الزحف على الكروش في السعي نحو العروش

 

 

شبكة المنصور

حسين المعاضيدي

هالني ما شاهدته، ولدرجة تفوق الخيال، فما وقعت عليه عيناي يتجاوز حدود المنطق والعقل، بل هو جنون في جنون في جنون.. فقبل أيام حصلت على أقراص مضغوطة تحوي عدة تقارير قام بإنتاجها أحد الأحزاب،


الذي هو على باب تفتت اليوم بعد نزوح أغلب قيادته الى مجهول التكتلات الأخرى، أو تجديدهم وابتداعهم لأحزاب جديدة، وتضمنت التقارير عشرات الصور المرعبة والمهولة، والتي لا يمكن وصف بشاعتها، لعراقيين تم قتلهم على أيدي المليشيات الطائفية، ولم يظهر أي منها على وسائل الإعلام بتاتاً، ورغم أنني شاهدت، ووقفت على آلاف الجرائم، من تلك التي لا يمكن ان تتقبل أية تسمية غير توصيف (بشعة)، إلا إنني لم أرَ كالذي رأيته في تلك التقارير!!


ومع أن زمن كثير من تلك الجرائم والانتهاكات قد جرت قبل مدة إلا أن الحزب عمل تلك التقارير وتكتم عليها ولم يظهرها الى العلن بانتظار، كما أسر لي أحد المقربين منهم، أن يحين موعد الانتخابات القادمة، لتصبح تلك التقارير ورقة دسمة في عرفهم ليحرك بها الباحثين عن المجد الزائل، وكرسي ذو أرجل ثلاث على حساب أهليهم وذويهم الذين يتاجرون بدمائهم وأرواحهم.


أقترب موعد ما يسمونها الانتخابات البرلمانية، وسيقترب معها الكشف عن الكثير من الفضائح المتبادلة بين الأحزاب التي جاءت على ظهر عربة حمير تجرها دبابة أميركية، فموسم تبادل التهم الحقيقية وليست الاعتباطية قد حل، وحان أوان قطف ما حصدته أيديهم قبل غيرهم في السنوات السبع الماضية من عمر الاحتلال، وسيبرع سياسيو الغفلة في فضح بعضهم البعض، تماماً كما برعوا في الخيانة والعمالة وقتل العراقيين مع أسيادهم المحتلين.


المضحك المبكي في موضوع تلك المنافسة (اللا شريفة) محاولة الجميع الحصول على المباركة الـ(قمية) والـ(طهرانية)، ومن مختلف الطوائف والمكونات، فبعد أن كانت الحوزة هي اللاعب الرئيس في مباركة القوائم الانتخابية ولكافة الطوائف، السنية قبل الشيعية، والكردية قبل الصدرية، باتت اليوم إيران هي اللاعب الأساس في ساحة الوهن السياسي، وفي ديمقراطية الوهم الامبريالي، فالأحزاب السنية لا تستطيع إطلاقاً ان تحدد هوية قوائمها الانتخابية قبل ان يقوم كبارها الصغار بزيارة المرشد الروحي لهم، والقوائم الشيعية لا تستطيع تحديد حتى ترقيم تسلسلات مرتزقتها في قوائمها الانتخابية قبل أن تتمسح بسترة (أنجاد)، والقوائم الكردية ليس لها الحق في إضافة أسم أي من الـ(كاكات) لقوائمها ما لم تُذيّل بختم (السيد)، مثلما ليس لهم الحق في رفع شكوى أو الإدلاء بأي تصريح يتساءل، ولو من بعيد، عن أسباب قصف إيران لشمالنا العراقي الخاضع لسيطرة جلاوزة ومجرمي الحزبين الكرديين.


