العروبة حاضنة الإسلام

 
 
 

شبكة المنصور

هداج جبر
من نفحات شهر رمضان الكريم، التي نعيش لحظاتها،هذه الأيام ،هي ليلة القدر، التي خصها الله تعالى، بأعلى درجات الخيرية، عندما جعلها خير من ألف شهر. ولا عجب في ذلك، فهي الليلة التي نزل فيها القران الكريم ،(هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان).


ولعل نزول القران المجيد، على النبي الكريم، محمد بن عبدا لله(صلى اله عليه وسلم)، في العام    610 للميلاد، في غار حراء، يعني أن التنزيل، كخيار الهي، قد حصل، زمانا ومكانا، في بيئة عربية خالصة ابتداء، اختار الله من بين وسطها، محمدا، ليكون النبي الخاتم، المبلغ لرسالة السماء، إلى العرب، ومن خلالهم إلى العالمين.

 
ولم يأتي هذا الخيار، والاختيار، إلا ليستكمل مكارم الأخلاق، التي كان المجتمع العربي، على كل السلبيات المرافقة، يزخر بما هو رفيع ومعتبر منها، وفي مقدمتها، الكرم، ونصرة المظلوم،وإيواء المستجير، والإباء، وعدم السكوت على الضيم، وإطعام الجائع، والمعتر، حتى أن عبد المطلب، سيد العرب، قال يمدح احدهم:


             ضروب بنصل السيف سوق سمانها        إذا شح زادهـــم فانــك عــاقر


ولم يعدم القران الكريم، خيرية العرب، عندما جعل الجيل الرباني الأول منهم، (خير امة أخرجت للناس)، عندما كانوا يتماهون مع تجليات التنزيل، في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، في عملية انقلاب شاملة، على الذات والموضوع، حتى استحقوا الوصف الرباني لهم،( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا).


ولعل أعظم شرف حظي العرب به، بجانب اختيارهم امة وسطا، واختيار النبي الكريم من وسطهم، ليكون نبي الرحمة للعالمين، وهو تطلع سامي،كأنهم كانوا على موعد معه، عندما تنبأ به، جده عبد المطلب، عندما بشروه بمولد الغلام، وسماه محمدا، فقال ردا على اختياره لهذا الاسم، غير المألوف عندهم (أردت بهذا الاسم أن يكون محمودا في الأرض وفي السماء)، فكان المصطفى، كذلك، في الأرض وفي السماء،كما في الدنيا والآخرة.

 
كما جاء اختيار الله سبحانه وتعالى، للغة العرب، لكي تكون لغة التنزيل، بقوله(إنا أنزلناه قرانا عربيا لعلهم يعقلون)، بمثابة توكيد من الله سبحانه، علي عربية القران .ولا جرم أن هذا الاختيار الإلهي، يحمل الكثير من دلالات الشرف، وعلو المكانة، لأداة فهم القران، على مر الزمن، ولعل الحفاظ على سلامة تلاوته، وسلامة التلفظ بآياته، من خلال التواتر في القراءات المروية، ومن فيض التوجيه الرباني، باعتماد هذا النهج، (فإذا قراناه فاتبع قرانه)، دليل على على أبدية التواصل مع القران، وفهم هديه من خلال لغة التنزيل، حتى تقوم الساعة ،حيث تكفل الله تعالى بحفظه، آيا ومعنى ولفظا، بجانب اختصاصه بتنزيله.


على أن الملاحظ اليوم، أن المد الشعوبي، الذي يريد النيل من الأمة العربية، ويستهدفها كيانا، ووجودا وحضارة، وأرضا، اخذ يستفحل، بتواطئه علنا، مع القوى الإقليمية والدولية ، في مسعى خبيث، لمحو هويتها، وتجزئة أقطارها، وتأجيج الصراعات العرقية والطائفية، لتمزيق الجسد العربي الواحد.


ولقد جاء الاحتلال الأمريكي البغيض للعراق، بالتواطؤ مع الصهيونية والشعوبية الصفوية، ليمثل أبشع صور العدوان، حيث كان الغزو، يتخطى مجرد تحقيق هدف الاحتلال العسكري المباشر، إلى محو الهوية، وكنس الموروث الحضاري، وتمزيق وحدة العراق أرضا وشعبا .


وما يحصل الآن من عدوان على وحدة اليمن، مركز الوجود العربي، والتواطؤ الأجنبي والشعوبي، مع دعاة الانفصال، وكذلك ما يتعرض له السودان اليوم، من مؤامرة، لسلخ إقليم دارفور، بذرائع زائفة، تتستر بالإبادة الجماعية تارة ، وحقوق الإنسان تارة أخرى،واختزال الصراع العربي الصهيوني،إلى مجرد تجميد الاستيطان، ناهيك عن التعرض لسيادة السعودية، في عمليات جس نبض، للقادم من الأيام، لتمزيقها، بدعاوى التسنن، والمذهبية الوهابية، ماهي إلا إشارات واضحة، على شراسة الهجمة الشعوبية، على الأمة العربية.


إن المطلوب من العرب، الآن، أن ينتبهوا إلى خطورة المؤامرة، وان يتصدوا بحزم، لكل محاولة للمس بأمنهم، ووحدتهم، وكيانهم،مما يهدد المصير العربي بالفناء، وان يهبوا أنظمة، ومؤسسات، وجماهيرا، للدفاع عن الوجود،ووحدة المصير، وان يتداعوا، إلى تشكيل جبهة عربية عريضة، لاستنفار الجهد العربي، والمضموم من الإمكانات، وبما يسمو على أي خلافات هامشية ،لمواجهة الخطر الاستعماري الصهيوني الشعوبي الداهم، إذا ما وجدوا، أن الوحدة العربية، العلاج السحري، لكل مشاكل العرب، بعيدة المنال، لأي سبب كان، في الوقت الحاضر،وبعكسه فان السوء الشعوبي، والعدوان الأجنبي، سيطال الجميع، بالاستفراد،القطر تلو الآخر، وفي المدى المنظور، وليس على المدى البعيد.

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين / ٢٤ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٤ / أيلول / ٢٠٠٩ م