النص المكتوب للحوار الهام  مع سفير جمهورية العراق الأستاذ صلاح المختار

 وموضوع الحوار
تحليل لخطاب الرئيس المجاهد عزت ابراهيم الدوري حفظه الله

 
 
 

شبكة المنصور

إذاعة صوت الرافدين

يسعدنا و يشرفنا أن يكون ضيفنا و ضيفكم سعادة السفير الشرعي لجمهورية العراق  الأستاذ صلاح المختار . سيكون موضوع حلقة اليوم هو تحليل للخطاب التاريخي لقائد الجمع المؤمن  المهيب الركن عزت ابراهيم الدوري حفظه الله .

 

سبب تسليط الضوء على خطاب القائد لأهمية هذا الخطاب ، هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى لتوضيح أهم النقاط التي تحتاج للشرح من سعادة سفير جمهورية العراق الأستاذ صلاح المختار.

 

إذاعة صوت الرافدين:

أهلا بك أستاذ أبو أوس  و نرحب بك في صوت الرافدين . في الحقيقة نحن بحاجة  و أبناء أمتنا بحاجة لشرح  الخطاب التاريخي للقائد المؤمن عزت ابراهيم الدوري.

 

صلاح المختار:

شكرا جزيلا أخي أبو سامي ، حفظكم الله و وفقكم في هذه الشبكة المناضلة  المجاهدة.

نعم هناك الكثير من التساؤلات خارج العراق بالتأكيد ( داخل العراق لا توجد تساؤلات ) حول بعض ما ورد في الخطاب خصوصا نتيجة الاستغلال السيّئ من طرف عناصر السوء لهذا الخطاب و محاولتها تنفيذ  وجه من أوجه شيطنة البعث عن طريق إساءة تفسير بعض فقرات هذا الخطاب. لذلك أنا مسرور للإجابة عن ما لديكم من أسئلة  أو تساؤلات أو ملاحظات حول هذا الخطاب.

 

إذاعة صوت الرافدين:

حقيقة هناك كثير من التساؤلات من أبناء أمتنا في خصوص  خطاب القائد المجاهد المؤمن عزت ابراهيم الدوري، و كما لاحظتم حضرتكم أن هناك من حاول أن يأخذ فقرات من هذا الخطاب و يفسره على هواه . لهذا نريد أن نضع النقاط على الحروف كي يكون شرحكم هو المعتمد لدى أبناء أمتنا لمراجعته  واعتماده في شرح خطاب القائد المؤمن.

 

أستاذ صلاح المختار، الرئيس عزت ابراهيم الدوري طالب فصائل المقاومة بضرورة التوحد فهل جاء هذا المطلب في وقته أم تأخر ؟ و هل تمت الاستجابة لخطاب الرئيس عزت ابراهيم الدوري و أقصد هنا هل وجدتم استجابة من طرف جميع فصائل المقاومة لمطلب التوحيد بعد الخطاب ؟

 

صلاح المختار:

شكرا جزيلا على هذا السؤال. أبدأ بالإجابة على سؤال هل الدعوة متأخرة أم جاءت في وقتها ؟ لا بد من الإشارة إلى أن الخطاب لم يكن الدعوة الأولى . فالحزب منذ الأسابيع الأولى للاحتلال شرع في الاتصال بالفصائل الجديدة التي ظهرت  من خارج الحزب في صفوف المقاومة و أراد أن ينسق معها. و بالفعل  منذ سنة 2003 و خاصة نهايات 2003  بدأ التنسيق بين البعث و فصائل أخرى خصوصا و أن البعث آنذاك كان يعمل تحت واجهات و أسماء بعيدة كل البعد عن حزب البعث  لأسباب تتعلق بتكتيكات الحزب و الخطة الأمنية التي وضعت لحماية الحزب من التصفية على اعتبار أن الحزب هو الطرف الأساسي الذي استهدفه الاحتلال و الطرف الأساسي الذي يطارده الاحتلال و الطرف الأساسي الذي اغتال منه الاحتلال خيرة كوادره و أسّر عشرات الآلاف منهم لذلك كان من الطبيعي في تلك الفترة و ما بعدها أيضا أن يعتمد الحزب أسلوبا يقوم على تمويه عمله الكفاحي المسلح و أن يبعده عن أي صلة ظاهرية بالحزب .

 

و شجعت هذه الحقيقة الحزب على توحيد الفصائل في وقتها و إعادة تشكيلها بين فترة و أخرى لأن السنة الأولى و الثانية من المقاومة تميّزت بتشكيل و إعادة تشكيل الفصائل لاعتبارات عديدة مختلفة. هذه المقدمة لابد منها للمرور إلى الجواب عن السؤال. الخطاب سبقه وقت طويل من الاتصالات المباشرة  مع كثير من فصائل المقاومة غير البعثية  من أجل التوحد في إطار قيادة عسكرية موحدة و توحيد القوى الوطنية أي القوى السياسية الداعمة للمقاومة في جبهة وطنية و قومية و إسلامية واحدة ، و قبل أن تكتمل  عملية الاتفاق برزت بعض المشاكل أثناء الاتصالات و أثناء تبادل وجهات النظر مع الفصائل الأخرى ، و أهم ما برز  هو العائق الايديولوجي و أيضا معه العائق النفسي . العائق الايديولوجي كان يضغط على فصائل معيّنة اسلامية  لكي لا تتحالف مع البعث من منطلق أن البعث حزب علماني أو حزب كافر كما يقولون و ليس من الممكن اللقاء مع هذا الحزب. أما العامل النفسي فيتمثل في كون بعض الفصائل لديها صلات أو امتداد لتكتلات و تنظيمات  سياسية كانت قبل الغزو مناهضة للبعث وهي أيضا تكتلات اسلامية .

 

و مع ذلك لم ييأس الحزب ، واصل الاتصالات و حالما أصبحت أوضاع العراق قريبة من الحسم حتى اقتنع الحزب بأن حسم هذا الموضوع ضروري جدا لمواجهة استحقاقات مرحلة الحسم . فجاء خطاب الرفيق عزت ابراهيم الدوري أمين عام الحزب و قائد الجهاد داعيا الفصائل المقاتلة إلى الوحدة في إطار جبهة عسكرية واحدة و القوى الوطنية للتوحد في إطار جبهة وطنية واحدة لكي تكون للمقاومة بندقية واحدة و صوت واحد في السياسة و الاعلام و في جبهات القتال ، خصوصا استعدادا للتفاوض بوفد مشترك يمثل الجميع مع قوات الاحتلال التي وصلت إلى مرحلة الهزيمة في أرض العراق . هذه الدعوة جاءت في وقتها أولا  كما أن لها مقدمات طويلة  بدأت منذ سنوات وهي الاتصالات من أجل إقناع الآخرين للتوحد من منطلق أن الوحدة الآن ضرورة حاسمة لا بد منها  ولا يمكن تأجيلها لوجود تنظيمات متعددة يخشى اثناء التحرير أو بعد التحرير أن يلعب الاحتلال لعبته فيحرّض أو يستغل بعض  الظروف لإشعال القتال بين فصائل المقاومة و عند ذاك يتحوّل النصر من مفخرة و فرحة وطنية و قومية  إلى كارثة وطنية. هذا هو الإطار العام للدعوة التي وجهها الرفيق عزت ابراهيم.

 

أما عن الاستجابة فإنها إيجابية من قبل أغلب الفصائل وهناك اتصالات مستمرة لترجمة هذه الدعوة و نقلها إلى واقع ميداني ملموس و فعّال.

 

إذاعة صوت الرافدين:

هناك أمر نريد رأيكم فيه و هو أن خطاب  الرئيس المجاهد عزت ابراهيم الدوري وضّح أن جلّ فصائل المقاومة هي من جيش العراق الباسل  و من حزبنا المجاهد حزب البعث العربي الاشتراكي فهل طالما أن جل المقاومة من البعث و من الجيش العراقي فهل هم موحدون ،يعني هل إن الجيش العراقي الذي يقاوم و الذي تحول من جيش كلاسيكي إلى جيش مقاومة هل هو موحد ؟     وهل إن فصائل البعث التي تقاوم الآن المحتل الأمريكي هل هي موحدة ؟

 

صلاح المختار:

هناك حقيقة لا ينكرها أحد في جميع أوساط المقاومة البعثية وغير البعثية و هي أن جميع الفصائل التي تشكلت في العراق تشكلت من الجيش العراقي الشرعي أي جيش الدولة العراقية التي كان يحكمها حزب البعث العربي الاشتراكي وهؤلاء في غالبيّتهم كانوا بعثيين وهذا هو الذي قصدته في البداية حين قلت أن الحزب بعد الغزو انتشر و حاول ان يعمل بأسماء مختلفة و تحت واجهات مختلفة و من وراء شخصيات مختلفة . إذا نظرنا إلى الساحة الجهادية الآن نجد أن الكتلة الرئيسية في المقاومة العراقية  هي كتلة جبهة الجهاد و التحرير  وهي تضم حوالي أربعين جيشا و فصيلا مقاتلا وتضم خيرة  ضباط الجيش العراقي الوطني تأهيلا و تاريخا و ممارسة ، بالإضافة لذلك يتميّز الخط الجهادي البعثي في أنه مدعوم بتنظيم جماهيري يشمل العراق بكامله في حين أن بقية الفصائل هي فصائل نخبوية تضم عدة عشرات و أحيانا خمسة أو ستة أشخاص و أكبرها يضم مائة أو مائة و عشرين أو مائتي  مقاتل ، وحتى هؤلاء بغالبيتهم خلفياتهم بعثية لأن بعض البعثيين تركوا الحزب لأسباب مختلفة وانخرط في فصائل أخرى غير بعثية و بقى فيها .

 

يبقى السؤال هل يحتاج الحزب لهذه الفصائل و التوحد معها قبل التحرير؟ الجواب نعم. ليست المسألة كتلة كبيرة و كتلة صغيرة . المسألة أن التحرير يجب أن يتم بإرادة موحدة و بندقية موحدة و بصوت واحد خشية أن تحدث أحداث  غير مطلوبة أثناء التحرير أو بعد التحرير . الخلافات الايديولوجية و السياسية الموجودة الآن قد تكون دافعا مغريا لمحاولات الانفراد بالسلطة في مدينة أو في قرية أو في حي من الأحياء من قبل فصيل أو جماعة . أو أن ترفض بعض الفصائل الصغيرة الانضباط و الالتزام بتوجيهات القيادة المركزية  للمقاومة أثناء الانتصار الحاسم للثورة واستلام السلطة . و هذه الاحتمالات قائمة ما دام هناك  تعدد في التنظيمات كما أن الاحتلال و مخابرات الاحتلال و مخابرات إيران وغير إيران تستطيع التغلغل و الاختراق عندما يكون هناك تعدد في الأصوات و التنظيمات. أما حين تتوحد الإرادة و التنظيم و الصوت فإن القدرة على الاختراق تقل و تصبح ضعيفة جدا و غير مؤثرة، لذلك فإن الوحدة ضرورية  من أجل تحقيق هذا الهدف وهو ضمان عدم حصول اقتتال أو اختلاف بين فصائل المقاومة من جهة و من أجل تقليص معاناة الشعب العراقي و عدم السماح بإطالة هذه المعاناة أثناء فترة التحرير أو بعد استلام السلطة من جهة أخرى.