المراقب لما يجري على الساحة العراقية تثير اشمئزازه طبيعة التحالفات التي تجري خلف الأبواب الموصدة، فما تسمى بالقوائم الوطنية انزلقت الى هاوية الطائفية المقيتة، إذ يبدو ان حسابات الفوز والخسارة مدعاة لهذه القوائم للتخلي عن الهوية الوطنية التي كانت تدعيها،بعد انضمامها الى القوائم الطائفية المقيتة، لتصبح في ميزان التفاهة واحدة، كما يحصل مع قائمة رئيس حكومة الاحتلال الأولى، الذي كان يعد نفسه (الزعيم الوطني الأوحد)، والحال نفسه ينطبق على القتلة المأجورين الذين كانوا يذبحون بأبناء الإسلام، وأبناء العراق، بحجة محاربتهم للقاعدة، الذين وصفوا أنفسهم بـ(الصحوات) وهم تجار يغفون في النهار ويصحون في الليل ليقتلوا ويعدموا ويذبحوا بطريقة حيوانات الغابة المتوحشة، حيث سارع من يدعي (المشيخة) ممن كان يرفع شعار محاربة إيران بكل الطرق والوسائل، قبل أن يرفع شعاره الجديد، مصادقة إيران بكل الطرق والوسائل، الى وضع مضيفه وتاريخه الذي عرفه القاصي والداني تحت أبط منفذ خارطة الإطلاعات الإيرانية رئيس حكومة الاحتلال الحالية، المالكي، بعد ان سبقه من يقود اكبر حملة لتغيير الطائفة في القرن العشرين، وهو حميد الهايس الذي يبذخ بالأموال بعد عودته من (قم) العاصمة الدينية لإيران، والذي انخرط في قائمة كانت ولا تزال هي المُصدّر الأول للقتل، سواء للعراقيين السنة، أو الشيعة منهم!


وان كان هؤلاء يمثلون المد العشائري الرجعي والمتخاذل قبالة الوقفة المشرفة للكثير من العشائر العربية الأصيلة بوجه كل أشكال الاحتلال، الأميركي والصفوي، وحتى اليهودي، فان هناك من يمثل مجلس النواب المنتخب بطريقة الـ(هوب هوب) أو الـ(لاهاي هي) كما يسميها أبناء الرافدين، ألا وهو أياد السامرائي الذي اتجه الى العاصمتين الدينية والسياسية الإيرانيتين، ليقدم فروض الطاعة والولاء والبراء، فبعد أن أدى مراسيم الزيارة المخصصة لمن يريد ان يصل الى العروش، أتجه الى مقابلة مهندس التحالفات السياسية الجديدة (علي لاريجاني)، الذي كان محرك، ومهندس المشروع النووي الإيراني، قبل أن يترك منصبه لما هو أهم من مشروعهم النووي، من وجهة نظر الإيرانيين على الأقل، ألا وهو قيادة العراق، وتصنيف كياناته السياسية، وترتيب أوراق المنطقة الخضراء الداخلية، بحسب قرب، وتبعية المسؤولين، المحسوبين على العراق، لعاصمة الشر الفارسية!


تذكرت وأنا اكتب هذه الكلمات قصة صديق لي، كان يعمل مدرساً لمادة التربية الإسلامية في أحدى مدارس الكوت، وهو أبن العاصمة بغداد، فقد كان، وبحسب نظام حرية ممارسة الأديان في زمن ما قبل الاحتلال، من حق الطالب المسيحي عدم حضور درس التربية الإسلامية، فجاء إلى المدرس أحد الطلبة، طالباً منه السماح له بترك الدرس والمحاضرة، كونه مسيحي الديانة، وحينما تأمل المدرس وجهه، الأملح الأكلح، كما يقال في لهجتنا العراقية، ظهر له ومن سيما وجهه أنه كاذب، وأنه يدعي المسيحية ليتهرب من درس التربية الإسلامية، فما كان من المدرس إلا ان وبخه بشدة، وطرده من الصف، فالإسلام برئ من المتبرئين منه!


هذه القصة حضرتني وأنا أتأمل الزيارات المكوكية لطهران، والتي لا يحق لأحد أن يصبح أحد أدوات العملية السياسية ما لم يقم بها، حتى لو كانت تحت ستار ملف المياه، وملف الأسرى، وملف ترسيم الحدود، وإعادة الحقول النفطية المغتصبة، فإيران في عرف سياسيي الاحتلال هي عصب الحياة، بل شريان الدم الذي يغذي العملية السياسية الأميركية، تماماً كما تغذي هي ذاتها شمال العراق يومياً بعشرات قذائف المدفعية، وسط صمت محتلي العراق، أو من ينصبون أنفسهم حكاماً على عراق اليوم، فتلك الزيارات المكوكية، التي لا تتوقف على استلام الأوامر السياسية، بل والدينية منها، فالذاهب الى (بيت الطاعة) هناك يتوجب عليها تأدية الزيارة، شاء أم أبى، وعليه ان يزور، رغم انفه، قبر قاتل سيدنا عمر (أبو لؤلوة المجوسي) الذي يطلق عليه عمائم الشيطان والدجل (بابا شجاع)، وعليه الزحف على بطنه من باب مرقد القبر وحتى الضريح النجس لقاتل أعدل الناس بعد سيدنا محمد صلوات ربي وسلامه عليه، مثلما فعل قادة القوائم السنية الذين زحفوا على بطونهم نزولاً عند أوامر (سيدهم) الأكبر، بعدما زحف قبلهم قادة السلطة الزائفة من قبل، وهو ما كشفته وفضحته الوقائع والحقائق التي ينتظر بعض من يمتلكونها ان يحين وقت الانتخابات ليفضحونهم عند صندوق الاقتراع الذي لا يقدم ولا يؤخر في نتائج وضعت مسبقاً وسلفاً، وجهزت منذ الآن لتنقل من دول الجوار الشرقي أو من خلف البحار والمحيطات البعيدة، وكل صندوق حسب شدة ولاء الأصحاب والأحباب، لا كما يشتهي الناخب العراقي، الذي ملّ الذهاب دون ان يحدث صوته فرقاً، أو يتمكن من إيقاف معادلة الخيانة، والموضوعة قواعدها وقوانينها وفق حسابات فلك واشنطن وطهران!


الغريب في هذا الأمر، الموقف الأميركي من كل ما يجري، فإيران التي هي في الإعلام العدو الأول، والخطر الأكبر الذي يهدد الشيطان الأكبر أميركا، وشيطانها الأصغر إسرائيل، يقف الشيطان الأكبر منها ومما تقوم به على الساحة العراقية موقف المتفرج رغم التغلغل الذي وصل حد العظم، بل أن هذا الشيطان أحياناً يدعم التوجه الإيراني في الخفاء ويرعى زحف السياسيين على بطونهم في سعيهم الى العرش العراقي الذي لا يمر على ما يبدو إلا عبر بوابة (أبو لؤلؤة المجوسي)، مع أن الشيطان يؤيد الموقف التركي في العلن، ذلك الموقف الذي أريد له تحجيم الوجود الإيراني في المشهد العراقي، والذي دخل بضوء أخضر من الديناصور الغارق في الوحل العراقي، وسط صمت وترقب الكثير ممن يتأملون خيراً من هذا الدور، الذي تؤكد الوقائع اليوم أنه لن يعدو أكثر من كونه زوبعة في فنجان ما يجري داخل حدود، أريد لها ان تكون منفلتة من الشرق والشمال، لغاية في نفس العم سام!
ومع أن الكل خاسرين في هذه المعمة، رغم ربحهم الآني، أو هكذا يظنون، إلا ان القادم من الأيام سيثبت أن العراق، الذي فرط به حكام العرب والمسلمين، وجعلوه قرباناً على مذبح مناصبهم وكراسيهم الزائلة بإذن الله، سيعود، ليكون شوكة، كما كان على الدوام، في عيون من يفكر ان يجعل منه إقليماً إيرانياً، أو ولاية أميركية، أو مقاطعة تركية، فكل هؤلاء سيهوون في الدرك الأسفل من جحيم العراق، ولن يحكم العراق، إلا عربي، مسلم، وبدستور الإسلام، رغم انف المراهنين، والمتاجرين، وبائعي الهوى، من الزاحفين على الكروش في سعيهم نحو العروش!!

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ١٤ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٣ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور