.

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٠١ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٢٠ / أيلول / ٢٠٠٩ م