 

لا نريد أن يحصل أي صراع اثناء وبعد استلام السلطة وبعد التحرير لأننا مصممون على أن نمنع أي أحداث تضيف مآسي جديدة لشعبنا نتيجة عدم وجود الوحدة. إن الوحدة و الحدّ الأدنى منها أي التنسيق المباشر و الرئيسي ضرورة من ضرورات ضمان الانتصار بأقصر الطرق و بأقل الخسائر. كما أنه ضمان بعد التحرير لعدم حصول مشاكل بين فصائل المقاومة.

 

إذاعة صوت الرافدين:

نأتي إلى جانب آخر من خطاب الرئيس عزت ابراهيم الدوري و هو الكويت. لا شك أن حضرتكم قد استمعتم إلى آراء متنوعة  من أبناء أمتنا و من أبناء العراق  فيما يخص الجانب الكويتي . هنالك من رحب بالخطاب و هنالك  فئة أصبحت تأخذ مقاطع من خطاب الرئيس عزت ابراهيم الدوري و تحلّل على هواها. مثلا  هناك من يقول ( اسمح لي أن أردّد ما سمعناه  و سمعتموه أنتم من فئة معيّنة ) أن هذا الخطاب عبارة عن تهجم و نقد للرئيس صدام حسين رحمه الله  فنريد من حضرتكم أن تضعوا النقاط على الحروف و توضحوا لأبناء أمتكم  هذا المقطع الذي يخص الكويت  و ما قصده الرئيس  عزت ابراهيم الدوري .

 

صلاح المختار:

شكرا على هذا السؤال المهم . قبل أن أجيب على هذا السؤال يجب أن أوضح نقطة هامة و جوهرية . إن من اعترض خارج العراق على هذا الخطاب لا يشكل وزنا على المستوى السياسي و هم أنفار وأفراد . و غالبا لديهم مواقف مسبقة من البعث وكانوا يتربصون به لالتقاط أي موقف  أو تصرف أو كلام  يمكن تفسيره بصورة متناقضة . و هؤلاء كلهم يعيشون خارج العراق        وخصوصا في أوروبا  و الرأس الذي يقف وراء هذه الحملة  المشبوهة ليس عراقيا بل يحمل جنسية دولة أوروبية و أنت تعلم أن العراق و كل الأقطار باستثناء "اسرائيل"  لا تسمح بازدواجية الجنسية . و هذا الشخص تابع لمخابرات أكثر من جهة  و ينفذ توجيهات تلك الأطراف . فالنقد الذي صدر في غالبيته عبارة عن محاولات تشويه و شيطنة للبعث و تقع في إطار شيطنة البعث التي تعدّ المقدمة الضرورية و الحتمية لاجتثاث البعث. أما الوطنيين و المخلصين الذين طرحوا أسئلة  حول هذه الفقرة من الخطاب فمن حقهم أن يتساءلوا  لأن الموضوع حساس و فيه عواطف إضافة للحقوق .

 

من حيث المبدأ يجب أن نقول ما يلي :

أولا: إن هذا الخطاب في هذه الفقرة بالذات انتقد الخطوة التي أقدمت عليها القيادة  و لم يتراجع عن حقوق العراق  على الإطلاق . للعراق حقوق ثابتة لا تتغيّر و لا يمكن التنازل عنها  قبل غزو العراق و بعد غزو العراق و الانتقاد ينصرف إلى موقف سياسي   وإلى خطوة عسكرية و لا ينصرف إلى حقوق العراق  على الإطلاق . هذه النقطة يجب أن تكون واضحة لأن البعض يعتقد أن القول بأن الخطوة كانت خاطئة يعني التنازل عن حقوق العراق. ، يعني اعتراف أن الموقف الكويتي هو الصحيح. هذا التفسير لئيم و سيء ومن قاموا به هم الذين قصدناهم بقولنا أنهم يمثلون مخططات أمريكية و إيرانية . هذه النقطة يجب أن تكون واضحة . الاعتراف بأن دخول الكويت كان خطأ لا يعني  المس بحقوق العراق.

 

الرفيق عزت ابراهيم الدوري كان دقيقا حينما تحدث و قال  بأن الخطأ كان خطأ القيادة و لم يقل أن هذا الخطأ هو خطأ الرئيس الشهيد صدام حسين لأن الرفيق عزت الدوري كان الشخص الثاني في القيادة و يعرف ما يقول . و خطأ دخول الكويت خطأ استراتيجي  لأنه جاء في وقت غير مناسب في وقت انهيار الكتلة الشيوعية وهي كانت الموازن و الرادع الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية  في ظرف كان فيه العراق معزولا عربيا على المستوى الرسمي و يعاني من عزلة دولية ومن تجميد الكثير من علاقاته الاقتصادية و التكنولوجية في العالم. لهذا فإن الخطوة كان يجب أن تحسب  في إطار اقليمي و إطار عالمي قبل الإقدام عليها . هذا هو المعنى الذي قصده الرفيق عزت ابراهيم الدوري . فهو انتقاد لخطوة ، انتقاد لعمل كبير قامت به الدولة العراقية    والحزب آنذاك و كان يفترض أن يكون العمل مدروسا أكثر و محسوبا أكثر لتجنب الآثار السلبية التي ترتبت عليه. وعلينا الانتباه جيدا الى الوصف فقد قال الرفيق المناضل عزة ابراهيم انه كان خطئا ستراتيجيا أي خطأ في الخطة والتقدير وليس خطأ في المبدأ العام .

 

ثانيا: المقصود بالنقد ليس الرئيس الشهيد صدام حسين  وإنما القيادة ، قيادة الحزب و الدولة بما فيها الرفيق عزت الدوري الذي يتحمل جزءا من المسؤولية لأنه الشخص الثاني في الدولة و الحزب كما تعلمون.

 

ثالثا: حزب البعث  وقيادة حزب البعث هي قيادة أفراد ينتمون إلى الجنس البشري . و الجنس البشري خطّاء بطبيعته  و أي عمل بشري فيه أخطاء مثلما فيه انجازات و صواب ، ومن يفترض أن حزبا أو قيادة ما لا تقع في أخطاء إما جاهل أو يتظاهر بالجهل لخدمة هدف لئيم و هدف غير موضوعي. الأخطاء واردة ، حتى الجسد البشري تموت فيه يوميا آلاف الخلايا و تتجدد الخلايا ،    وموت الخلايا و تجدد الخلايا هو نوع من التقويم الفيزيولوجي  للانسان . فالأخطاء هي الناتج الطبيعي لممارسة الحياة على المستوى العام وفي السياسة الأخطاء هي الناتج الرئيسي لممارسة السياسة والإقدام على خيارات صعبة و معقدة في ظروف معقدة جدا .

 

الخطأ وارد إما نتيجة الظروف أو نتيجة سوء التقدير من قبل من أقدم على العمل . من يقول بأن الانتقاد خطأ لا يفهم هذه الحقيقة  ويصور حزب البعث كأنه حزب آلهة  وملائكة لا تخطئ  و هذا غير صحيح. فكما أن التشكيك بالبعث و معاداة البعث موقفا خاطئا فإن تنزيه البعث من الأخطاء موقف خاطئ أيضا لأنه يورط البعث في مواصلة الأخطاء دون تصحيحها مع أن التصحيح هو تجديد لخلايا الحزب . كما يجدد الجسد خلاياه فإن تصحيح الأخطاء هو نقد الاخطاء هو تجديد لشباب الحزب ، تجديد لهوية الحزب ، تجديد لقدرة الحزب على مواصلة النضال من أجل تحقيق أهدافه. العمل النقدي و التقويمي داخل الحزب  جزء مقوّم أي جزء أساسي من عمل الحزب و من طبيعة العمل الحزبي. أضرب  لك مثلا ، في الحزب بين كل دورتين انتخابيتين وهي تدوم أربع سنوات عندما تعقد الدورة الانتخابية الجديدة  تناقش تقريرا مفصلا عن ما حققه الحزب خلال أربع سنوات أين أخفق و أين نجح، أين كانت السلبيات و أين كانت الإيجابيات ، هذا في الحالات العادية و في الخطط العادية . فكيف الحال حين يكون التقويم لمرحلة عمرها 35 عاما كانت الأخطر في تاريخ الأمة ربما من أخطر لحظات العالم بكامله ؟ ألا تحتاج هذه المرحلة إلى تقويم موضوعي ليس من أجل الردة و إنما من أجل التقدم إلى الأمام و من أجل تعزيز المبادئ و المنطلقات الأصيلة و التمسك بها و لكن بعد تعزيزها و تمتينها و تنقيتها من الأخطاء و من الشوائب التي أثبتت التجربة أنها أخطاء؟

 

في هذه الحالة فإن النقد مطلوب و هذا أمر معلوم . منذ الغزو و حتى الآن  تطالبنا شخصيات و تطالبنا أحزاب بالقيام بعملية نقدية للمرحلة السابقة و كنا نرفض هذا الطلب لأنه ينطوي على مخاطر شديدة بالنسبة للحزب على اعتبار أن من يحق له تقويم المرحلة و نقدها هو المؤتمر القطري المنتخب ديمقراطيا ، والمؤتمر القطري يتشكل من حوالي 300 مناضل و كادر.  ففي أي مكان يمكن أن يعقد هذا المؤتمر والاحتلال موجود والبعثيون مطاردون و يتم اجتثاثهم و اغتيالهم يوميا ؟ للأسباب الأمنية الصرفة لم يعقد المؤتمر القطري لمناقشة مسيرة 35 عاما رغم أن هناك تقارير معدّة الآن أولية حول التجربة و حول جوانب أساسية من التجربة لأن المؤتمر القطري حينما سيعقد ستقدم إليه تقارير متنوعة تشمل مختلف الجوانب الاقتصادية و السياسية و العسكرية و العلمية   والتنموية إلخ..لا بد من تقويم المرحلة بكاملها و هذا أمر طبيعي و أمر ضروري و الحزب الذي لا  يعيد النظر في مسيرته تقويما و تصحيحا و ليس لأجل الردة يموت و ينتهي ، و حزب البعث حزب خالد. حزب البعث تجاوز عمره الستين عاما في حين أن هناك أحزاب أكبر منه و أقدم منه زالت.السبب في بقاء البعث هو قدرته على التجدد ، قدرته على تصحيح الأخطاء و تجاوز الأخطاء بتبني الموقف الصحيح المطلوب .

 

الرفيق عزت ابراهيم الدوري انطلق من هذه الأسس في تقويم تجربة الكويت و هذا أمر طبيعي لا يمس شخص الرفيق القائد الشهيد صدام حسين لا من بعيد و لا من قريب . علما بأن الرفيق الشهيد صدام حسين في الفترة من 91 إلى الغزو كان يتجنب أي محاولة لتصعيد  الوضع مع الكويت و دول الخليج  و كان يحاول حل المشاكل عن طريق الحوار و التفاهم في إدراك عميق       وواضح لخطورة الوضع و ضرورة تغليب المصلحة القومية العربية العليا على بعض الاعتبارات القطرية و الشروع في إعادة بناء العلاقات العربية - العربية على أساس مواجهة العدو المشترك وهو الولايات المتحدة الأمريكية و "إسرائيل" و قبل أن يتفاقم الخطر الإيراني و يظهر ليصبح الطرف الثالث في القوى المعادية للأمة العربية

 

إذاعة صوت الرافدين:

نحن نتحدث عن الشرعية و الشرعية مخالفة للاحتلال الأمريكي البغيض الذي جاء لضرب الشرعية ، فصدام حسين عند آخر يوم قبل استشهاده كان رئيس الجمهورية العراقية و من باب الشرعية  ينوب الرئيس نائبه. هل يمكننا أن نقول أن الرفيق عزت ابراهيم الدوري هو رئيس جمهورية العراق لأنه يمثل الشرعية و ما بني على باطل فهو باطل أي أن الاحتلال باطل و الشرعية تتمثل الآن في الرفاق الذين يمثلون الجمهورية العراقية و على رأسهم سيادة الرئيس عزت ابراهيم الدوري . نريد توضيح من حضرتكم لأن هنالك أناس يقولون أن الدوري ليس رئيسا للجمهورية لأنه لم ينتخبه أحد . نريد منكم أن توضحوا . هل إن الرفيق عزت ابراهيم الدوري هو رئيس جمهورية العراق الشرعي أم لا ؟

 

صلاح المختار:

شكرا جزيلا على هذا السؤال. من الواضح و الأكيد على مستوى القانون و الشرعية أن الرفيق عزت ابراهيم الدوري هو رئيس العراق الشرعي لأن الرئيس صدام حسين رحمه الله كان رئيسا شرعيا للعراق لعدة عقود من الزمن و كان حزب البعث حاكما للعراق لمدة 35 عاما ،كان عضوا في الجامعة العربية و منظمة الأمم المتحدة و منظمة المؤتمر الاسلامي و معترف به من قبل جميع دول العالم ، لهذا فإن الشرعية العراقية كانت و مازالت ممثلة في قيادة العراق الشرعية . الرئيس الشهيد صدام حسين تم اغتياله لذلك يصبح تلقائيا رئيسا نائبه ، و نائبه الشرعي هو الرفيق عزت ابراهيم الدوري . أما من يقول بأنه لم تجرى انتخابات لانتخاب الرفيق عزت ابراهيم فهذا كلام فيه كثير من السذاجة أو التساذج لأن الفترة التي تولى فيها الرفيق عزت ابراهيم الدوري المسؤولية الأولى أي رئيس الدولة هي بعد الاحتلال و بعد اغتيال الرئيس الشهيد صدام حسين فكيف يمكن أن تجرى انتخابات حرة في ظل الاحتلال لأجل انتخاب رئيس جديد ؟ أنتم تعرفون أن الاحتلال يلغي كل امكانية لإجراء انتخابات و رأينا في السنوات السابقة كيف أن الانتخابات التي جرت في ظل الاحتلال بالإضافة إلى كونها غير شرعية و غير مقبولة على المستوى القانوني فإنها تميزت بتدخلات فظّة و بمحاولات لتحديد نتيجة الانتخابات .

 

من يطالب بإجراء الانتخابات الآن غير واقعي لأن المطلوب في هذه الحالة هو أن يواصل رئيس الدولة و نائب رئيس الدولة حينما يستلم رئاسة الدولة بعد ذهاب رئيس الدولة أن يواصل العمل من أجل تحرير البلد تحت قيادته و زعامته و ليس أن يجري انتخابات تخلق البلبلة و تحدث انقسام في صفوف الناس بين مؤيد و معارض لهذه الخطوة . هذا مطلب غير صحيح و غير منطقي و غير واقعي . و لكن حينما تأتي إلى حزب البعث منذ عام 2003 و حتى الآن و أثناء حياة الرئيس الشهيد صدام حسين نرى أن الحزب لم يكن متمسّكا بالبقاء على رأس الدولة أي أن موضوع رئاسة الرفيق الشهيد صدام حسين للدولة كان يأتي في الدرجة الثانية بعد تحرير العراق ، بعد القدرة على طرد الاحتلال . و حينما استلم الرفيق عزت الدوري بعد استشهاد الرفيق صدام حسين فإنه واصل نفس النهج و لم يسمّ نفسه رئيسا للجمهورية رغم أنه من الناحية الشرعية رئيسا للعراق و إنما أبقى على صفة القائد العام للقوات المسلحة ، وهذه لفتة مهمة ، لفتة قانونية على اعتبار أن الجيش هو الممثل الشرعي للدولة العراقية التي دمرت و لفتة سياسية لأنه يعرف بأن القوات المسلحة هي الضمانة الأساسية للتحرير و هي الضمانة الأساسية لضمان الأمن بعد التحرير .

 

وضع القوات المسلحة تحت امرته شرط من شروط التحرير و هو أمر لا يمكن التنازل عنه . و إن كان بالإمكان التنازل عن رئاسة الجمهورية فمن غير الممكن التنازل عن القيادة العامة للقوات المسلحة ، و هذا الأمر هو الحاصل الآن . الآن في الواقع حزب البعث بقيادة أمينه العام الرفيق عزت ابراهيم الدوري لا يصرّ على أن يبقى رئيسا للجمهورية من أجل أن يسهل مهمة تحرير العراق و توافق جميع القوى السياسية. نعم هناك بعض القوى لا تريد أن تعترف بأن رئاسة الجمهورية يتم توارثها شرعيا ، أي ان النائب يحل محل الرئيس ، لاعتبارات سياسية  لرفضهم حزب البعث سواء كان الرئيس صدام باقيا أو اغتيل ، ولو افترضنا أن الرئيس صدام لازال باقيا لكانت هذه الفئات  أيضا ترفض القبول برئاسة الشهيد صدام حسين للعراق رغم أنه الرئيس الشرعي للعراق .

فتجنبا لهذه المشاكل و لمنع انشقاق المقاومة و تحوّل موضوع من يكون رئيس الجمهورية  موضوعا للصراع ، تبنى البعث استراتيجية تقوم على أنه بعد تحرير العراق ستقوم حكومة ائتلافية  تمثل جميع فصائل المقاومة تحكم لمدة سنتين تعيد الأمن وتعيد الخدمات وتهيئ لانتخابات بعد سنتين ، وفي الانتخابات من يتم اختياره رئيسا للجمهورية حلال عليه و على الآخرين دعمه بغض النظر عن المواقف السياسية . إذن البعث أقدم على تضحية كبرى بالتنازل عن حقه في رئاسة الجمهورية حرصا على لمّ الصفوف و توحيدها . أكرر القول لو أراد حزب البعث في هذه اللحظة أن يقول بأن الرئيس هو الرفيق عزت ابراهيم الدوري فمن حقه أن يقول ذلك ولا يعترض أحد من الفاهمين للقانون ومن العقلاء و المجردين من الدوافع السياسية أو الدوافع غير الموضوعية .

 

من أجل العراق و من أجل تحرير العراق قرر الحزب أن لا يسمي الرفيق عزت ابراهيم الدوري رئيسا للجمهورية وإنما قائدا عاما للقوات المسلحة و قائد المجاهدين و خادم المجاهدين . و هذه الحقيقة تعرفونها من خلال  البيانات و الخطب و اللقب الذي يستخدمه الرفيق عزت ابراهيم الدوري . إذا نحن تسامينا على بعض الأمور الخاصة بنا وهي رئاسة الجمهورية . تنازلنا عنها من أجل أن نوحد الصفوف ، من أجل أن نغلق أبواب المشاكل والاعتراضات ، من أجل أن نصفي القلوب و نثبت للآخرين أننا غير طامحين بالسلطة و لا نريد العودة للسلطة كحزب إنما نريد تحرير العراق وما بعد تحرير العراق الحقيقي لا يهم من يكون في السلطة البعث أو غير البعث . من سيقرر ذلك هو صناديق الاقتراع و الانتخابات . 

 

إذاعة صوت الرافدين:

هناك من يقول أن حزب البعث يكون أقوى عندما يكون بعيدا عن السلطة وهنالك من يقول أن حزب البعث الآن في العراق هو أقوى مما كان قبل الاحتلال هل تتفقون مع هذا الكلام ؟

 

صلاح المختار:

هذا صحيح و خطا في نفس الوقت ، صحيح إذا نظرنا إلى حزب البعث العربي الاشتراكي بعد الاحتلال نجد أنه أصبح أقوى كثيرا من فترة قبل الاحتلال ، نعم عدد المنخرطين في صفوفه الآن أقل بكثير من العدد السابق . كان لدينا قبل الاحتلال خمسة ملايين    ونصف المليون بعثي ما بين نصير و عضو و بقية المستويات الحزبية ، وبطبيعة الحال كان ذلك تضخما مرضيا و كان خطأ تنظيميا وسياسيا أن يفتح الحزب أبوابه لهذا العدد الكبير جدا من الذين انتموا إلى الحزب في ظل السلطة ،  و قسم كبير منهم جاء إلى الحزب من أجل الحصول على امتيازات السلطة و التمتع بها . و لكن بعد الغزو أصبحت عملية الانتقاء مبنية على الموقف الجهادي .  من يجاهد و من يبادر بالجهاد يعاد إلى الحزب و من يبقى خارج الجهاد لا يعاد إلى الحزب . لذلك تم انتقاء حوالي نصف مليون بعثي من خمسة ملايين و نصف المليون ليكونوا ضمن التنظيمات الحالية  لحزب البعث العربي الاشتراكي . هذا النصف مليون هو أقوى و أفضل من الخمس ملايين ونصف مليون الذين كانوا قبل الغزو . لأن النصف مليون مبني على الانتقاء النوعي و ليس الكمي . في السابق كان معيار الكمية هو المتحكم أما الآن فان معيار النوعية هو المتحكم . و المقصود هنا بمعيار النوعية أن البعثي الآن يجب أن يكون بعثيا حقيقيا صاحب مبادئ و صاحب رؤية وطنية و قومية و إسلامية  صحيحة ونقية       ومستعد للتضحية بحياته وبكل شيء من أجل الوطن و من أجل الأمة العربية ، من أجل تحرير العراق من أجل تحرير فلسطين ، من أجل تحرير الأحواز من أجل رفض المساومة مع الاحتلال ومع الأنظمة التابعة للاحتلال في الوطن  العربي .

 

هذا هو البعثي الآن ، لذلك فإن نظرة الناس إلى البعثي الحالي المجاهد أفضل  بكثير من البعثي في ظل السلطة . كان الناس يرون نوعين من الحزبيين أثناء حكمنا ، كانوا يرون حزبيا انتهازيا وكانوا يرون بعثيا صاحب مبادئ ، بعثيا أصيلا يناضل نضالا حقيقيا . أما الآن فلا يرى المواطن العراقي و العربي إلا البعثي المجاهد ، البعثي الذي يحمل روحه على يده من أجل تحرير العراق وتحقيق الأهداف الوطنية و القومية . لذلك نفتخر بأن نقول بأننا قد خرجنا من هذه المحنة و هذه الكارثة ونحن أقوى ، و نحن أفضل ، و نحن أنقى بفعل الدور الجهادي للبعث الذي نظف الحزب من الأخطاء و نظف الحزب من المتطفلين عليه  والمندسين في صفوفه لأغراض انتهازية .

 

إذاعة صوت الرافدين:

في جميع خطابات الرئيس عزت ابراهيم الدوري كان يوضح أن عدونا هو الاحتلال الأمريكي والإيراني . الرئيس عزت الدوري لم يتطرق لأي نظام عربي لأي قطر عربي  ورفيقنا المناضل الأستاذ صلاح المختار كان دائما يوضح أن عدونا  هو الاحتلال    وليس الأنظمة العربية ، لكن تعرضتم للانتقاد عندما قلتم أن العرب ليسوا أعداءنا . فبالنسبة للمناضل العربي هل مطلوب منه  أن يتبرأ من حكومته و نظام بلده من أجل أن يكون وطنيا ؟ هل هذا المطلوب أم نكتفي بموقفه الداعم حتى و لو معنويا ؟ هل نثقل عليهم و نطلب منهم التبرأ من أنظمتهم لكي يكونوا وطنيين ؟ سبب سؤالي وجود ظاهرة وهي أنه عليك أن تشتم نظامك لكي تثبت أنك وطني و مؤيد للعراق . نريد توضيح من سعادتكم لهذه النقطة لأنه حصل لغط كثير في هذا الأمر.

 

صلاح المختار:

علينا قبل كل شيء أن نميّز بين الثرثرة و الكلام الجاد . بين أولئك الذين يساهمون بصنع الحدث و يتحملون نتائج  المشاركة في صلب الحدث ، وهي التضحية ، وبين من يتفرج من بعيد و هو يجلس في بلدان لا صلة لها بالجهاد والنضال داخل العراق . علينا أن نميّز بين فرد أو نفر أو كتلة صغيرة من الأفراد تتجول في المقاهي وتلوك الكلام وتطرح النظريات و تنتقد هذا وذاك و بين من يريدون أن يحرروا وطن محتل ويعيدون بناء دولة وينفذون مشروعا قوميا ووطنيا عظيما و كبيرا . الأوائل الذين قلنا عنهم أنهم يتفرجون و يتحدثون لا يفهمون العقبات و المصاعب التي تواجه الطرف الثاني وهم الذين يريدون البناء و التحرير ، يريدون بناء دولة من جديد وإعادة الاستقرار وإعادة الخدمات للناس وبناء عراق قوي مجددا ، وبناء هذا العراق القوي مجددا ليس مرتبطا بقرار عراقي فقط و إنما مرتبط بمؤثرات الظروف الإقليمية و الدولية .

 

فهناك من يستطيع أن يبيعنا السلاح وهناك من يرفض أن يبيعنا السلاح ، وهناك من يعترف بالدولة الجديدة بعد التحرير وهناك من يرفض الاعتراف بالدولة الجديدة بعد التحرير ، طبقا للهوية التي ستظهر بها هذه الدولة . إذن نحن أمام  ثرثرة وأمام كلام مسئول . الثرثرة تقول افتحوا  جبهات الحرب مع الجميع ، هاجموا الجميع . الأنظمة العربية بما أنها ساهمت في غزو العراق وتدمير العراق ، وبما أنها تدعم الولايات المتحدة علينا أن نفتح الحرب مع جميع الأنظمة العربية من أجل إسقاطها . هذا كلام غير مسئول. لا يدل على أن من يقول هذا الكلام يعرف ما يقول إذا كان حقا يريد البناء ويريد التحرير ويريد التغيير في العراق ، هذا الكلام يبعده كليا عن هذا الهدف . قد يصلح هذا الكلام لمن يجلس في مقهى في فيينا أو في ستوكهولم أو في لندن و لكنه لا يصلح لمن يجلس في العراق و يريد تحرير العراق بأقل الخسائر ومن خلال استثمار طاقات وقوى موجودة بما فيها قوى وطاقات قد لا يرغب في استخدامها لأسباب كثيرة .

 

إذن نحن أمام كلام وثرثرة غير مسئولة . كلام و ثرثرة لا تنطبق حتى على تجارب الآخرين . نأخذ مثلا ثورة الجزائر لنأخذ الثورة الفلسطينية أو الثورة الفيتنامية ، هذه الثورات عاصرناها جميعا . هل كان أي من هذه الثورات في حالة صراع مع الأنظمة أم كانت في حالة صراع مع الاحتلال ؟ الثورة الجزائرية كانت في صراع مع المحتل الفرنسي ، لم تدخل الثورة الجزائرية في صراعات مع أنظمة عربية أخرى . الثورة الفلسطينية وإن كانت حصلت لها مشاكل مع بعض الأنظمة إلا أن من فرض المشاكل هي الأنظمة وليست الثورة الفلسطينية وكان المبادر الاول لحل المشاكل مع الانظمة هي المقاومة الفلسطينية . وكانت الثورة الفلسطينية تتحمل الاعتداءات والتجاوزات وتتصالح فيما بعد لأنها تدرك أنها لا يجوز أن تدخل في صراعات مع الأنظمة العربية وفي نفس الوقت تخوض صراعا مع الصهيونية . وكذلك الثورة الفيتنامية لم يكن لها من عدو غير الاحتلال الأمريكي حتى حلفاء أمريكا كانت فيتنام تتعامل معهم بإيجابية من أجل ان تقلل الأعداء وتقلص نطاق العداوة . فلماذا في العراق فقط يريدون من القيادة العراقية أن تشن الحرب على الجميع ؟ هل هذا فيه منطق ؟ هل هذا فيه نضج ؟ هل هذا فيه وعي لمتطلبات التحرير؟ التحرير ليس عملية أكل آيس كريم في مقهى في بلد أوروبي ، التحرير عملية دم يصل للركب ، عملية تغيير احتلال تصفية عملاء الاحتلال ، عملية مواجهة تدخل إقليمي واضح من قبل إيران في العراق . أنت لا تستطيع أن تحرر العراق بعقلية من يفتح الجبهات مع الجميع و يحارب الجميع . إن الذي يقول هذا الكلام لا يعرف هذه الحقائق . أو إذا كان يعرفها فهو لئيم ولديه أهداف خبيثة يريد من خلالها الطعن والتشكيك في الثورة المسلحة و في المقاومة العراقية .

 

هذا الموقف لا يعني على الإطلاق أن المناضلين العرب في أقطارهم يجب أن يسكتوا ، هذا غير صحيح ، نحن لم نقل هذا الكلام . هذا الكلام قلناه  قدر تعلق الأمر بحزب البعث في العراق وبالمقاومة في العراق . لا يجوز لمقاومة في العراق أن تفتح معارك مع غير الاحتلال الامريكي والإيراني لأنهما من يحتلان العراق . أما الأنظمة العربية  فهي أنظمة تابعة بغالبيتها لأمريكا ، هم أذناب و ليسوا رؤوس . لماذا أفتح معارك مع الأذناب ، حين أضرب الرأس و أدمّر الرأس سوف تنتهي الأذناب تلقائيا ، وهذه حقيقة عسكرية ومنطقية .

 

أيضا هناك ملاحظة أخرى لماذا ينتقدون البعث على هذا الموضوع فقط في حين أن جميع فصائل المقاومة تتبنى نفس الموقف ؟ هل سمعتم في يوم من الأيام أي فصيل من فصائل المقاومة العراقية يهاجم الأنظمة العربية ؟ أذكروا لي اسم فصيل واحد  يهاجم الأنظمة العربية بسبب مواقفها من العراق . بالعكس هناك فصائل لديها علاقات ممتازة مع أنظمة عربية حاربت العراق وساهمت في غزو العراق وبعض الفصائل تستلم دعما ماديا من هذه الأنظمة ومع ذلك لم نقل شيئا لأن هذا هو الوضع الطبيعي . في حالة الحرب وحالة الاحتلال يجب أن نمسك بالعدو الرئيسي ونقاتل العدو الرئيسي  ، وحينما يهزم العدو الرئيسي يهزم الأعداء الثانويين تلقائيا بعد ذلك .

 

من هذا المنطلق نرى أن من ينتقد البعث على موقفه من الأنظمة العربية ليس مخطئا فقط  وإنما إذا كان وطنيا يرتكب جناية كبيرة في حق الأمة وفي حق النضال العراقي الذي يحتاج إلى الدعم بدل أن نقف بهذه الطريقة . نقطة أخرى مميزة تختلف فيها الأمة العربية  عن الأمة الفيتنامية وعن بقية الأمم التي حاربت الاحتلال . الأمة العربية مجزأة وتجزئتها كما تعلمون حصلت في سايكس بيكو الأولى في بداية القرن العشرين . و لكن لم تنته عملية التقسيم والشرذمة ، جاءت الحركة الصهيونية العالمية لتطرح مشروعا أطلقنا عليه تسمية ( سايكس بيكو رقم 2 ) وهو مشروع يقوم على تقسيم و شرذمة الأقطار العربية . لم يكتفوا بشرذمة  الأمة ، الخطوة الثانية هي شرذمة الأقطار العربية . و ما حصل منذ زيارة السادات للقدس ومنذ وصول خميني للسلطة إلى الآن هو عبارة عن تطبيق لسايكس بيكو 2 والتي هي خطة تقسيم الأقطار العربية على أسس عرقية و طائفية . هذا هو المخطط الصهيوني القديم و المعروف ومن المؤسف ومن الخطورة بمكان أن يصبح هذا المخطط ليس مخططا صهيونيا فقط وإنما انضم إلى هذا المخطط طرفان لتنفيذه ، انضمت الولايات المتحدة الأمريكية وتبنت هذا المخطط ، وانضمت إيران إلى هذا المخطط  لأن لها مخططها الخاص الذي يقوم على استعباد واستعمار الأقطار العربية ، وهذا لا يتم إلا بتفتيت الأقطار العربية على أسس طائفية .

 

 لذلك نحن الآن في عصر جديد بعد السادات و بعد خميني ، هذا العصر هو عصر الصراعات الطائفية - العرقية المفتعلة من أجل تفكيك الأمة العربية و تقسيم الأقطار العربية و تحويل الأقطار العربية إلى كيانات ما قبل الامة تقوم على الطائفة وعلى العرق و العائلة ، على المصلحة الاقتصادية ولا تقوم على الرابطة الوطنية ولا على الرابطة القومية . هذا المخطط هو الذي يجرى تنفيذه . و إذا درسنا هدف غزو العراق ستدركون خطورة ما أقول .

 

وهناك حقيقة لابد من الانتباه لخطورتها الشديدة وهي إن إسقاط الأنظمة العربية الحالية لن يكون على يد القوى الوطنية العربية بل سيكون على يد قوى خارجية أجنبية ، كما حصل في العراق . إن النظام الوطني في العراق ليس هو الوحيد المستهدف لأن المستهدف هو الأمة ، الأمة بكامل أقطارها حتى الأقطار التي تحكمها أنظمة موالية للغرب واعترفت بإسرائيل مستهدفة الآن ، و أنتم ترون ما يجري في مصر من أحداث تقف الولايات المتحدة و "اسرائيل" خلفها  تحركها  تدعمها و تشعلها . إذن نحن الآن لسنا مثل الستينات والسبعينات عندما كان النظام العميل أو النظام الفاسد يسقط من قبل ضباط وطنيين أحرار او من قبل قوى وطنية ، الآن إسقاط الأنظمة لن يكون إلا على يد الولايات المتحدة الأمريكية و"اسرائيل" وإيران ، وهذه الأطراف لم تأت لتغيير نظام فاسد وتنصيب نظام وطني صالح . ستأتي لتغيير الهوية و تقسيم الأقطار العربية وإنهاء الهوية العربية وفرض أنظمة عميلة وفاسدة وتابعة كما يجري في العراق ، أنتم ترون ما يجري في العراق . هل المطلوب الآن ونحن نقاتل لتحرير العراق ليكون العراق المنطلق والقاعدة التي تنطلق منها حركة التحرر الوطني العربية لتحرير الأقطار العربية ، هل المطلوب هو أن تتحول صراعات التحرر إلى صراعات عربية - عربية ، الى صراعات سنية - شيعية ، الى صراعات عربية - كردية ، الى صراعات قبطية - اسلامية ، الى صراعات بربرية - عربية فنضيع ؟

هذا هو المخطط الاسرائيلي الذي لخصه عوديد ينون في دراسته التي كتبها في عام 1981 تحت عنوان "استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات" والتي ترجمت إلى الانجليزية من قبل البروفسور الاسرائيلي  اسرائيل شاهاك و ترجمت إلى العربية وهي موجودة . إذا كانت هذه هي الحقائق ، وإذا كان أي تغيير للأنظمة العربية يعني تغيير الهوية العربية بعد تقسيم الأقطار العربية كما حصل في العراق ولدينا دروس ما حصل في العراق ولدينا بوادر ما يحصل في لبنان وفي مصر و السعودية و سوريا والجزائر والمغرب  من فتن طائفية وعرقية تثار من أجل تقسيم الأمة ، اذا كانت هذه هي الحقائق العيانية الملموسة هل نأت نحن حركات التحرر الوطني العربية و نضع بندقيتنا إلى جانب البندقية الأمريكية الـ"اسرائيلية" الإيرانية لتقسيم الأقطار العربية بحجة ( تحريرها ) من الانظمة العربية على طريقة أحمد الجلبي؟ هذا هو الموضوع الذي يجب أن يناقش الآن بدقة و موضوعية .

 

نحن قلنا ما يلي : بتحرير العراق ، بتحويل العراق إلى قاعدة انطلاق لتحرير الأقطار العربية من الاستعمار الأمريكي و"الاسرائيلي" و الإيراني نضمن حياة الأمة ونحافظ على هوية الأمة وأصالة الأمة وحقوق الأمة ومصالح الأمة ، ونستطيع أن نبني هذه الأمة مجددا . أما إذا ضيّعنا قاعدة العراق المحررة فإننا لن نستطيع أن نحرر شيئا وسوف تتكرر التجربة العراقية في كل الأقطار العربية لاسامح الله إذا فشلت المقاومة .

 

أذكّر أخيرا بما قاله ريتشارد بيرل ، الذي يلقب بأمير الظلام وهو أحد المخططين لغزو العراق ، حينما سئل بعد أسبوع تقريبا أو أسبوعين من غزو العراق ، هل ستقدمون على غزو سوريا لتنفيذ مخططكم الاقليمي ؟ أجاب " لن نقدم على غزو سوريا عسكريا لأن حكام سوريا عندما رأوا ما جرى في العراق سوف يستسلمون بلا قتال " . لكن المقاومة العراقية حرمت أمريكا من تحقيق ذلك وقلبت المعادلة  كليا في المنطقة  وحولت أمريكا من قوة تتقدم و تنتصر إلى دولة مهزومة و مرغ أنفها في وحل العراق وأنقذت سوريا ومصر والأردن و السعودية والجزائر كأقطار عربية عزيزة علينا لا تختلف عن العراق ولا تختلف عن فلسطين لأن جميع الاقطار العربية متساوية القيمة . نحن ندافع عن الأمة العربية كلها وعن هوية الأمة ومن يريد أن يدافع عن هوية الأمة عليه أن يحافظ على هذه الهوية ، لا أن يدمر هذه الهوية بألفاظ و مواقف غير ناضجة وغير مسئولة وتمثل نزعة طفولية في السياسة  لا تفهم ما يجري ، أو إنها مدفوعة بدوافع أخرى غير موضوعية وغير سليمة .

 

إذاعة صوت الرافدين:

حزب البعث يصنع الرجال و رفاق البعث هم فرسان ، و كان الرئيس الشهيد الفارس صدام حسين يتحلّى بأخلاق الفرسان . كان يترحم على أعدائه  حتى لو كانوا أعداءه  ، فقد  كان يترحم على الخميني ، فما الضير إذا قام الرئيس عزت ابراهيم الدوري في خطابه  بالترحم على الخميني أو إذا خاطب مسعود البرزاني بكلمة أخي ؟ هناك من انتقد . ونريد توضيح من حضرتكم لماذا هذا الانتقاد طالما إنه بلغة الفرسان وبلغة القادة يجوز للانسان أن يترحم على الميت فلماذا انتقدوا الترحم على الخميني مع العلم أن الخميني تمت هزيمته على أيدي العراقيين الأشاوس الأبطال. فلماذا هذا الانتقاد ؟

 

صلاح المختار:

هنا نعود مرة أخرى إلى الدوافع . قبل أن أحدد هذه الدوافع أذكّر كما قلت أخي أبو سامي الترحم واللغة المؤدبة هي لغة أبناء العراق الأصلاء الذين  يمشون في جنازة شخص كان عدوا لهم في حياته ولكن بعد مماته يقومون جميعا ويمشون في جنازته      ويحضرون فاتحته ويقرأون الفاتحة على روحه ويترحمون عليه . هذه أخلاق العرب ونحن في العراق متمسكون بها . فحينما يتعامل رئيس دولة  أو مسؤول عن مصير العراق و مصير الأمة مع أطراف مهمّة في الإقليم و في داخل العراق فيجب ان تكون لغته بمستوى وظيفته التاريخية كصانع تاريخ وباني امة ومجدها . إن اللغة اللطيفة و اللغة التي تحترم التقاليد هي اللغة المطلوبة   وهذه اللغة لم تكن لغة الرفيق عزت ابراهيم  فقط  بل كانت أيضا قبله لغة الرئيس صدام حسين رحمه الله ، وأول من استخدم عبارة رحمه الله هو الرئيس صدام حسين في وصف خميني عندما مات . وأنا أذكر حادثة معروفة  ، فحين أعلنت وفاة خميني أطلق الرصاص في الهواء في بعض الأماكن في العراق ابتهاجا ، فأصدر الرئيس الشهيد أوامر فورية بإيقاف ذلك وعدم إظهار أي ابتهاج بوفاة خميني ومنع الإعلام العراقي من التشفي بموت خميني مع أن خميني كان سببا في موت مئات الآلاف من العراقيين وفي تدمير العراق وعرقلة تقدم العراق وكان سببا في أهم المشاكل التي تعرض لها العراق الحديث .

 

وإذا كان الرفيق عزت ابراهيم يصف مسعود بالأخ فإنه يفكر في مستقبل العراق ، العراق الكبير المحرر الواحد ، إنه يريد أن يفهم مسعود البرزاني بلغة فيها التهديد وفيها الوعد ، وعد بإعادة الحكم الذاتي وحقوق الأكراد التي منحهم البعث اياها ، وتهديد بأن ما اخذه مسعود وجلال  بالقوة في ظل الاحتلال سوف يسترجع بالقوة عند التحرير . من يريد أن يفهم معنى" أخي" التي استخدمها الرفيق القائد عزة ابراهيم لوصف مسعود يجب عليه أن يقرأ الجزء الآخر الذي فيه تهديد لمسعود بأنكم في وضعكم الحالي استثمرتم حالة الاحتلال وأسأتم للعراق وانفصلتم عن العراق ولكننا سنعيد العراق بتحريره  وسنعيد المنطقة الكردية  بالقوة لأن ما أخذ تحت ظل الاحتلال  بالقوة  سيعاد بالقوة . هؤلاء لا يتذكرون هذا الجانب ويتذكرون كلمة أخي فقط . هؤلاء لا يتذكرون الموقف من خميني ومن هزمه واطاح بمشروعه الامبراطوري الفارسي ، لكنهم يتذكرون كلمة ( رحمه الله ) وكأن هؤلاء مصممين على معاقبة البعثيين بمراقبة أنفاسهم  وكلماتهم وتعابير وجوههم للعثور على ما يستطيعون من خلاله انتقاد البعثيين و نسب أخطاء للبعثيين .

 

أقولها بكل صراحة هذا  ليس خطأ ، هذا سمو أخلاقي لدى البعثيين ، سمو أخلاقي لدى الرفيق عزة ابراهيم الدوري حين يصف خميني بالمرحوم وحين يصف مسعود بالأخ . أنا شخصيا يزداد إعجابي بالرفيق عزت الدوري حين يقول هذا الكلام وهو في العراق ويمكن أن يموت ويستشهد في أي لحظة ، يمكن ان يغتاله أحد البيشمركة أو أحد العملاء أو أحد الجنود الأمريكان ، و لكنه يتحدث بلغة القائد المسئول عن كل العراق بما فيه شمال العراق . يتحدث بلغة القائد المسئول عن كل الإقليم بما في ذلك التفكير المبكر بتطبيع العلاقات مع إيران وعدم نسف الجسور جميعها مع إيران وإبقاء ما يؤدي إلى الحوار والتفاوض مع إيران من أجل التعايش السلمي مع إيران . نحن لا نستطيع أن نتجاهل الآخر مهما كان الآخر سواء داخل العراق أو خارج العراق وعلينا حينما نعترف بالآخر أن نمد الجسور التي توصلنا إليه .

 

في هذه المحنة الكبيرة لا يمكننا إلا أن نستخدم البندقية للوصول إلى الهدف ولكن البندقية يجب أن  تدعم بلسان طيّب وبلغة طيبة   وبمحاورات طيبة لإقناع الأطراف الأخرى وخصوصا حينما نتحدث من موقع قوة . هذا الكلام الذي يقال في نقدنا او التهجم علينا بسبب لغتنا الراقية هو عبارة عن كلام لأشخاص - أقولها على مسؤوليتي الخاصة – لديهم أغراض دنيئة مشبوهة مدفوعين من قبل جهات استخبارية لأجل شيطنة البعث . وإلا قل لي بربك من هم هؤلاء الذين يشيطنون البعث ؟ أحمد الجلبي انتهى ، المالكي يقولها علنا يوميا يشيطن البعث ، إذن من بقى يشيطن البعث ؟ الذي يشيطن البعث الآن ، وبعض الناس تنتبه إليه ، هو من ادعى تأييد المقاومة . هؤلاء هم الجواسيس الذين كانوا مخبئين لهذه اللحظة ، صوروا بمظهر الوطنيين المؤيدين للمقاومة وحين حانت اللحظة وانتهى أحمد الجلبي وأمثال أحمد الجلبي ولم يعد أحد يستمع إلى كلامه جاء دور هؤلاء في محاولة شيطنة  البعث ، ولكن لم يجدوا شيئا . لم يجدوا خيانة عظمى لا سامح الله ، لم يجدوا ثغرة كبيرة لا سامح الله فأخذوا يترصدون الكلمة هنا والابتسامة هناك والنصيحة الخيرة لأجل التشكيك بالبعث .

 

وهؤلاء لا يهموننا على الإطلاق ، ما يهمنا هو شعبنا في الداخل ، ما يهمنا هم الشرفاء العرب الذين يعرفون أن من يقاتل الاحتلال لا يمكن أن يحاسب على كلمة أو على ابتسامة . من  يدعم المقاومة يتحمل أخطاء المقاومة والمقاومة لديها أخطاء . و الحمد لله لحد الآن أخطاؤنا أقل من القليل لأننا حريصون على متابعة  سلوكنا و محاسبة أنفسنا في كل لحظة وفي كل خطوة وقبل ان يحاسبنا الاخرون . هؤلاء إذن لا يهموننا على الإطلاق وهم عبارة عن الطابور الخامس الجديد الذي جاء بعد انتهاء أحمد الجلبي   وإياد علاوي  وعزلهما عن الشعب العراقي ، جاء هؤلاء الذين كانوا يتظاهرون بدعم المقاومة ليقوموا بدور أحمد الجلبي و توجيه نفس اتهامات أحمد الجلبي ونفس اتهامات إياد علاوي للبعث ، ويكررون نفس الأقوال حرفيا و بلا نقصان على الإطلاق ، يترصدون ما يصدر من أجل التقاط كلمة هنا أو لفتة هناك يعتبرونها خطأ . و نحن سائرون في هذا الطريق ولن نلتفت إلى الخلف على الإطلاق لأننا اجتزنا المحنة الأعظم والأكبر ونحن الآن في عظمة عزنا وفي ذروة قوتنا وفي قمة تألقنا أمام شعبنا وهذا هو الذي يهمنا .    

 

إذاعة صوت الرافدين:

نعود إلى خطاب الرئيس المجاهد عزت ابراهيم الدوري حيث طلب عدم استهداف قوات الشرطة . لقد طلب الرئيس المجاهد عزت الدوري استهداف قوات الاحتلال فقط  والتركيز على قواعدهم . لكن هنالك سؤال من المواطن خالد الجبوري الذي يسأل فيقول: بعد تفجيرات بغداد الدامية يوم الاربعاء الأسود ونحن نعرف حسبما وضحتم لنا أن من فعل هذه التفجيرات هو نتيجة خلاف داخلي بين الأحزاب العميلة والسؤال هو لماذا لم تحسم المقاومة العراقية هذا الصراع ؟ أين كانت المقاومة العراقية وقت التفجيرات ؟ لماذا لم تستلم المدن لأنه ما وصلنا هو انتشار حالة الفزع و الهلع بين هذه الأحزاب العميلة فكانت الساحة فاضية و خالية للمقاومة، لماذا لم تستغل المقاومة و تسيطر على المدن ؟

 

صلاح المختار:

دعني أولا أتحدث عن الموضوع الأول وهو لماذا لا تستهدف قوات الشرطة والجيش الجديدين من قبل المقاومة ؟ قبل أن أجيب عليّ أن أنبّه مرة أخرى  إلى سوء النية لدى البعض من خلال طرح هذا السؤال لأن جميع الفصائل دون استثناء تبنت هذا الموقف أي دعوة الشرطة والجيش الجديدين إلى الانضمام إلى صفوف المقاومة وعدم مهاجمة المقاومة ، والقسم الأكبر من الفصائل لا تهاجم هؤلاء . وهذا الموقف هو الموقف الصحيح لأن الجيش الجديد و الشرطة الجديدة وقوى الأمن الجديدة  شكلت من أبناء العراق ، أغلب هؤلاء إذا استثنينا الأحزاب العميلة و ميليشياتها من انتمى إلى هذه القوات الجديدة هم الذين كانوا في أشد الحاجة إلى الراتب والوظيفة . حينما تم حلّ الشرطة والجيش الوطنيين  ووزارة الاعلام و كل الوزارات الأخرى أصبح ملايين العراقيين بلا عمل وهؤلاء الملايين لهم التزامات تجاه عوائلهم ، البعض منهم اضطر إلى أن ينضم إلى هذه الأجهزة ويعود إليها لأن الضابط القديم عاد لعدم قدرته على القيام بعمل آخر أو لعدم وجود عمل آخر في الأصل، رجع إلى هذه القوات و هو ليس عميلا وليس عضوا في ميليشيات عميلة وإنما أراد الرزق . فجزء كبير من هؤلاء انضموا إلى الشرطة و الجيش الجديدين لأغراض تتعلق بالرزق لا أكثر و لا أقل .

 

ثانيا: هذا النوع من الناس لا يهاجم المقاومة بل أحيانا يساعد المقاومة بإخبار المقاومة حول المداهمات وأوامر الاعتقال وأحيانا وصلت الحال إلى أن يستخدموا السلاح ضد الاحتلال وأنتم سمعتم بحالات قام بها جنود وضباط من الجيش الجديد بقتل الأمريكان  دفاعا عن العراقيين وهي ليست حالة واحدة أو حالتين بل حالات كثيرة تكررت في تأكيد واضح على أنه ليس كل من انتمى إلى الجيش والشرطة  هو عميل . إذن نحن أمام كتلة كبيرة من الناس فيها العميل وفيها غير العميل وهذه الحقيقة تجعلنا مضطرين للتمييز الدقيق ، وبما أن التمييز الدقيق أحيانا صعب جدا فإذن يجب التأني في مهاجمة هذه القوات والتعامل معها وفق خطة ووفق الموقف الميداني ، فمن يهاجم من هؤلاء المقاومة يجب أن يقتل أو يرد عليه  وهذا واضح في كلام الرفيق عزت الدوري . الرفيق عزت الدوري لم يقل أننا يجب أن لا نرد الهجوم إذا تم ، بل قال ردّوا على من يقوم بالهجوم عليكم و يحاول الإساءة للمقاومة . إذن الموقف معروف وواضح لا يحتاج إلى تفسير .

 

ثالثا: في العراق النسيج الاجتماعي متين وقوي يقوم على متانة رابطة العائلة والعشيرة والطائفة ومتانة رابطة المحلة والمدينة، هناك روابط اجتماعية قوية بين الأفراد تسمح بالتعددية داخل هؤلاء ، فتجد في عائلة واحدة بعثي وشيوعي ومن الاخوان المسلمين ، تجد وطني وعميل ، وحينما يقتل أحد أفراد هذه العائلة ينسى من في العائلة هويته السياسية ويتذكر فقط أنه ابن العائلة أو ابن العشيرة أو المحلة أو الطائفة ، يتعاطفون مع القتيل ويقفون معه بغض النظر عن المواقف السياسية العامة . السؤال المهم هو التالي : هل يجوز تجاهل هذه الحقيقة و استعداء ملايين الناس بسبب محاولة لقتل واحد أو اثنين أو عشرة أو عشرين من الشرطة أو الجيش العميل ؟ الجواب يجب أن نحسب حسابا دقيقا قبل الإقدام على أي خطوة عسكرية . يجب أن نحسب رد الفعل داخل العائلة ، داخل العشيرة والمحلة والطائفة لتجنب توسيع رقعة الصراع في العراق ولتقليص الأحقاد والثأر بين العراقيين . وأنتم تعلمون أن هناك الكثير من أبناء العم والأخوة الذين يتبنون مواقف متناقضة ، أحدهم مع الاحتلال والثاني ضد الاحتلال . الذي مع الاحتلال يعلم قريبه أو أخوه المعادي للاحتلال والذي يعمل في صفوف المقاومة  بقرار إلقاء القبض عليه ويهربه أو يعتقل لكنه يحرره . إذن هذه الحقائق يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار .

 

رابعا: من يريد أن يحرر العراق يجب أن يحسب الحساب الدقيق للإمكانات الموجودة داخل القوى الأخرى أثناء الحسم . لترجمة هذا الكلام العام يجب أن أقول : إن الشرطة والجيش بما أنهما يضمّان أفرادا متناقضين في دوافعهم فإن امكانيات انضمام قسم من هؤلاء إلى الثورة المسلحة في لحظات الحسم كبيرة ولذلك علينا أن لا نستعدي هذه الأجهزة كلها بل أن يكون الاستعداء انتقائيا أي بأن نعادي من يقوم بعمل معادي ضد المقاومة ، أما من لا يقومون بذلك فيجب أن  نحيّدهم إذا لم يكن بالإمكان أن نكسبهم إلى جانب صفوفنا .هذا الموقف يشجع الكثيرين ممن يعملون داخل الجيش والشرطة  على انتظار لحظة الحسم من أجل التعبير عن وطنيتهم وكونهم انضموا إلى هذا الجيش وهذه الشرطة نتيجة الحاجة المادية والعوز لا غير . بموقفهم الوطني المساند للمقاومة في لحظات الحسم يؤكدون انتماءهم الوطني الحقيقي .

 

النقطة الثانية في السؤال والمتعلقة بتساؤل الأخ خالد الجبوري ، تحياتي للأخ خالد الجبوري . لماذا لم تستغل المقاومة حالة الصدمة التي حصلت في أوساط العملاء بعد تفجيرات يوم 19 /09/2009 ؟

 

 الجواب هو التالي : حصل فراغ في بغداد يكاد أن يكون كليا لمدة ثلاثة أيام ، كانت بغداد شبه خالية وقد كان بإمكان المقاومة  أن تسيطر على بغداد بسهولة ، لكن الامر معقد كثيرا وعلينا ان نتذكر بان السيطرة على بغداد ليس عملا طفوليا ولا عاطفيا ، نحن نرغب طبعا في السيطرة على بغداد وليس احتلال بغداد ، تحرير بغداد وليس احتلال بغداد . لكن ذلك يصطدم بعقبة خطيرة اذ سوف تتدخل القوات الأمريكية ، القوات الأمريكية موجودة ، نحن لا نعتقد بأن قوات الحكومة هي التي تمسك الوضع . لولا وجود قوات الاحتلال لكان بإمكان المقاومة أن تستلم السلطة في يوم واحد بل في خمس أو ستة ساعات لا أكثر ، لأن هذا الجيش والشرطة لم ولن يقاتلا القتال الذي قد يتصوره البعض ، لكن وجود الاحتلال في العراق هو الرادع الأكبر . ما قيمة أن تحتل بغداد ثم تأتي الطائرات والدبابات الأمريكية وتقصف وتدمر و تقتل ؟ ما هو الهدف ؟ الهدف هنا يصبح الإشباع العاطفي . نقول إشباع عاطفي لهدف حلو وجميل ومطلوب ، لكن هذه الحادثة المفاجئة التي حصلت يوم الاربعاء الاسود كان بإمكان المقاومة  أن تستثمرها  لمدة يوم واحد وذلك بالسيطرة على بغداد ثم تنسحب في عملية استعراض دعائي وهو أمر مطلوب في المقاومة . ولكن المشكلة الأساسية أن هذا الحادث حدث بشكل مفاجئ ولم يكن محسوبا أو متوقعا من قبل المقاومة ، و المفاجأة تعني عدم الاستعداد . لم يكن أحد مستعدا لاستثمار هذا الحدث . فكيف يمكن أن تصدر الأوامر للسيطرة على بغداد مثلا في ظل الجهل بحصول هذا الحادث ؟ إذا قامت مجموعة من المقاومة في الكرخ مثلا ، في سوق حمادة أو الشيخ علي بالسيطرة على جزء من المنطقة فان السؤال الذي لابد من طرحه هو : وماذا عن بقية المناطق ؟ إذن هذه الرغبة القلبية الحبيبة المطلوبة صحيحة ولكن الظروف الموضوعية لا تسمح بها للسببين الذين ذكرتهما . الأول وجود قوات الاحتلال الأمريكي بتفوقها الساحق عسكريا وثانيا وجود عنصر المفاجأة لهذا لم يتم استثمار هذا الأمر بالصورة التي كان مفروضا من الناحية العاطفية و القلبية أن تستثمر. 

 

إذاعة صوت الرافدين:

في حديثنا معكم قلتم أننا في الربع ساعة الأخير قبل التحرير هل بإمكانكم تبيان سبب تفاؤلكم بأن يوم التحرير أصبح قريبا وهل استشفيتم من خطاب الرئيس عزت ابراهيم الدوري أنه خطاب النصر ؟ هذا الشق الأول من السؤال.

الشق الثاني: كيف ترون عراق ما بعد التحرير ؟ العملاء يرددون أنه في حالة انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية ستحدث حرب أهلية وستحدث مجازر وستحدث وستحدث ...هل أنتم مستعدون لما بعد التحرير لضبط الشارع العراقي وضبط النفس وعملية البناء بناء الدولة وبناء ما تم تهديمه بناء المجتمع بناء الانسان العراقي ؟ هل أنتم مستعدون ؟ هل أخذتم جميع الاستعدادات لما بعد التحرير ؟.

 

صلاح المختار:

حينما قلنا الربع ساعة الأخير فذلك تعبير مجازي وتعبير رمزي لا يعني ربع ساعة  زمنيا  إنما يعني الفترة الأخيرة من حرب التحرير وهذه الفترة ابتدأت من عام  2008 حينما هزمت الولايات المتحدة وتوصلت الإدارة الأمريكية إلى قناعة أنها هزمت . نحن نعدّ أن النصر قد تحقق في عام 2008 وفي عام 2009 هي امتدادات النصر ومحاولة إخراج النصر من قبلنا وإخراج الهزيمة من قبل الولايات المتحدة بصورة مقبولة . الولايات المتحدة في عام 2008 وقّعت الاتفاقية الأمنية وبموجبها يجب أن تخرج في نهاية عام 2011 أي في بداية 2012 . هذا على المستوى المعلن . على المستوى الواقعي ، المقاومة العراقية أنهكت الولايات المتحدة و أوصلتها إلى حالة عجز على مواصلة غزو العراق في ظل موازين القوى الحالية. ما هي موازين القوى الحالية ؟ تتميز هذه الموازين بكون المقاومة قد نجحت في تحقيق الهدف المركزي السابق للتحرير وهو أن الولايات المتحدة قد دخلت في طريق مسدود أو وصلت الى نقطة ميّتة ، أي الاقتناع من قبل الإدارة الأمريكية والقيادة العسكرية الأمريكية بأن النصر في العراق مستحيل وتجلّى هذا الاقتناع  في حجم الخسائر الأمريكية . الولايات المتحدة الأمريكية حين جاءت إلى العراق كان مشروعها لصوصيا و استعماريا  وليس الصرف على العراق . دعونا نقدم باختصار ما خسرته الولايات المتحدة في العراق .

 

1-  الولايات المتحدة خسرت في العراق كثيرا على  مستوى المال والناحية الاقتصادية . فمثلا كان الدين العام قبل غزو العراق 4.2 تريليون دولار الآن أصبح 11 تريليون دولار . يعني ازداد أكثر من 180 %   وذلك نتيجة غزو العراق ومصاريف وتكاليف غزو العراق . وهذا الرقم أسطوري فإذا قمنا بتقسيمه على الأمريكيين فيكون نصيب كل أمريكي من هذا الدين 20 ألف دولار . تخيلوا كل فرد أمريكي وليس كل عائلة  مدين بـ 20 ألف دولار بسبب غزو العراق بالدرجة الأولى .

 

2 – الميزانية الفيدرالية ، كان العجز يتراوح بين 300 إلى 400 مليار دولار  يصعد و ينزل ، الآن وصل العجز في الميزانية الفيدرالية  إلى تريليون دولار وأيضا بسبب غزو العراق . إذا أخذنا هذين الرقمين الذين عبرا عن نفسيهما بالكارثة المالية أو الانهيار المالي نجد أننا أمام حالة خسارة وليس حالة كسب على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية . جاءت لتسرق وتنهب العراق و إذا بها تستنزف ماليا في العراق .

 

على مستوى بشري عدد القتلى أكثر بقليل من 4500 في التصريحات الرسمية  . أما في  المستوى الفعلي بلغ عدد القتلى وفق منظمات أهلية أمريكية  حوالي 40 ألف قتيل أمريكي . اغلب هؤلاء لا يحسبون ضمن القوات المسلحة لأنهم ضمن الشركات الأمنية الخاصة  وضمن الجنود الذين يتطوّعون من أجل أخذ الجنسية الأمريكية أو green card وهؤلاء لا يحسبون ضمن القتلى . القتلى يقدر عددهم بأربعين ألف والجرحى والمعوّقين أكثر من  خمسين ألف ، وهذا أيضا رقم طبقا لإحصاءات منظمات أهلية أمريكية . إذا أخذنا هذين الرقمين الاول والثاني نجد أمامنا حوالي 100 ألف خسارة بشرية في الولايات المتحدة ما بين قتيل       ومعوّق ، أحسبوا العائلات التي فيها احد القتلى أو المعوقين ستصلون إلى نتيجة وهي أنه قد لا تخلو عائلة أمريكية من وجود ضرر فادح حصل لها بسبب غزو العراق .

 

إذن غزو العراق تحوّل إلى مشكلة أمريكية داخلية و حينما يتحول الغزو في أي بلد إلى مشكلة داخلية فإن تلك هي نهاية الحرب بغض النظر عن الموازين العسكرية في البلد المحتل . هذا ما حصل في فيتنام حينما أصبحت حرب فيتنام  مشكلة داخلية أمريكية ، اضطر ريتشارد نيكسون الرئيس الأمريكي إلى الانسحاب من فيتنام بدون معركة حاسمة وفاصلة على المستوى العسكري . بدأ الهروب بعد قرار سياسي أمريكي . وهذا الأمر وصلت إليه لإدارة الأمريكية في العراق ، الخسائر المادية لا تحتمل وإذا استمرت ستِؤدي إلى الانهيار الداخلي الاقتصادي في الولايات المتحدة ، وعلى الأرجح سيقود الى تفكك الدولة الأمريكية وتقسيمها. وعلى مستوى بشري لم يعد المجتمع الامريكي يتحمل هذه الحرب . تغيير بوش في الانتخابات واختيار أوباما نتيجة شعاراته المعارضة للحرب يؤكد هذه الحقيقة .

 

إذن الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما  وصلت إلى قناعة بأن بقاءها في العراق خسارة  مادية و بشرية ، فان هذا الحال يكفي لاتخاذ قرار الانسحاب . ولكن هذا ليس كل الصورة ،  في الصورة هناك ملامح أخرى وهي أن أمريكا لن تيأس من البقاء في العراق  رغم قرار الانسحاب في نهاية عام 2011 . أن أمريكا كقوة استعمارية يبقى لديها طموح بأن تبقى في العراق وتبقى تطمع في تغيّر مجرى الصراع في العراق وذلك بشق المقاومة أو تفكيكها أو ضربها  أو احتوائها أو بأي احتمال من هذه الاحتمالات . الولايات المتحدة منذ توقيع الاتفاق عام 2008 بدأت تعمل على محاولة اختراق المقاومة ومحاولة احتواء بعض فصائل المقاومة ، إغراء بعض الشخصيات الوطنية بالانضمام إليها في العملية السياسية الجديدة المحسّنة  بعد ركل  نوري المالكي وأمثاله وطردهم من التركيبة السياسية .

