البيت الشيعي وركائز الجلبي الهشة

 
 

شبكة المنصور

أ.د. عبد الكاظم العبودي

عندما أفلس التاجر الليبرالي المتلصلص على السياسة العراقية أحمد الجلبي لم يجد بابا أمامه في العراق سوى التمسح بالمرجعية/ات الشيعية، فحط رحاله عدة مرات الى النجف ومثل دور المريد المطيع أمام شيخه، مثل دوره بإتقان وخسة عند الاستماع، وإظهار الطاعة وهز الرأس بالموافقة لما تقول له المرجعية بمكر وخبرة الثعالب السياسية، وأعلن مرارا أنه جاء ليستمع الى سماحة المرجع الأعلى، وتنفيذ توجيهاته، في بناء ومصير مستقبل الدولة الجديدة التي سيشرع ببنائها الاحتلال تحت إشراف بريمر وفريقه.


ناور أحمد الجلبي هنا وهناك ووضع اللمسات الأخيرة مع بريمر في تصور شكل واشخاص مجلس الحكم، والقوانين التي يجب الاعلان عنها، وفي مقدمتها قانون إجتثاث البعث، وحل الجيش، ووزارة الاعلام، وتحضير مسودة الدستور، وتشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات وهيئة النزاهة وكلها وضعت وفق تصورات طائفية مسبقة رغم تبجح الجلبي بعناوين الغرب الديمقراطي المتمثلة في سيادة القانون والعدالة واستقلال القضاء وبناء المؤسسات الديمقراطية . وكلها ترجمت مشوهة الغايات والاهداف فهي هيئات مؤتمرة أمريكيا، منها ما يسمى بهيئة النزاهة والهيئة المستقلة للانتخابات والشروع بوضع مسودات وأفكار لدستور طائفي مقيت، واحتفظ الجلبي لنفسه بالتصرف بهيئة اجتثاث البعث، ووثائق وزارة النفط والامن والمخابرات والدفاع.


عندها بدأ الجلبي يلوح في الجنوب الى لعبة المحاصصة الطائفية والمتاجرة بما سمي بالمظلومية التي يستحقها الشيعة وسكان الجنوب ودورهم المرتقب في الحكم الجديد، عمل مع الدوائر الامريكية المختصة على ان تكون الكفة في أول مجلس حكم ولو بصوت واحد لصالح التجمعات والتنظيمات والشخصيات الشيعية في مجلس الحكم. لقد تم شطب الشعب العراقي كله لصالح حفنة من الخونة ممن حضروا مؤتمرات المؤتمر الوطني واجتماعات لندن وصلاح الدين قبل الغزو الامريكي للعراق. حتى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى صار موسويا وألبسه الجلبي عمامة سوداء بدل عمامته الحمراء، وحرص على تسجيل اسمه الثلاثي ليوحي بشيعيته، لا بشيوعيته لأجل تعيينه في مجلس الحكم.


وحينما خسر الجلبي معركة الوصول الى رئاسة الحكومة، وهو الطامح الى رئاسة العراق كله ، إكتشف أن حجمه ومدى ولاء حلفاء الامس له في لندن وطهران كان شكليا. وخاب ظنه في الإمعات السياسية التي تعرف عليهم في كواليس فنادق لندن بجلابيبهم وعمائمهم وشراويلهم. كانوا بالامس أرانبا بائسة يرتجفون أمام مصروفهم اليومي وتكاليف اقامتهم من الثعلب الجلبي سواء في لندن او في العراق.


كان ذلك خطأه الاكبر والقاتل، فهؤلاء الخونة لوطنهم ليسوا من الوفاء لخائن مثلهم ، وهم قد رتبوا أمورهم مسبقا وتدريجيا، وبدأوا في الاستعداد للخدمة المباشرة عند الامريكيين والايرانيين من دون توكيل وبكل إخلاص في السيرك الامريكي القادم للعراق او لدى المصالح السرية الايرانية. ، بل أن العديد منهم قد حذر الامريكيين مسبقا، همزا ولمزا، من أن ينساقوا وراء استشارات الجلبي وكذبه ودهائه .


كان ظهور المقاومة الوطنية العراقية الباسلة أولى اشارات سقوط وهم الجلبي برؤية الورود والازاهير تستقبل الغزاة ومرافقيهم وسقوط مشروعه الحالم بحكم العراق. كما أفرز الشارع بمسيراته المليونية نحو النجف والعتبات المقدسة التي تم تنظيمها وادارتها باتقان وتخطيط إيراني حقيقة هوى حلفائه بالامس ، ففي كل مناسبة دينية كانت عمامة الجلبي تتدحرج بعيدا عن الشارع الشيعي، وتفرز وقائع جديدة على الارض أربكت الامريكيين عند فرز وانتقاء واستخدام أكثر الخدام أمانة للبيت الأبيض وسلطته في العراق ، فتم التراجع عن خدمة الجلبي الذي ظهر مفلسا من ناحية جماهيريته في العراق، فلم يكن هناك مؤتمر وطني ولا بطيخ سوى فيلة الجلبي في المنصور تحميها حراسات بلاك ووتر وثلة من رجاله، وكان من دون حلفاء أيضا؛ خاصة بعد أن استكلب واستفرد بنفسه في تشريع العديد من القوانين لإقصاء القوى التي يرى فيها خطرا على مستقبله السياسي في العراق، والحد من طموحاته لحكم العراق.


كان رهانه على توسيع حضور حزبه " المؤتمر الوطني" فلم يجد إستجابة عراقية داخلية له؛ بل ان الكثيرين من أنصاره قد إنسلخوا عنه. أول الحقائق الصادمة للجلبي تجسدت في أن المؤتمر الوطني لن يكون سيد كل الكيانات السياسية القديمة والجديدة التي انبعثت من تحت وبجوار خيمته اللندنية، فتشتت " المؤتمر الوطني" وصار شذر مذر، ليس له الا جيب الجلبي وناطقه قنبر. وابتلعت الوظائف والطموحات والامتيازات من تبقى من مرتزقته ليحسبوا مواقعهم على ضوء المتغيرات العاصفة بالعراق.


وعندما كان الجلبي معلمهم في لندن ، وأراد أن يكون قدوتهم ، لهذا وجد نفسه يحط الرحال مع القوات الامريكية وينزل ببدلة عسكرية خلف الدبابات الامريكية في الناصرية وسط هالة اعلامية مفبركة ومنها الى بغداد مع بعض المرتزقة الذين مثلوا مشاهد الفرهود والسرقة في ساحة الفردوس ونهب مؤسسات الدولة العراقية ثم تلاشوا أمام نفوذ المليشيات الاكبر التي استلمت دورهم الطائفي والاثني مثل بدر والبيشمركة وغيرها.


ليس من السهل هزيمة الجلبي من قبل حلفائه، فملفاتهم السرية لازالت لديه، لكن هؤلاء مسحوا أي قطرة من الخجل من جباههم وصاروا يتفاخرون بالعمالة من دون استحياء، ويمارسون الجريمة المنظمة والقتل وتنظيم السرقات والاختلاسات الكبرى وتزوير الانتخابات. والقضية الاخلاقية لم تعد شيمة رجال، او حتى قيم مجتمع. ومع هذا عاد الجلبي ليدخل من نافذة ظنها توصله الى حكم جنوب العراق بدل العراق المقسم طائفيا فتخلى عن شعارات المؤتمر الوطني وتنظيمه ليعلن عن وهم طائفي مقيت كلف العراق كثيرا من المئآسي والنكبات المتلاحقة كان عنوانه بإعلان " البيت الشيعي" مع عرابه موفق الربيعي وشلة من الوكلاء العلنيين والسريين للمخابرات الامريكية، لكن الشاطر عثر مرة أخرى عند عتبة البيت الشيعي فخرج الائتلاف الشيعي إيراني الهوى، ويقابله طائفيا كرد فعل، كتلة التوافق السنية، وهكذا جرت لعبة الجلبي الطائفية الويلات على العراقيين وصولا الى إشعال الحرب الطائفية وتوسع المذابح على الهوية. فاختفى الجلبي لفترة، ثم عاد بثوب الثعلب الليبرالي، ظنا منه ان كل الطائفيين قد خسروا العراق وشعبه ، فرشح مرة أخرى مع ثلة من امثاله في قوائم سميت مستقلة أو ليبرالية كليث كبة وعلي الدباغ وغيرهم، ظنا منهم بالفوز، فخسروا مرة أخرى جميعا، ولم يحصل ايا منهم بمقعد واحد لا في البرلمان ولا في مجالس المحافظات.


الائتلاف العراق الشيعي سليل البيت الشيعي مزقته صراعات السلطة الى مجلس اعلى وصدريين وفضيلة ودعوات، ووصلت بهم الحالة الى الاحتكام الى كل أسلحة التصفية ، كالاغتيالات والوشايات والاعتقالات واستعداءات الامريكيين وتبادل الخدمة في التعاون مع المحتل. وصار الائتلاف اعتلافا يقتات من إختلاسات وسرقات بنوك الدم والمال العراقي بنهم لا يشبع.


وفي هذا الجو يطل علينا أحمد الجلبي ويطل على الجو السياسي عله يربح من عودته شروى نقير، وعاد يتمسك بحمى المرجعية من جديد ، ويدخل تحت عباءة الحكيم الأصغر ويبايع "خدام أهل البيت" . يعود الجلبي في أخسر رهان في حياته وهو يدرك انها اللعبة الاخيرة في سباق ومضمار الخيول التي لم يعد يراهن عليها أحد، وهم في نظر العراقيين سوى بغال مرتزقة لقيطة لا تعرف الوفاء لبعضها البعض، ولا لتاريخ ودور الجلبي الذي جاء بها يوما في غفلة من التاريخ الى الحكم، بعد أن وشى بالعراق وأهله وباعهم وضخم من خطورة اسلحة الدمار الشامل وتحالف مع الامريكيين، فكان ان جر على نفسه وحلفائه الامريكيين ومرزقته العراقيين كل شرور البلاء السياسي واللعنة الابدية.

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ١١ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠١ / أيلول / ٢٠٠٩ م