 

الولايات المتحدة تعمل الآن من أجل البقاء في العراق إلى ما لا نهاية فيما لو نجحت في شق المقاومة . من هنا فإن النصر المتحقق لا يضمن إلا إذا استمرت المقاومة و تعاظمت وتصاعدت العمليات المسلحة ضد قوات الاحتلال . ولهذا السبب جاءت دعوة الرفيق عزت الدوري إلى الوحدة لأنه يعرف أن موازين القوى لصالح المقاومة وللحفاظ على هذه الموازين لصالح المقاومة  يجب أن تتوحد المقاومة  لمنع توريط بعض منها في المساومات  ولمنع احتواء البعض ولمنع  انضمام وردة البعض الآخر منها . المقاومة الآن في عزّها وفي  ذروة قوتها بخلاف ما تدعى الإدارة الأمريكية وبخلاف ما يعتقده  حتى بعض الوطنيين من أن المقاومة تراجعت ، وهذا غير صحيح المقاومة لم تتراجع ، المقاومة حافظت على عملياتها وازدادت آخذين بنظر الاعتبار أن الذي انخفض هو ليس عمليات المقاومة وإنما العمليات الارهابية الموجهة ضد المدنيين التي كانت تقوم  بها فرق الموت الأمريكية والإيرانية وغيرهما ضد المواطنين العراقيين الأبرياء في الأسواق وفي الجوامع وفي الحسينيات ، هذا العمل توقف تقريبا بنسبة 90 %  فشعر المواطن العادي البسيط أن هناك انخفاض في عدد العمليات ولكن أي عمليات  ؟ إنها ليست عمليات المقاومة إنما عمليات الاحتلال وعملاء الاحتلال . هذا الأمر يجعلنا نقول أننا في الربع ساعة الأخير . وربع ساعة الأخير هو كناية عن المرحلة الأخيرة من الصراع . نحن في المرحلة الأخيرة من الصراع  وكلما عمقنا النضال والجهاد ووسعنا نطاقه  وكثفنا  من العمليات  نستطيع أن نخوض هذا الصراع  إلى نهايته الظافرة في الربع ساعة الأخير .

 

إذاعة صوت الرافدين:

لدينا سؤال  بالنسبة  لما عرض على قناة "الجزيرة" حين استضافت أحد الناطقين باسم  فصيل من فصائل المقاومة و بيّن أن هنالك تفاوض بين هذا الفصيل والقوات الأمريكية . لا نخفيك أن هذا سبّب مرارة للوطنيين لأنه كشف أن هناك غياب التوحيد . فماذا تقولون لهذه الفصائل وماذا يجب عليها أن تفعل ؟ هل يجب  أن يتفاوض كل فصيل بشكل منفصل عن الفصيل الآخر مع الأمريكان أم يجب أن تكون هنالك وحدة ويجب أن يتوفر ناطق يمثل المقاومة هو المخوّل للتفاوض مع الأمريكان ؟ هذا أمر مهم جدا.

 

صلاح المختار:

هذا هو الذي أشرت إليه أكثر من مرة  في هذا اللقاء اليوم . فالدعوة إلى وحدة المقاومة هدفها تجنيب المقاومة حالة من هذه الحالات . أن يقوم أحد الفصائل الثانوية والصغيرة بالتفاوض مع الاحتلال . الفصيل الذي تفاوض لا يمثل حالة رئيسية وإنما هو فصيل صغير موجودا من بين الفصائل . وهذا التفاوض جاء في إطار محاولة أمريكا والتي أشرت إليها بشكل مباشر وهي محاولة احتواء الفصائل . كلفت تركيا بالتفاوض والاتصال نيابة عن الولايات المتحدة بفصائل المقاومة و بعناصر وطنية لأجل ضمها إلى عملية سياسية جديدة محسنة ، وهذا الفصيل كان قد اختير لأنه فصيل صغير طامح في السلطة كما يبدو ، دخل المفاوضات عن طريق الوساطة التركية ولكنه أحرق لأن الأمريكان لم يوفوا بوعدهم والسبب أن من يفاوض من موقع ضعف لا يحترمه الامريكان ولا يلتزمون بوعودهم له . و هذا ما حصل .

 

لهذا قلنا ونقول بأن التفاوض بوفد المشترك يمثل الفصائل الرئيسية  إن لم تكن جميع الفصائل هو الخيار الطبيعي والصحيح  لمنع أي ضعف في موقف المقاومة ولكي يكون الوفد المفاوض  يتكلم من موقع قوة ، يفاوض وفي نفس الوقت تتساقط الصواريخ  على المنطقة الخضراء وعلى قواعد الأمريكيين حتى يتم قبول شروط المقاومة ومطالبها . ما جرى هو عمل خاطئ  فصيل ثانوي أقدم على عمل خطير كان ممكن أن يسبب مشاكل كبيرة لولا أن الأمريكان عرفوا  بأن هذا الفصيل لا يشكل ثقلا كبيرا داخل صفوف المقاومة فأهملوه ولكن بعد ان احرقوه . نحن نقصد هذا الأمر بالذات في دعوة الرفيق عزت ابراهيم الدوري إلى الوحدة ، المطلوب تجاوز حالة  من هذه الحالات لأن الولايات المتحدة تريد إغراء الفصائل الصغيرة بالتفاوض من أجل شق الصفوف  ثم تقوم بحرق هذه الفصائل واثارة الفصائل الاخرى ودفعها للوقوف ضدها . هذا ما حصل مع من تفاوض مع الولايات المتحدة ثم رمي في سلة النسيان ، فيما بعد لم تف الولايات المتحدة بالتزاماتها . إذن نحن نصرّ على أن التفاوض يجب أن يكون بوفد مشترك يمثل الفصائل الرئيسية إن لم يكن جميع الفصائل لضمان أفضل التأثير على الطرف الامريكي وإقناعه من موقع القوة بالاستجابة لكل الطلبات  التي تطرحها المقاومة .

 

أعود إلى سؤال هل إن المقاومة مستعدة لاستلام السلطة. نعم المقاومة مستعدة ولديها إمكانيات  سواء حصلت الوحدة بين الفصائل أو لم تحصل . هناك قوة رئيسية ضاربة جاهزة ومدربة تدريبا عاليا قبل الغزو وبعد الغزو على الإمساك بالأرض وتحرير الأرض وحسم الصراع في اللحظة التي ينسحب فيها الاحتلال أو يتم الاتفاق عبر التفاوض مع الاحتلال .

 

إذاعة صوت الرافدين:

هناك أحد رفاقكم في شبكة الرافدين و هو متفائل جدا  يرى أنه قريبا جدا سيتم اللقاء مع الأستاذ صلاح المختار في بغداد المحررة ، فماذا تقول لرفيقكم ؟ أمر آخر هو أننا نحن شبكة الرافدين نريد كلمة من المناضل صلاح المختار إلى أبناء الشعب العراقي وإلى رفاقكم في العراق الصامد المجاهد.

 

صلاح المختار:

تحية للرفيق  الذي يعمل معكم في شبكة الرافدين وإن شاء الله سنلتقي في الاحتفالات الكبرى في بغداد قريبا جدا . أما بالنسبة لأبناء شعبنا فأقول لهم الوقت الأصعب انتهى وما تبقى هو امتدادات وذيول الوقت الأصعب . الاحتلال هزم ، و الاحتلال لا يمكن أن يعود الى المدن إلا إذا تراخينا ولم نواصل الضربات ولم نواصل الضغط على قوات الاحتلال . التحرير قادم لا محالة  قريبا لأن الاحتلال عليه أن يختار بين البقاء في عراق يعدّ كرة مشتعلة من النار تحرق الأخضر و اليابس ، قدر تعلق الأمر بقدرات وإمكانيات الاحتلال ، وبين التفاوض مع المقاومة بعد قبول الشروط . لا يوجد حل ثالث بين هذين الحلين على الولايات المتحدة أن تقبل بالتفاوض بعد أن تقبل شروط المقاومة وهي إذا رفضت ذلك أؤكد لكم أخواني أخواتي داخل العراق ستتعرض لانهيار من الداخل ، لأن انسحابها من جانب واحد من العراق سيقود إلى كارثة بالنسبة إلى الولايات المتحدة بتقديم انطباعات للعالم بأن الولايات المتحدة قد فشلت فشلا ذريعا في العراق وستحاسب الإدارة الحالية  بسبب  الانسحاب من جانب واحد من قبل الرأي العام الأمريكي وربما من قبل الكونغرس على اعتبار أنه انسحاب غير مقترن بترتيب  اوضاع  الخراب في العراق وعدم توقيع اتفاقات مع حكومة عراقية ثورية جديدة .

 

نحن مقدمون على الحسم بعون الله وقد سقطت كافة المؤامرات التي حيكت ضد المقاومة بشكل عام وضد طليعتها حزب البعث العربي الاشتراكي بشكل خاص . أنا أعدكم و أنا أعرف ما أقول بأن النصر قادم و بأن الانهيار قادم ، انهيار الاحتلال . أما عملاء الاحتلال فأنتم تعرفونهم أكثر مني جبناء لا يستطيعون البقاء في ساحة القتال على الإطلاق سيهربون قبل الاحتلال، و ما جرى في تفجيرات بغداد يوم 19 من الشهر الماضي يؤكد ذلك إذ هرب هؤلاء العملاء جميعا لمدة ثلاثة أيام . هرب رئيس الوزراء وبقي مختفيا لمدة ثلاثة ساعات لا أحد يعرف أين هو ، هرب الوزراء وأعضاء البرلمان إلى خارج العراق وبقيت بغداد شبه فارغة لمدة ثلاثة أيام ، تخيلوا عملية تفجير واحدة أدت إلى هذا الهروب الكبير ، فماذا سيحصل حين تخرج المقاومة من أماكنها لتسيطر على مناطق بغداد وتقاطعات بغداد وجسور بغداد وشوارع بغداد ومراكز الجيش والشرطة ، ماذا سيحصل ؟

 

الجواب عندكم ، سيحصل الهروب الكبير وستزدهر مهنة  مؤقتة  و هي مهنة بيع الأحذية المستعملة لأن هؤلاء سيهربون حفاة إلى حيث جهنّم وبئس المصير . تحياتي لكم وأتمنى لشعبنا الأمن والاستقرار والكرامة وعودة الحرية والاستقلال والسيادة . فقد علمتم و تعلّمتم  أنه بدون الاستقلال ، بدون عراق مستقل ، بدون عراق سيّد لا كرامة للمواطن و لا قدسية للماجدة العراقية و لا حماية للطفل الرضيع ، الكل مكسوفون أمام العدوان و أمام الاغتصاب و أمام الجريمة المنظمة . الحرية قادمة ، العراق الجديد قادم ، العراق المحرر ينمو الآن أمام نواظرنا نراه بضميرنا وأعيننا مجسدا في صمودكم داخل العراق ، مجسدا في إصراركم  على عدم إلقاء البندقية ، على التمسك بالبندقية لأنها هي الشرف وهي المفتاح الذي سنفتح بوابات بغداد المحررة .

 

واخيرا تحية لشبكة الرافدين احد اهم رموز الجهاد العربي والتي ازالت بنور اعلامها الظلام ليرى العالم المقاومة العراقية وهي في عز توهجها وانتصاراتها ، تحية لكل المناضلين العاملين فيها ..

 

و السلام عليكم.  

 
 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

السبت / ١٤ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٣ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور